تحت عنوان "استراتيجية الأمن القومي الأمريكية في حكومة بايدن.. الصين والتكنولوجيا في المركز"، كتب الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يوحاي جويسكي، مقالاً يستعرض فيه انعكاسات استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة وتأثيرها على إسرائيل.
استند جويسكي إلى الوثائق التأسيسية لاستراتيجية الأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض والبنتاغون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، حيث تتربع المنافسة متعددة الأبعاد مع الصين وأهمية تحقيق التفوق التكنولوجي قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية.
يركز الكاتب هنا على العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في ظل الرؤية الأمريكية الجديدة لأمنها القومي، ويعطي تحليلاً لاختلاف وجهات النظر بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بمواجهة أو التعامل مع الصين. وكيف أن تل أبيب لن ترضح للضغوط الأمريكية بالتخلي عن علاقتها مع بكين.
انخفاض أهمية الشرق الأوسط
عند النظر للجزء الخاص بالشرق الأوسط في الرؤية الأمريكية للأمن القومي، يلاحظ وجود انخفاض كبير في أهميته كأولوية من أولويات الإدارة الأمريكية، إلا أنه لا يزال يُنظر إلى المنطقة على أنها مصدر رئيسي للإرهاب، ولكن نطاقها وكثافتها أقل بكثير من ذي قبل.
كما توضح الإدارة الأمريكية أنها تنوي التحدث مع دول المنطقة بشروطها (ما يعني ضمنياً إيران وربما المملكة العربية السعودية أيضاً)، وتضع خمسة مكونات لسياستها -تعزيز الشراكات مع الدول التي تدعم النظام العالمي الحالي؛ منع قدرة الجهات الفاعلة الإقليمية أو العالمية على تعطيل حرية الحركة البحرية في المنطقة، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب، أو السيطرة على مناطق في المنطقة من خلال التهديدات وبناء القوة وممارستها، الحد من النزاعات في المنطقة باستخدام الدبلوماسية قدر الإمكان، تعزيز تكامل دول المنطقة من خلال شراكات في مجال الدفاع الجوي والبحري وتعزيز حقوق الإنسان.
تم ذكر إسرائيل نفسها كشريك في المنتدى الذي تشاركه مع الولايات المتحدة والهند والإمارات العربية المتحدة (I2U2)، بصفتها جهة فاعلة يعتبر اندماجها في المنطقة أمراً مهماً، وفي سياق ملاحظة أهمية تعزيز حل الدولة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
يُشار إلى إيران كجهة فاعلة ذات سياسة قسرية وقهرية في بيئتها على غرار روسيا وكوريا الشمالية، والتي ستعمل الولايات المتحدة ضدها، وتساعد دول المنطقة على بناء القدرة على التعامل معها.
أمريكا وإسرائيل.. والعلاقة مع الصين
أما بالنسبة لإسرائيل وعلاقتها مع الصين التي هي محور الاستراتيجية الأمريكية، ستواصل الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لإظهار الاهتمام وتصميم سياسة تأخذ مصالحها في الاعتبار، لا سيما في سياق مراقبة التكنولوجيا والبنية التحتية الوطنية.
لذلك، من المتوقع أن يتم تقليص نطاق عمل إسرائيل في مجموعة متنوعة من القضايا التي هي من صميم المنافسة والاحتكاك بين القوى العظمى.
من ناحية أخرى، تعد استراتيجية الحكومة فرصة لتعزيز العلاقات والأصول في سياق التكنولوجيا والابتكار، وبناء المرونة الوطنية – البنية التحتية، والدفاع عن البيت "الوطن"، والسيبرانية، ومكافحة تغير المناخ، وتطوير الجيش، وأساليب العمل تحت عتبة الحرب.
يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً إيجابياً مهماً في مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق رؤيتها لهيكلية إقليمية يمكن أن تستجيب لمجموعة متنوعة من القضايا الأمنية فيها (إيران، الإرهاب)، بما في ذلك في سياق التعامل مع تحدي المناخ.
في هذه المرحلة، لا تقود المنافسة مع الصين الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في نهجها الذي يسعى إلى الحد من الاستثمار في الشرق الأوسط، وصياغة استراتيجية مركزة للتنافس مع الصين في المنطقة، ولكنها تواصل السعي إلى تأسيس قاعدة أمنية إقليمية يمكنها التعامل مع مشاكل المنطقة بدعم أمريكي غير مباشر، ومن المرجح في هذا الواقع أن يستمر تآكل مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، بطريقة ما يمكن أن يضر ذلك بصورة الردع الشاملة لإسرائيل وموقفها، الذي يعتمد جزئياً على صورة علاقاتها الخاصة مع دول الولايات المتحدة.
في ظل عدم وجود رد أمريكي حقيقي على الصين، ونظراً لمصالح بكين المتنامية في المنطقة، فمن المرجح أن تستمر في توسيع وجودها في المنطقة اقتصادياً وسياسياً وإلى حد متزايد أيضاً من الناحية الأمنية على جانبي الحاجز الإيراني السعودي.
كما تدرك إسرائيل أن الأسواق الصينية فرصة سانحة أمام أصحاب رؤوس الاموال والاستثمارات والمنتجات الاسرائيلية. إضافة إلى وجود العديد من مشاريع البنية التحتية التي حاولت الصين الانخراط بها في إسرائيل.
في المقابل كانت إسرائيل قد تعهدت بإطلاع الولايات المتحدة على الصفقات المهمة التي تبرمها مع الصين بحسب ما نشرت صحيفة هارتس في عددها 3 يناير/ كانون الثاني 2022. وبالتالي، فإن العلاقة بين إسرائيل والصين متنامية رغم الضغوط الامريكية.
يتمثل أحد المكونات البارزة في استراتيجية إدارة بايدن في الحفاظ على حقوق الإنسان ومعارضة أدوات المراقبة الحكومية المكثفة، حتى إن الإدارة الأمريكية تعرّف المنافسة التي تديرها على أنها بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، وليست بين الصين والولايات المتحدة وحدها.
وبالتالي، قد يضع بُعد حقوق الإنسان في السياق الفلسطيني نقطة احتكاك أخرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا سيما في ضوء تغيير الحكومة في إسرائيل.
رؤية الولايات المتحدة للأمن القومي
كانت الحكومة الأمريكية نشرت نسختين غير سريتين من وثيقتين أساسيتين، تقدمان نهجهاً في مواجهة تحديات الأمن القومي الأمريكي في العصر الحالي – استراتيجية الأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض واستراتيجية الدفاع الوطني التي نشرتها وزارة الدفاع.
تم إرسال النسخ السرية إلى الكونغرس في مارس/آذار 2022، إلى جانب اقتراح ميزانية الدفاع لعام 2023، لكن الحرب في أوكرانيا دفعت الإدارة إلى إجراء تغييرات عليها وتأجيل نشرها المفتوح حتى أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى ذلك، نشرت وزارة الدفاع وثيقتين رئيسيتين أخريين – مراجعة الوضع النووي ومراجعة الدفاع الصاروخي.
تستند الاستراتيجية الأمريكية إلى تحديد العقد القادم باعتباره حاسماً لمجموعة واسعة من التطورات الاستراتيجية التي ستشكل الواقع العالمي في القرن المقبل، وفي المقام الأول صعود الصين والتعامل مع أزمة المناخ.
في الأساس يفترض بأن مفتاح النجاح في المنافسة الاستراتيجية مع الصين يكمن في الابتكار العلمي والتكنولوجي، واستغلال فرصة الثورة الصناعية الرابعة "القفزة التكنولوجية القائمة على استخراج البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وآلة التعلم".
يعتقد جويسكي بأن الوثائق نفسها تعكس استمرارية كبيرة بين نهج إدارة بايدن وإدارة ترامب، والتي قادت بالفعل الولايات المتحدة إلى تبني نهج المنافسة بين القوى، مع وضع الصين في مركز التحدي الاستراتيجي والأمني، جنباً إلى جنب مع تقليل الانتباه إلى التحديات الأخرى، وتقليل استثمار الموارد فيها، مع التركيز على الشرق الأوسط.
هذه الاستمرارية بين الحكومات ملحوظة بشكل خاص في ظل التغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة في البيئة الاستراتيجية العالمية، وعلى رأسها خطر التصعيد العسكري بين القوى العظمى فيما يتعلق بتايوان وأوكرانيا.
في السياق الأوسع، تؤكد إدارة بايدن على أهمية المنافسة الأيديولوجية باعتبارها جانباً مركزياً، وتعتبر الولايات المتحدة زعيمة الصراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، التي تسعى جاهدة لتغيير قواعد السلوك في العالم الدولي، وفي المقام الأول الصين، حيث تم دمج تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ العدل والمساواة في وثائق الاستراتيجية، إلى جانب التأكيد على إنكار قدرة الأنظمة غير الديمقراطية على الاستفادة من التطورات في المجال التكنولوجي من أجل إحكام قبضتها على الجمهور، على وجه الخصوص من خلال الإشراف والمراقبة السيبرانية، والإشراف على الفضاء العام، والتحكم في الإنترنت المحلي.
تحديات أمام الرؤية الأمريكية
تطرح استراتيجية الأمن القومي عدداً من التحديات الرئيسية التي يجب على الولايات المتحدة مواجهتها، أولها الصين باعتبارها التحدي الأساسي للولايات المتحدة، نظراً لكونها الخصم الذي يتمتع بالإرادة والقدرات اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتقنياً.
أما فيما يتعلق بتشكيل النظام العالمي تُعرَّف الصين بأنها تهديد الإسناد الذي يتقدم باطراد "تحدي السرعة"، والذي يحتاج نظام الأمن الأمريكي إلى الاستعداد وبناء قوته ضده. لقد تم تقليص أهمية التهديد من روسيا مقارنة بعام 2017، وهو الآن ليس أولوية مع الصين، ولكنه يُعرَّف بأنه "تهديد حاد وعاجل" يجب التعامل معه واحتواؤه.
كما أن تعزيز الديمقراطية في الولايات المتحدة وبين حلفائها الذين يشاركونها قيمها، والتي تعتبر من وجهة نظر الإدارة جزءاً مهماً من مصادر القوة في المنافسة الاستراتيجية، وأساساً للعلاقات الاستراتيجية.
يعتقد جويسكي أن استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية تستند إلى جملة من المفاهيم الجديدة (لم يتم حلها بالكامل)، منها:
1. "الردع المتكامل"، وهي بنى تحتية مفاهيمية لربط جميع مصادر قوة الولايات المتحدة، وعلى رأسها الدبلوماسية، في نسيج سلس من النشاط في جميع الأبعاد والساحات والأماكن، بالتعاون مع الحلفاء والشركاء، على الرغم من أنها ستظل قائمة على جيش مدرب ورادع نووي.
2. "إدارة الأنظمة" (الحملات)، والتي بموجبها يلزم دمج وتفعيل مجموعة واسعة من الأدوات دون عتبة استخدام القوة العسكرية، جنباً إلى جنب مع استخدام القوة، حتى التعامل مع المعارضين العاملين في هذا المجال أنفسهم (عمليات المنطقة الرمادية)، تتمثل الأهداف في تقوية الميزات العسكرية للولايات المتحدة والحفاظ عليها، وتقليل قدرة الخصم، وذلك من خلال مزامنة قدرات وجهود وزارة الدفاع لتحسين الأوضاع في المنطقة لصالح الولايات المتحدة.
3. "بناء المزايا الدائمة" يهدف إلى تعزيز الميزة النوعية والتكنولوجية والكمية المستمرة للولايات المتحدة فيما يتعلق بمنافسيها المختلفين، من خلال تسريع عمليات بناء الطاقة وتطوير وتنفيذ تقنيات وأدوات جديدة.
4. " المرونة"، حيث تؤكد وثائق الأمن القومي بشكل خاص على تطوير وتعزيز صمود الولايات المتحدة كمرتكز ضد جميع تحديات المستقبل. وبالتالي، يجب التعبير عن المرونة في البعد العام من خلال الصراع بين الديمقراطيات والديكتاتوريات، واقتصاد سلاسل الإنتاج والإمداد المحلية، في التعامل مع التحديات السيبرانية، بالإضافة إلى المرونة ضد عواقب تحديات المناخ والأوبئة على البنية التحتية والأشخاص.
كما تؤكد الوثائق على أهمية الردع النووي كأساس لمصداقية الردع الأمريكي في جميع أنحاء العالم، وأهمية تحديث الأسلحة النووية في الولايات المتحدة. في هذا السياق، تؤكد الإدارة على استمرار أنظمة الحد من التسلح الحالية، وتطوير آليات مراقبة جديدة، والتزام الولايات المتحدة بمنع الأسلحة النووية من إيران، إلى جانب توقع نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية.