لم يكن فوز منتخب السعودية على نظيره الأرجنتيني مفاجأة مونديال قطر الوحيدة، ولكن الاحتفال العربي بفوز السعودية على الأرجنتين فاجأ المراقبين الغربيين، وأظهر أن الشعور بالهوية العربية الجامعة مازال حياً حتى لو بدا أنه دفن تحت ركام الحروب والمآسي والخلافات السياسية.
فسرعان ما تحوّلت المفاجأة التي تردد صداها في جميع أنحاء العالم بانتصار السعودية على الأرجنتين بكأس العالم، يوم الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى موجة من البهجة، ليس فقط في المملكة، وإنما في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وخاصة في الدول العربية.
الاحتفال العربي بفوز السعودية على الأرجنتين يكشف عن اشتياق لفخر قومي
وجرت احتفالات جماهيرية غامرة في جميع أنحاء العالم العربي، يوم الثلاثاء، بعد فوز المملكة العربية السعودية المفاجئ بكأس العالم على الأرجنتين، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس (AP) الأمريكية.
فمن سوريا والأردن إلى غزة مروراً بقطر مضيفة المونديال، وصولاً لمصر وحتى دول المغرب العربي البعيدة، استمتعت الجماهير بإنجاز المملكة العربية السعودية.
وعدَّ المسلمون والعرب في كل مكان فوز السعودية في المباراة انتصاراً لهم، وامتدت مشاعر الفخر والسعادة بفوز المنتخب السعودي على المنتخب الأرجنتيني الأقوى منه بكثير، ليحتفل العرب بها في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
مثّل الاحتفال العربي بفوز السعودية على الأرجنتين إحدى لحظات الاجتماع القليلة على سبب مشترك للبهجة في العالم العربي، فالمنطقة التي عادة ما توصف بالانقسام تكتظ بمشجعي كرة القدم إلى حد الهوس.
والمفارقة في هذا الاحتفاء والاحتفال العربي بفوز السعودية على الأرجنتين أن المنطقة تكتظ بعدد هائل من عشاق فرق أمريكا الجنوبية خصوصاً.
وقد أتاح لهم انتصار أمس متابعة ذلك المشهد المذهل الذي ينتصر فيه منتخب أحد بلدانهم على منتخب عالمي لطالما كان ارتداء قمصان لاعبيه بمنزلة الموضة بين أبنائهم، خاصة في قيادة اللاعب الفذ ليونيل ميسي للأرجنتين.
مظاهر الفرح امتدت من إدلب المعزولة بشمال سوريا إلى غزة المحاصرة
في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا، معقل الثوار المعزول في الدولة التي مزقتها الحرب، تجمع السكان في المقاهي وهللوا واحتفلوا بعد صافرة النهاية.
لقد كان حدثاً رائعاً لهذا الجيب المكتظ باللاجئين المطرودين من بقية أنحاء سوريا، حيث يعاني الملايين من غارات روسيا والنظام الجوية المتكررة، إضافة للفقر.
في مدينة إدلب، قال أحمد العبسي إن فوز السعودية كان بمثابة دفعة معنوية مطلوبة بشدة للسوريين والعرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى لو كان ذلك يعني خسارة الأرجنتين فريقه المفضل لكرة القدم.
وقال العبسي، أحد مشجعي الأرجنتين، لوكالة أسوشيتد برس: "إنه يظهر أن لدى العرب أشخاصاً موهوبين يمكنهم تحقيق نجاحات على المسرح العالمي"، مضيفاً: "نحن نحلم بمستقبل أفضل كعرب، وهذه الروح المعنوية تذكرنا بأنه لا يوجد شيء مستحيل".
في شوارع العاصمة الأردنية عمان، احتفل العشرات من المواطنين السعوديين والأردنيين في الشوارع، حاملين الأعلام السعودية أو يضعونها على سياراتهم وينفخون في الأبواق.
وفي غزة ابتهج السكان الفلسطينيون المحاصرون، قائلين إنهم يقفون إلى جانب السعودية في لحظة مجدها الكروي، مستذكرين دعم السعوديين للقطاع المحاصر.
أمير قطر يلوح بعلم السعودية والفوز رسخ فكرة أن كأس العالم 2022 بمثابة مونديال عربي
أشارت هند عمري، المدونة الليبية الأمريكية المعروفة، في تغريدة نشرتها على موقع تويتر، إلى أن العرب سيحتفلون بهذا الفوز "بصرف النظر عن [أي اختلاف بينهم] في السياسة الإقليمية".
وقالت عمري لصحيفة The Washington Post، إن "هذا الفوز كان فرصة للتذكير بأن كرة القدم قوة محركة للناس في الشرق الأوسط. فهي لديها القدرة على جمع الناس معاً على اختلاف دولهم ورغم التباين الشديد في ميولهم السياسية. وهكذا، كانت لحظة تسجيل هذا الهدف المذهل والفوز التاريخي للسعودية إيذاناً بارتقاء الاحتفال بكأس العالم في قطر إلى احتفال بكونه كأس العالم المنتسب إلى العرب جميعاً"، وأشارت إلى أن البلدين السعودية وقطر منذ أن تصالحا صار من الأحرى وصفهما بأنهما خصمان "سابقان".
كانت رسالة قطر في حفل الافتتاح والتنظيم، وإصرارها على التزام الفرق والمشجعين بالعادات والقيم الإسلامية والعربية، أن هذا مونديال عربي وليس قطرياً فقط.
وكان مشهد تلويح أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، بالعلم السعودي الملفوف حول عنقه، باعثاً خاصاً على فيض من مشاعر الاحتفال العربي بفوز السعودية على الأرجنتين، إذ لم يكن أحد ليتصور ذلك قبل بضع سنوات فحسب، حين أعلنت السعودية مع 3 دول عربية أخرى في عام 2017 قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ولم يرفع الحصار الجوي والبري والبحري عنها إلا في يناير/كانون الثاني 2021.
منتخب السعودية يرى أنه كان يلعب على أرضه
وانتشرت تغريدات الناس على موقع تويتر تحت وسم "خليجنا واحد"، ومعها صور لقادة البلدين وغيرها من الصور المعبرة عن تحسن العلاقات، وتضمنت التغريدات مقطع فيديو للقاء أجراه محمد العويس، حارس مرمى المنتخب السعودي، يقول فيه: "لعبنا على أرضنا ووسط جمهورنا، وهذا شيء يمنحنا أفضلية على خصومنا، مهما كانوا".
في مصر، أرسل موقع إخباري شهير رسالة إخبارية عبر البريد الإلكتروني عنوانها "حياك الله يا سعودي"، يخبر فيها المشتركين أن "السرور يحفنا، وابتسامة كبيرة على وجوهنا، بعد الفوز المذهل للسعودية 2-1 على الأرجنتين في أول مبارياتها بكأس العالم اليوم".
وصحفي بقناة عربية موالية لإيران يصف الحارس السعودي بالمدافع عن الكعبة
أما في لبنان، فقد كتب صحفي من قناة الميادين، وهي قناة إخبارية معروفة بعدائها للسعودية وولائها لإيران وحزب الله، تغريدة يحتفي بها بأداء حارس المرمى السعودي، قائلاً: "كأنه كان يدافع عن الكعبة المشرفة، وليس عن عرين مرماه".
وبطبيعة الحال، كان للفرحة على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية مذاق خاص، وسارعت كثير من الشخصيات العامة والشيوخ إلى نسب الفضل في الفوز لقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، إضافة إلى توجيه الشكر لوالده الملك سلمان. ونشر السعوديون صور الاحتفال بلاعبي المنتخب السعودي تحت وسوم، منها: "صقورنا_فخرنا"، و"الأخضر_في_الصدارة".
وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو للاعب سالم الدوسري وهو يسجل هدف الفوز بالمباراة في الدقيقة 53، وتخللتها أغاني الفرح وتعليقات الثناء على اللاعبين السعوديين من معلقي كرة القدم العرب.
وأعلن في السعودية، يوم الأربعاء التالي ليوم المباراة، عطلة رسمية في السعودية، احتفالاً بالانتصار الذي حققه المنتخب.
ما لم تركز عليه وسائل الإعلام الغربية كثيراً أن الاحتفال العربي بفوز المنتخب السعودي على الأرجنتين، يظهر أنه رغم الخلافات السياسية المستجدة قبل بضع سنوات، والحساسيات الوطنية التي نشأت فقط قبل نحو نصف قرن، فإن هناك شعوراً كامناً لدى كثير من العرب بأنهم أمة واحدة.
وإن الحملات العنصرية الغربية، بدءاً من الإسلاموفوبيا، مروراً بالعداء للمهاجرين، وتركهم يغرقون أمام سواحل أوروبا، وصولاً للحملة على قطر بسبب رفضها للسماح بشعارات المثليين في المونديال، أكدت للعرب على هذه الحقيقة؛ أنهم أمة واحدة، وهمومهم تكاد تكون واحدة، واشتياقهم للإنجازات واحد.