شكَّل الكشف عن القاذفة الأمريكية الشبحية الجديدة بي-21، حدثاً استثنائياً للولايات المتحدة، حيث يزعم مسؤولوها أنها سوف تحدث نقلة تاريخية في الحروب الجوية، ولكن الأمر الأكثر مدعاة للاهتمام هو رهان البنتاغون على أن القاذفة بي-21 سوف تخلو من العيوب الجوهرية لطائرات الجيل الخامس الأمريكية والتي جعلت بعضها يقبع في حظائر التخزين معظم الوقت.
وكشفت القوات الجوية الأمريكية عن القاذفة بي-21 Raider أي"المُغِيرَة" في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، لتصبح أول قاذفة قنابل أمريكية جديدة تنضم للخدمة منذ عام 1988.
وتأتي قاذفة القنابل المصممة بأجنحة خفاشية الشكل، في حجمٍ أصغر من سابقتها "بي-2 سبيرت"، لكنها أعلى منها على صعيد القدرات. وستدخل أول طائرة من الطراز الجديد في الخدمة لاحقاً خلال العقد الجاري. وستحل القاذفة بي-21 محل المنصة الأقدم، لتتحول مع الوقت إلى الدعامة الأساسية لأسطول قاذفات القنابل الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لمجلة Popular Mechanics الأمريكية.
إليك أبرز قدرات القاذفة بي-21
وجرى الكشف عن أول قاذفة بي-21 داخل مصنع القوات الجوية الأمريكية رقم 42، الذي يمثل منشأةً لبحوث وتطوير الطائرات المتقدمة الخاصة بالقوات الجوية الأمريكية في بالمديل بولاية كاليفورنيا.
والقاذفة B-21 Raider يُفترض أنه يمكنها التحليق بدون طاقم ولكن لم يتم تأكيد أنه سوف يتم اعتماد هذا الخيار، ومداها سيكون 9600 كيلومتر وحمولتها الصافية نحو 10 أطنان، وهو الأمل الوحيد لأمريكا في القدرة على محاربة الصين والبقاء بعيداً عن نطاقات صواريخها، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
وجرى تصميم بي-21 بواسطة شركة نورثروب غرومان الأمريكية، التي صممت القاذفة الشبحية بي-2 سبيرت أيضاً.
ويتشابه المظهر الخارجي للطائرتين من خلال الأجنحة خفاشية الشكل، مع غياب ذيل الطائرة، والهيكل الخالي من المعالم، وقمرة القيادة الصغيرة المُعتمة في مقدمة الطائرة.
ووصفت كاثي واردن، رئيسة شركة نورثروب غرومان، بي-21 بأنها "قاذفة قنابل لا مثيل لها".
بينما تصف القوات الجوية الأمريكية بي-21 بأنها قاذفة قنابل شبحية مصممة لهجمات اختراق أجواء العدو، وتتمتع بمدى طويل مع قدرةٍ عالية على البقاء في الجو. فيما تصفها الشركة المُصنّعة بأنها طائرة من "الجيل السادس"، الذي يمثل أحدث أجيال الطائرات الحربية التي بدأ تاريخها مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولا توجد طائرات عاملة من الجيل الخامس في العالم حالياً سوى المقاتلتين الأمريكيتين إف-22 رابتور وإف-35 جوينت سترايك فايتر، إضافة إلى تشنغدو جيه-20 الصينية، بينما الروسية سوخوي 57 مازالت قيد التطوير وأنتج منها نسخ محدودة، ولهذا يُعتبر إطلاق طائرة من الجيل السادس بمثابة قفزة كبيرة، حيث تُعتبر بي-21 أول طائرة من الجيل السادس في العالم.
وشكر وزير الدفاع، لويد أوستن، موظفي شركة نورثروب غرومان الذين عملوا على مشروع بي-21، وسلّط الضوء على حضورهم للعمل "يومياً" في أثناء جائحة كوفيد-19، حيث لم يتأخر إطلاق قاذفة القنابل سوى بضعة أشهر فقط، دون أن تكون للأمر علاقة بقيود الجائحة.
وقال أوستن إن الطائرة ستتمتع بمدى طيران غير مسبوق، فضلاً عن أن شبحيتها ستجعل استهدافها مصدر عناءٍ "للدفاعات الجوية الأكثر تطوراً". وتحدث باقتضاب عن "تصميم البنية المفتوحة" الذي تتميز به الطائرة، مما سيسهل تحديثها بأفضل الأسلحة والإلكترونيات مع مرور الوقت.
وصرّح أوستن قائلاً أمام جمهورٍ من العسكريين، والمسؤولين الحكوميين، وموظفي "نورثروب غرومان"، ووسائل الإعلام: "هذا هو الردع على الطريقة الأمريكية. وهذه أول قاذفة قنابل في القرن الـ21".
أمريكا تعرض القاذفة على استحياء خوفاً من الصين
الجزء الأمامي الأمامي للقاذفة بي 21 رايدر هو الزاوية الوحيدة التي تم الكشف عنها، ويبدو أن ذلك خوفاً من محاولة خصوم أمريكا الاقتباس من تصميمها، مثل روسيا أو الصين التي يعتقد أنها طورت تكنولوجيا طائراتها من الجيل الخامس عبر قرصنة التصميمات الأمريكية.
وجاء الكشف عن بي-21 رايدر في المساء وسط أضواءٍ مسرحية زرقاء ومن المرجح أن سبب ذلك يرجع إلى واقعةٍ شهيرة حدثت عام 1988.
إذ استأجر محرر مجلة Aviation Week & Space Technology الأمريكية مايكل دورنهايم طائرةً من طراز سيسنا 172 آنذاك، وحلّق بها فوق قاذفة القنابل بي-2، أثناء كشف النقاب عنها، ليلتقط المصور بيل هارتنشتاين صوراً قريبة للقاذفة الجديدة.
وكانت القوات الجوية الأمريكية قد أخرجت الطائرة من حظيرتها تحت شمس الظهيرة، لكنها لم تسمح لوسائل الإعلام والمسؤولين إلا برؤيتها من المقدمة فقط. بينما استمتع دورنهايم بنظرةٍ كاملة من الأعلى على القاذفة بي-2، لأن القوات الجوية كانت ترغب في ذلك الوقت مع الشركة المصنعة في إخفاء تفاصيلها عن الأعين لأطول فترةٍ ممكنة.
قد تطلق صواريخ فرط صوتية
وتشمل قائمة الأسلحة التقليدية التي من المرجح أن تحملها بي-21، كلاً من قنبلة المواجهة جي بي يو-53 بي ستورمبريكر المناسبة لمختلف الظروف الجوية، وصاروخ المواجهة المشتركة من الجو إلى الأرض (JASSM)، والصاروخ المضاد للسفن طويل المدى (LRASM).
ومن شبه المؤكد أن تحمل الطائرة أسلحة جو-أرض فرط الصوتية، لكن القوات الجوية لم تذكر الأمر صراحة، علماً بأن واشنطن لم تتنج بعدُ صواريخ فرط صوتية رغم ظهور أسلحة صينية وروسية في هذا الحقل.
بينما تضم قائمة الأسلحة النووية التي من المرجح أن تحملها القاذفة بي-21، كلاً من القنبلة النووية غير الموجهة بي61-12، وصواريخ المواجهة طويلة المدى (LRSO) ذات الرؤوس النووية.
المشروع سيتكلف 100 مليار دولار
وتخطط القوات الجوية الأمريكية لبناء 100 قاذفة قنابل من طراز بي-21 على الأقل، وذلك لتحل محل 20 قاذفة من طراز بي-2 سبيرت و45 قاذفة من طراز بي-1 بي لانسر الأسرع من الصوت.
وقال متحدث باسم شركة نورثروب جرومان الأمريكية المصنعة للطائرة، إن سعر القاذفة 700 مليون دولار لكل طائرة.
وسيتكلف مشروع الطائرة 203 مليارات دولار لتطوير وتشغيل وشراء 100 طائرة على مدار 30 عاماً، وفقاً للتقديرات التي قدمتها القوات الجوية الأمريكية إلى وكالة Bloomberg الأمريكية.
ومن المرجح أن يرتفع عدد الطائرات التي ستسلم للقوات الجوية الأمريكية؛ لأسبابٍ عدة، منها استمرار الصين في مراكمة الأسلحة النووية، والحاجة لمنصات طويلة المدى؛ تحسباً لاندلاع حرب تقليدية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والهجوم الروسي على أوكرانيا. بينما من المرجح أن يستمر الأسطول المكون من 76 طائرة بي-52 إتش ستراتوفورتريس -بُنِيَت بين عامي 1961 و1966- في الخدمة إلى جانب بي-21، وذلك حتى أربعينيات القرن الجاري. لكن من المحتمل أن يواصل أسطول بي-52، تحديداً عمله بعد ذلك التاريخ لتقترب من قرن من التحليق في الأجواء.
وتمتلك شركة نورثروب غرومان ست طائرات بي-21 اكتمل بناؤها أو ما تزال قيد البناء حالياً. وتخضع قاذفة بي-21 واحدة على الأقل للاختبارات الأرضية في الوقت الراهن، وتشمل تلك الاختبارات تشغيل الأجهزة الإلكترونية واختبار الأنظمة التي لا تحتاج للتحليق بقاذفة القنابل. وحددت الشركة موعداً مبدئياً لتنفيذ أول رحلةٍ جوية خلال عام 2023.
ولُقِّبَت القاذفة بي-21 بلقب رايدر (أو المغيرة) تيمُّناً بغارة دوليتل، التي نفذت خلالها 16 قاذفة قنابل من طراز بي-25 ميتشل هجوماً على اليابان في أبريل/نيسان من عامى 1942. وجاءت تلك الغارة بعد خمسة أشهر فقط من هجوم اليابانيين على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر بجزر هاواي والذي مثل أكبر نكسة عسكرية أمريكية في القرن العشرين.
هل تعالج أكبر مشكلة في طائرات أمريكا الشبحية من الجيل الخامس؟
رغم أن الولايات المتحدة لديها طائرات من الجيل الخامس منذ التسعينيات، وهي المقاتلة الـ"إف 22″، وقبلها القاذفة المتوسطة الشبحية إف 117، في الثمانينيات، فإنه فعلياً مازالت القوات الجوية الأمريكية والقوات التابعة للبحرية الأمريكية تعتمد على طائرات الجيل الرابع والرابع والنصف غير الشبحية.
ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى مشكلات الصيانة والتكلفة المرتفعة للتشغيل، للطائرات الشبحية من الجيل الخامس، مما يجعل هذه الطائرات تلتهم الموارد وتطير عدد ساعات قليلة، ولذا لم يتم إنتاجها بأعداد كبيرة.
يمكن الافتراض أن شركة Northrop قد عملت على الانتقال من مواد طلاء الرادار الباهظة الثمن والتي غالباً ما يؤدي تآكلها إلى إبقاء كثير من قاذفات الجيل الخامس الشبحية B-2 في حظيرة الطائرات، وارتفاع تكلفة صيانتها (حيث يجب إبقاؤها في حظائر عملاقة مكيفة).
حاولت الولايات المتحدة تخفيض التكلفة في الطائرة الشبحية الشهيرة إف 35، التي قدمت كبديل أرخص وأكثر عملية للـ"إف 22″، ولكن النتائج حتى الآن مخيبة.
كما أن شركة نورثروب تدعي أنه تم الاهتمام بأن الطائرة ستكون متقبلة للتحديثات والترقيات من خلال نهج "التوأم الرقمي"، وهو نهج يقوم على بناء نسخة رقمية طبق الأصل من الطائرة، لتصور ودراسة تأثير التعديلات التقنية المختلفة، وبالاقتران مع تصميم "العمارة المفتوحة" (تصميم يسمح بإدخال تطويرات أكبر)، وبالتالي يُزعم أن عملية ترقية الطائرة ستكون أسرع وفعالة.
وتجلب عمليات التصنيع الصناعية "التوأم الرقمي" و"الهندسة الرقمية" فوائدها الخاصة في توفير التكاليف والوقت.
وتستخدم الطائرة B-21 ما يعرف بالبرمجيات الرشيقة، وتقنيات التصنيع المتقدمة، وأدوات الهندسة الرقمية؛ للمساعدة في التخفيف من مخاطر الإنتاج.