في بعض الأحيان، لا يزال بإمكان بريطانيا أن تبدو وكأنها دولة مسيحية، خصيصاً في المناسبات والأعياد الدينية. لكن في الحقيقة، لم يعد معظم البريطانيين مرتبطين بهذه الأشياء من خلال المعتقد الديني. فكثير من الناس الذين يحتفلون بعيد الميلاد، بغية التجمع والبهجة والتسوق، وليس الذهاب لأداء الصلوات في الكنائس، وعلى مدى سنوات، كانت نسبة صغيرة ومنخفضة من البريطانيين تذهب بانتظام إلى الكنيسة؛ وتشير الإحصاءات واستطلاعات الرأي إلى أن الرقم يبلغ الآن حوالي 5% فقط.
كيف أصبحت المسيحية دين أقلية في بريطانيا؟
وصل انحسار الديانة المسيحية في بريطانيا إلى لحظة فاصلة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما نشر مكتب الإحصاء الوطني البريطاني مجموعة جديدة من الأرقام من تعداد 2021. أظهر، لأول مرة، أن أقل من نصف سكان إنجلترا وويلز يعتبرون أنفسهم مسيحيين.
وانخفض الرقم بنسبة 13% خلال عقد من الزمن؛ ليصل إلى 27.5 مليون نسمة. فيما نما حجم أولئك الذين حددوا خانة "لا دين" (أي الملحدين) بنسبة 12%، إلى 22.2 مليون.
وحتى في الوقت الذي أصبحت فيه إنجلترا أكثر علمانية، فإن بعض الأديان تنمو. فقد أظهر التعداد أن عدد المسلمين قد ارتفع بنسبة 44%، وقد باتوا يشكلون الآن 7% من السكان. فيما وصل عدد الهندوس البريطانيين إلى مليون لأول مرة في عام 2021.
وأظهرت الأرقام أن الإسلام هو أكثر الديانات سرعةً من حيث الانتشار في البلاد خلال العقد الماضي. وكشف الإحصاء عن ارتفاع ملحوظ في أعداد الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون بنسبة 44% خلال السنوات العشر الماضية. فقد ارتفعت أعداد المسلمين من 2.7 مليون شخص في 2011 إلى 3.9 مليون في 2021، بزيادة 1.2 مليون مسلم في 10 سنوات، وبات المسلمون يشكلون 6.5% من مجموع سكان بريطانيا.
ماذا تعني هذه التحولات الديموغرافية الكبيرة في بريطانيا؟
تعكس هذه التغييرات تحولات ديموغرافية كبيرة، حيث وجدت الأرقام أن واحداً من كل 6 ممن شملهم التعداد وُلد في الخارج، مقارنة بواحد من كل 10 قبل عقد. هناك 3 مدن ذات "أغلبية أقلية": برمنغهام (51.4%) وليستر (59.1%) ولوتون (54.8%).
وإذا استمرت الهجرة في الارتفاع، فسيؤدي ذلك إلى إبطاء العلمنة. وبحسب الإيكونومست، يميل المهاجرون إلى إحياء جميع الأديان؛ هذا هو السبب في أن حضور الكنيسة كان أفضل في لندن مما كان عليه في أماكن أخرى. فالعاصمة هي المنطقة الأقل علمانية، وويلز أكثرها، وبالنسبة لأسكتلندا تم تأخير الإحصاء السكاني لمدة عام بسبب الوباء.
وتقول المجلة البريطانية إن الكشف عن أن المسيحية أصبحت الآن ديانة أقلية يندب من قبل بعض اليمينيين. ولكن هل ستؤدي هذه الأرقام غير المسبوقة إلى تغيير أي شيء بالفعل؟
يمكن لهذه الإحصاءات أن تؤثر على المناقشات حول التمويل الحكومي للمدارس الدينية. وهناك مخاوف من أن المدارس الدينية غير المسيحية قد تؤدي إلى تفاقم "الفصل العرقي": المدارس الهندوسية، على سبيل المثال، تميل إلى أن يسكنها فقط أطفال المهاجرين من دول جنوب آسيا.
هل حان الوقت لفصل العلاقة بين الدين والدولة في بريطانيا؟
تستخدم الجماعات التي تناضل ضد الامتيازات الدينية، مثل "الجمعية الوطنية العلمانية" في بريطانيا، مثل هذه اللحظات لتقول إن الوقت قد حان لقطع العلاقات بين الكنيسة والدولة. فيما يقترح حزب العمل إلغاء مجلس اللوردات والأساقفة جميعهم.
ورحّب الرئيس السابق لحزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، بالتنوع العرقي والديني المتنامي في بريطانيا، وقال إنه "أمر يستحق الاحتفال". وأضاف كوربن، "يجب أن يحفزنا هذا جميعاً على بناء مجتمع يمكن للجميع أن يعيش فيه بشكل مريح، بغضّ النظر عن مكان الميلاد أو الخلفية أو المعتقد".
وعلى الرغم من أن الملك تشارلز الثالث وعد في سبتمبر/أيلول الماضي "بالحفاظ على استقرار الديانة البروتستانتية الحقيقية"، يبدو أنه قد تأثر ببعض الممارسات الإسلامية. وفي حفل تتويجه، الذي سيُقام في مايو/أيار المقبل، من المرجح أن يجد الملك طريقة ما لإظهار نفسه مدافعاً عن جميع الأديان. وسيساعد في ذلك أن يصبح ملكاً إلى جانب رئيس وزراء هندوسي وعمدة مسلم في لندن.