قمة علاء عبد الفتاح، قمة المناخ سابقاً، هكذا أصبح البعض يطلق على قمة المناخ بشرم الشيخ، والتي كانت تتطلع السلطات المصرية لأن تكون بوابة لتأكيد عودة القاهرة لمكانتها بالساحة الدولية.
وكانت استضافة السلطات المصرية لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (Cop27) في منتجع شرم الشيخ، المطل على البحر الأحمر، فرصة لترسيخ عودة مصر للساحة الدولية، حيث سعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتعزيز علاقات بلاده الخارجية، بعد أن أدت الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، لتزعزع هذه المكانة لفترة بسيطة، قبل أن تتغلب أهمية مصر الإقليمية على تحفظات بعض الدولة الغربية، وبالفعل بدأت علاقات مصر الإقليمية والدولية تعود لسابق عهدها.
وقمة المناخ كانت بمثابة خطوة رئيسية لتأكيد هذه العودة، ففي هذا المؤتمر السنوي البارز الذي أصبح واحداً من أهم المؤتمرات الدولية تعقد اجتماعات لوفود حكومية تأتي من معظم دول العالم، ويحتشد له قادة المنظمات غير الحكومية والعاملون بمنظمات المجتمع المدني ومسؤولو الشركات الكبرى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
السيسي يطالب ضيوف قمة المناخ بإدراك أهمية اللحظة المصيرية لكوكب الأرض
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في بيان افتتاحه للمؤتمر مطلع هذا الأسبوع: "[أثق بحكمتكم وإدراككم] لهذه اللحظة المصيرية من عمر كوكبنا"، "فلا مجال للتراجع أو التذرع بأي تحديات لتبرير ذلك، لأن فوات الفرصة هو إضاعة لإرث أجيال المستقبل، من أبنائنا وأحفادنا".
لكن المؤتمر خيَّم عليه غطاء من التشاؤم منذ بدايته، حسب وصف صحيفة The Washington Post الأمريكية.
فقد انصرف عن حضوره بعض نشطاء المناخ المعروفين، مثل الفتاة السويدية غريتا ثونبرغ، التي صرحت بأنها لا ترى مؤتمر هذا العام إلا وسيلة تستخدمها حكومات متخلفة وشركات منتفعة لـ"غسل السمعة باستغلال قضية المناخ" (Greenwashing)، حسب تعبيرها.
الحكومات الغربية تتخلى عن تعهداتها
لم تنفِّذ إلا قلة من الحكومات التعهدات الطموحة بتسريع تدابير تخفيض الانبعاثات، وتقاعست بعض الدول الغنية عن تمويل الخطط الموضوعة لتقديم مساعدات مالية للبلدان النامية، التي يعاني أكثرها من التداعيات الأولية للاحترار المناخي من دون قدرات ملموسة على التخفيف منها. بل إن كثيراً من البلدان الغنية ضخت هذا العام مزيداً من الأموال في إقامة منشآت الوقود الأحفوري الباعث للكربون، وزادت الاعتماد عليه بدافعٍ من الاضطراب الاقتصادي العالمي وتقلُّب أسعار الطاقة.
وتخلت بعض الدول عن بعض أبرز التعهدات التي عُقدت في مؤتمر المناخ السابق (Cop26) بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وما أعقبه من اضطرابات في الاقتصاد العالمي. وقد عوَّقت الكوارث المناخية شديدة الوطأة قدرات البلدان على الاستثمار في الطاقة المتجددة والبنى التحتية المرنة للطاقة، مع أنها كشفت في الوقت نفسه عن حاجة هذا العالم الملحة إلى الاستعداد لعالم أشد حرارة" لفعل التغير المناخي.
لكن مصدر الإحراج الأكبر في القمة كان سجن الناشط علاء عبد الفتاح
تقول الصحيفة الأمريكية "لقد عجزت الحكومة المصرية، المعروفة بقبضتها السلطوية، عن منع النشطاء السياسيين من اعتلاء صدارة الاهتمام في شرم الشيخ يوم الثلاثاء، وفشلت في حجب الأضواء المسلطة على محنة علاء عبد الفتاح، الناشط المصري البريطاني الذي عُرف بمشاركته في الانتفاضة المصرية عام 2011، لكن نظام السيسي اعتقله عام 2014 وحكم عليه بالسجن بتهمٍ مشكوك فيها، ثم حُكم عليه في عام 2021 بالسجن 5 سنوات أخرى بتهمة "نشر أخبار كاذبة". وهي تهمة اعتادت السلطات المصرية التسلح بها لإسكات معارضيها.
وقال أقارب علاء عبد الفتاح إنه قرر تصعيد إضرابه الاحتجاجي عن الطعام بتناول آخر شربة ماء له يوم الأحد، 6 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو تصعيد قد يفضي إلى وفاته. ومن ثم، فقد ألقت هذه المحنة بظلالها على فعاليات مؤتمر المناخ، ودفعت مجموعات حقوقية ومنظمات دولية إلى التركيز على سجل مصر المروع في انتهاكات حقوق الإنسان، وما يشمله من احتجاز عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجون البلاد.
في هذا السياق، أدلى فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، يوم الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني، بتصريحات حثَّ فيها مصر على إطلاق سراح علاء عبد الفتاح من السجن وتقديم الرعاية الطبية له، وقال: "إنني أحث السلطات المصرية على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفياً، ومنهم المحتجزون على ذمة المحاكمة، وكذلك المدانين ظلماً. فلا يجوز اعتقال أي شخص لممارسته حقوقه الإنسانية الأساسية".
طرد نائب مصري من المؤتمر الصحفي لشقيقة عبد الفتاح
في غضون ذلك، جاءت الفرصة الممنوحة للمعارضين في شرم الشيخ، على ضعفها، مكلفةً للنظام المصري. فقد قاطع النائب بالبرلمان المصري، عمرو درويش، مؤتمراً صحفياً كانت تشارك فيه سناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح، مستجلباً الاستياء من الحشد الحاضر. وحاول درويش توبيخ سناء أمام عشرات الصحفيين الدوليين، قائلاً: "أنتم هنا تستدعون دولاً أجنبية للضغط على مصر. أنتم تطالبون بعفو رئاسي عن سجين جنائي".
أظهرت فيديوهات طرد أفراد الأمن التابعين للأمم المتحدة، والمكلفين بتأمين الجلسة، للناسب المصري إلى خارج القاعة. وكتبت سيوبان أوغرادي وسارة كابلان، مراسلتا صحيفة The Washington Post، إنه "ربما كان يسعى بدخوله للمؤتمر الصحفي إلى الدفاع عن سجن الحكومة لعبد الفتاح، إلا أن حقوقيين وصفوا ما فعله النائب المصري بأنه نموذج مثالي أبرز به أمام حشد من المراقبين الأجانب لمحةً مما يحاول المسؤولون في مصر إخفاؤه عن مندوبي مؤتمر المناخ".
وقال حسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن هذا النوع من التخويف والمضايقات من أقل ما يتعرض له الحقوقيون في مصر. ولم يكن هذا المؤتمر الصحفي ليُعقد أو يستمرـ إلا لأنه يحدث في منطقة خاضعة لتأمين الأمم المتحدة، "فليس من الممكن أصلاً عقد مؤتمر صحفي لسناء سيف في القاهرة أو في أي مكان آخر بمصر، لولا مؤتمر المناخ المنعقد بالبلاد".
أبدى كثير من نشطاء المناخ الرأي نفسه، فقالت جان سو، رئيسة مجلس إدارة شبكة العمل المناخي الدولية، لصحيفة Washington Post، "هناك ارتباط جوهري بين حقوق الإنسان والعدالة المناخية. إن مصداقية مؤتمر المناخ (Cop27) وفاعلية نتائجه معرَّضتان للطعن فيهما إذا امتنعت مصر عن الاستجابة لمطالب الإفراج عن علاء وسجناء الرأي الآخرين".
هل يضغط قادة الغرب على السيسي لإطلاق سراح علاء عبد الفتاح؟
تمتع نظام السيسي بمساندة الغرب في معظم قراراته، ولم يُواجه بعواقب ملموسة على قيادته في عام 2013 لعملية الإطاحة بحكومة الإسلاميين المنتخبة ديمقراطياً، حسب وصف تقرير The Washington Post.
واجتمع السيسي هذا الأسبوع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ويقال إن الثلاثة صرحوا للرئيس المصري بضرورة الإفراج عن عبد الفتاح، إلا أن أياً منهم لم يُنذره بعواقب ملموسة أو تداعيات مؤثرة إذا امتنعت القاهرة عن الاستجابة لمطالبه، وفقاً للصحيفة الأمريكية.
غير أن الصحيفة تقول إنه من المتوقع أن يضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن على السيسي لتحسين حقوق الإنسان خلال اجتماعهما المقرر يوم الجمعة 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
أليسون ماكمونوس، مديرة الأبحاث في "مبادرة الحرية"، وهي منظمة حقوقية معنية بالتركيز على شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حثَّت إدارة بايدن على إبراز المطالب الداعية للإفراج عن عبد الفتاح، والحيلولة دون التمكين لمحاولات النظام المصري "لغسل سمعته باستغلال قضايا المناخ" في المؤتمر، حسب تعبيرها.
وقالت مكمانوس في بيان أرسلته بالبريد الإلكتروني: "إن افتراض السيسي بأن العالم سيتجاهل محنة علاء عبد الفتاح إعجاباً بقدرة مصر على عقد مؤتمر دولي- ليس إلا وهماً يفتقر إلى المنطق، حسب تعبيرها وكما نرى، فقد أخطأ في تقديره خطأ فادحاً: فالمشاركون في هذا المؤتمر سيذكرونه بوصفه (مؤتمر علاء عبد الفتاح أو قمة علاء عبد الفتاح)".