اختبرت تركيا أول طائرة مسيرة مقاتلة محلية الصنع، تتميز بقدرات شبحية، وينتظر أن تطير بسرعة الصوت وأن تزود بقدرات قتالية تضاهي المقاتلات الشبحية البشرية، وتمثل المقاتلة التركية المسيرة أهمية بالغة للقوات الجوية للبلاد التي حرمت من الطائرات الشبحية الأمريكية F-35.
وأعلنت شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية المنتجة للطائرة المسيرة الشهيرة بيرقدار تي بي 2، اجتياز أول مقاتلة مسيّرة المعروفة باسم "بيرقدار قزل إلما" (Kizilelma) التي تعني التفاحة الحمراء بالتركية، بنجاح اختبارات السير أوتوماتيكياً على المدرج.
وأضافت الشركة في بيان لها، الأحد، نشرته وكالة الأناضول، أن أول مقاتلة مسيرة "بيرقدار قزل إلما" قطعت باجتيازها هذه الاختبارات، شوطاً كبيراً في طريق تحليقها في الأجواء.
وأشارت الشركة إلى أن رئيس مجلس إدارة الشركة، سلجوق بيرقدار، أشرف على عمليات الاختبار المذكورة.
في الوقت الحالي، أحرزت دول قليلة أخرى نجاحات في اختبارات تطوير مقاتلات مسيرة باستثناء الصين وأستراليا (عبر فرع بوينغ لديها)، وهناك مشروعات أمريكية وصينية يحيط بها الغموض يعتقد أنها تستهدف تطوير مقاتلات مسيرة ذات سرعات عالية.
قصة تطوير المقاتلة المسيرة التركية الشبحية
بدأ تطوير المقاتلة التركية المسيرة Kizilelma منذ فترة طويلة في عام 2013، على الرغم من أن المشروع لم يتم الكشف عنه للجمهور إلا في يوليو/تموز 2021، عندما تم تقديم الدراسات المفاهيمية، ثم كشفت شركة "بايكار" مطلع مارس/آذار الماضي، عن المقاتلة المسيرة التركية "بيرقدار قزل إلما".
ومن المقرر أن تتم الرحلة الأولى في العام المقبل. قد يبدو هذا الهدف قابلاً للتحقيق، بناءً على حقيقة أن نموذجاً أولياً يخضع الآن لاختبارات أرضية، حسب تقرير لموقع the drive الأمريكي.
وذكرت صحيفة "حريت" التركية أنه تم الانتهاء من "اختبار تكامل المحرك" الأول منذ شهرين.
وعلى عكس الطائرات المسيرة الشائعة، فإن المقاتلة التركية المسيرة "بيرقدار قزل إلما" تستطيع إجراء مناورات حادة، وتنفيذ مهام قتالية جو-جو مثلها مثل المقاتلات التقليدية، بحيث تمكن تركيا من تغيير الموازين الحربية الجوية، حسب الأناضول.
وتعد Kizilelma "قزل إلما" نموذجاً أكثر تقدماً بكثير من طائرة بيرقدار TB2 الشهيرة المتخصصة في القصف الأرضي، والتي غيرت مسار الحروب في ساحات عدة، بدءاً من ليبيا وإدلب بسوريا، مروراً بحرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، وصولاً إلى أوكرانيا حيث لعبت دوراً كبيراً في إفشال هجوم الربيع الروسي الذي استهدف العاصمة كييف.
فعلى عكس طائرات بيرقدار TB2 و Akinci، من المقرر أن تمتلك Kizilelma السريعة وذات قدرات التحليق المرتفعة قدرة قتال جو-جو، بالإضافة إلى إجراء عمليات استخبارات ومراقبة واستطلاع (ISR) وعمليات قصف.
ومع ذلك، لا تتوفر سوى تفاصيل قليلة عن إلكترونيات الطيران وقدراتها ومهامها المضادة للطائرات.
قدرات شبحية وتشبه طائرة شهيرة من الجيل الخامس لدى دولة عظمى
تصميم الطائرة كما أظهرته الفيديوهات والصور، له عدد من الخصائص المطلوبة في المهام القتالية الجوية التي تقوم بها الطائرات المقاتلة المأهولة الشبحية، حسب ما ذكر الكاتب المتخصص في الدفاع توماس نيدويك في تقرير نشر بموقع the drive الأمريكي.
ومن المخطط أن تؤدي "بيرقدار قزل إلما" المهام الأكثر صعوبة بفضل ميزة التخفي عن شاشات الرادارات بشكل أكبر، وأن يصل وزنها إلى 6 أطنان، وتكون قادرة على حمل 1500 كيلوغرام من الصواريخ والذخائر.
الطائرة مزودة بمحرم توربيني واحد من طراز Ivchenko-Progress الأوكراني.
بينما من المتوقع أن يتم تشغيل النموذج الأولي الأول، والإصدارات المبكرة، ستحلق مدفوعة بمحرك توربوفان Ivchenko-Progress AI-25TLT غير مزود بحارق لاحق، ولكن من المخطط أن يتم استبداله في الإصدارات الأحدث بمحرك Ivchenko-Progress AI-322F ، المزود بحارق لاحق، لضمان تحليق الطائرة بسرعة أسرع من الصوت، وفقاً لموقع the drive الأمريكي.
ويقول الموقع حتى مع وجود محرك غير مزود بحارق لاحق، يتوقع أن تقدم Kizilelma أداءً رائعاً، مع سرعة قصوى قريبة من Mach 1.
الطائرة الجديدة مثيرة للاهتمام لعدة أسباب، حيث يذكر شكلها على الفور بالمقاتلة الشبحية الصينية Chengdu J-20 Mighty Dragon التي تعد درة تاج الطيران الصيني، حيث إنها مزودة مثلها بمثبتات عمودية مغطاة، حسبما ورد في تقرير لموقع theaviationist.
وتتميز Kizilelma بتكوين جناح دلتا، من النوع الذي شوهد في بعض تصميمات الطائرات المقاتلة الأخرى، بما في ذلك المقاتلة الصينية J-20 والطائرة بدون طيار الصينية الغامضة Dark Sword.
ويعد استخدام هذا الجناح بمثابة مقايضة بين الشبحية والقدرة على المناورة، على الرغم من أنه يمكن اتخاذ بعض التدابير للحد من تأثيره الذي يزيد البصمة الرادارية، خاصة أن أسطح الذيل تتكون من مثبتات رأسية ممزقة.
في هذا الصدد، ستجمع المقاتلة التركية المسيرة بين كونها منخفضة الرصد والقدرة على المناورة العدوانية، مما يجعلها قادرة على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام التي تقوم بها حالياً الطائرات المقاتلة المأهولة.
يرى موقع the drive، أن المقاتلة التركية تتسم بميزات لتقليل المقطع العرضي للرادار من زوايا معينة، مثل خطوط العمود الفقري لجسم الطائرة.
ولكنه يقول إنه من الواضح أن تصميم الطائرة يرجح الأداء العالي بشكل أكبر من القدرات الشبحية، مضيفاً: هذا ليس شيئاً نراه عادةً في الطائرات بدون طيار، مع استثناء محتمل لـ MQ-28 Ghost Bat الأمريكية، على الأقل إلى حد ما.
ستحصل المقاتلة التركية المسيرة على محرك توربيني مختلف يتحرك للأمام لأغراض التخفي، ولكن الطائرة التي شوهدت تجري اختبارات أرضية في اللقطات التي تم تداولها عبر الإنترنت حتى الآن تتميز بفوهة عادم مكشوفة غير متخفية بالتأكيد وستحتاج إلى تطوير.
ومن الممكن تحسين الخصائص الشبحية من خلال تحسين منطقة فوهة المحرك، وهو ما تفعله روسيا بطائرة أوخوتنيك بدون طيار.
خطط لجعلها تنطلق من السفن وحاملات الطائرات
ستكون المقاتلة التركية المسيرة قادرة على الإقلاع والهبوط على حاملات الطائرات قصيرة المدرج، أيضاً من المحتمل أن تركيا تخطط لتشغيل طائرات بدون طيار من السفينة الهجومية البرمائية التابعة للبحرية التركية الأناضول (LHD Anadolu)، المزودة بـ"قفزة تزلج".
ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى مراجعة كبيرة لمعدات الهبوط لتشغيل المقاتلة التركية المسيرة من حاملات الطائرات ذات السطح القصير، حيث لا يبدو أن النموذج الأولي قادر أن يتحمل آثار عمليات الهبوط، حسب موقع theaviationist.
وقال هالوك بايركتار الرئيس التنفيذي لشركة Baykar لموقع Defense News في عام 2021: "لمنح الطائرات المسيرة القدرة على الإقلاع والهبوط على حاملات الطائرات، يجب أن يكون هيكلها قوياً لأنها تتعرض لصدمات جاذبية عالية جداً"، وأشار لخطط شركته لتحقيق ذلك لتوفير طائرات مسيرة قادرة على الإقلاع والهبوط من السفينة LHD Anadolu خلال عام واحد، ويعتقد أن أنقرة تطور بالفعل نسخة للإقلاع والهبوط من السفن من الطائرات بيرقدار تي بي 2.
ستطير بسرعة الصوت
سيكون لدى المقاتلة التركية المسيرة نصف قطر قتالي 500 ميل بحري، وارتفاع تشغيلي 35000 قدم، وقدرة تحليق لمدة 5 ساعات، وسرعة طواف 0.6 ماخ مع سرعة قصوى تتجاوز ماخ 1.
أرقام أخرى مثيرة للاهتمام هي الوزن الأقصى للإقلاع، وهو 6 أطنان و1.5 طن من الحمولة الصافية. سيتم تجهيزها برادار AESA (نوع متطور من الرادرات).
ستشمل تلك الحمولة المخازن التي يمكن التخلص منها والمحمولة في حجرة أسلحة داخلية، مما يحافظ على خصائص التخفي، حسب موقع the drive.
ومن المرجح أن تشمل الأسلحة أمثلة على مجموعة واسعة من الذخائر الدقيقة جو – أرض وصواريخ جو – جو، بالإضافة إلى الذخائر الموجهة بدقة، التي طورتها الصناعة التركية.
هناك خطة لإصدار ثنائي المحرك، سيكون زوج من محرك AI-322F الأوكراني، لمزيد من تحسين الأداء.
وقال هالوك بايراكتار، المدير العام لشركة بيكار، في فعالية eknofest للفضاء والتكنولوجيا في تركيا الذي أقيم في مدينة سامسون بأغسطس/آب الماضي، عن Kizilelma: "التكلفة لن تكون عالية، سنكون قادرين على إنتاج المزيد بتكلفة أقل".
وتشتهر الصناعة التركية بصفة عامة بما فيها صناعة الأسلحة بموازنة جيدة بين الجودة والسعر المناسب، وهذه إحدى نقاط قوة طائرات بيرقدار تي بي 2 التي هي أعلى كفاءة من الطائرات المسيرة الصينية، رغم أنها أغلى قليلاً، بينما هي أقل تكلفة بشكل واضح من الأمريكية وإلى حد ما من الإسرائيلية.
هل يتم تسييرها من طائرة مأهولة أم محطات أرضية أم بالذكاء الاصطناعي؟
ليس من الواضح ما إذا كانت المقاتلة التركية المسيرة Kizilelma ستعمل كجناح تابع (أي يتم التحكم فيه من طائرة أخرى تكون مأهولة تعمل كـ"سفينة" أم يوجه سرباً من المسيرات) أم سيتم توجيهها من محطات أرضية، أو حتى إذا كان من المتوقع إسقاطها طائرات معادية بدرجة ما من الاستقلالية. النقطة الأخيرة هي النقطة التي يثار حولها جدل كبير في سلاح الجو الأمريكي.
تجري العديد من دول العالم في مقدمتها الولايات المتحدة اختبارات لتشغيل الطائرات المقاتلة بالذكاء الاصطناعي، ولكن أياً منها لم يعمل بشكل رسمي، وأفيد قبل بضعة أعوام عبر تقارير غير مؤكدة أن طائرة مسيرة تركية نفذت في ليبيا أول هجوم جوي في العالم ضد مقاتلين بالذكاء الاصطناعي، وبصرف النظر عن صحة ذلك من عدمه، فإن أنقرة تحاول اللحاق بالولايات المتحدة والصين، في محاولة توظيف الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، ومع نجاحات تركيا في مجال الطائرات المسيرة، فإن إضافة الذكاء الاصطناعي سيكون قفزة كبيرة.
ورغم كل العيوب المحتملة للمقاتلات المسيرة، في ظل غياب طيار بشري يقودها، فإن الميزات المقابلة لا تعوض، بدءاً من التخلص من الوزن والمساحة التي يحتلها الطيار، وقدرة المقاتلة المسيرة على القيام بمناورات لا يمكن تنفيذها إذا كانت تحمل إنساناً، إلى جانب أنها تتيح لموجهيها خيارات أكثر مخاطرة لأنهم لا يخشون من فقدان أرواح بشرية إذا سقطت الطائرة، فضلاً عن أنها أقل تكلفة من الطائرات المأهولة.
ويقول موقع theaviationist مهما يكن، بعد السمعة الجيدة في الميدان المكتسبة بفضل نجاحات TB2، فإن تطوير أول مقاتلة مسيرة شبحية قادرة على المناورة يعزز مكانة تركيا كقوة صاعدة للطائرات بدون طيار على الساحة الدولية.