أحدث مؤسس فيسبوك الملياردير الأمريكي مارك زوكربيرغ "موجة موجعة" لجيش من الموظفين لديه، وذلك بعد إعلانه عن أكبر عملية تسريح للموظفين في تاريخ شركة ميتا، فما الذي دفع زوكربيرغ لتسريح 11.000 موظف في يوم واحد؟ وهل لم يكن بالفعل أمامه خيارات أخرى كما يقول البعض؟
1- أرباح أزمة كورونا خدعت زوكربيرغ
بعد هذا القرار العاصف، قال زوكربيرغ إنَّ شركة ميتا قد توسعت أكثر من اللازم، مثل العديد من منافسيها، واعتقدت ميتا أنَّ ارتفاع النشاط عبر الإنترنت أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد كان تحولاً دائماً؛ إذ على الرغم من اضطرار الناس إلى اللجوء إلى التجارة الإلكترونية ومحادثات الفيديو والألعاب عبر الإنترنت لأنهم لم يتمكنوا من مغادرة منازلهم، لكنهم سيختارون الاستمرار في العيش بهذه الطريقة بمجرد رفع القيود.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية إنه مع ارتفاع إيرادات "ميتا"، استثمرت الشركة وفقاً لذلك. لكن لم تعُد الاتجاهات إلى ما كانت عليه في أوائل عام 2020، كما أنها لم تستمر دون تغيير. وبعد رفع عمليات الإغلاق وعودة التواصل الاجتماعي الشخصي، تقلّصت إيرادات "ميتا"؛ مما ترك الشركة، التي تضم ما يقرب من 90 ألف موظف، مهددةً مالياً.
2- الانكماش الاقتصادي
ذكر الرئيس التنفيذي لشركة ميتا في بيان أنَّ الانكماش الاقتصادي الكلي تسبب في أن تكون الإيرادات "أقل بكثير" مما كان يتوقع. ولم ترسم نتائج ميتا ربع السنوية صورة جيدة والتوقعات للربع القادم ليست متفائلة أيضاً.
في النتائج الربع سنوية الأخيرة، كشفت شركة ميتا أنَّ إجمالي المبيعات قد انخفض بنسبة 4%، وانخفض دخلها التشغيلي بنسبة 46% إلى 5.66 مليار دولار.
وكشفت ميتا أيضاً أنَّ تكلفتها ومصروفاتها قد ارتفعت بنسبة 19% على أساس سنوي، خلال نفس الفترة. كما بلغت نفقات الشركة 22.1 مليار دولار؛ لذا من الواضح أنَّ خفض التكاليف أدى إلى فقدان الموظفين لأعمالهم.
3- تقلص حصص فيسبوك بسبب المنافسة
كانت هناك أسباب أخرى قدمها زوكربيرغ لفقدان الوظائف. فقد ضرب "الانكماش الاقتصادي الكلي" الأوسع نطاقاً جميع أسهم شركات التكنولوجيا بالتساوي، إذ بدأت الأرباح اليوم تبدو ألذ من النمو غداً في أعين المستثمرين الذين يواجهون نهاية سياسة سعر الفائدة الصفرية في العالم الغربي. وقال إنَّ "المنافسة المتزايدة" تسببت بأضرار أكثر، وكذلك "خسارة إشارات الإعلانات".
ولم يذكر زوكربيرغ أسماء المنافسين الذين يأكلون حصص فيسبوك من المستخدمين. لكن من الواضح أنه كان يشير إلى المنافسة من تيك توك، وهو تطبيق عصري يسرق المستخدمين ويسيطر على روح العصر، بجانب تغيير السياسة في آبل. في عام 2021، حدت شركة آبل من كمية البيانات، أو "الإشارات"، التي يمكن لفيسبوك جمعها حول سلوك مستخدمي آيفون؛ مما جعل من الصعب على الشركات الصغيرة استخدام إعلانات فيسبوك لاكتساب عملاء جدد بطريقة مربحة.
وصرحت ميتا في وقت سابق بأنها عانت من خسارة قدرها 10 مليارات دولار، منذ حصول آبل على ميزة شفافية تتبع التطبيقات، التي تمنح المستخدمين خيار عدم السماح للتطبيقات بتتبعهم.
4- الاستثمار الهائل في "ميتافيرس"
وإحدى النقاط التي أثارتها صحيفة The Wall Street Journal مراراً وتكراراً واعتبرتها مثيرة للقلق كانت غائبة عن تفسير مؤسس فيسبوك لفقدان الوظائف؛ وهي استثمار الشركة الهائل في "ميتافيرس"، وهي رؤية فضفاضة التعريف لمستقبل يتجمع فيه الناس في عوالم افتراضية، التي يمكن الوصول إليها من خلال الواقع الافتراضي وأجهزة الواقع المعزز للعمل واللعب والتواصل اجتماعياً.
يقول موقع Gadgets Now إنه في عام 2021 وحده، أنفقت شركة ميتا أكثر من 12 مليار دولار على البحث والتطوير في ذراعها Reality Labs، لكن جلب عائداً بالكاد سدس ذلك الرقم في عدد قليل من منتجات ميتافيرس التي تحقق إيرادات بالفعل، بما في ذلك سماعات Meta Quest (النظارات عالية التقنية التي كانت تسمى سابقاً Oculus) وغرفة دردشة Horizon Worlds. وتتزايد هذه الخسائر؛ ففي مؤتمر إعلان الأرباح في فبراير/شباط، قال زوكربيرغ إنه يتوقع زيادة الخسائر "زيادة ملموسة" خلال عام 2022.
وكشفت تقارير عن أنَّ شركة Reality Labs خسرت ما يقرب من 9.4 مليار دولار في عام 2022، لكن لا يزال لدى زوكربيرغ والشركة خطط طموحة لها.
وأصيب المساهمون بالذعر.. كتب براد غيرستنر، مؤسس Altimeter Capital، ومساهم طويل الأجل في الشركة، رسالة مفتوحة إلى زوكربيرغ في أكتوبر/تشرين الأول، دعاه فيها إلى تقليص حجم الشركة تقليصاً جذرياً. وكتب: "الاستثمار بأكثر من 100 مليار دولار في مستقبل غير معروف هو حجم كبير ومرعب، حتى بمعايير وادي السيليكون… نعتقد أنَّ شركة ميتا يجب أن تحدد سقفاً لا يزيد على 5 مليارات دولار سنوياً لاستثماراتها غير المباشرة، مع المزيد من الأهداف ومقاييس النجاح المنفصلة؛ على عكس استراتيجية اليوم الأكثر طموحاً وانفتاحاً".
وإذا كان تقدير غيرستنر دقيقاً حتى لو بهامش ضئيل، يمكن لشركة ميتا أن تدفع لكل موظف يفقد وظيفته 9 ملايين دولار رسوم إنهاء الخدمة، ويظل إنفاقها أقل مما هو متوقع استثماره في بناء أعمال ميتافيرس.
لكن زوكربيرغ لا يهتم؛ إذ لم يذكر ميتافيرس -الذي يمثل أولوية استراتيجية قريبة جداً من قلبه لدرجة أنه قبل أكثر من عام بقليل أعاد تسمية الشركة بأكملها بهذا الاسم- إلا مرة واحدة في رسالته إلى الموظفين، وكان ذلك بمثابة تأييد كامل لخططه الخاصة، وقال: "لقد حوّلنا المزيد من مواردنا إلى عدد أقل من مجالات النمو ذات الأولوية القصوى؛ مثل محرك اكتشاف الذكاء الاصطناعي، وإعلاناتنا ومنصات أعمالنا، ورؤيتنا طويلة المدى لميتافيرس".
5- الهروب من الواقع والمراهنة على المستقبل
تتخلص شركة ميتا من الموظفين من محركات أرباحها لتمويل استثمارات ضخمة في مستقبل غير مؤكد. والشيء المحير هو أنه أسفل كل ذلك، لا تزال ميتا شركة مربحة للغاية، مع شبكات اجتماعية متعددة العملاقة، بجانب أنها الشركة الإعلانية الأفضل في فئتها، بينما تكافح منافستها الصينية تيك توك في مواجهة رياح جيوسياسية غير مؤكدة.
لكن يبدو أنّ فيسبوك لم تعُد الشركة التي يريد مارك زوكربيرغ تشغيلها بعد الآن، وقال عن تجربته في قيادة أكبر شبكة اجتماعية في العالم: "كل يوم تستيقظ ويصيبك اليأس"؛ لذا قد تكون ميتافيرس متنفَّسَهُ من ذلك، حتى لو كان عليه أن يصمم المستقبل من عظام الشركة التي بناها.