انطلقت كأس العالم 2022 في قطر في أجواء تاريخية، فالنسخة 22 من المونديال هي نسخة السوابق على جميع المستويات، فلأول مرة تقام البطولة في بلد عربي مسلم، و"أول مرة" هي كلمة السر الأبرز في هذا المونديال العربي.
حفل افتتاح كأس العالم 2022 في قطر، مساء الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جاء مبهراً ومعبراً عن تجمع ثقافات العالم أجمع في استاد البيت، الخيمة العربية التي أثارت إعجاب الكثيرين، لدرجة أن وزير الخارجية المكسيكي، الذي تستضيف بلاده، إلى جانب الولايات المتحدة وكندا، النسخة القادمة من المونديال عام 2026، قال في تغريدة على تويتر، من داخل "البيت": "أفكر بالافتتاح الذي سيتعين علينا القيام به في 2026″.
أقيمت 21 نسخة من كأس العالم، منذ النسخة الأولى عام 1930 في أوروغواي حتى النسخة الماضية 2018 في روسيا، لكن هذه النسخة رقم 22 في قطر ستكون نسخة السوابق التاريخية بامتياز، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
هزيمة مستضيف كأس العالم
نبدأ السوابق التاريخية بالأمر الوحيد الذي لا يبدو أنه على أجندة البعض في الغرب ممن تركوا كرة القدم وتفرغوا لانتقاد قطر منذ فوز الإمارة الخليجية، قبل 12 عاماً، بشرف تنظيم الحدث الكروي الأبرز عالمياً، وحتى اليوم.
فعلى مدى النسخ الواحد والعشرين الماضية، لم يتعرض منتخب الدولة المستضيفة لكأس العالم للهزيمة، لكن المنتخب القطري كسر هذه القاعدة، ليصبح أول مستضيف يخسر مباراته الافتتاحية، بعد أن تفوق عليه المنتخب الإكوادوري بهدفين نظيفين.
تاريخياً، لعب منتخب الدولة المستضيفة 7 مباريات في افتتاح البطولة، قبل مباراة قطر والإكوادور، لم يتعرض أي منها للهزيمة. كانت منتخب البرازيل أول مستضيف يلعب المباراة الافتتاحية خلال النسخة الثالثة عام 1950، حيث واجه منتخب المكسيك، وفاز أصحاب الضيافة برباعية نظيفة.
وفي بطولة 1966، واجه منتخب إنجلترا، المستضيف، منتخب أوروغواي وانتهت المباراة الافتتاحية بالتعادل السلبي. وفي بطولة 1970، واجه المكسيك، أصحاب الضيافة، منتخب الاتحاد السوفييتي، وخرجت النتيجة أيضاً بالتعادل السلبي.
غاب أصحاب الضيافة عن لعب المباراة الافتتاحية منذ مونديال المكسيك 1970، حتى مونديال ألمانيا 2006، حين واجه منتخب الماكينات الألمانية نظيره منتخب كوستاريكا وانتهت المباراة بفوز أصحاب الضيافة بأربعة أهداف مقابل هدفين.
وكانت كوستاريكا أيضاً طرفاً في المباراة الافتتاحية في المونديال الإفريقي عام 2010، في مواجهة أصحاب الضيافة، جنوب إفريقيا، وانتهت المباراة بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق.
وفي بطولة كأس العالم 2014، كانت البرازيل، صاحبة الضيافة، طرفاً في المباراة الافتتاحية في مواجهة كرواتيا، وانتهى اللقاء بفوز السامبا بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. أما نسخة 2018 من المونديال، فشهدت المباراة الافتتاحية مواجهة بين روسيا، أصحاب الضيافة، والمنتخب العربي السعودي، لينتهي اللقاء بالفوز الأكبر لصاحب الضيافة في الافتتاح، حيث فاز الدب بخماسية نظيفة.
وبالتالي فإن هزيمة العنابي (لقب المنتخب القطري) تمثل أول هزيمة لمستضيف المونديال في المباراة الافتتاحية. وعلى الأرجح ستتسبب تلك الهزيمة في تعقيد موقف قطر في المجموعة، التي تضم بجانب الإكوادور، السنغال وهولندا، اللذين سيلعبان مباراتهما الأولى، الإثنين 21 نوفمبر/تشرين الثاني.
تحتاج قطر الآن للفوز على السنغال، في مباراتهما المقررة الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني، إذا ما أراد العنابي الحفاظ على حظوظه، التي تضاءلت كثيراً بالهزيمة من الإكوادور، في التأهل للدور الثاني من المونديال. لكن حتى في حالة مغادرة العنابي من دور المجموعات، فلن يمثل ذلك سابقة تاريخية، حيث فعلها منتخب الأولاد (جنوب إفريقيا) عام 2010.
أول مونديال عربي وشتوي
بالعودة إلى السوابق التاريخية، هذه أول مرة يقام كأس العالم في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة المعروفة بارتفاع درجات الحرارة بشدة في فصل الصيف، وهو الفصل الذي شهد إقامة النسخ الـ21 السابقة من المونديال.
لهذا أصبح مونديال قطر 2022 هو أول نسخة من كأس العالم تقام في فصل الشتاء، 20 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، مما يوفر تجربة متميزة للغاية من ناحية الطقس الرائع والمناسب لجميع الزائرين من مختلف بقاع الكرة الأرضية.
ورغم الأجواء الشتوية بشكل عام، إلا أن درجات الحرارة في منطقة الخليج العربي خلال فصل الصيف قد تظل مرتفعة وتصل أحياناً إلى 30 درجة مئوية، لذلك اتخذت اللجنة المنظمة للبطولة جميع الأسباب المتاحة لتلطيف الأجواء داخل الملاعب وخارجها، من تكييف الاستادات وغيرها من الأساليب العلمية المدروسة بدقة، حتى من ناحية التأثير على تغير المناخ.
كما أنها المرة الأولى التي يقام فيها المونديال في دولة عربية، ليشهد حفل الافتتاح سابقة أخرى تمثلت في إعلان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جيانو إنفانتينو، الترحيب بالحضور وانطلاق كأس العالم، باللغة العربية.
وبدأ إنفانتينو، السويسري، حديثه لعشاق كرة القدم من استاد البيت، وخاطبهم أولاً باللغة العربية، كما هنّأ قطر والعالم بانطلاق النسخة الثانية والعشرين من كأس العالم: "أحبائي.. أحبائي عائلة كرة القدم، أهلاً وسهلاً في البيت، ومبروك".
كما أنها أول مشاركة لمنتخب قطر في نهائيات كأس العالم، حيث شارك العنابي بصفته مستضيف المونديال. وفي هذا السياق، حققت قطر قفزات ضخمة في مجال اللعبة الشعبية الأولى للعرب وحول العالم، توجتها بالفوز بكأس الأمم الآسيوية عام 2019.
أول مونديال "صديق للبيئة"، "وأول تحكيم نسائي"
تعهد فيفا وقطر بجعل كأس العالم 2022 أول مونديال "محايد كربونياً"، أي ألا تتسبب البطولة في زيادة الانبعاثات الكربونية، التي تتسبب في التغير المناخي وتداعياته الكارثية. حيث وضعت اللجنة المنظمة للبطولة أحدث الوسائل التقنية وأساليب احتواء الانبعاثات الكربونية، مثل زراعة أكبر مزرعة أشجار ونباتات في العالم، حيث تمت زراعة 697 ألف نبتة و16 ألف شجرة لهذا الغرض.
وتم وضع تلك النباتات في محيط الاستادات ومناطق تجمع المشجعين حول الإمارة، بهدف امتصاص آلاف الأطنان من انبعاثات الكربون.
هذه أيضاً أول مرة يقام كأس العالم لكرة القدم في بلد مسلم، وبالتالي فإنها أول مرة يصدر فيها الاتحاد الدولي (فيفا) قراراً بمنع تناول الكحول أثناء حضور مباريات المونديال، كما أنه محظور قانوناً في قطر الظهور مخموراً في مكان عام، كما هو الحال في أغلب الدول المسلمة، فتناول الكحول محرم في الإسلام.
هذه أول مرة في تاريخ كأس العالم يستطيع الجمهور أن يحضر مباراتين من الاستاد في يوم واحد، وربما ثلاث مباريات، نظراً لقرب المسافة بين الاستادات الثمانية، التي تقام عليها المباريات، فهذه أول مرة على الإطلاق تقام البطولة في مدينة واحدة هي الدوحة.
بالعودة إلى كرة القدم، المفترض أن تكون البطل الأول والأخير في المونديال، نجد أن كأس العالم 2022 في قطر سيكون أول مرة تشهد مشاركة النساء في تحكيم مباريات البطولة العالمية الأكبر للرجال.
فمن بين حكام الساحة الـ36 في كأس العالم، توجد ياماشيتا يوشيمي (اليابان)، وساليما موكانسانغا (رواندا)، وستيفاني فرابار (فرنسا)، كحكمات ساحة للمرة الأولى في تاريخ المونديال. كما توجد 3 حكمات مساعدات هن البرازيلية نويزا باك والمكسيكية كارين دياز ميدينا والأمريكية كاثرين نيسبيت.
كما أنها ستكون أول مرة في كأس العالم تستطيع المنتخبات الاستفادة من 5 تبديلات وليس 3 فقط، كما كان معتاداً في النسخ الـ21 الماضية.
أخيراً وليس آخراً، لا شك أن تجمع آلاف العمال المهاجرين في أحد الملاعب بالعاصمة القطرية الدوحة، لمشاهدة المباراة الافتتاحية لبطولة كأس العالم، حيث التقطوا صور السيلفي من المدرجات واستمتعوا بالجلوس على الأرض العشبية، يعتبر سابقة تاريخية أيضاً.
فقد تضمنت منطقة المشجعين الخاصة التي أقيمت في المنطقة الصناعية على مشارف المدينة ملعباً به شاشة تلفزيون عملاقة، وشاشة كبيرة أخرى تم تركيبها في الخارج لحشد كبير، حتى يستمتع العمال المهاجرون، كما قال أحدهم لرويترز، بنتاج جهدهم وعرقهم. "يغمرني فيض من المشاعر بما أراه الآن"، فهكذا عبر رونالد سينيوندو، الأوغندي البالغ من العمر 25 عاماً، عما يشعر به. وبلغت تكلفة تذاكر المباراة الافتتاحية 200 دولار في المتوسط، لكن منطقة المشجعين الصناعية كانت مجانية.
وقال محمد أنصار، هندي يبلغ من العمر 28 عاماً ويعمل في قطر، كان ممتناً لوجوده مع زملائه العمال الذين كانوا يشاهدون المباراة عبر شاشة: "وجود هذا الملعب المجاني يعني أنهم يفكرون أيضاً في الفقراء".