أصدر الرئيس البيروفي قراراً جمهورياً بحل البرلمان، الذي سعى لعزله ثلاث مرات، لكن الأمور انتهت بالرئيس مقبوضاً عليه، وتأدية نائبته اليمين الدستورية، فماذا يحدث في بيرو؟
كان الرئيس بيدرو كاستيلو قد أصدر، الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول، قراراً بحل الكونغرس (البرلمان) وفرض حالة الطوارئ، لكن أعضاء البرلمان تجاهلوا قرارات الرئيس ومضوا قدماً في إجراءات التصويت على عزله، وهو ما تم بالفعل، حيث حظي التصويت بموافقة 101 عضو على عزل الرئيس.
ثم استدعى الكونغرس نائبة كاستيلو، دينا بولوارتي، لتؤدي اليمين الدستورية كرئيسة للبلاد، وهو ما حدث بالفعل، ليصبح كاستيلو "الرئيس السابق"، وتعلن الشرطة البيروفية القبض عليه.
بماذا يتهم البرلمان الرئيس البيروفي المعزول؟
خلال الأسبوع الماضي، استدعى الكونغرس، الذي تسيطر عليه المعارضة، كاستيلو للرد على اتهامات موجهة للرئيس اليساري "بالقصور الأخلاقي" فيما يتعلق بطريقة إدارة البلاد، بعد أن كان مكتب المدعي العام قد قدم، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شكوى دستورية ضد كاستيلو تدّعي توليه زعامة "منظمة إجرامية" للتربح من تعاقدات الدولة وعرقلة التحقيقات.
من جانبه، وصف كاستيلو، الذي كان يعمل مدرساً ويعتبر من خارج النخبة السياسية في البلاد، الاتهامات الموجهة ضده بأنها "افتراء" من جماعات تسعى "للاستفادة منها، والاستيلاء على السلطة التي انتزعها الناس منهم في الانتخابات".
كان كاستيلو، البالغ من العمر 53 عاماً، قد تعرض لمحاولتين سابقتين لعزله من جانب الكونغرس، وذلك منذ توليه المنصب في يوليو/تموز 2021 خلال انتخابات مباشرة توجت فترة من الاضطرابات السياسية في البلاد كانت قد بدأت منذ عام 2016، وشهدت إجبار رئيسين على الاستقالة وحل الكونغرس مرة، والاتهامات في كل مرة تتعلق بالفساد.
على أية حال، رفض كاستيلو المثول أمام الكونغرس، الذي يبلغ عدد أعضائه 130 عضواً، وأعلن أنه إذا استمر الكونغرس في إجراءات عزله سيصدر قراراً بحله. وهو ما أعلنه بالفعل، الأربعاء، من خلال خطاب تليفزيوني موجه للشعب، قال خلاله إنه سيحل الكونغرس مؤقتاً ويدشن "حكومة طوارئ" تضم جميع الأطراف، داعياً إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة.
أدى ذلك إلى استقالات لوزراء بارزين بالحكومة، واتهامات بـ"انقلاب" أطلقها أعضاء من المعارضة وحلفاء. وحذرته الشرطة والقوات المسلحة من عدم دستورية محاولته حل الكونغرس.
لكن أعضاء الكونغرس تجاهلوا قرارات كاستيلو، ومضوا قدماً في إجراءات مساءلته التي كانت مقررة سلفاً، وتم إجراء التصويت على عزل الرئيس، فوافق 101 عضو على عزله، وعارض العزل 6 أعضاء فقط، بينما امتنع 10 عن التصويت.
وتم إعلان النتيجة وسط هتافات عالية في مقر الكونغرس، وعلى الفور استدعى المجلس التشريعي نائبة الرئيس بولوارتي لتولي المنصب بصفة مؤقتة. وأدت بولوارتي اليمين الدستورية لتولي الرئاسة حتى عام 2026، لتصبح بذلك أول امرأة تتولى رئاسة بيرو. ووصفت بولوارتي تحرك كاستيلو لحل الكونجرس بأنه "محاولة انقلاب"، وقالت إنها ستشكل حكومة تشمل جميع الأحزاب.
ثم أعلنت السلطات الأمنية في البلاد اعتقال كاستيلو واتهامه بارتكاب جريمتي "التمرد والتآمر" لمخالفة النظام الدستوري، وبثت قنوات تلفزيونية مقاطع لكاستيلو وهو يغادر مركزاً للشرطة، وأفادت أنه سيُنقل إلى سجن تديره الشرطة.
ما موقف أمريكا من عزل رئيس بيرو؟
بيرو واحدة من دول أمريكا الجنوبية، وهي واحدة من الدول القليلة هناك التي لا يحكمها اليسار بشكل عام، باستثناء فترات قليلة من تاريخها الحديث، وبالتالي فإن انتخاب كاستيلو، عضو حزب بيرو اليساري الحر، رئيساً بهامش ضئيل للغاية في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، لم يكن على هوى واشنطن.
ومنذ اندلاع الأزمة الحالية بين كاستيلو ومعارضيه بقيادة كتلة "القوة الشعبية اليمينية"، التي تسيطر على 80 مقعداً في البرلمان، كان واضحاً إلى أي طرف تنحاز الولايات المتحدة.
وبمجرد إعلان كاستيلو أنه سيحل الكونغرس، كانت السفيرة الأمريكية لدى ليما أول المنتقدين لمحاولات كاستيلو، وغردت السفيرة ليزا كينا على تويتر قائلة: "ترفض الولايات المتحدة تماماً أي عمل غير دستوري للرئيس كاستيلو لمنع الكونغرس من الاضطلاع بتفويضه".
وبعد أن أعلن الكونغرس مواصلة إجراءات العزل والتصويت وما نتج عنها، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن ترحب بتعيين بولوارتي، وأضاف في بيان أن الولايات المتحدة "ستدعم بيرو تحت قيادة حكومة الوحدة التي تعهدت الرئيسة بولوارتي بتشكيلها"، بحسب رويترز.
وسارعت الولايات المتحدة للإعلان أنها لم تعد تعتبر بيدرو كاستيلو رئيساً للبيرو. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس للصحافيين: "ما فهمته هو أنه بالنظر إلى ما قام به البرلمان، فهو الآن الرئيس السابق كاستيلو"، مضيفاً أن المشرعين اتخذوا "إجراءات تصحيحية" تماشياً مع القواعد الديمقراطية، بحسب موقع فرانس24.
أما عن الموقف حالياً في بيرو، فمن الصعب التكهن بما إذا كان عزل كاستيلو والقبض عليه وتولي بولوارتي الرئاسة سينهي حالة الاضطراب السياسي في البلاد، التي تعيش أزمات سياسية واقتصادية لا تنتهي منذ سنوات.
إذ أشاعت التطورات الأخيرة الاضطراب في الأسواق في ثاني أكبر منتج للنحاس في العالم، على الرغم من قول محللين إن عزل كاستيلو، الذي خاض صراعاً مع الكونجرس المناوئ منذ توليه السلطة، قد يكون إيجابياً للمستثمرين.
من هي دينا بولوارتي رئيسة البيرو الجديدة؟
تبلغ دينا إيرثيلا بولوارتي ثيغارا من العمر 60 عاماً، وهي حاصلة على شهادة في القانون من جامعة سان مارتين دي بوريس الخاصة في بيرو، ومنها أيضاً حصلت على شهادة الماجستير في القانون.
وبدأت بولوارتي حياتها السياسية منذ عام 2007 عندما عملت كمستشارة لمكتب التسجيل والهوية والحالة المدنية في مدينة سوكرو، ثم أصبحت مديرة للمكتب. وفي عام 2018، ترشحت لمنصب عمدة مدينة سوركويلو عن حزب الحرية البيروفي (الحزب اليساري في البلاد)، ثم ترشحت للبرلمان في انتخابات 2020، لكنها فشلت في المرتين.
وفي انتخابات 2021 ترشحت كنائبة للرئيس مع كاستيلو عن حزب الحرية اليساري أيضاً، وأصبحت نائبة أولى للرئيس، كما تولت وزارة التنمية والاندماج الاجتماعي في الحكومة التي شكلها كاستيلو بعد إعلان فوزه بالانتخابات، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
لكنها استقالت من منصبها كوزيرة يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وغردت قائلة: "اليوم اتخذت قراري بعدم الاستمرار في منصبي الوزاري. فبعد تفكير عميق، لم يعد لديّ شك في أن الاستقطاب الحالي يضر الجميع، وبخاصة المواطن العادي الذي لم يعد يتحمل الأزمات السياسية والاقتصادية".
احتفظت بولوارتي بمنصبها كنائبة أولى للرئيس، ثم أدت اليمين الدستورية خلفاً للمعزول كاستيلو، لتصبح سادس شخص يتولى المنصب في البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، رغم أن مدة الفترة الرئاسية في بيرو خمس سنوات. وأصبح كاستيلو ثالث رئيس يعزله البرلمان البيروفي بتهمة "العجز الأخلاقي" منذ عام 2018.