رغم مرور 3 سنوات على ظهور فيروس كورونا، وتحوله إلى جائحة عالمية هي الأسوأ منذ أكثر من قرن، فإن كثيراً من الأسئلة الخاصة به لا تزال عالقة دون إجابات، فهل يوجد أشخاص لم يصابوا به مطلقاً؟
فالسؤال البديهي المتعلق بالكيفية التي انتقل بها فيروس كورونا إلى البشر لا تزال تمثل لغزاً يبحث عن إجابة علمية دقيقة حتى اليوم، فهل تسرب من أحد المعامل البيولوجية؟ أم أنه انتقل للبشر عن طريق خفاش؟
وبعد مرور كل هذا الوقت واكتشاف اللقاحات لا يزال السؤال بلا إجابة، رغم أن لجنة تحقيق تابعة لمنظمة الصحة العالمية كانت قد توصلت إلى تقرير بشأن أصل الفيروس، مطلع العام الماضي، لكن دولاً على رأسها الولايات المتحدة شككت في التقرير، واتهمت الصين بإخفاء الحقيقة.
هل هناك أشخاص لم يصابوا مطلقاً بكورونا؟
رغم أنه قد تم تسجيل ما يقرب من 641 مليون حالة إصابة بعدوى فيروس كورونا حول العالم، حتى الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بحسب موقع وورلدميترز لإحصائيات كورونا، فإن أغلب خبراء الفيروسات يرجحون أن تكون أعداد من تعرضوا للإصابة خلال سنوات الجائحة أضعاف الأرقام الرسمية.
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة ليندزي برودبنت، المتخصصة في علم الفيروسات بجامعة سَري بإنجلترا، لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "هناك الكثير من الأشخاص الذين يقولون إنهم لم يصابوا مطلقاً بمرض كوفيد. غالبيتهم على الأرجح مخطئون، فلربما أصيبوا بالعدوى ولكنها لم تُسفر عن أية أعراض".
لكن هل هناك بالفعل أشخاص لم يصابوا مطلقاً بعدوى كورونا؟ يبدو أن جيمس غالاغر، محرر الصحة والعلوم في موقع بي بي سي، أحد هؤلاء المحظوظين، فأن يتمكن أحد من تفادي الإصابة بفيروس كورونا يبدو شيئاً استثنائياً. إذ اجتاح الفيروس شتى بقاع العالم منذ ظهوره في الصين، وظلت المتحورات الجديدة تكتسب قدرة أفضل على إصابة البشر بالعدوى، وحتى اللقاحات لم تمنح البشر درعاً لا يمكن اختراقه، حيث أصيب بالعدوى من تلقوا اللقاحات أيضاً.
ويقول غالاغر إنه ظل يذهب إلى العمل طوال الجائحة، حتى أثناء الإغلاقات، وأصاب الفيروس باقي أفراد أسرته بعنف، ورغم ذلك لم يتعرض هو شخصياً للعدوى.
غالاغر بالقطع ليس الشخص الوحيد في العالم الذي لم تظهر عليه أعراض كورونا أو كوفيد، ولم تكن نتيجة اختباراته إيجابية. وأشار أحد التقديرات المنشورة، الصيف الماضي، إلى أن واحداً من بين 10 أشخاص في المملكة المتحدة لم يُصب بعد بالعدوى.
فما الأسباب؟ هل تحتوي أجسام بعض البشر، الذين لم يصابوا بكوفيد على الإطلاق أسراراً خاصة، تساعد على وقايتها من الفيروس شديد العدوى؟ أم أن هناك احتمالات أخرى تفسر تلك الظاهرة.
تقول الدكتورة ليندزي بريدبنت: "نعلم أن هناك بعض الأشخاص الذين لم يصابوا بالعدوى على الإطلاق، حتى بين هؤلاء الذين يعملون في بيئة مرتفعة الخطورة، كالممرضات".
وكانت دراسة لأشخاص أجروا اختبارات كوفيد بصورة دورية قد توصلت إلى أن نصف هؤلاء الذين أصيبوا بمتحور أوميكرون لم يدركوا إصابتهم، أو أرجعوا الأعراض الخفيفة التي ظهرت عليهم إلى سبب آخر.
مناعة مسبقة
أحد الاحتمالات في هذا السياق هو وجود "مناعة مسبقة"، وفكرة العدوى المُجهضة هذه تعني أنك تُستَهدف من قبل الفيروس، بل ويتمكن الفيروس من الوصول إلى الأماكن اللازمة لبدء العدوى، ولكن جسمك يحاصره قبل أن ينتشر.
تأكد خبراء الفيروسات من حدوث ذلك من خلال دراسات عمدت إلى إصابة الأشخاص بالعدوى. خلال تلك التجارب كان يتم بخ الفيروس في أنوف المتطوعين الأصحاء، ومع ذلك فإنه من بين الأشخاص الـ34 الذين شاركوا في الدراسة لم تظهر العدوى إلا على نصفهم.
خط الحماية الأول هو الجهاز المناعي الفطري، فهذا هو الدفاع التلقائي لأجسامنا. لا يستطيع ذلك الجهاز أن "يتذكر" عدوى الفيروسات المختلفة، ولذلك كل مرة تحدث الإصابة تكون بمثابة المرة الأولى بالنسبة له، لكنه يعمل بسرعة وبإمكانه وقف انتشار العدوى أو صدّها.
أوضحت الدكتورة برودبنت ذلك من خلال إجراء تجارب استخدمت فيها رئات مصغرة تمت زراعتها باستخدام خلايا بشرية، وحاولت إصابتها بعدوى الفيروس. تقول برودبنت: "وجدنا شخصاً واحداً لم نتمكن من إصابته، كنا نصب كميات هائلة من الفيروس على تلك الخلايا، ولكن لم تحدث العدوى".
النصف الآخر من الجهاز المناعي يعرف بالجهاز المناعي التكيفي، أو المكتسب، والذي يتعلم ويتحسن مع الممارسة. وهنا يأتي دور اللقاحات التي تهيئ الجسم لمحاربة كوفيد.
تقول البروفيسورة مالا مايني، أستاذة علم المناعة الفيروسية: "ربما تكون اللقاحات قد قامت بدورها على أتم وجه ومنحتك مناعة جيدة جداً".
لكن اللقاحات لا تمنح سوى حماية محدودة ضد الإصابة بالفيروس، وسرعان ما تتلاشى. كما أنه لم تكن هناك لقاحات خلال العام الأول من الوباء.
بيد أن هناك طرقاً أخرى يستطيع من خلالها هذا الجزء من الجهاز المناعي أن يوقف العدوى. فقد أظهرت عينات الدم المأخوذة من العاملين بالمستشفيات قبل الوباء أن بعضاً منهم كان لديه بالفعل ما يعرف بالخلايا التائية (T-Cells). هذه الخلايا تعمل كحراس يفحصون الخلايا الأخرى بحثاً عن أية دلائل على حدوث العدوى. وإذا ما وجدوا خلية مصابة يقتلونها.
حتى قبل وصول الحالات الأولى إلى المملكة المتحدة، كان بعض الأشخاص لديهم تلك الخلايا المكافحة لكوفيد في دمهم. هذا على الأرجح ناتج عن إصابتهم بفيروسات كورونا المسببة لنزلات البرد الشائعة، والتي تشبه إلى حد كبير فيروس كوفيد.
تقول البروفيسورة مايني إنه "لو كان لديك أطفال صغار يذهبون إلى المدرسة، فمن المرجح جداً أنك تعرضت لتلك الفيروسات في الأعوام السابقة. إذا كان لديك الخلايا التائية تلك المتأهبة للعمل طوال الوقت، فإنها من الممكن أن تتصرف بسرعة أكبر وتقضي على العدوى قبل أن تظهر في نتيجة الاختبار".
الأمل هو تطوير جيل جديد من اللقاحات التي يمكنها محاكاة هذه المناعة الموجودة مسبقاً. تقول البروفيسورة مايني: "إذا تمكنا من جعل الخلايا التائية تلتصق بالمناطق الداخلية من الفيروس، ثم الحصول على تلك الاستجابة في الأنف والمجاري الهوائية والرئتين ستكون هناك فرصة أفضل بكثير في نجاحها في إجهاض العدوى قبل أن تنتشر، هذا هو الهدف".
هل توجد احتمالات أخرى لعدم الإصابة؟
هناك احتمالان آخران، أحدهما شديد الندرة، بعض الأشخاص لم يتعرضوا مطلقاً للفيروس لأنهم توقفوا عن الاختلاط بالناس. فهناك أشخاص عزلوا أنفسهم لما يقرب من 1000 يوم، عادة لأن جهازهم المناعي ضعيف، ما يجعلهم أكثر هشاشة.
أما الاحتمال الثاني فهو المناعة الجينية، التي تحدث بسبب الإصابة بأمراض أخرى. والمثال الشهير هنا هو فيروس نقص المناعة المكتسبة لدى البشر "إتش.آي.في". هناك عدد قليل ونادر من الناس المولودين بطفرة جينية تحميهم تماماً من الفيروس.
هذه الطفرة، التي يطلق عليها اختصاراً "سي.سي.آر 5″، تحدث في جزء من شفرتهم الجينية، وتعمل على تغيير "الأقفال" الموجودة في خلايا الجسم، بحيث لا يستطيع فيروس إتش.آي.في اختراقها. وقد تمت الاستفادة من ذلك في علاج بعض المرضى المصابين بالفيروس، وتبين أن طفرات مماثلة تمكنت من الحيلولة دون دخول فيروس كورونا إلى خلايا أجسام بعض الأشخاص.
وعن ذلك، تقول الدكتورة برودبنت: "عدد الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من المقاومة الجينية ضئيل للغاية".
السؤال الآن هو ما إذا كان الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس حتى الآن يجب أن يشعروا بالثقة مع دخول فصل الشتاء، أم أنهم في واقع الأمر أكثر عرضة للخطر؟
الحماية التي يمنحها اللقاح تعني أن فرص العدوى التي تنتج عنها أعراض مرضية شديدة الوطأة تصبح أقل بقليل، حتى ولو أن اللقاح ليس باستطاعته وقف العدوى تماماً. لكن بعض الأبحاث، ومن بينها دراسة أجريت في سويسرا، تشير إلى أن كون الشخص قد أصيب بالفيروس وتلقى اللقاح- أو ما يسمى بالمناعة الهجينة- ينتج عنه استجابة مناعية هي الأقوى على الإطلاق.
لذا ترى البروفيسورة مايني أن الأشخاص الذين لم يصابوا بكورونا حتى اليوم قد يكونون "أكثر عرضة للإصابة الآن من غيرهم". وتوافقها الدكتورة برودبنت في الرأي، إذ تقول: "إذا كنت تظن أنك لم تصب به حتى الآن هذا لا يعني مقاومتك له.. الاحتمال الأكبر هو أنك محظوظ".
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.