أمريكا تقول إنها “لا تشجع” أوكرانيا.. كيف يمكن أن ترد روسيا على “التهوّر” الأوكراني؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/07 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/07 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
الرئيس فلاديمير بوتين مع قادة الجيش الروسي، أرشيفية/ Getty

واصلت أوكرانيا هجماتها في العمق الروسي لليوم الثاني على التوالي، وأعلنت أمريكا أنها "لا تشجع ولا تساعد كييف" على ذلك، واجتمع فلاديمير بوتين مع مجلس الأمن القومي، فكيف يمكن أن ترد روسيا على "التهور" الأوكراني؟

فبعد أن أعلنت روسيا، الاثنين 5 ديسمبر/كانون الأول، أن ثلاثة من أفراد جيشها قُتلوا، فيما قالت إنها هجمات أوكرانية بطائرات مُسيرة على قاعدتين جويتين في العمق الروسي، استهدفت طائرة مسيرة الثلاثاء 6 ديسمبر/ كانون الأول، مهبطاً للطائرات في مدينة كورسك الروسية.

لم تعلن أوكرانيا مسؤوليتها رسمياً عن الهجمات في العمق الروسي، وهي الأولى منذ اندلاع الحرب في فبراير/ شباط الماضي، وتفتح باب التكهنات على مصراعيه بشأن طبيعة رد الفعل الروسي من جهة واحتمالات خروج الصراع عن حدوده الأوكرانية من جهة أخرى.

أمريكا "تنأى بنفسها" عن هجمات أوكرانيا

منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، والذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادي الدخول في حرب مباشرة مع روسيا.

ومع هذا التصعيد الخطير من جانب كييف، أعادت واشنطن التأكيد على تلك الاستراتيجية بشكل واضح لا لبس فيه؛ إذ قالت وزارة الخارجية الأمريكية، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لا تساعد أوكرانيا أو تشجعها على تنفيذ هجمات خارج حدودها.

نيد برايس، المتحدث باسم الوزارة، قال نصاً للصحفيين: "لا نساعد أوكرانيا على الهجوم خارج حدودها. ولا نشجع أوكرانيا على الهجوم خارج حدودها"، مضيفاً أن الولايات المتحدة تقدم لأوكرانيا ما تحتاجه للاستخدام على أراضيها للدفاع عن نفسها، مشيراً إلى أنه لا يوجد ما يؤكد أن الهجمات نفذتها أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، تبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات بشأن الطرف المسؤول عن استمرار الحرب وعدم التوصل إلى تسوية دبلوماسية لإيقافها.

إذ قال فاسيلي نيبينزيا، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في أوكرانيا، إن موسكو لاحظت "اهتمام أغلبية كبيرة" من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتوصل إلى تسوية دبلوماسية، وأضاف: "نتعامل مع ذلك بجدية بالغة. ونؤكد رغبتنا في إجراء مفاوضات"، لكنه أردف أن الهدف سيكون "إزالة الأسباب الأصلية التي دفعتنا إلى بدء عمليتنا العسكرية الخاصة".

الرئيس الأمريكي جو بايدن / رويترز

واتهم نيبينزيا الدول الغربية بعدم الاهتمام بتسوية دبلوماسية في أوكرانيا لأنها تعزز شحنات الأسلحة إلى كييف بدلاً من ذلك: "ما تراه الآن هو حرب الغرب المستمرة ضد روسيا… هذا لا يترك لنا خياراً آخر سوى مواصلة أهداف عمليتنا العسكرية الخاصة".

أما ليزا كارتي، نائبة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، فقد قالت أمام مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً إن "تصعيد الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين للهجمات على البنية التحتية لأوكرانيا دليل على أنه غير مهتم حقاً بالتفاوض أو الدبلوماسية الهادفة"، مضيفة أنه "بدلاً من ذلك، يحاول كسر إرادة أوكرانيا للقتال من خلال قصف المدنيين ودفعهم إلى التجمد لإخضاعهم".

سيرجي كيسليتسيا، سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة، قال من جانبه إن "أوكرانيا بحاجة إلى السلام وتريده أكثر من أي بلد آخر. إن أراضينا هي التي غُزيت… من فضلكم ضعوا هذا في الاعتبار في كل مرة تحاول فيها موسكو… إقناعنا بأن الضحية هو الذي يقاوم جهود السلام وليس المعتدي".

لماذا يعد قرار أوكرانيا مهاجمة العمق الروسي "تهوراً"؟

بعيداً عن التصريحات الرسمية من الجانبين، توجد الآن حقيقة جديدة في الميدان تتمثل فيما يمكن وصفه بالقرار الاستراتيجي "المتهور" من جانب إدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والمتمثل في شن هجمات بالمسيرات بعيدة المدى في داخل العمق الروسي، وأسباب كون هذا القرار متهوراً متعددة.

لماذا الآن بالتحديد؟ فخلال الأسابيع الماضية بات واضحاً أن الأطراف الرئيسية في هذه الحرب، وبالتحديد موسكو وواشنطن وبروكسيل (مقر الاتحاد الأوروبي)، قد اقتنعت أنه لابد من التوصل سريعاً لتسوية سلمية توقف الحرب، التي لا توجد مؤشرات على أن أياً من طرفيها قادر على تحقيق انتصار عسكري حاسم.

وشهدت الأسابيع القليلة الماضية تطور لغة خاصة بين موسكو وواشنطن، في إطار الشد والجذب المتبادل، تحرص على ألا يقع صدام مباشر بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم، وبخاصة منذ الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين تحدثت تسريبات روسية عن استعداد نظام كييف لتفجير "قنبلة قذرة"، أي قنبلة إشعاعية، في إحدى المدن التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وإلقاء اللوم على موسكو.

أدانت واشنطن تلك التسريبات وحذرت موسكو من أن الإقدام على تفجيرات غير تقليدية في ساحة الحرب في أوكرانيا ستكون له عواقب وخيمة، في انعكاس مباشر لأن الغرب لا يصدق روسيا ويرفض احتمال أن تقدم أوكرانيا على مثل هذا الفعل. لكن حقيقة الأمر هي أن خط اتصال مباشراً بين موسكو وواشنطن تم تفعيله للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، وبعدها مباشرة بدأ الحديث عن احتمال التوصل لتسوية سلمية توقف الحرب.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي/رويترز

وخلال تلك الفترة، أصبح الحديث عن ضرورة التوصل لتسوية سلمية تؤدي إلى إيقاف الحرب هو سيد الموقف في أروقة السياسة في واشنطن خصوصاً، وفي الغرب عموماً، والأمر نفسه كان يصدر بشكل دوري عن الكرملين أيضاً. فدخول فصل الشتاء المرعب في ظل أزمة طاقة خانقة وأوضاع اقتصادية مضطربة في أوروبا، والتضخم والانقسام الداخلي في أمريكا، جعلت الغرب يقتنع أخيراً أن الحرب في أوكرانيا فبدأت الضغوط على زيلينسكي كي يتفاوض مع روسيا.

لكن فجأة سقط صاروخ سوفييتي الصنع على بولندا، المجاورة لأوكرانيا وإحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو، وعلى الفور خرجت التصريحات من كييف تؤكد أن روسيا استهدفت دولة عضواً في الناتو، ليتضح لاحقاً أن الصاروخ أوكراني وليس روسياً.

كما هاجمت كييف مؤخراً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متهمة إياه بأنه يتحدث عن تسوية سلمية مع روسيا دون التشاور مع الإدارة الأوكرانية، وقرنت تلك التصريحات برسائل أوكرانية متحدية ومصممة على "تحقيق النصر الكامل وطرد القوات الروسية من جميع الأراضي الأوكرانية".

ثم جاء استهداف قواعد روسية عسكرية تبعد مئات الأميال داخل روسيا وتكرار ذلك ليومين متتاليين، في تصعيد خطير من جانب أوكرانيا، التي لم تعترف رسمياً بشن تلك الهجمات، لكنها احتفت بها بصورة متحدية تحمل قدرا لا بأس به من الشماتة والتهديد نحو موسكو.

وبثت أوكرانيا، مساء الثلاثاء، مقاطع فيديو لزيلينسكي وهو يتفقد القوات القريبة من الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، وقال الرئيس الأوكراني، مخاطباً الجنود في وقت لاحق في القصر الرئاسي بكييف، إنه أمضى اليوم مع القوات في دونباس، مسرح أعنف المعارك حالياً، وفي منطقة خاركيف؛ حيث استعاد الأوكرانيون مساحات من الأراضي من القوات الروسية، وأضاف: "يضحي آلاف الأوكرانيين بحياتهم إلى أن يأتي اليوم الذي لا يبقى فيه جندي محتل واحد في أرضنا ويتحرر شعبنا عن بكرة أبيه".

وخلال زيارته بالقرب من الجبهة، وهي واحدة من عدة زيارات قام بها في الأشهر القليلة الماضية، كرّم زيلينسكي عدداً من الجنود وقلّدهم أوسمة، وكتب على تيليجرام: "شكراً لكم على هذه الصلابة والقوة. أنتم طليعة استقلالنا".

وقال زيلينسكي، المدعوم من الغرب: "أعتقد أننا سنلتقي في المرة المقبلة في دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين"، في إشارة إلى منطقتين في شرق أوكرانيا كان الانفصاليون الذين تدعمهم موسكو قد استولوا عليهما في عام 2014. وأضاف: "وأنا متأكد (أننا سنلتقي) في شبه جزيرة القرم أيضاً"، مشيراً إلى شبه الجزيرة التي استولت عليها القوات الموالية لموسكو في عام 2014.

بوتين يواجه مأزقاً حقيقياً

على الجانب الآخر، تمثل الهجمات الأوكرانية الأخيرة معضلة حقيقية لروسيا وزعيمها فلاديمير بوتين. وتحدث مسؤولون غربيون كبار لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، عن أن تلك الضربات توجه ضربة نفسية قوية لموسكو، وتابع أحدهم: "لو كانوا (الأوكرانيين) هم من فعلوها.. فهذا يظهر أنهم يستطيعون العمل داخل روسيا كما يحلو لهم، وهذا سيقلق الروس بشدة… أعتقد أنها توجه ضربة نفسية".

وعبر المسؤولون عن ثقتهم في أن روسيا احتفظت بقاذفاتها الاستراتيجية بعيدة المدى في قاعدة إنجلز (إحدى القواعد التي تعرضت للهجوم)، لكن عليها أن تفكر الآن في نقلها. وأضاف المسؤول: "ربما يدفع (الهجوم) باتجاه نقل هذه القاذفات إلى مواقع متفرقة… إنها تجعل الروس بالطبع أقل ثقة… في مدى أمان أي مكان".

هذا من الناحية الوقائية، أما من الناحية الأخرى الأهم فالسؤال الذي يواجهه بوتين الآن هو: كيف يمكن الرد على هذا التصعيد الأوكراني؟ الذي يمثل انتهاكاً خطيراً لفرضية أمنية مفادها أن أوكرانيا لن تهاجم العمق الروسي أبداً، وهي الفرضية التي ظلت صامدة منذ اندلاع الحرب.

فعندما حدث تفجير جسر القرم، وهو لا يقع في العمق الروسي ولم تعترف أوكرانيا بأنها وراء ما وصفته موسكو بأنه "عمل إرهابي"، بدأ بوتين أشرس وأعنف هجمات صاروخية وجوية وبالمسيرات، استهدفت، ولا تزال، جميع منشآت البنية التحتية في جميع المدن الأوكرانية.

روسيا
دبابة للقوات الروسية في أوكرانيا – رويترز

كما أن اختراق الدفاعات الجوية الروسية بواسطة مسيرات منخفضة التكلفة والتقنية تمثل ثغرة هائلة بالنسبة لدولة نووية عظمى تتحدى حلف الناتو، بحسب تحليل لشبكة CNN الأمريكية عنوانه "الهجمات في العمق الروسي تمثل مشكلة جديدة لبوتين، لا توجد لها إجابات واضحة".

فكيف قد يكون الرد الروسي؟ استهداف البنية التحتية، وبخاصة محطات توليد الكهرباء ومياه الشرب، أمر قامت به روسيا بالفعل منذ تفجير جسر القرم في أكتوبر/تشرين الأول، ولا تزال تلك الهجمات مستمرة دون هوادة. وبالتالي فإن فكرة أن روسيا تمتلك أسلحة "تقليدية" جبارة قادرة على سحق القدرات الأوكرانية، في ظل الدعم العسكري الغربي الذي لا يتوقف، بدأت في الخفوت بشكل واضح.

وفي ظل خفوت حدة التهديدات باستخدام الأسلحة النووية خلال الأسابيع الأخيرة، تزامناً مع حديث التسوية السلمية، والأمر نفسه ينطبق على الأسلحة البيولوجية أو الإشعاعية، يجد الرئيس الروسي نفسه في مواجهة معضلة حقيقية: فهل يواصل ويكثف حملة الهجمات الصاروخية وبصورة أكثر وحشية حتى تستسلم أوكرانيا وتنصت إلى الأصوات الغربية الساعية لوقف الحرب؟ أم يرضخ بوتين أخيراً لبعض رجاله المطالبين باستخدام الأسلحة النووية وحسم الأمور؟

تحميل المزيد