تكشف عملية اغتيال تامر الكيلاني، القيادي بمجموعة عرين الأسود، أن الاحتلال الإسرائيلي اتخذ على الأرجح قراراً بمحاولة القضاء على المجموعة الفلسطينية قبل أن تزداد قوتها بعدما اكتسبت شعبية كبيرة في الضفة الغربية، ولذا لجأ ما يبدو العودة لسلاح الاغتيالات الذي طالما استخدمه لتصفية قادة المقاومة الفلسطينية.
وفجر الأحد، أعلنت مجموعة "عرين الأسود" الفلسطينية المسلحة عن اغتيال أحد عناصرها تامر الكيلاني في مدينة نابلس عبر تفجر عبوة، وهو قيادي بالمجموعة التي يتركز نشاطها في مدينة نابلس، والذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن تنفيذ عمليات ضدها.
وبالرغم من عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن عملية اغتيال تامر الكيلاني، غير أن وسائل إعلام عبرية لمَّحت إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تقف خلف العملية، ووصفت "الكيلاني" بأحد أبرز قادة المجموعة والمسؤول عن تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
وفي الأشهر الأخيرة تحوّلت "عرين الأسود"، المسؤولة عن الكثير من أعمال إطلاق النار في منطقة نابلس، إلى إحدى المشاكل المركزية لأجهزة الأمن في "إسرائيل" ولدى السلطة الفلسطينية، فيما هدفها المعلن هو مواجهة جنود الجيش الإسرائيلي عند دخولهم المدينة أو لدى تأمين مصلّين يهود في قبر يوسف في مدينة نابلس.
عملية اغتيال تامر الكيلاني جرت بواسطة تفجير عن بُعد
وتم اغتيال تامر الكيلاني (34 عاماً) عبر لصق عبوة متفجرة "تي إن تي" في دراجة نارية، قادها شخص تظاهر بأنه يعمل بوظيفة توصيل الطلبات من طعام وغيره، وبعد نحو ساعتين تم تفجير العبوة واستشهاد الكيلاني، حسبما قالت مجموعة عرين الأسود في بيان أصدرته بمجرد استشهاد الكيلاني.
ويُظهر مقطع فيديو -نشرته مجموعة "عرين الأسود"- لحظة تفجير العبوة لدى مرور الشهيد تامر بالقرب من الدراجة النارية. وقال البيان: "هذا الاحتلال لا يواجه بشرف (المواجهة) العسكرية ولا يعلم عنها شيء، ولم يدرس إلا طرق الغدر".
وقالت "عرين الأسود"، في بيان: "ترجل في تمام الساعة الواحدة والنصف من فجر (الأحد) فارس مغوار وأحد أشرس مُقاتلي مجموعة عرين الأسود الشهيد البطل تامر الكيلاني؛ حيث وضع الاحتلال الغادر عبوة تي إن تي لاصقة له".
وأضافت: "نعدكم بكشف تفاصيل عملية الاغتيال، والرد على الاحتلال برد قاسٍ، وندعو أبناء شعبنا ومن يستطيع الوصول إلى نابلس للمشاركة في التشييع اليوم".
وكشف المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوسي يهوشواع، أن "الهدف الأهم لجهاز الأمن الإسرائيلي في تنظيم عرين الأسود الآن هو الذي قتل الجندي الإسرائيلي في سرية غفعاتي، عيدو باروخ.. ولم يتم اعتقاله حتى الآن".
لماذا تقلق إسرائيل من "عرين الأسود" لهذا الحد؟
ظهرت مجموعة "عرين الأسود" علناً في عرضٍ عسكريّ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي في البلدة القديمة بنابلس، وينتمي أفرادها لمختلف الفصائل الفلسطينية.
وقال مصدر فلسطيني مقرب من المجموعة المسلحة للأناضول إن "عددهم يصل نحو 30 مسلحاً، وينتمون لكافة الفصائل الفلسطينية، ووحدهم السلاح الموجه نحو الاحتلال الإسرائيلي، ويتخذون من البلدة القديمة في نابلس مقراً لهم".
وأضاف المصدر، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، أن "المجموعة ترفض أي مساومة لحلها من قِبَل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وترى بأنها وجدت لكي تقاتل".
ونفذ مسلحو المجموعة عدة عمليات إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية، أبرزها في الـ12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حين نفذت 5 عمليات إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية أسفرت عن مقتل جندي وإصابة آخرين.
ويعتمد عناصر المجموعة على المباغتة بتنفيذ عمليات إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية، وخاصة على الحواجز العسكرية.
ولا تعرف مصادر تمويل الجماعة المسلحة، غير أن مصادر صحفية فلسطينية محلية تقول إن "كتائب القسام"، الجناح العسكري المسلح لحركة "حماس" تدعم المجموعة بالمال والسلاح، وهو ما لم تؤكده أو تنفِه الجماعة.
ورسمياً قتلت إسرائيل 4 عناصر من الجماعة المسلحة، آخرهم تامر الكيلاني، وسبقهم مقتل عدد من المطلوبين أبرزهم إبراهيم النابلسي، والذي يعد الصديق المقرب للمجموعة قبل الإعلان رسمياً عنها.
تزعم صحيفة Haaretz الإسرائيلية أنها تحدثت إلى أحد أفراد المجموعة، ونقلت عنه قوله إن عملياتهم تتمحور حول الرد على حملات الجيش الإسرائيلي ومداهماته للمنطقة، و"لا توجد لدى المجموعة غرفة عمليات بالمفهوم العسكري، أو خطط معينة أو أهداف رسمية".
وقالت الصحيفة إن المجموعة بعيدة كل البعد عن كونها ميليشيا منظمة، وإنهم لا ينفذون عمليات على غرار عمليات الجناح العسكري لحركة حماس أو "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.
ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً فإن الشعبية التي تحققها المجموعة، تقلق إسرائيل بشدة.
فلقد استطاعت "عرين الأسود" أن تجند عشرات الشبان الفلسطينيين خلال الأشهر القليلة الماضية، وجزءاً من قوتها لا ينتمي لأي فصيل فلسطيني، خاصة أنه يعتقد أن أعضاءها جزء من بيئة حركة فتح، الأمر الذي يجعل استهدافها من قببل السلطة الفلسطينية ليس بالأمر اليسير
ولهذا يبدو أن إسرائيل تحاول القضاء على "عرين الأسود" قبل فوات الأوان.
العملية تُظهر تغيراً في أسلوب إسرائيل مما يؤشر لخطر قادم
لم يكن تامر سفيان الكيلاني أول شهداء مدينة نابلس أو الضفة الغربية، بل ولا حتى مجموعات "عرين الأسود" المقاومة، ولكنه الشهيد الأول الذي تغتاله إسرائيل في الضفة الغربية بتفجير عن بُعد منذ نحو عقدين، حسب وصف تقرير لموقع قناة الجزيرة.
منذ ظهور مجموعة "عرين الأسد" الفلسطينية، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية محدودة شمالي الضفة الغربية المحتلة، في محاولات مكثفة للقضاء عليها قبل أن تتوسع أنشطتها، ولكن ليس بنفس هذا المستوى من التعقيد.
وكان اغتيال الكيلاني عملية غير مألوفة؛ لأن تنفيذها احتاج إلى مصادقة المستوى السياسي الإسرائيلي مسبقاً"، حسب المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، يانيف كوفوفيتش.
ويأتي ذلك بعد أن طالبت جهات في أحزاب اليمين في المعارضة الإسرائيلية بتنفيذ اغتيالات بحق مقاومين فلسطينيين من خلال استخدام طائرات مسيَّرة، مثلما يتم تنفيذ ذلك في قطاع غزة.
ويرى خبراء ومراقبون فلسطينيون أن إسرائيل تستخدم تكتيكات عديدة للتعامل مع المجموعة المسلحة، والتي تعد ظاهرة جديدة في الضفة الغربية، من حيث العمل المنظم، والسرية، وعدم الانتماء لفصيل سياسي بعينه.
ومن بين أبرز هذه التكتيكات، حسب الخبراء، محاولة اختراق الجماعة المسلحة لكشف مخططاتها وإحباطها قبل تنفيذها، وكذلك معرفة عناصرها وقادتها وتنفيذ عمليات اغتيال ضدهم كما كانت تفعل خلال سنوات الانتفاضتين الأولى (1987- 1993) والثانية (2000-2005).
العودة لسياسة الاغتيالات التي استهدفت قادة المقاومة في انتفاضة 2000
"على ما يبدو، فإن إسرائيل تعود لسياسة الاغتيالات وبقوة، وهذه العملية (اغتيال الكيلاني) لها خصوصية محورية؛ حيث تم تفجير عبوة وهي حادثة شبيهة بعمليات اغتيال لقادة المقاومة في انتفاضة 2000″، حسبما قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية، أيمن يوسف.
وأضاف يوسف للأناضول: "إسرائيل بدأت العمل على محاولة إحداث اختراقات أمنية واستخبارية وجمع المعلومات عن المجموعة لتنفيذ اغتيالات".
وتابع: "إسرائيل ترى في عرين الأسود جماعة مسلحة معادية لا يستهان بها، كأي تنظيم فلسطيني معادٍ لها، ولذلك هناك تعاون واضح لأكثر بين جهة أمنية وعسكرية إسرائيلية للوصول إلى أفراد المجموعة واغتيالهم".
وحذر الخبير الفلسطيني من خطورة المرحلة القادمة، وقال: "ربما السلاح الجديد الذي ستتخذه إسرائيل هو الاغتيال عن بُعد؛ حيث إنها غير قادرة على تنفيذ عملية عسكرية واسعة عبر الدبابات لأسباب جيوسياسية في نابلس تحديداً؛ لذلك ستنتهج نهج الاغتيالات وبأشكال مختلفة، وقد تكون هناك مفاجآت".
عملية الاغتيال تحمل بصمات "الموساد"
من جانبه، رأى أحمد رفيق عوض، مدير مركز "القدس" للدراسات، التابع لجامعة القدس الفلسطينية، أن "عملية الاغتيال بهذا الشكل شكلت مفاجأة للمقاومة الفلسطينية في نابلس".
وأضاف عوض: "كان من المتوقع أن تعود إسرائيل لعملية الاغتيالات عبر الطائرات المسيرة مثلاً، لكن أسلوب العملية في نابلس كان مفاجئاً، فقد تم زرع عبوة متفجرة في أزقة المدينة، وهي ذات الطريقة التي يستخدمها الموساد لقتل مطلوبين له خارج فلسطين".
وتابع: "عملية الاغتيال معقدة وتم التخطيط لها بدقة".
وقال عوض للأناضول إن إسرائيل تنتهج سياسة تشديد الحصار على نابلس، لكنها لن تكتفي بذلك بل ستعمل على تنفيذ عمليات اقتحام محدودة، واغتيالات ومحاولة لتنفير الحاضنة الاجتماعية للجماعة.
واستبعد أن تذهب إسرائيل إلى عملية واسعة، غير أنه قال إن" التصعيد سيد الموقف بعد عملية الاغتيال؛ حيث تخلق مثل هذه العمليات شعوراً معاكساً، يدفع نحو الرد والانتقام الفلسطيني".
إسرائيل ستحاول القضاء على "عرين الأسود" في المرحلة القادمة
المختص بالشأن الإسرائيلي، محمد أبو علان، قال إنه "بالرغم من أن إسرائيل لم تعلن رسمياً مسؤوليتها عن العملية، فإن ما يُقرأ بين السطور في الإعلام الإسرائيلي يشير بوضوح إلى ذلك".
وأضاف أبو علان في حديثه للأناضول أن "كل التصريحات الإسرائيلية السابقة للعملية تشير إلى أنها تعمل بكل الطرق للتخلص من جماعة عرين الأسود".
وتابع: "إسرائيل فرضت حصاراً على نابلس، ولم تترك الجماعة المسلحة تعمل وتخطط وتجمع السلاح دون رد فعل ضدها".
وذكر أن "إسرائيل سعت لاستدراج الجماعة، ومحاولة استنزاف مدينة نابلس عبر الحصار الذي بدأ وقد يستمر إلى أجل غير مسمى".
ورأى أنه "إذا ما نفذت الجماعة عمليات أخرى تخلف خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، فمن المؤكد أن قوات الاحتلال ستنفذ عملية عسكرية قد تكون مركزة وخاطفة".
واعتبر أن "كل المؤشرات تقود إلى أن إسرائيل لن تترك الجماعة المسلحة".
وقد تكون المشكلة أن مجموعة عرين الأسود باعتبارها جماعة جديدة ما زالت خبرتها قليلة في مواجهة أساليب الاختراق والاغتيال الإسرائيلي المعقدة التي سبق أن ألحقت ضرراً كبيراً بالبنية العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية الأكثر خبرة بالضفة مثل حماس والجهاد.
ولكن على الجانب الآخر، قد تدفع هذه الاغتيالات "عرين الأسود" إلى التحول من الحالة الشعبية البطولية العفوية للعمل التنظيمي الأكثر تعقيداً، بما في ذلك التعاون مع الأجنحة العسكرية لحماس والجهاد، التي أصبحت فعلياً أقرب ما تكون لجيوش وأجهزة استخبارات متوسطة الحجم، وقد تسعى "عرين الأسود" للاستفادة من خبرة القسام وسرايا القدس تحديداً؛ للتغلب على التحديات التي تمثلها السياسة الإسرائيلية الجديدة؛ مما يجعلها تتقارب أكثر مع "حماس والجهاد".
ويجب تذكُّر أن الأجنحة العسكرية لحماس والجهاد بدأت كجماعات صغيرة تنفذ عمليات طعن بالخناجر للجنود والمستوطنين، ثم عمليات استشهادية، وبينما أدى القمع الإسرائيلي الشديد لإضعاف هذه الأجنحة في الضفة، إضافة إلى منع الجدار العازل والإجراءات الأمنية تسلل الاستشهاديين الفلسطينيين لأراضي 48، فإن حركات المقاومة في غزة سرعان ما طورت أساليب بديلة مثل الصواريخ التي كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصفها بالكارتونية، والآن أصبحت مع الطائرات المسيَّرة التي تصنعها حركات المقاومة سلاح الردع الرئيسي للفلسطينيين في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي.
هل يؤدي اغتيال تامر الكيلاني إلى تعاظم قوة "عرين الأسود"؟
وأشار محللون إسرائيليون، في الصحف الإسرائيلية اليوم الإثنين، إلى أن اغتيال تامر الكيلاني "لا يغير قواعد اللعبة"، وأن من شأنه أن "يعزز قوة التنظيم".
وفي ظل امتناع الاحتلال الإسرائيلي عن الإعلان رسمياً عن مسؤوليته عن اغتيال الكيلاني، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أن قرار إسرائيل التعتيم على الاغتيال "لا يدل على مستوى ردع مرتفع، بل على العكس، فإن هذا يُعظم جداً من قيمة التنظيم الصغير، الذي تستخدم إسرائيل تقنيات متطورة لاغتيال أعضائه".
وقال إن "أسلوب التصفية هو بمثابة تصعيد في عالم الاغتيالات، وتوجد فائدة منه في تقليص المخاطر على حياة الجنود الإسرائيليين، لكن التخوف هو أن ينشئ أعضاء عرين الأسود خلايا مشابهة في مدن في الضفة الغربية بواسطة الشبكات الاجتماعية".
وأضاف: "وبالرغم من الاغتيال، فإن مهمة اجتثاث التنظيم ليست قريبة من نهايتها"، حسبما نقل عنه موقع "عرب 48".
ويوجد خلاف في جهاز الأمن الإسرائيلي حول طريقة العمل تجاه هذا التنظيم، ونقل المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، يانيف كوفوفيتش، عن مصادر أمنية إسرائيلية تعبيرها، مؤخراً، عن "تخوف من تنفيذ اغتيالات في صفوف ناشطي التنظيم، لأنه بحسبهم من شأنها أن تزيد من قوة التنظيم في الضفة وتعظيم الأسطورة حول ناشطين بعد قتلهم".