تستضيف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نحو 50 زعيماً إفريقياً في القمة الأولى للقارة السمراء في واشنطن منذ 8 سنوات، ويضع البيت الأبيض 55 مليار دولار "على الطاولة"، فما قصة القمة الأمريكية الإفريقية هذه المرة؟
مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان قال إن الولايات المتحدة ستلتزم بتقديم 55 مليار دولار لإفريقيا خلال السنوات الثلاث المقبلة، مضيفاً أن واشنطن "ستضع الموارد على الطاولة" خلال القمة الأمريكية الإفريقية هذا الأسبوع.
وسيقيم بايدن، مساء الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول، مأدبة عشاء لنحو 50 من الزعماء الأفارقة، وسيعلن دعم الولايات المتحدة لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين كعضو دائم.
ونرصد في هذا التقرير تفاصيل وكواليس هذه القمة، من تاريخ انعقادها من قبل إلى ما تريد إدارة بايدن تحقيقه من هذا الاهتمام المفاجئ بالقارة، إلى "الغائب الحاضر" في هذه التحركات، بل والسبب المباشر لها.
كيف تعاملت إدارة بايدن مع إفريقيا؟
كانت إدارة جو بايدن قد تجاهلت إفريقيا بشكل كامل منذ تولي المسؤولية في 20 يناير/كانون الثاني 2021، لدرجة أنه على مدى 9 أشهر كاملة لم يقم أي من كبار مسؤولي السياسة الخارجية في الإدارة بأي زيارة للقارة السمراء، حيث ركزوا على زيارة الحلفاء الأوروبيين ودول جنوب شرق آسيا، التي أصبحت أساسية في المنافسة بين أمريكا والصين.
لكن الأمور تغيرت تدريجياً وقام وزير الخارجية الأمريكي، توني بلينكن، بعدة زيارات إلى إفريقيا، كانت إحداها في أغسطس/آب الماضي، حين أعلن عن استراتيجية أمريكية جديدة للقارة السمراء تركز على الأهمية المتزايدة عالمياً لإفريقيا.
أما بايدن نفسه، فتظهر سجلات اتصالاته الخارجية منذ تولى منصب الرئيس أنه أجرى اتصالات بثلاثة فقط من زعماء 3 دول إفريقية، هي إثيوبيا وجنوب إفريقيا وكينيا، إضافة إلى اتصالين بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، علماً بأن واشنطن تصنف مصر كإحدى الدول العربية أو إحدى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية. ولم يقم بايدن بزيارة إفريقيا، باستثناء زيارته لمدينة شرم الشيخ المصرية، لحضور مؤتمر المناخ كوب27.
أما الرئيس السابق دونالد ترامب فقد كان أول رئيس أمريكي، منذ رونالد ريغان، لا يقوم بزيارة القارة السمراء على الإطلاق خلال فترته الرئاسية.
كان الرئيس الأسبق باراك أوباما قد عقد القمة الأمريكية الإفريقية الوحيدة تاريخياً عام 2014، وذلك قبل القمة التي يعقدها بايدن، وكان لقمة أوباما مع إفريقيا هدف محدد للغاية، وهو ضمان توفير إمدادات أكبر من الكهرباء للدول الإفريقية جنوب منطقة الصحراء.
لكن إدارة بايدن تريد من القمة الأمريكية الإفريقية الثانية أن تكون عبارة عن رسالة تخلط بين الجوهر والرمزية أيضاً، وتأمل الإدارة أن يكون الإعلان عن "زيارة بايدن للقارة" تأكيداً للرسالة بأن واشنطن جادة "هذه المرة" في تعميق علاقاتها مع القارة السمراء، بحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي.
ونقل الموقع عن مصدر في الإدارة قوله إن بايدن لن يعلن عن سياسة ذات هدف واحد محدد، كما فعل جورج بوش الابن في محاربة الإيدز أو أوباما لمضاعفة إنتاج الكهرباء، وأضاف المسؤول أنه ستكون هناك "برامج متعددة في مجالات الأمن الغذائي والرعاية الصحية والبنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية والأمن والحوكمة".
من سيحضر من زعماء القارة؟
وجهت الولايات المتحدة الدعوة إلى كل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والتي تقيم "علاقات جيدة" معها، باستثناء بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان، بحسب تقرير لموقع فرانس24.
ومن بين القادة المنتظر حضورهم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بعد أكثر من شهر على توقيع اتفاق سلام مع متمردي تيغراي، وكذلك رئيسا رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في خضم الصراع في شرق البلاد في مواجهة تمرد حركة 23 مارس.
كذلك سيحضر رئيسا مصر عبد الفتاح السيسي وتونس قيس سعيّد، ورئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو، بعد أيام على وصف الولايات المتحدة إعادة انتخابه بأنها "مهزلة". ويحمل تيودور أوبيانغ الرقم القياسي العالمي في طول مدة الحكم بين رؤساء الدول الذين ما زالوا على قيد الحياة.
والغائب الوحيد البارز هو رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا، الذي يواجه مشكلات في بلاده وسط اتهامات بالفساد.
وقالت مولي بي من وزارة الخارجية الأمريكية لفرانس24: "من الواضح أننا نواجه انتقادات من قبل هؤلاء الذين يتساءلون عن سبب دعوة هذه الحكومة أو تلك التي لدينا مخاوف معها". وأضافت: "لكن هذا يعكس رغبة الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن في إجراء مناقشات محترمة، بما يشمل أولئك الذين لدينا خلافات معهم".
وقالت الدبلوماسية البارزة إنها تتوقع "مناقشة قوية" حول قانون البرمجة بشأن "النمو في إفريقيا" الذي تم تمريره في عام 2000، وربط رفع الرسوم الجمركية بالتقدم الديمقراطي. ينتهي العمل بهذا القانون في عام 2025.
مفيمبا بيزو ديزوليلي، الذي يرأس برنامج إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن القمة "تقدم فرصاً فعلية، لكن أيضاً بعض المخاطر"، مضيفاً أن "هذه فرصة للإشارة لإفريقيا بأن الولايات المتحدة تستمع فعلياً"، مضيفاً: "لكن التوقعات عالية جداً، والسؤال سيكون معرفة ما إذا كانت الأمور ستتغير فعلاً".
ما علاقة "الصين" بالقمة الإفريقية في واشنطن؟
قال مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن لموقع أكسيوس إن واشنطن ستركز، خلال القمة الإفريقية، على ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للقارة السمراء، مضيفاً أنه ستكون هناك جلسات لمناقشة قضايا مثل التغير المناخي والتعاون في مجال الفضاء، وليس فقط المسائل الأمنية والإنسانية التي غلّفت السياسات الأمريكية تجاه إفريقيا من قبل.
"هذه نقطة مهمة لأن فرض شراكة أمنية وحسب يعني أن واشنطن ترى القارة السمراء تهديداً للعالم"، بحسب ما قالته راما يادي، مديرة مركز إفريقيا في المجلس الأطلسي، للموقع الأمريكي، مشيرة إلى أن القارة السمراء تمتلك أسرع الاقتصادات نمواً، وسكانها الأكثر شباباً.
وأضاف يادي أن "هذه النقطة مهمة للغاية؛ لأن الأفارقة لا يتوقعون أن تتم استضافتهم في واشنطن للاستماع إلى المحاضرات الأمريكية المعتادة. أعتقد أنهم يتوقعون أن يصبحوا شركاء استراتيجيين للولايات المتحدة".
أما المسؤول الأمريكي فقد أكد أن الإدارة لن تركز هذا الأسبوع على "المنافسة مع الصين"، التي تعقد قمة صينية إفريقية كل ثلاث سنوات، سواء في ضيافة بكين أم على أراضي القارة السمراء.
وعلى الرغم من أن الصين غائبة عن أجندة القمة الإفريقية في واشنطن، إلا أنها ستكون "حاضرة" دون أدنى شك، وهذه هي المعضلة التي تواجه بايدن ومسؤولي إدارته.
الرئيس السنغالي ماكي سول، الذي ترأس بلاده الاتحاد الإفريقي هذا العام، كان قد قال لصحيفة نيويورك تايمز قبيل القمة: "لن نسمح لأحد بأن يخبرنا ألا نعمل مع هذا أو ذاك، أو أن نعمل معه حصرياً. نريد أن تكون لنا علاقات عمل وتبادل تجاري مع الجميع. عندما نتحدث غالباً لا يستمع إلينا أحد، أو في كل الأحوال لا يستمعون بما يكفي من الاهتمام".
ولا تعني تصريحات الرئيس السنغالي سوى شيء واحد مؤكد، وهو أن بايدن يواجه تحدياً صعباً خلال قمة هذا الأسبوع، وأيضاً خلال زيارة الرئيس الأمريكي المتوقعة للقارة الإفريقية في المرحلة المقبلة.
فالتبادل التجاري بين الصين وإفريقيا خلال العام الماضي (2021) كان 5 أضعاف نظيره الأمريكي، كما أن بكين تقدم قروضاً ومشاريع بنية تحتية لا تقدمها واشنطن، بحسب غايدي مور، الذي كان وزيراً للأشغال العامة في ليبيريا، وحضر 3 قمم صينية إفريقية.
وفي هذا السياق، قال سوليفان إن بايدن سيعين ممثلاً خاصاً لتنفيذ الأفكار التي ستناقش خلال القمة، كما تخطط وزارة الخارجية الأمريكية لتعيين السفير جوني كارسون لهذا الدور. وأكد أن الولايات المتحدة لن "تفرض شروطاً" خلال القمة الأمريكية الإفريقية لدعم حرب أوكرانيا.
لكن التحدي الحقيقي يتمثل في أن واشنطن تقول إن هدفها الأساسي هو إثبات أن الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بإفريقيا بعد ثماني سنوات على أول قمة من نوعها عقدت عام 2014، في ظل رئاسة باراك أوباما.
لكن السؤال الآن: هل تأخرت أمريكا؟ فالقارة السمراء أصبحت منذ سنوات الوجهة الرئيسية لقوى متعددة وليست الصين فقط. فروسيا أيضاً لها علاقات واستثمارات متنامية في إفريقيا، وعقد الرئيس فلاديمير بوتين قمة روسية إفريقية في سوتشي عام 2019، بحضور جميع زعماء القارة. فضلاً عن تركيا والإمارات ودول أخرى وسّعت وجودها في القارة السمراء بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة.