أعلنت حكومة رئيس وزراء باكستان شهباز شريف، الخميس 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أن الفريق عاصم منير سيخلف الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي سيتقاعد في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بعد 6 سنوات في منصب عادة ما يستمر لثلاث سنوات فقط. ومنير هو الجنرال الذي أقيل من قيادة وكالة الاستخبارات الباكستانية، من قِبل رئيس الوزراء السابق عمران خان.
ويُعتقد على نطاق واسع أن منصب رئيس أركان الجيش هو أقوى منصب في بلد شهد عدة انقلابات، حيث يمارس الجيش نفوذاً هائلاً على الحكومة والسياسة، حتى عندما لا يكون في السلطة رسمياً.
قائد جديد للجيش الباكستاني ذي النفوذ الواسع
غالباً ما يُتهم الجيش الباكستاني بالتدخل في سياسات الدولة، التي شهدت العديد من الانقلابات، وحَكَمها الجنرالات لفترات طويلة منذ تشكيلها في عام 1947، لذلك غالباً ما يكون تعيين قادة الجيش الجدد مسألة مسيّسة إلى حد كبير، كما يقول تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وتولَّى أربعة حكام عسكريين السلطة في باكستان، التي يبلغ تعداد سكانها 220 مليون نسمة، وشهدت ثلاثة انقلابات عسكرية منذ تشكيلها. لم يكمل أي رئيس وزراء على الإطلاق فترة ولاية كاملة مدتها خمس سنوات بموجب الدستور الحالي لعام 1973.
وتعني ترقية منير، التي صدق عليها رئيس الوزراء شهباز شريف ووافق عليها الرئيس عارف علوي يوم الخميس، أنه سيشرف الآن على عمليات الأسلحة النووية الباكستانية.
حرب بين خان والجيش
وجاء التعيين في الوقت الذي يستعد فيه خان، الذي يشن حملة احتجاج على نفوذ الجيش في السياسة، ولا يزال يتعافى من حادث إطلاق نار في وقت سابق من هذا الشهر، لأخذ احتجاجه الذي دام شهوراً ضد الإطاحة كرئيس للوزراء إلى ذروته في وقت لاحق. ورغم المخاوف الأمنية، سيقود خان أنصاره إلى روالبندي، المدينة المجاورة للعاصمة التي تضم مقرات الجيش.
يُلقي خان باللوم على تدخل الجنرال باجوا، الذي خدم لمدة 6 سنوات، في إقالته في أبريل/نيسان، في تصويت بحجب الثقة من قِبل المشرعين. ونفى الجيش تورطه، وقال إن خان أُقيل من خلال إجراءات برلمانية، واستبعدت لجنة الانتخابات الباكستانية الشهر الماضي خان من تولي منصب سياسي لمدة خمس سنوات لتورطه في "ممارسات فاسدة".
وكان منير قد عُيِّنَ لرئاسة وكالة الاستخبارات الداخلية الباكستانية في عام 2018، ولكن خان أقاله بعد فترة قصيرة بشكل غير عادي استمرت لثمانية أشهر. ولم يُذكَر أي سبب في ذلك الوقت. وقال مسؤول أمني لصحيفة وول ستريت جورنال إن التعيين كان جزءاً معتاداً من المسيرة المهنية.
ووفقاً لبعض المسؤولين، اختلف خان مع رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية آنذاك منير، بشأن قضايا شخصية وخلاف في السياسة الخارجية.
سطوة الجيش على مؤسسات الدولة الباكستانية
سلّط احتجاج خان الضوء على دور الجيش في السياسة الباكستانية، ما أدى إلى تدفق على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي والشوارع، وإجبار الجيش على معالجة هذه القضية.
وعقد الجيش مؤتمراً صحفياً قلَّما يُعقَد، في وقت سابق هذا العام، اعترف فيه بالتدخل في سياسات البلاد في الماضي، لكنه قال إنه لم يعد يفعل ذلك. وقال قائد الجيش الذي يغادر منصبه، الجنرال باجوا، في كلمة ألقاها يوم الأربعاء، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن القوات المسلحة تصرفت ضد الدستور في الماضي من خلال توريط نفسها في السياسة. وقال إن الجيش اتخذ قراراً في العام الماضي لإنهاء ذلك. وأضاف باجوا: "آمل أن تنظر الأحزاب السياسية في سلوكها".
في وقت سابق من هذا الشهر، أصدر الجيش أيضاً بياناً صارماً، للتنديد بمزاعم خان بأن جنرالاً كبيراً كان وراء هجوم إطلاق النار عليه، بينما كان يقود مسيرة احتجاجية، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني.
ويشكك محللون سياسيون في تعهدات الجيش بأنه لن يتدخل بعد الآن، مشيرين إلى أن ضعف المؤسسات الباكستانية يترك فرصةً للجيش لتأكيد وجوده.
وقالت مليحة لودي، السفيرة الباكستانية السابقة لدى واشنطن: "يُظهِر تاريخ باكستان أنه حتى بعد أن يواجه الجيش انتكاسات سياسية، فإنه قادر على الانتعاش نتيجة الانقسامات المريرة بين الأحزاب السياسية، خاصة أن هناك دائماً سياسيين يبحثون عن دعم عسكري لتحقيق أهدافهم السياسية".
كيف رأى خان تعيين قائد الجيش الجديد؟
كان خان يضغط على الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة مع تزايد شعبيته منذ إطاحته، وفقاً لاستطلاعات الرأي ونتائج سلسلة من الانتخابات المحلية. ومن المقرر إجراء الانتخابات الوطنية، في أكتوبر/تشرين الأول من العام المقبل.
وقال خبراء سياسيون إن حسابات زعيم المعارضة وراء السعي إلى انتخابات مبكرة كانت الاستفادة من شعبيته والعودة إلى السلطة، حتى يكون مسؤولاً عن تعيين قائد الجيش المقبل، لكن وسط الاضطراب الاقتصادي في باكستان، الذي تطلب من البلاد السعي لإنقاذ من صندوق النقد الدولي، علاوة على الفيضانات المدمرة خلال الصيف، يظل طلب خان بإجراء انتخابات مبكرة معلقاً.
ووفقاً لشبكة CNN الأمريكية، جاء في بيان حزب حركة الإنصاف، الذي يتزعمه خان، الخميس 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022: "نأمل أن تؤدي القيادة الجديدة للقوات المسلحة الباكستانية دورها الدستوري، لتعزيز الحقوق الدستورية والديمقراطية في البلاد".
كان بإمكان حزب خان الطعن في تعيين الجنرال منير، لكن الحزب قَبِل هذا التعيين يوم الخميس، بل وهنّأ الحزب منير على تعيينه، بينما اتهم الجيش بدور كبير في العملية الديمقراطية.
وجاء في البيان أيضاً: "الشعب الباكستاني يتوقع أن تبقى قواته المسلحة أثناء تعاملها مع مجموعة من التهديدات الخارجية، بعيدة عن سياسات الشؤون الداخلية وألا يتم التعدي على حقوق الأحزاب السياسية"، وأكد البيان على مطالبته بإجراء انتخابات مبكرة.
ومن جانبه، قال وزير الدفاع خواجة محمد آصف، إن الحكومة اختارت الجنرال الأقدم لقيادة الجيش. وأضاف: "لا ينبغي أن يكون هناك أي خلاف حول هذا، يجب أن نُخرج هذا البلد من حالة الفوضى".