"أعتقد أن ثقافة المشجعين تتغير، لقد أصبحوا أكثر تنوعاً وأكثر ترحيباً، ويمكنك بالتأكيد رؤية ذلك في قطر". هذا ما قاله الفتى محمد سليمان، البالغ من العمر 16 عاماً، من مدينة بولتون الإنجليزية، وهو يحدق في بانوراما شاسعة لمشجعي إنجلترا من حوله في الدوحة حيث مونديال كأس العالم، لمراسل صحيفة الغارديان البريطانية.
فيما قال سليمان عبدول، والد محمد، وهما يرتديان قمصان الفريق الإنجليزي فيما وصفه كلاهما برحلة العمر، إنه كان يحلم دائماً بأخذ ابنه الصغير إلى كأس العالم. وأضاف: "خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان مشجعو إنجلترا وويلز يتعاركون في إسبانيا. لكن ما من مشكلات هنا. ربما يكون لمنع الكحول علاقة بذلك، لكن هناك شعوراً بالأمان والترحيب في قطر".
قطر تغيّر ثقافة المشجعين الأوروبيين
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن هذه لم تكن أصواتاً منعزلة. ففي المترو أكد طارق غفور، مساعد المفوض السابق لشرطة لندن، على مدى تحسن ثقافة المشجعين الأوروبيين ومشجعي إنجلترا منذ أن كان يقوم بمراقبة المدرجات في السبعينيات. وأوضح ابنه، وهو أحد مستخدمي يوتيوب البارزين الذي عمل مع نادي "مانشستر سيتي"، أنه لم يواجه مشكلة في التشجيع قط بسبب لون بشرته. قال: "كرة القدم رياضة عالمية، وتحقق مساواةً رائعة".
بالطبع لا يزال غالبية مشجعي إنجلترا في قطر متوافقين مع الصورة النمطية التقليدية. لكن كل هذا بعيد كل البعد عن المرة الأخيرة التي لعب فيها المنتخب الإنجليزي في بطولة خارج أرضه، في دوري الأمم 2019 في البرتغال. تسبب الآلاف من المشجعين في حدوث فوضى عامة في بورتو ورددوا أغاني عن تومي روبنسون، والجيش الجمهوري الأيرلندي، والقاذفات الألمانية. أُلقِيَ القبض على اثنين من مشجعي إنجلترا وتعرضا للضرب بالهراوات على يد الشرطة بعد أن ألقيا زجاجات على مشجعين محليين وعلى الشرطة في منطقة مكتظة بالمشجعين.
ماذا يجري إذاً؟ أشار العديد من المشجعين الذين تحدثت إليهم صحيفة The Guardian البريطانية إلى أنه نظراً لأن قطر دولة مسلمة، ومن الصعب العثور على الكحول، فقد شعروا بأمان أكبر في السفر مع عائلاتهم وأطفالهم لدعم منتخب إنجلترا. كانوا يعلمون أنهم لن يتعرضوا لخطر، وأن السلوك المعادي سيكون أقل.
شعور بالراحة والأمان في قطر
يقول العديد من الهنود والباكستانيين البريطانيين من الجيل الثاني أيضاً إن لديهم عائلات في المنطقة، ولذلك شعروا بالراحة في الخروج. هناك أيضاً العديد من العمال في قطر من جنسيات مختلفة، خاصةً من الهند، الذين اختاروا منتخب إنجلترا ليشجعوه في كأس العالم. وهذا ليس دائماً لأسباب تتعلق بكرة القدم أيضاً. وكما قالت مشجعة من تايلاند تُدعى ناسيساسا: "أنا أدعم منتخب إنجلترا؛ لأنه فريق جيد".
عامل آخر ساهم في هذا التغيير، وفقاً للأكاديمي جيمي كليلاند، هو أن العديد من المشجعين البيض لم يسافروا إلى قطر لأنها باهظة التكلفة -ما أدى إلى توسيع قاعدة المعجبين. يقول: "مع إقامة كأس العالم في منتصف الموسم، بالقرب من عيد الميلاد، وفي أزمة تكاليف المعيشة، فليس من المستغرَب أن نرى الكثير من المشجعين التقليديين يلزمون مكانهم في إنجلترا".
يوافقه الرأي الأكاديمي جيف بيرسون، ويقول: "إحدى طرق النظر إلى دعم فريق كرة القدم هي التفكير في الثقافات المختلفة التي تحضر المباريات أساساً لأسباب مختلفة". ويضيف: "كان الكثير من العمل الذي قمت به يتعلق بثقافة فرعية من المشجعين الإنجليز الذين أسميهم مشجعي الكرنفال. إنهم يسافرون بشكل أساسي وينصب تركيزهم الرئيسي حول المباراة وليس في المباراة نفسها".
يضيف بيرسون: "يعتمد سلوكهم على التعدي والسكر والهتاف وخلق الأجواء. وعندما يتعلق الأمر بالمنتخب الإنجليزي، فإن الثقافة الفرعية يغلب عليها الذكور ويغلب عليها البيض. ليس فقط من الذكور وليس حصراً من البيض. لكنه سلوك فظ جداً".
"ثقافة مشجعي إنجلترا.. الفوضى والسكر"
بالنسبة لبيرسون، يعني ذلك أن "الجعة المتطايرة في الهواء، والوقوف على الطاولات، والهتاف الصاخب، وتعليق الأعلام ليس عنفاً، وهي ليست عنصرية بالضرورة، لكنها في الغالب بيضاء وذكورية"، حسب تعبيره.
يضيف بيرسون: "مع ذلك، فإن هذه الثقافة الفرعية لمشجعي إنجلترا لم تسافر حقاً إلى قطر بأعداد كافية. في حين أنه في العادة بالنسبة للبطولات، أو المباريات الكبيرة، خاصة في أوروبا، تُعد هذه الثقافة الفرعية هي المهيمنة. وبالطبع، هذه الثقافة الفرعية ستسافر حتى لو لم يكن لديهم تذاكر، لأن حضور المباريات في الواقع ليس سبب وجودهم هناك".
لكن بيرسون يشير إلى أن ما نشهده في قطر 2022 هو "صورة عابرة، وليست اتجاهاً طويل الأجل". يحذّر بيرسون، على سبيل المثال، من أننا قد لا نرى مثل هذا التنوع بين القاعدة الجماهيرية في إنجلترا لبطولة أوروبا 2024 في ألمانيا.
ويضيف: "أعتقد أن حقيقة أنه من السهل الحصول على تذاكر في قطر قد أحدثت فرقاً كبيراً أيضاً فيما يتعلق بقاعدة جماهيرية أكثر تنوعاً، وغيّرت كثيراً بثقافة المشجعين".
"مونديال قطر صديق للعائلة"
هذا الشعور بالراحة والأمان الذي لمسه المشجعون الغربيون في قطر لم يقتصر على الجماهير الإنجليزية، فهي حالة عامة لمن لم يكن معتاداً على هذا المشهد. ووجّهت عائلة كندية رسالة شكر إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بسبب إصراره على وضع قوانين تتماشى مع الثقافة العربية والإسلامية في مونديال قطر، مشيرين إلى أن البطولة صديقة للعائلة، وآمنة على الأطفال الذين جاؤوا لحضور المونديال.
وعبرت العائلة في منشور على إنستغرام، حظي بتفاعل واسع، عن حجم سعادتها بحضور "المونديال صديق العائلة". وتضمن المنشور صورة للعائلة وهي ترفع لافتة من المدرجات تشكر فيها أمير قطر، وكُتب فيها: "شكراً أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، هذا أفضل مونديال على الإطلاق"، وأضافت وسماً بآخر اللافتة: "صديق للعائلة"، في إشارة منها إلى أنها مناسبة لجميع أفراد العائلة، بمن فيهم الأطفال، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الدوحة، كمنع المشروبات الكحولية، الأمر الذي جعل البطولة أكثر أماناً، ومنع حدوث ممارسات مؤذية أو فوضوية.
كما شاركت الأسرة الكندية صورة على موقع إنستغرام للافتة، وكتبت فيها: "شكراً لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد على تمسّكه بالقيم الإسلامية في هذا المونديال، هذا جعل البطولة "صديقة للأسرة". وأضافت: "شكراً لكِ قطر على بناء الجسور، وعلى إظهار مَن أنتِ للعالم".
يشار إلى أن قطر كانت قد تعرّضت لحملة تشويه كبيرة قبل أيام من بدء بطولة كأس العالم، حيث واجهت اتهامات مزعومة بانتهاك حقوق الإنسان، بسبب إجراءات فرضتها تتناسب مع الثقافة العربية المسلمة، وهو ما جعل الغرب يضعها في مرمى الانتقادات، لكن جماهير كرة القدم التي التحقت بمنتخباتها كان لها رأي آخر.
وعلى غرار العائلة الكندية، التي أبدت إعجابها بتنظيم كأس العالم، أعربت مشجعات بريطانيات عن إعجابهن بقرار الدوحة منع المشروبات الكحولية بالمونديال. وساعد قرار قطر المشجعات البريطانيات على الاستمتاع بالمباريات في هذه النسخة دون مضايقات، بل خلق بيئة أقل عدائية، وفق تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وقالت إيلي مولوسون، التي كانت تنظم حملات لتحسين تجارب المباريات لمشجعات كرة القدم، إنها قلقة للغاية بشأن زيارة قطر؛ لذا يقوم والدها بدور المرافق لها، لكن تبيّن أنه لا داعي لإزعاج نفسه، إذ توضح إيلي والعديد من مشجعات إنجلترا الأخريات، أنَّ كأس العالم هذه يمكن أن تخلق نموذجاً للعبة في بلدهم.
تقول إيلي (19 عاماً)، التي تدير حملة HerGameToo: "يجب أن أقول إنَّ المجيء إلى هنا كان بمثابة صدمة حقيقية لنظامي، لم تكن هناك أية معاكسات لفظية أو بالتصفير، أو تمييز جنسي من أي نوع، وكانت ترتيبات البطولة المُنسَّقة بعناية، ووجد العديد من المشجعين أنَّ الملاعب أكثر ترحيباً مما هي عليه في بلادهم الأم".