لا يخفى على الكثير من المتابعين للشأن السياسي والاقتصادي مواعيد انعقاد المنتديات المهمة مثل منتدى دافوس الاقتصادي ، لكن هناك بعض النوادي السرية مثل نادي بلدربيرغ ونادي كوزموس ولا يمكن معرفة ما يدور فيها بالتحديد.
وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي ترويها العديد من الكتب مثل كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج"، وكتاب "حكومة العالم الخفية"، إلا أنه في المقابل توجد بالفعل منتديات ونوادي وملتقيات خاصة تجتمع فيها النخب السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية لمناقشة الملفات ذات الأولوية، وتبادل الرأي حولها، وصياغة مقترحات وبرامج وخطط للتعامل معها، ومنها 2 من أبرز المنتديات السرية التي لا يعرف الكثير من أعضائها ولا الأجندة التي تقوم بها هذه المنتديات، ومنها:
نادي بلدربيرغ
هناك بعض النوادي النخبوية مفتوحة للجمهور والتغطية الإعلامية، مثل منتدى دافوس الذي بدأ انعقاده في عام 1971، بهدف تحسين وضع العالم، بحسب الوثائق التأسيسية له، لكن هناك بعضاً آخر مغلقاً أمام الجمهور، ويُحظر على وسائل الإعلام تغطيته، مثل اللقاء السنوي لنادي بلدربيرغ الذي تحضره أعداد محدودة لا تتجاوز 150 شخصاً، والذي تحدث عنه جاريد كوشنر كبير مستشاري ترامب وزوج ابنته في مذكراته قائلاً إنه (أحد أكثر التجمعات سرية في العالم، إذ يجمع كبار القادة الحكوميين، فضلاً عن أبرز رجال الصناعة والأوساط الأكاديمية. حيث يجتمعون كل عام في بلد مختلف منذ عام 1954 بهدف تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا).
ما هي أهداف هذه المنتديات؟
توفر تلك المنتديات فرصة للقاء كبار المتنفذين دولياً، إذ يوضح كوشنر أنه حضر اجتماع عام 2019 المنعقد بسويسرا كي يشرح للحضور خطته للسلام في الشرق الأوسط، الشهيرة باسم صفقة القرن، قبل إعلانها رسمياً، وأيضاً بهدف الاجتماع مع كيريل ديميترييف الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، والمقرب من بوتين، لإطلاعه بشكل مفصل على خطته للسلام، بهدف إقناع الرئيس الروسي بدعمها، وهو ما يكفل تناول خطة كوشنر بشكل ودي بعيداً عن اللقاءات الرسمية.
ما هي قصة نادي كوزموس؟
توجد نوادي نخبوية داخل بعض البلاد الغربية مثل نادي كوزموس الذي نشر موقع إنتليجنس أونلاين عنه في ديسمبر/كانون الأول الجاري تحقيقاً مطولاً يستند إلى ملفات لوكالة الاستخبارات المركزية رفعت عنها السرية، مع العلم أنه لا يكاد يوجد له ذكر في مذكرات كبار قادة أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
يقع نادي كوزموس في منزل بُني في عام 1878 بواشنطن، ويتمتع بشروط عضوية خاصة، تكفل أن ينضم له أفراد النخبة الأمريكية فقط، وهو ما يحدث منذ عقود. هذا النادي انضم إليه ثلاثة رؤساء أمريكيين، ونائبان للرئيس، و14 قاضياً في المحكمة العليا عبر تاريخه، بالإضافة إلى 36 فائزاً بجائزة نوبل، و61 فائزاً بجائزة بوليتزر، كما يضم النادي كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الذين استخدموه لعقد اجتماعات عمل. ويتميز النادي بواجهة معمارية فخمة، ويضم بداخله عدة غرف طعام ومكتبة تحوي نحو 10 آلاف مجلد وصالات مختلفة وغرفة بلياردو وقاعة رقص وبار للمناسبات الاجتماعية.
نادي كوزموس في واشنطن العاصمة
تأسس نادي كوزموس على يد 10 أشخاص سعوا إلى تحقيق النفع المتبادل عبر تعزيز التواصل الاجتماعي بين الأعضاء، واشترطوا في المرشحين للعضوية الاعتراف بهم على أنهم متميزون في مهنة مثل الطب والفلسفة والحقوق أو الخدمة العامة. كما قصروا عضوية النادي لعقود على الرجال البيض، ولم تُقبل عضوية النساء سوى في عام 1988.
وللحفاظ على نخبوية المكان، تتشدد إدارة النادي في قبول الأعضاء الجدد، كما تحافظ على سرية الأعضاء المقبولين الذين يدفعون مبالغ سنوية تبلغ 2000 دولار. لكن معيار الثروة المالية ليس ذا أولوية في الاختيار، فهو ليس نادياً مخصصاً للأثرياء، فوفق حديث مسؤول سابق بوكالة الاستخبارات المركزية -انضم للنادي بعد تقاعده- لموقع أنتليجنس أونلاين (فإن عضوية النادي تتعلق بسيرة العضو الذاتية ونفوذه أكثر مما تتعلق بثروته).
العلاقة بالاستخبارات الأمريكية
رغم التزام أعضاء النادي بالحفاظ على خصوصية ما يحدث فيه، فإن وثائق وكالة الاستخبارات المركزية المرفوع عنها السرية تكشف الكثير من المعلومات المتعلقة بمسؤولي الوكالة الذين انتسبوا للنادي أو شاركوا بنشاط فيه. إذ استخدم عناصر وكالة الاستخبارات المركزي نادي كوزموس للقاء عملائهم، وبالأخص خلال الحقبة التي ركزوا فيها على تجنيد طلاب بعض الروابط الرياضية بالجامعات مثل طلاب جامعة ييل. فبحسب المؤرخ روبن وينكس في كتابه المعطف والعباءة: العلماء في الحرب السرية (1939-1961)، فقد انتسب 42 شاباً على الأقل من جامعة ييل لقطاع الاستخبارات، كما أن ثلاثة من مديري وكالة الاستخبارات المركزية تخرجوا من جامعة ييل، وهم: جورج بوش الأب (1976-1977)، وجيمس وولسي (1993-1995)، وبورتر جوس (2005-2006).
وبحسب الوثائق المرفوع عنها السرية، ففي عام 1958 كتب أول مدير مدني لوكالة الاستخبارات المركزية ألان دالاس خطاب توصية للنادي لدعم طلب عضوية رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي جوزيف جونسون، الذي تعاون بشكل وثيق مع الوكالة. وفي رسالته كتب دالاس أن جونسون سيكون إضافة جيدة لمؤسسة "تحتوي عضويتها على مثل هذه القائمة المميزة من الشخصيات المتعلمة وذات الكفاءة". ومن غير الواضح ما إذا كان دالاس قد انتسب للنادي، لكنه بحسب الوثائق حضر العديد من الاجتماعات به.
كذلك تكشف الوثائق أنه خلال الستينيات من القرن الماضي، شغل عضو النادي ألبرت ويلون منصب رئيس المديرية الجديدة للعلوم والتكنولوجيا في وكالة الاستخبارات المركزية، حيث ساعد في تطوير طائرة "يو-2" الشهيرة المخصصة للتجسس وللاستطلاع. فيما تحدثت وثيقة أخرى عن زيارة وشيكة لشخص مرموق مجهول الهوية إلى واشنطن لمناقشة عدد من الارتباطات الاجتماعية المخطط لها، بما في ذلك مأدبة غداء في النادي مع ثمانية من ضباط الاستخبارات.
وتُظهر الوثائق أن عدداً من مديري وكالة الاستخبارات المركزية كانوا أعضاءً في نادي كوزموس أو من زواره الدائمين مثل ستانسفيلد تيرنر مدير الوكالة (1977-1981) في عهد الرئيس جيمي كارتر. وقد ناقشت مذكرة كُتبت في عام 1977 الجدول الزمني ليوم كامل من الاجتماعات في مقر وكالة الاستخبارات المركزية مع أعضاء اللجنة الاستشارية للعلوم والتكنولوجيا بالوكالة، والتي أعقبتها أمسية تتضمن طعام عشاء في نادي كوزموس. فيما ألقى تيرنر في عام 1978 في النادي خطاباً أمام أعضاء معهد واشنطن للشؤون الخارجية قال خلاله إن الوكالة تجاوزت الفضائح المتعددة التي تورطت فيها خلال إدارة نيكسون. لكنه دافع بقوة عن العمليات السرية قائلاً إن (بلادنا تريد من وكالة الاستخبارات المركزية التدخل والتأثير في الأحداث. كنا في إيران عام 1953، وفي غواتيمالا عام 1954، وفي كوبا وفيتنام، ومؤخراً خلال عام 1975 في أنغولا، حتى قرر الكونغرس خلاف ذلك).
التخوف من جذب الدول المعادية
التفاصيل السابقة لا تعني أن كافة قادة الاستخبارات الأمريكية انفتحوا على نادي كوزموس، إذ تظهر الوثائق المرفوع عنها السرية أن وليام كيسي مدير وكالة الاستخبارات المركزية (1981-1987) في عهد الرئيس ريغان تناول الطعام في نادي كوزموس، إلا أنه نظر إلى النادي بحذر، حيث تخوف من أن يكون هدفاً لجمع المعلومات الاستخبارية من طرف الدول المعادية. ولهذا السبب رفض في عام 1984 دعوة لمخاطبة أعضاء النادي حول برامج الوكالة وأهدافها.
لا يزال نادي كوزموس محل لقاء النخب الأمريكية، ويُعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية بين عامي 2011 و2012 ديفيد بتريوس آخر مدير سابق للاستخبارات تأكدت عضويته في النادي. وقد ذكرت مجلة Washingtonian في مقال نشرته عام 2013، أن بترايوس لديه أكثر من 20 حجزاً مرتقباً في النادي، ما يشير إلى أنه خطط للقيام بالكثير من أنشطته هناك.
إن تلك النوعية من أندية النخبة تُوظف كملتقيات للتعارف وإجراء النقاشات وعقد الصفقات بعيداً عن ضوضاء الإعلام والتسريبات التي تتسم بها بعض البلاد مثل أمريكا. ويفيد تسليط الضوء عليها في معرفة شبكات العلاقات ودوائر التأثير التي تساهم في صنع العديد من القرارات المهمة عالمياً، والتي كثيراً ما تمس واقع ومستقبل بلادنا العربية وأمتنا الإسلامية مثلما يتجلى في خطة كوشنر للسلام التي تتعلق بالقضية الفلسطينية.