للمرة الثانية يخرج العماد ميشال عون من القصر الرئاسي اللبناني، وفي المرتين كان الدخول والخروج مثيراً للجدل، رغم أن الأول كان دموياً، عكس الخروج الثاني، ولكن في الحالتين يسجل عون حقيقة كونه واحداً من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ لبنان الحديث.
فبينما خرج عون (87 عاماً) أمس الأحد الموافق 30 أكتوبر/تشرين الثاني 2022، في احتفال رسمي بنهاية ولايته، فإنه خرج في المرة السابقة، وسط دماء وأشلاء سقطت في المعارك بين جناحي الجيش اللبناني الذي كان جزءاً منه مع عون والآخر يقاتل ضده بجانب القوات السورية التي طردته من القصر الرئاسي عام 1990، عندما كان يترأس حكومة عسكرية استولت على القصر، في مخالفة للدستور والميثاق اللبنانيين اللذين يحتمان أن يكون منصب الحكومة اللبنانية سنياً.
في الحالة الثانية، يخرج والاقتصاد اللبناني منهار بعد أن انحداره لأزمة وصفها البنك الدولي بأنها الأسوأ منذ 150 عاماً، وفي الأولى كان لبنان في الفصل الأخير من حرب أهلية مدمرة استمرت 15 عاماً كان هو طرفاً رئيسياً بها.
ولكن في الحالتين عون متهم من خصومه وبعض حلفائه بأنه مسؤول عن الكارثة التي لحقت بلبنان، بينما أنصاره يرون أنه بطل وزعيم لا يبارى، ولكنه تعرض لمؤامرة من هؤلاء الذين ينكرون حقه الطبيعي في زعامة مسيحيي لبنان، وبالتالي رئاسة البلاد.
الاختلاف الأكبر بين الحالتين كان في خصومه وحلفائه، في الحالة الأولى كان خصمه الأكبر هو نظام الأسد في سوريا ومعه حلفاء سوريا مثل حركة أمل وحزب الله (لم يكن دوره في السياسية اللبنانية قد صعد بالشكل الحالي) وقبل ذلك كان خصومه يتضمنون معظم القوى السياسية اللبنانية، بما في ذلك الأحزاب المسيحية المعادية لسوريا، بينما لم يكن له حلفاء سوى نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كان هزم لتوه في حرب تحرير الكويت؛ مما سمح لنظام الأسد بطرده من لبنان، وشبه حليف هو فرنسا التي وفرت له ملاذاً من مطاردة نظام الأسد في سفارتها ببيروت، قبل أن تقوم بتهريبه لباريس.
ولكن في الحالة الثانية، كان حلفاء عون هم أعداء أمس، وهم نظام الأسد وحزب الله وبصورة أقل حركة أمل، ضمن ما يعرف بتحالف 8 آذار الذي دعم عون للوصول للرئاسة، بينما أعداؤه هم الأحزاب المسيحية وتيار المستقبل، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وغيرهم من مكونات ما يعرف ببقايا تحالف 14 آذار المعادي لسوريا وحزب الله، ولكن قائمة الخصوم أو على الأقل المعارضين له تشمل الولايات المتحدة والسعودية اللتين غضبتا منه لتحالفه مع حزب الله وسوريا.
في الحالتين، كان الثابت تشبث عون بالسلطة، وإيمانه هو وأنصاره بأنها حق طبيعي له، والثابت الثاني تقلبات تحالفاته وأنه رجل صعب المراس سواء بالنسبة لخصومه أو حلفائه على السواء.
من هو ميشال عون الرئيس الـ13 للبنان؟
ميشال عون، رجل بطموح لامس حد الهوس، طوال عمره لم يتخل عن حلمه برئاسة لبنان، حسب وصف موقع فرانس 24، وهو قائد أسبق للجيش وسياسي لبناني. وعن عمر ناهز 81 عاما، أصبح الرئيس الـ13 للجمهورية اللبنانية، بعد أن تم انتخابه في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016 لولاية مدتها ست سنوات انتهت أمس الأحد تاركاً شبح الفراغ الرئاسي يطارد لبنان.
ولد ميشال عون وترعرع في عائلة مارونية متوسطة الحال في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. انضم إلى الأكاديمية العسكرية كضابط متمرن وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية في الجيش اللبناني.
تسلق "الجنرال"، وهو اللقب الذي يطلقه عليه مؤيدوه والمؤمنون بحركته السياسية، سلّم الطبقات الاجتماعية عندما كرس حياته المهنية للسلك العسكري. خلال تدرجه في المؤسسة العسكرية، أثار عون إعجاب مدربيه، حيث تخصص في سلاح المدفعية، وتم إرساله ضمن بعثات خارجية، خاصة إلى فرنسا والولايات المتحدة، لاستكمال تدريبه.
أصبح قائداً للجيش وتلاقت أهدافه مع الميليشيات المسيحية
خلال الحرب الأهلية انقسم الجيش اللبناني على أساس ديني، وكان القسم الأكبر مسيحياً، لأن المسيحيين كان لهم القسم الأكبر من المناصب في البلاد ولا سيما المؤسسة العسكرية، وكان هذا القسم مؤيداً لمؤسسة الرئاسة، التي يقودها رؤساء مسيحيون أشهرهم بشير الجميل الذي انتخب رئيساً في أغسطس/آب 1982 بضغط إسرائيلي عقب الغزو الإسرائيلي للبنان.
وشارك الجيش اللبناني مع الأحزاب المسيحية في المعارك ضد المقاومة الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية أخرى، ضد الجيش السوري وحلفائه مثل حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (اشتبك جيش النظام السوري بدوره مرات عديدة ضد الفلسطينيين وأحياناً بالتحالف مع الأحزاب المسيحية قبل أن يدب الخلاف بينهما).
تلاقى عون، الضابط في الجيش اللبناني وقتها، في أفكاره أولاً مع الميليشيات المسيحية، خلال الحرب الأهلية، بعدما بات الوجود الفلسطيني المسلح هاجسه، صار وقفه عند حده همه الوحيد، وكذلك استرجاع سيادة الدولة، حسبما يذكر الصحفي سركيس نعوم في كتابه "ميشال عون حلم أم وهم"، وفقاً لما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
عندما اشتدت وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية، عين ميشال عون عام 1983 قائداً للواء الثامن في الجيش اللبناني. وقام مع مجموعته بصد هجوم ميليشيا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وميليشيات أخرى موالية للنظام السوري في منطقة سوق الغرب المطلة على كامل بيروت الجنوبية، والتي إن سقطت كانت ستهدد وجود الدولة اللبنانية.
هذا الإنجاز العسكري مكّنه وعن عمر 49 عاماً من أن يُعيَّن قائداً للجيش اللبناني، ليصبح بذلك أصغر ضابط يتولى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية اللبنانية. ظروف الحرب الصعبة المرافقة لتوليه هذا المنصب دفعته إلى تعزيز ما تبقى من مواقع للجيش اللبناني في المناطق المحايدة. كل ذلك، في بلد يعيش تحت رحمة الميليشيات وتحت احتلال جيشين أجنبيين (إسرائيل وسوريا).
أدى اغتيال الرئيس بشير الجميل بعد أيام من انتخابه بضغط إسرائيلي إلى خلق حالة من فراغ القيادة في الوسط المسيحي، لأن شقيقه أمين الجميل الذي خلفه في المنصب (انتخب للرئاسة بعد اغتيال بشير) لم يكن رجلاً عسكرياً ميلشياتياً قوياً مثل بشير، وصعد دور القوات اللبنانية التي كانت بمثابة الجناح العسكري للأحزاب المسيحية ولا سيما حزب الكتائب.
كان الوسط المسيحي يعاني من نقص الزعامة بعد اغتيال بشير الجميل، واستغل عون ذلك وساعده أن كثيراً من المسيحيين كانوا مستائين من السمعة السلبية لزعماء الميليشيات المسيحية الأقوياء الذين لم تقتصر انتهاكاتهم على خصومهم الفلسطينيين أو المسلمين اللبنانيين، بل امتدت لمنافسيهم المسيحيين، وأحياناً للمدنيين المسيحيين، بينما نُظر لعون على أنه جنرال من المؤسسة العسكرية التي تحظى باحترام خاص للمسيحيين، وفي الوقت ذاته رجل قوي على غرار بشير الجميل.
تولى رئاسة الحكومة رغم أن هذا المنصب حكر من الناحية الدستورية للسنة
في 22 سبتمبر/أيلول عام 1988، قام الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل بحل حكومة سليم الحص وعين مكانها حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون من ستة وزراء، ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين.
في المقابل، أعلن الحص وبدعم سوري أن هذه القرارات غير شرعية، باعتبار أن منصب رئيس الحكومة هو حصراً حق للمسلمين السنة، وبالتالي أصبح للبنان حكومتان واحدة مدنية مكونة من غالبية مسلمة في غرب بيروت والأخرى مكونة من غالبية مسيحية في شرق بيروت.
اعتبر عون نفسه رمز الشرعية الأخير في لبنان، والزعيم الذي سيحافظ على حق المسيحيين في قيادة البلاد.
اعتمد عون على جزء من الجيش اللبناني، إضافة إلى دعم ميليشيا القوات اللبنانية، التي كان يرأسها سمير جعجع، وحزب الوطنيين الأحرار، الذي كان يرأسه داني شمعون. وتلقى عون الدعم أيضاً من الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.
مواقفه القوية وملابسه العسكرية المموهة والقبعة العسكرية (البيريه) التي حرص على ارتدائها عند كل إطلالة له، أكسبته شعبية كبيرة في صفوف المسيحيين ويقال إنها شعبية امتدت حتى لمناطق سيطرة القوات السورية.
ولكنه حاول القضاء على منافسيه من زعماء الميليشيات المسيحية، حيث شن حرب توحيد البندقية المسيحية، أو حرب "الإلغاء" بعد أن اتهم عون، القوات والبطريرك الماروني نصر الله صفير، بالموافقة على اتفاق الطائف الذي توصل إليه أعضاء مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول 1989، لإنهاء الحرب الأهلية، والذي سينهي كذلك رئاسة عون لحكومته العسكرية.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 1990 اندلعت حرب الإلغاء بين عون والقوات اللبنانية، ورفع عون شعاراً لهذه الحرب مخيّراً المسيحيين بين "الدولة والدويلة". وقد اعتبرت حرب الإلغاء أشرس الحروب التي أنهكت ودمّرت المناطق المسيحية التي كانت تُسمّى بالمناطق الحرّة أو بالشرقية، وأضعفت هذه الحرب القوى المسيحية وتسبّبت بأكبر هجرة للمسيحيين للخارج وبسقوط آلاف الضحايا إما على الجبهات أو تحت الركام أو في البحر هرباً من جحيم النار.
وينقل موقع Beirut Observer عن متابعين لتلك المرحلة أن الأسباب التي دفعت العماد عون إلى إعلان حرب التحرير كانت عدم رغبة سوريا بانتخابه رئيساً للجمهورية، بعدما كان فتح قناة اتصال مع وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس أفضت إلى صفقة تقضي بدعم سوريا ترشيحه إلى الرئاسة الأولى مقابل إبداء عون قدرته على ضرب معارضي سوريا وفي طليعتهم القوات اللبنانية. وقد عبّر قائد الجيش حينها عن حسن نية من خلال إنزال الجيش في 4 مايو/أيار 1988 إلى شوارع المنطقة الشرقية واعتقال عدد من كوادر القوات اللبنانية. وكان عون من يبعث برسائل إلى دمشق، لكن حلمه بالوصول إلى الرئاسة تبخّر بعد تزكية اسم النائب مخايل الضاهر ووعده بأن يكون وزيراً للدفاع.
ودخل عون مع القوات السورية وحلفائها الذين يسيطرون على المناطق المسلمة.
في الحرب مع القوات السورية، نالت المناطق المسيحية نصيباً كبيراً من الصواريخ والقذائف السورية، وانتهت بإقرار اتفاق الطائف الذي رفضه عون، وأطلق حينها عبارته الشهيرة "يستطيع العالم أن يسحقني لكنه لا يستطيع أن يأخذ توقيعي" وبقي عون في بعبدا واتهم البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والقوات اللبنانية بتوفير الغطاء المسيحي لاتفاق الطائف، وكان الاعتداء على البطريرك في بكركي ثم كانت حرب الإلغاء تحت عنوان "توحيد البندقية".
ووقعت معظم القوى اللبنانية بما فيها كثير من حلفائه المسيحيين السابقين، اتفاق الطائف الذي أبرم بوساطة سعودية، وضغط سوري (وقع في مدينة الطائف السعودية عام 1989)، وأعاد تشكيل النظام السياسي بما في ذلك جعل المناصب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بعدما كانت الغالبية للمسيحيين، وأبقى الرئاسة للمسيحيين، ولكن قلل سلطتها وزاد من سلطات مجلس الوزراء (الذي يضم ممثلي كل الطوائف بنسب محددة وبرئاسة رئيس وزراء سني).
ولكن رفض عون اتفاق الطائف واحتمى بالقصر الرئاسي (قصر بعبدا)، واتهم كل من وافق عليه بالخيانة والخضوع للإملاءات السورية.
وهكذا انتقل "الجنرال" من موقع الدفاع إلى الهجوم وذلك بخوضه، من قصر بعبدا، معركتين لا يمكن الفوز بهما نظراً لطبيعتهما التي تصنف "انتحاراً" من وجهة النظر العسكرية، حسب وصف فرانس 24، وخاصة المعركة التي سُميت "حرب التحرير" ضد القوات السورية المتواجدة على الأراضي اللبنانية، والتي استمرت 6 أشهر إلى أن بدأت القوات السورية في 14 مارس/آذار 1989 بالهجوم على قصر بعبدا ووزارة الدفاع.
كان انضمام نظام حافظ الأسد الذي يقوده حزب البعث الذي يرفع شعارات قومية للتحالف الأمريكي الذي نشأ بعد غزو صدام حسين للكويت، نقطة تحول ضد عون، حيث كافأت الولايات المتحدة سوريا بتركها تستفرد بعون، وقيل إنها طلبت من إسرائيل السماح لدمشق بإدخال طائراتها الحربية للبنان، حيث قصف القصر الرئاسي المتحصن فيه عون، الذي لم يعد يستطيع نيل الدعم من صدام حسين المنافس الإقليمي لحافظ الأسد، والمزود الرئيسي لعون بالذخيرة والسلاح، ويقال إن واشنطن أعطت الضوء الأخضر لدمشق لاقتحام المناطق المسيحية وبالتالي إطلاق يدها في لبنان.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990، شن الجيش السوري هجوماً عنيفاً على قصر بعبدا الرئاسي، وقيل إن جيش النظام السوري ارتكب مذابح في حق القوات الموالية لعون، الذي اضطر للتفاوض على شروط الاستسلام واللجوء إلى السفارة الفرنسية في لبنان. وفي السفارة، مكث عون 11 شهراً قبل أن يتوجه إلى المنفى في فرنسا حيث سيبقى لمدة 15 سنة.
عون في المنفى يدفع الأمريكيين لمعاقبة بشار الأسد ثم يتحالف معه ومع حزب الله
استكمل عون عمله السياسي من فرنسا، وأسّس التيار الوطني الحر عام 1994، مركزاً في خطابه على إخراج الجيش السوري من لبنان. وعمل على ما عرف بـ"قانون محاسبة سوريا" الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي عام 2003، وهدف إلى إنهاء وجوده في لبنان.
لكن بعد صدور القرار 1559، واغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري عام 2005، خرجت سوريا من لبنان، ما سمح لعون بالعودة، حيث استقبله الآلاف من أنصاره، الذين انضووا وقتها ضمن جمهور حركة 14 مارس/آذار المعارضة لسوريا وحزب الله.
أثبتت الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 2005 ثقل عون الشعبي، ففاز بـ21 نائباً، ليمتلك أكبر تكتل مسيحي في مجلس النواب.
في 6 فبراير/شباط 2006، وقّع التيار الوطني الحر وثيقة تفاهم مع حزب الله ستضعه في تحالف مع قوى 8 مارس/آذار، الحليفة لسوريا.
بعد عامين، حلّ عون ضيفاً على الرئيس السوري بشار الأسد، الذي استقبله بحفاوة، وطويا سوياً صفحة الماضي، وتحول العداء المرير بين الجانبين الذي أودى بحياة الآلاف من اللبنانيين المسلمين والمسيحيين ومنهم كثير من أنصار عون إلى تحالف قوي، ولم يخف بعض أنصار عون أنه تحالف الأقليات في منطقة الشام، أي تحالف المسيحيين، والشيعة اللبنانيين، مع النظام العلوي في سوريا ضد الأغلبية السنية في المنطقة.
عون يرى أنه الزعيم الأقوى للمسيحيين وبالتالي الأحق بالرئاسة
ومنذ ذلك الوقت، بدأ خطاب تيار عون يركز أنه القائد القوي للمسيحيين وبالتالي الأحق بالرئاسة، بشكل حصري، وبدأ خطاب التيار الوطني (العوني)، يهاجم أحياناً، تيار المستقبل، ويتهمه بالتطرف والاستيلاء على حقوق المسيحيين، ويلمح لعلاقته بالتطرف، كما عارض الثورة السورية، وحاول التيار العوني اتهام القوى المسيحية المتعاطفة مع الثورة ضد الأسد (وهو تعاطف نابع من المعاناة المشتركة من نظام الأسد) بأنهم حلفاء أو مؤيدون بشكل أو بالآخر، للتطرف بما في التلويح إلى أنهم مؤيدون لداعش أحياناً.
كما أيد عون استمرار سلاح حزب الله، الأمر الذي أغضب منه الأمريكيين ودول الخليج.
وبعد انتهاء ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2014، أصر عون على أنه الأحق بالرئاسة، وقاطع تياره وحزب الله ومعظم قوى 8 آذار، جلسات انتخاب الرئيس لنحو عامين لإصرارهم على ضرورة انتخاب عون رئيساً، ولم يشاركوا في الجلسات حتى تفقد نصابها، لأن الأغلبية البرلمانية في ذلك الوقت كانت تسمح لقوى 14 آذار بانتخاب رئيس، ولكن نصاب عقد الجلسة هو الثلثان.
وسيكون تحالف عون مع حزب الله، أبرز دعائم وصوله إلى سدة الرئاسة، بعد أن قرر تيار المستقبل التنازل عن تحفظه السابق على انتخاب عون وأبرم معه مصالحة، ثم اتخذ غريمه المسيحي التاريخي سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية موقفاً مماثلاً، أدى لمصالحة تاريخية بين أكبر قوتين مسيحيتين، ستؤدي لانتخاب عون، رئيساً في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد حصوله على أصوات أغلبية أعضاء البرلمان.
وكان الطرف الرئيسي الذي لم ينتخبه هو كتلة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تتسم علاقته دوماً بالتوتر مع عون رغم أنهما ينتميان لتحالف 8 آذار الصديق للأسد.
وأصبح لديه أكبر كتلة برلمانية
وفي ظل تمتع عون وتياره بنفوذ غير مسبوق، في ذلك الوقت، فرض التيار العوني بقيادة باسيل تعديلاً على قانون الانتخابات التشريعية عام 2018، فيما عرف بالصوت التفضيلي، قال باسيل إنه ينصف المسيحيين، وأدى ذلك إلى تزايد وزن كتلة عون ليصبح صاحب أكبر كتلة برلمانية وليس مسيحية فقط، بعد أن ظل هذا اللقب محتكَراً من قبل تيار المستقبل لعقود.
وهكذا لم يعد عون رئيساً فقط، بل أيضاً لديه أكبر كتلة برلمانية برئاسة زوج ابنته جبران باسيل ولديه تحالف قوي يدعمه بقيادة حزب الله، وتصالح مع خصومه مثل تيار المستقبل، وحزب القوات اللبنانية.
ولكن في ذلك الوقت، بدا أن كثيراً من مشاكل عون مرتبطة بجبران باسيل صهره الذي صعد به عون لقيادة التيار، مفضلاً إياه على نجل أخته آلان عون ذي الشعبية الكبيرة في تياره، وزوج ابنته الثانية، شامل روكز الجنرال السابق.
واتهم باسيل من قبل خصومه بأنه يريد الاستحواذ على كل مفاتيح القوة في البلاد، مما أغضب خصومه السابقين مثل المستقبل والقوات، وحلفاءه مثل حركة أمل وتيار المردة بقيادة سليمان فرنجية الطامح بدوره في الرئاسة.
كما نظرت السعودية والولايات المتحدة لعون وتياره على أنه يوفر غطاء قوياً لحزب الله.
إلى أن وقعت احتجاجات 2019، ثم الكارثة المالية
ولكن ظلت الأمور تسير إلى أن انفجرت احتجاجات عام 2019، ضد الطبقة السياسية بسبب فرض ضرائب على استخدام الواتس آب، ثم استقالة حكومة الحريري ثم الأزمة المالية التي أدت لإفلاس المصارف وانهيار الليرة، وأعقب ذلك تفجير مرفأ بيروت، ومنذ ذلك الوقت والبلاد في أزمات متتالية، فيما خرج تيار المستقبل من الساحة، بينما يصر عون وحليفاه حزب الله وحركة أمل على استمرار سيطرتهما على الحكومة في مواجهة طلبات دولية لتشكيل حكومة أقل في المحاصصة الطائفية تسمح بدعم دولي يطلق الإصلاحات المالية الموعودة.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في مايو/أيار 2022، تراجع وزن التيار العوني بشكل كبير ومعه مجمل قوى 8 آذار بقيادة حزب الله، ولكن تقلص الأصوات المسيحية التي نالها عون كان واضحاً فيما صعد حزب القوات اللبنانية غريم عون ليصبح صاحب أكبر كتلة برلمانية مدفوعاً بزيادة نصيبه من أصوات المسيحيين وحصوله على أصوات العديد من المسلمين السنة في ظل غياب تيار المستقبل، وغضب السنة من حزب الله وعون، لتقود القوات كتلة ما يعرف ببقايا 14 آذار، كما ظهرت كتلة توصف بالإصلاحية تضم ما يعرف بقوى المجتمع المدني، وليصبح البرلمان مكوناً من ثلاث كتل متعادية.
وكان هناك مخاوف من أن يرفض عون مغادرة القصر الرئاسي، بدعوى رفضه الشغور الرئاسي؛ لأن ذلك سيهمش المسيحيين الذين يؤكد عون دوماً على حصرية تمثيله لهم.
ولكن رغم خروج عون من الرئاسة فقد اختتم عهده بموقف اعتبره خصومه أنه يعقد الأوضاع، حيث أعلن التوقيع على مرسوم قبول استقالة حكومة نجيب ميقاتي (التي قدمت استقالتها بسبب خلافات مع عون)، رغم أن هذا المرسوم يجب أن يوقع في حال تشكيل حكومة جديدة بديلة لها.
ويقول منتقدو عون إن هدفه تقليل شرعية دور حكومة ميقاتي كحكومة تصريف أعمال، لأنه يريد أن يحافظ على أوراق ضغط على الحكومة بإعادة التلويح بأنه حامي حقوق المسيحيين، وأن قيام الحكومة بمهام رئاسة الجمهورية (كما ينص الدستور) فيه اعتداء على هذه الحقوق؛ لأن رئيس الحكومة سني، رغم أن الحكومة مجتمعة، تقوم بهذه المهمة وليس رئيسها فقط.
واليوم يبدو أن علاقة عون وتياره قد تعقدت مع حلفائه قبل خصومه، وخاصة في ظل رغبة عون المحتملة في إيصال صهره جبران باسيل للرئاسة، بينما أقرب حلفائه المسيحيين السابقين سليمان فرنجية يريد أن ينال نصيبه من الرئاسة أيضاً.
وأصبح التيار العوني يعتمد بشكل كبير على حرص حزب الله على التحالف معه، حتى لو أغضب ذلك حلفاء الحزب الآخرين، لأن عون يوفر غطاءً مسيحياً لحزب الله، بينما الأخير يدعمه بالمقابل في الانتخابات والبرلمان، وبالتلويح بالسلاح إذا لزم الأمر.
لكن اليوم، خصوم حزب الله لا يريدون أن يروا التيار العوني في الرئاسة، لأنهم يرونه يوفر غطاء للحزب، وحلفاء الحزب لا يريدون التيار العوني في الرئاسة لأنهم يرونه مسؤولاً عما آل إليه حال البلاد، وتحالف 8 آذار (رغم أن القوى السياسية مجتمعة تتحمل ما صارت إليه أوضاع البلاد).
واليوم يعود عون كما كان خلال الحرب الأهلية في حال صراع مع الجميع تقريباً، باستثناء حزب الله (الذي مازال لديه علاقة قوية معه وإن كانت متوترة) ولكن الجديد أنه فقد جزءاً كبيراً من شعبيته في أوساط المسيحيين الذين كان يعتبر نفسه الممثل الأكبر لهم والوحيد أحياناً.