يعاني الصحفيون الأجانب في بريطانيا من احتمالية تعرض حياتهم للخطر على يد أجهزة استخباراتية، ولا سيما تلك التي تتبع بلدانهم الأصلية، بعدما تركوها ولجأوا إلى لندن من أجل الحماية والعيش بعيداً عن مصادر الخطر.
أصغر رامزانبور صحفي إيراني يقيم في المملكة المتحدة، تعرض للخطر والقلق عندما أبلغته الشرطة البريطانية أن عملاء للنظام الإيراني يتابعونه، وأن حياته باتت على المحك، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وظل رامزانبور محتفظاً برباطة جأشه. ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها حياة الصحفي المقيم في لندن للخطر بسبب عمله، لكنها المرة الأولى التي ترد فيها أنباء عن مثل هذا التهديد مباشرة من ضباط متخصصين في مكافحة الإرهاب الذين يتعاملون مع قضايا الأمن القومي بالتعاون مع القسم الخامس في هيئة المخابرات العسكرية.
قال رامزانبور إنَّ العملاء الإيرانيين "يقولون إنك إذا لم توقف ما تفعله، فسوف نأتي إليك؛ هذه هي الرسالة".
وأضاف: "الشيء الوحيد الذي يبحثون عنه هو منع الصحفيين من تغطية القصة. لكن في ظل الوضع الحالي، وتعطيل الإنترنت والشبكات الاجتماعية [في إيران]، فإنَّ المنفذ الوحيد الذي يمتلكه الناس هو الإعلام مثلنا".
تلقى رامزانبور (61 عاماً) ومعه عدد من الصحفيين البريطانيين الآخرين العاملين في محطة التلفزيون الإيرانية الدولية الناطقة بالفارسية، ومقرها تشيسويك، في غرب لندن، مؤخراً، تفاصيل عن تهديد موثوق و"وشيك" على حياته بعد الإرسال المزعوم لفرق اغتيال من إيران لتصفية معارضين على الأراضي البريطانية.
توتر في العلاقة بين بريطانيا وإيران على خلفية الحدث
وتسبّب ذلك في عاصفة دبلوماسية، إذ استدعى جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، أكبر دبلوماسي إيراني إلى وايتهول، يوم الجمعة 11 نوفمبر/تشرين الثاني، للتحذير من أنَّ المملكة المتحدة "لن تتسامح مع التهديدات على الحياة والترهيب من أي نوع تجاه الصحفيين، أو أي فرد يعيش في المملكة المتحدة". وتصاعدت التوترات في الوقت الذي تستعد فيه إنجلترا لافتتاح منافساتها لكأس العالم في قطر بمباراة ضد إيران في الأيام القادمة.
إضافة إلى ذلك، سلّطت هذه التوترات الضوء على كيفية تسلّل مخالب النظام الإيراني مقنَّعة إلى بريطانيا داخل المراكز الإسلامية في لندن وأماكن أخرى، وفقاً لبريطانيين إيرانيين بارزين.
وجدت صحيفة The Sunday Times أنَّ المئات من الصحفيين والنشطاء السياسيين وأولئك الذين يتحدثون علانية ضد النظام الإيراني من بريطانيا تلقوا رسائل من شرطة مكافحة الإرهاب في الأشهر الأخيرة تحذرهم من استدراجهم للعودة إلى إيران والحكم عليهم بالإعدام.
وحذرت إحدى هذه الرسائل، التي أُرسِلَت إلى صحفي آخر مقيم في لندن، من وجود دليل على أنَّ الحكومة الإيرانية "توجه هجمات جسدية ضد منشقين في أوروبا".
ويُقال إنَّ عملاء مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني قد عُيّنوا للعمل بعد شهرين تقريباً من الاحتجاجات في إيران وحول العالم منذ وفاة محساء أميني (22 عاماً) التي يُزعَم أنها تعرضت للضرب على أيدي "شرطة الآداب الإيرانية" لارتدائها الحجاب بشكل غير صحيح.
وقال رامزانبور: "نحن المنفذ الرئيسي للناس في إيران للحصول على الأخبار. هذه أكبر انتفاضة منذ [الثورة الإسلامية] في عام 1979. الثورة ليست كلمة كبيرة، وهي تحدث".
وحول قراره بالتحدث في مواجهة التهديدات بالقتل، أضاف رامزانبور: "طالما أنَّ [عملاء الحرس الثوري الإيراني] يرون أنَّ لتهديداتهم تأثيراً، فإنهم يواصلون فعل المزيد. نحاول تجاهل التهديدات عندما نقوم بعملنا. لكن بالطبع نأخذها على محمل الجد عندما نكون في المنزل أو في وسائل النقل الخاصة بنا".
يعمل أكثر من 100 صحفي في غرفة أخبار القناة. وبحسب الأمم المتحدة، فقد اعتقل النظام الإيراني نحو 14 ألف شخص؛ بينهم أطفال، منذ بدء الاحتجاجات في سبتمبر/أيلول.
ذكرت صحيفة The Daily Telegraph أنَّ "فريق مراقبة إيراني معادٍ" رُصِد خارج منازل ومكاتب كبار صحفيي القناة.
وكشف رامزانبور: "هنا في لندن منذ بضعة أشهر، تلقينا معلومات من شرطة العاصمة تخبرنا أنهم تلقوا بعض التهديدات بشأن الصحفيين الذين يعملون هنا وطلبوا منا توخي الحذر".
وأشار إلى إدراكه أنَّ التهديد حقيقي؛ لأنَّ "الشرطة هنا، وليس نحن، هي من رصدته". ويقول الصحفي إنه غير خائف: "بالطبع أنا أضع في الاعتبار احتياجاتي الأمنية، لكنني أعتقد أننا لسنا وحدنا المُهدّدين، فكل صحفي في إيران في نفس الوضع. هذا جزء من وظيفتنا عندما نعمل مع الحكومة الإيرانية".
آلاف الإيرانيين في بريطانيا
هناك ما يُقدّر بنحو 80 ألف إيراني في المملكة المتحدة، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني. في العام الماضي، كان هناك 1780 طالباً إيرانياً مُسجّلين في بريطانيا، أظهر العديد منهم تضامنهم مع أولئك الذين يواجهون الاضطهاد في إيران.
وتواصلت شرطة متروبوليتان بالصحفي البريطاني-الإيراني بوتكين أزارمهر في لندن، في مايو/أيار، وأعطته رسالة ينصح بها الإيرانيين الذين يعيشون في المملكة المتحدة حول كيفية "الحفاظ على سلامتهم". وحثتهم على "توخي الحذر بشأن رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية والاحتراس من طلبات المشاركة في أنشطة من الغرباء".
وقال أزارمهر إنَّ شرطة مكافحة الإرهاب أبلغته أنَّ إيران "غيّرت أسلوب عملها" ومن المحتمل الآن أن توظف مجرمين في الخارج لتنفيذ هجمات، بدلاً من إرسال عملاء في إيران. وأضاف: "هؤلاء ليسوا بالضرورة عملاء مُدرّبين لكن القتلة المحترفين قد يحصلون على رواتب لتنفيذ الاغتيالات".
وتابع أزارمهر: "قيل لي إنه يمكن أن يكون الأمر بسيطاً مثل الوقوف في محطة مترو أنفاق ويدفعك شخص ما أمام القطار. أو يمكن أن تكون حادثة طريق مصطنعة. قد يكون هؤلاء أشخاصاً تدفع لهم الدولة الإيرانية".
بدوره، قدّم بهمن كلباسي، مراسل BBC الفارسية في نيويورك، تفاصيل عن نظام التجسس الإيراني. في وقت سابق من هذا العام، اشتكت BBC للأمم المتحدة من مضايقات إيران المستمرة للصحفيين. وقال كلباسي: "لطالما واجهت إيران أشكالاً مختلفة من التهديدات، وكان العديد منها تهديدات إلكترونية تأتي من الشبكات الاجتماعية. [بالنسبة] للعديد من زملائنا على مدار الأعوام الـ12 الماضية، كان هذا أمراً روتينياً".
وأضاف كلباسي: "ما رأيته يتجاوز الاتصال اللفظي عبر الإنترنت كان الضغط المباشر على والدي. هكذا أتلقى التهديدات. يخبرون والدي وأمي في غرفة الاستجواب بطهران أنَّ لديهم طرقاً للوصول إليّ. ويدعونهما بانتظام لجلسات استجواب تستمر لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات في كل مرة".
وتابع: "هذا ليس فريداً بالنسبة لي. كل زملائي تقريباً حدث معهم نفس الشيء بطريقة أو بأخرى. والآن من الواضح أنَّ التهديدات نُقِلَت إلى مستوى آخر تماماً مع التطورات في قناة إيران الدولية".
في الأسبوع الماضي، قال نائب المحافظ بوب بلاكمان لمجلس العموم إنه يجب حظر الحرس الثوري الإيراني وتصنيفها على أنها منظمة إرهابية. وحذّر من وصول التمويل إلى المنظمة في لندن من خلال مراكز إسلامية، وأثار مخاوف بشأن تصرف إيران كـ"قوة معادية" من خلال "خلية" تعمل في بريطانيا.
وقال المراسل كلباسي: "حقيقة تعرض الناس للتهديد في مكان اختاروا العيش فيه للحصول على بيئة آمنة توضح تماماً أننا أمام موقف قوة معادية".
وقال متحدث باسم شرطة مكافحة الإرهاب إنَّ الإيرانيين في جميع أنحاء البلاد تلقوا رسائل "في ضوء المخاوف الجدية بشأن التقارير الإعلامية عن حالات شهدت احتجاز السلطات الإيرانية لمواطنين إيرانيين وإعادتهم إلى إيران، قبل اعتقالهم واتهامهم بارتكاب جرائم مختلفة". وأضاف أنَّ بعضهم حُكِم عليهم بالإعدام.
وأوضح: "الهدف من الرسالة هو التأكد من أنَّ الإيرانيين في المملكة المتحدة على دراية بالاحتياطات التي يمكنهم اتخاذها… للحفاظ على سلامتهم".