مصر في قلب ثلاثية من التحديات التي تهدد مستقبلها المائي والغذائي، هكذا قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مؤخراً في وقت تستعد بلاده لاستضافة قمة المناخ العالمية بشرم الشيخ، فلماذا تبدو مصر من أكثر الدول تعرضاً لتهديد التغيرات المُناخية والشح المائي، والأزمات الغذائية، وكيف سيؤثر ذلك على مستقبل البلاد، وما الحلول الممكنة لمواجهة أزمة المياه بمصر؟
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن ما يُعرف بـ"أسبوع القاهرة للمياه" الذي تنظمه مصر سنوياً قد أصبح منصة إقليمية ودولية فاعلة لدعم الحوار حول قضايا المياه.
وبينما استعرض الرئيس المصري التحديات التي تواجه العالم بشأن الثلاثية المترابطة (التغيرات المناخية والأمن الغذائي وشح المياه)، فإنه أشار إلى أن أزمة المياه بمصر حيث تعد البلاد من أكثر الدول جفافاً عالمياً ومواردها المائية باتت عاجزة عن تلبية احتياجات سكانها.
وقال السيسي إن قدر مصر أن تقع في قلب تلك التحديات الثلاثة المتشابكة: تحديات الأمن المائي والغذائي وتغير المناخ، فمصر من أكثر الدول جفافاً في العالم، وتعتمد على نهر النيل بشكل شبه حصري لمواردها المائية المتجددة.
مصر ليست فقط مهددة بنقص المياه جراء سد النهضة ولكن أيضاً غرق الدلتا
يأتي ذلك في وقت تصر إثيوبيا على المضيّ قدماً في استكمال مشروع سد النهضة دون أدنى تنسيق مع مصر والسودان، بشكل يجعل البلدين عرضة لنقص خطير في المياه، ويزيد الطين بلة بالنسبة لمصر تزايد عدد السكان، وفي الوقت ذاته تعرضها بشكل خطير لآثار التغيرات المناخية وخاصة ارتفاع مستوى سطح البحر، وهو الأمر الذي لا يعرّض فقط بعض مدن الدلتا، والإسكندرية لخطر الغرق، ولكن قبل ذلك سيؤدي لتسرب مياه البحر المالحة إلى المياه الجوفية في الدلتا التي تمثل سلة غذاء مصر الرئيسية، إضافة لاحتمال غرق أجزاء من دلتا النيل.
ويتفق الخبراء على أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى أن مصر (ومعظم العالم العربي) ستشهد مزيداً من الاحترار والجفاف، وبالتالي زيادة احتياجات مياه الري نتيجة البخر، ولكن في المقابل، سيؤدي تغير المناخ إلى هطول المزيد من الأمطار في جنوب حوض النيل وتحديداً في المصدر الأكبر للنيل في إثيوبيا.
وسبق أن حذر رئيس وزراء بريطانيا السابق، بوريس جونسون، من احتمال اختفاء مدن عالمية كبرى من بينها الإسكندرية، بسبب مخاطر التغير المناخي.
ومؤخراً، أكد وزير الموارد المائية والري المصري السابق محمد عبد العاطي أن أكثر من ثلث دلتا نهر النيل معرض للغرق، بسبب التغيرات المناخية، نتيجة الارتفاع المتوقع لمستوى مياه البحار جراء ذوبان الجليد في القطبين.
وتؤكد التقارير العلمية حدوث حالة تسرب بطيئة لمياه البحر المتوسط إلى أراضي الدلتا المنخفضة بطبيعتها عن سطح البحر، وتتمثل خطورة ذلك في تشبع نحو 60% من تلك الأراضي الخصبة بالأملاح، ما يجعلها غير صالحة للزراعة، والأزمة هنا أن تلك المنطقة تنتج نحو ثلثي احتياجات مصر من الغذاء.
وهي كارثة لمصر كلها، ليس فقط لأن الدلتا تضم أكثر من نصف سكان مصر، أي أنها أكبر أقاليم البلاد، ولكنها أيضاً تمثل سلة غذاء البلاد، فقد وفرت الدلتا أغلب الموارد التي قامت عليها حضارة مصر منذ آلاف السنين والتي تتباهى بها القاهرة والإسكندرية.
وباستثناء بنغلاديش، فإنه لا يوجد دلتا في العالم أكثر أهمية للبلد الذي يضمها مثل دلتا النيل.
تراجع نصيب الفرد من المياه وزيادة السكان يدخلان مصر حد الفقر المائي
ويكاد لا تكون هناك دولة في العالم تعتمد على نهر واحد بنفس المعدل الموجود في مصر؛ نظراً لأن مصر بلد غير ممطر تقريباً، كما أن المياه الجوفية توفر نسبة ضئيلة من احتياجات البلد الذي تخطى عدد سكانه 100 مليون نسمة.
وتستخدم مصر حالياً مياهاً أكثر من مواردها الداخلية المتجددة، والتي تعتمد بشكل أساسي على تدفقات مياه النيل العذبة، حيث إن نهر النيل هو العمود الفقري للقطاع الصناعي والزراعي في مصر، وهو المصدر الرئيسي لمياه الشرب للسكان، إذ يوفر ما يقرب من 97% من مياه مصر.
ووقعت مصر والسودان اتفاقية لتقاسم مياه النيل عام 1959، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 التي أبرمت في عهد الاستعمار البريطاني، وبموجب اتفاقية 1959 تحصل مصر على حصة سنوية من مياه النيل قدرها 55.5 مليار متر مكعب لمصر مقابل 18.5 مليار متر مكعب للسودان.
في ذلك الوقت كان عدد سكان البلاد نحو 20 مليون نسمة، أي أن نصيب الفرد تجاوز وقتها 2000 متر مكعب، بينما يبلغ عدد السكان حالياً نحو 102 مليون نسمة.
وانخفض نصيب الفرد من موارد المياه في البلاد من 2526 متراً مكعباً /سنة في عام 1947 إلى أقل من 700 متر مكعب/سنة في عام 2013، إلى 500 مكعب/سنة حالياً، وفقاً لوزير الري والموارد المائية المصري السابق محمد عبد العاطي.
وهو أقل بكثير من عتبة 1000 متر مكعب/سنة التي تعتبرها الأمم المتحدة ضرورية لتوفير مياه كافية للشرب والزراعة والتغذية (مصر، 2014).
ويقدر حد الندرة المائية بـ500 متر مكعب للفرد سنوياً، أي أن مصر تقف عند خط الندرة المائية وتتجه إلى التراجع عنه.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، ما يؤدي إلى رقم محتمل أقل من 350 متراً مكعباً/سنة بحلول عام 2050، في مؤشر على أن أزمة المياه بمصر سوف تدخل مراحل أكثر خطورة.
وكشف معاون وزير الإسكان المصري طارق الرفاعي أن مساحة مصر المعمورة زادت من 7% إلى 14% بعد 2014 وتم تنفيذ أنشطة صناعية وتجمعات عمرانية جديدة، فلا بد من توفير موارد مياه متعددة لهذه التجمعات الجديدة.
تعاني مصر حالياً من عجز مائي يصل إلى 20 مليار متر مكعب سنوياً، يتم الاعتماد على 6 مليارات متر مكعب من الأمطار والمياه الجوفية، وتتم إعادة استخدام نحو 12 مليار متر مكعب من المياه.
إلى أي مدى تتحمل الحكومات المتعاقبة المسؤولية عن أزمة المياه بمصر؟
من الواضح أن الرئيس المصري حاول أن يبرّئ حكومته والحكومات السابقة من مسؤولية أزمة المياه بمصر، حيث قال إن موارد مصر المائية صارت تعجز عن تلبية احتياجات سكانها، بالرغم من اتباع سياسة لترشيد الاستهلاك، من خلال إعادة الاستخدام المتكرر لمياه الري الزراعي على نحو جعل معدل الكفاءة الكلية لاستخدامها في مصر واحداً من أعلى المعدلات في إفريقيا.
وهذا قد يكون صحيحاً، فمصر في الأغلب من أفضل دول إفريقيا في استخدام المياه، ولكن هذا قد يكون قياساً في غيره محله، حيث تعد القارة الإفريقية الأسوأ في هذا المجال (في الأغلب باستثناء بعض الدول العربية الإفريقية وجنوب إفريقيا)، كما أن دولة مجاورة لمصر، مثل إسرائيل، قطعت أشواطاً هائلة في مجال التعامل مع ندرة المياه، علماً بأن موارد فلسطين التاريخية من المياه أقل بكثير من مصر.
والحقيقة أن مصر قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في مشروع تبطين الترع الذي يهدف لتقليل تسرب المياه، وله أهمية بالغة.
لكنها ما زالت تعاني من انتشار أساليب الري المفرط واستخدام تقنيات الري المهدرة للمياه مثل الري بالغمر، وهي طريقة قديمة للري، حيث يتم ضخ كميات كبيرة من المياه فوق المحاصيل، حسبما ورد في تقرير لموقع Eco Mena.
وتعتبر البنى التحتية السيئة لتوصيل المياه عاملاً إضافياً يقلل من كمية المياه المتاحة في مصر، في الوقت الحاضر تستمد شبكة الري في مصر بالكامل تقريباً من السد العالي في أسوان، الذي ينظم أكثر من 18000 ميل من القنوات والقنوات الفرعية التي تتدفق إلى الأراضي الزراعية.
هذا النظام غير فعال، حيث يفقد ما يصل إلى 3 مليارات متر مكعب من مياه النيل سنوياً من خلال التبخر ويمكن أن يكون ضاراً ليس فقط عبر تكثيف المياه والإجهاد المائي، ولكن أيضاً خلق البطالة.
و6% فقط من إجمالي المساحات المروية تستخدم أنظمة ري محسنة. وهذا يضع مصر في أدنى 10% من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث كفاءة الري.
في الواقع، تشير التقديرات إلى أن معظم أنظمة الري في مصر تعمل بكفاءة 50% فقط، وقدر منشور حكومي صدر عام 2009 كفاءة نقل المياه والري في مصر بنسبة 70 و50% على التوالي.
يتم فقدان كميات إضافية من المياه بسبب تسرب المياه عبر الأنابيب والمصارف بسبب الافتقار إلى مرافق معالجة المياه والتراخي في اللوائح.
مصر دولة مركزية قوية، ولديها قطاع ري عريق، ويمكن أن يحقق مزيداً من التقدم على غرار نجاح جهود الأبحاث المصرية في تحسين السلالات الزراعية التي تنافس الدول المتقدمة في إنتاجية بعض المحاصيل مثل القمح والأرز، حيث قيل إن مصر تطبيقاً للمشروع القومي لتطوير إنتاجية الأرز، نجحت مؤخراً في استنباط أصناف جديدة من الأرز تتحمل التقلبات والتغييرات البيئية، وتحقق أعلى إنتاجية في العالم بعد اقتدائها بالتجربة الصينية.
بالطبع أحد العوائق أمام التطوير، إضافة للبيروقراطية ونقص الإمكانيات، هي ثقافة الفلاح المصري التقليدية، الذي رغم مهاراته الزراعية الموروثة (والتي ساهمت بجانب جهود الباحثين الحكوميين في تحقيق معدلات إنتاج عالية في العديد من المحاصيل)، ولكن هذا الفلاح الذي عاش أجداده منذ آلاف السنين قرب النيل، يعتبر أن المياه هبة مجانية لا يجب أن تكون هناك قيود على استهلاكها، ويرفض التوجهات الحديثة لحوكمة المياه، والتي قد تؤدي غالباً إلى تسعير المياه، وفرض قيود على استخدامها وقد يكون الاستهلاك بمقابل مالي.
وبالفعل، بحث وزير الري المصري هاني سويلم، الأحد، مع وفد من البنك الدولي، التوسع في بدائل "مواجهة الشح المائي"، معلناً إجراء مراجعة مرحلية للري الحديث للأراضي الزراعية، لتقليل فاقد المياه.
قال وزير الري إنه "يُجرى حالياً إجراء مراجعة مرحلية للري الحديث في مصر، لوضع معايير وأولويات ومناطق للعمل خلال الفترة المقبلة".
ويشرف البنك الدولي ومصر على مشروع لتطوير أنظمة الري في البلاد، يقوم على تقليص الفاقد من المياه المستخدمة في الزراعة بتحويل أنظمة الري من سطح الأرض إلى تحت التربة، لتقليل عمليات تبخر المياه.
وأساليب الري الحديثة تتضمن أنظمة ري تحت التربة بهدف عدم تعريض المياه لأشعة الشمس، عبر إنشاء شبكة من الأنابيب وخطوط الكهرباء، القادرة على توفير المياه من خلال شبكات تحت الأرض يتم تشغيلها عبر الطاقة الكهربائية.
مع تبني نظام الري الحديث، زادت مساحة الأراضي المزروعة في مصر بنسبة 9%، لتصل إلى 9.7 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع) في 2021، مقارنة بـ8.9 مليون فدان في 2014، وفق إحصائية رسمية حديثة.
تأثير المشروعات القومية الكبرى على مياه الري
اشتهر قادة مصر بالولع بالمشروعات العملاقة، مثل مشروع توشكى، الذي أطلقه الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي مشروعات كثير منها لم يتم، وهناك شكوك كبيرة بأنها تستنزف ثروات البلاد المائية المحدودة الأمر الذي أدى أزمة المياه بمصر.
يتوقع خبراء أن هذه المشروعات تخلق مشكلة حقيقية تحتاج إلى معالجة وتحليل وحل، حيث إن مصر لديها موارد مائية محدودة للغاية ومع ذلك تطلق خططاً تنموية متفائلة للغاية، حسبما ورد في بحث قُدم للمؤتمر الحادي عشر للمياه بسلطنة عُمان الذي عُقد تحت عنوان "نحو إدارة فعالة للمياه".
وسبق أن أطلقت الحكومة المصرية مشروعين رئيسيين لاستصلاح الأراضي لتشكيل قاعدة لإعادة توزيع السكان والمزيد من التنمية الاقتصادية: الأول ترعة السلام التي تنقل المياه من نهر النيل من غرب قناة السويس إلى سيناء عبر أنابيب تمر أسفل قناة السويس، ويسمى مشروع سيناء، ويهدف لاستصلاح نحو 620 ألف فدان.
والمشروع الثاني هو قناة الشيخ زايد التي ستصلح حوالي 540 ألف فدان جنوب الوادي الجديد (مشروع توشكى).
التداعيات الاجتماعية والسياسية لشح المياه في مصر
تمثل الزراعة حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، بالإضافة إلى أنها توفر وظائف لأكثر من 20% من العمالة في البلاد، حسب أرقام منظمة الأغذية والزراعة الفاو في عام 2021.
من المتوقع أن يزداد الإجهاد المائي في مصر في المستقبل؛ نتيجة للنمو السكاني السريع وارتفاع درجات الحرارة وزيادة استهلاك المياه في مصر ودول حوض النيل الأخرى. إذا لم يتم التعامل مع ندرة المياه بشكل صحيح، فإن أزمة المياه المتفاقمة ستضع ضغوطاً شديدة على الاقتصاد المصري وتجعل البلاد أكثر عرضة للصراع الداخلي، حسبما ورد في تقرير لموقع Climate Diplomacy.
بالنظر إلى أن المياه هي مُدخل زراعي أساسي، وبالنظر إلى حقيقة أن تضخم أسعار الغذاء وبطالة الشباب كانت من بين المظالم الرئيسية التي تم التعبير عنها في ثورة يناير/كانون الثاني 2011، فإن الانكماش الزراعي الناجم عن أزمة المياه في مصر يهدد بإغراق البلاد في أزمة شرعية خطيرة، وفقاً لموقع Climate Diplomacy.
فقطاع الزراعة المجهد مائياً، والذي يدعم بشكل مباشر وغير مباشر حوالي نصف سكان مصر، يستهلك أيضاً 86% من عمليات سحب المياه العذبة في البلاد. وتحد أزمة المياه في مصر من إمكانات الإنتاج الزراعي ومقدار الدخل الذي يمكن أن يدعمه هذا القطاع بشكل مستدام.
وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد يصبح عدد متزايد من سكان الريف الفقراء بالفعل في مصر عاطلين عن العمل أو يكافحون لتغطية نفقاتهم كنتيجة مباشرة للعطش الشديد في قطاع الزراعة، حسبما ورد في تقرير المجلس الأطلسي.
يعتقد على نطاق واسع أن أحد أسباب الثورة السورية، إضافة للمظالم الطائفية والسياسية التي تعرض لها الشعب السوري من قبل نظام الأسد، حالة الفقر والبطالة والفاقة التي خلقتها التغيرات المناخية العالمية في الريف السوري، والذي كان معقلاً رئيسياً للثورة.
بالنسبة لمصر سيؤدي انخفاض توافر المياه للفرد إلى زيادة مخاطر الأمن الغذائي في مصر، التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، كما تستورد مصر نحو 80% من إنتاج علف الحيوانات في الخارج، الأمر الذي أدى إلى أزمة مؤخراً بسبب فرض الحكومة قيوداً على استيراد الأعلاف لمنع استنزاف الدولار، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الدواجن، وظهور فيديوهات لأصحاب مزارع يتخلصون من الكتاكيت، ما يهدد بنقص مزمن في إنتاج الدواجن التي تحظى بأهمية خاصة في مصر باعتبارها المصدر الأهم والأرخص للبروتين الحيواني.
وظهرت سلبيات هذا الوضع جراء الحرب الأوكرانية والتي أدت لارتفاع أسعار الحبوب عالمياً، إضافة للسياسات الحمائية المبالغ فيها التي يعتمدها كثير من منتجي الغذاء العالميين الكبار عند ظاهرة أي بادرة لارتفاع الأسعار محلياً، (مثل الهند).
تعني هذه التطورات أن مصر يجب أن تراهن على إنتاجها الزراعي المحلي لتوفير الغذاء بشكل أكبر، وهو أمر بدوره يضغط على موارد المياه المحدودة.
هل يمكن حل أزمة سد النهضة؟
تبدو أزمة سد النهضة عصية على الحل، وكان لافتاً تجاهل الخطاب الرسمي المصري لها، بعد أن فشل خليط التفاوض وطلب الوساطة، والوعيد، في إثناء أديس أبابا عن موقفها.
ورغم أن إثيوبيا تشهد اضطرابات في إقليم تيغراي المتمرد، أحياناً تمتد لمناطق الأورومو أكبر عرقية في البلاد، ولكن ليست هناك مؤشرات على دور مصري في ذلك، وبالتالي لن تستطيع القاهرة استخدام هذه الورقة للضغط بها على إثيوبيا، بل على العكس رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يستخدم السد بشكل أساسي ليكون مشروعاً قومياً يجمع به شعبه، ويحاول أن يخلق حالة من العداء مع مصر والسودان توحد أطياف الشعب المنقسمة خلف قيادته.
ويبدو أنه في غياب أفق لحل أزمة سد النهضة، وانشغال القوى الدولية بحرب أوكرانيا، وصعوبة تنفيذ عمل عسكري مصري ضد إثيوبيا، ولأن التغيرات المناخية هي مسألة ليست بيد القاهرة، فإن الحل الأكثر واقعية هو تطوير أساليب الري بشكل علمي فعال، وكذلك استنباط محاصيل زراعية أقل استهلاكاً للمياه، وأكثر قدرة على الزراعة في المناطق الصحراوية المستصلحة.
يحتاج ذلك بشكل كبير إلى توجيه استثمارات ليس فقط للبنية التحتية اللازمة، ولكن أيضاً للبحث العلمي في مجال الري واستنباط السلالات الزراعية المناسبة، وهي تقنيات لا يكفي استيرادها من الخارج، لأن طبيعة كل أرض ومجتمع تختلف، فالتكنولوجيا الصينية مثلاً تحتاج إلى إعادة تكييف لتكون ملائمة مع البيئة المصرية.
والدول النامية أو التي كانت نامية، وكانت تعاني من أزمات غذائية ووصلت إلى شفا مجاعات أحياناً مثل الهند والصين والمكسيك والبرازيل، اعتمدت بشكل كبير على تدريب كادر محلي من الباحثين والخبراء، ومصر لديها نواة جيدة للغاية من الباحثين في مجال الزراعة.
وقد استطاعت الدول المشار إليها تحقيق ما يُعرف بالثورة الخضراء، وهي قفزة نوعية في الإنتاج الزراعي نتجت عن زيادة استخدام تقنيات مختلفة مثل مبيدات الحشرات ومبيدات الأعشاب والأسمدة، وكذلك ضروب جديدة من المحاصيل عالية الغلة (بعضها مهجن)، وذلك في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، عبر سلسلة من الأبحاث والتطوير ونقل التكنولوجيا والمبادرات، التي حدثت بين سنوات أربعينيات القرن العشرين وحتى أواخر سبعينيات القرن العشرين.
أدت الثورة الخضراء إلى زيادة كبيرة في الإنتاج العالمي من الغذاء؛ ما قلص مشاكل الجوع والمجاعات.
وعلى سبيل المثال، وصفت سلالات القمح المكسيكي الصالحة للزراعة في المناطق الحارة والجافة نسبياً بالقمح المعجزة.
وفي عام 1961 كانت الهند على شفا مجاعة جماعية، ولكنها اليوم من كبار منتجي والقمح وأكبر منتج للأرز في العالم، وتمكنت البرازيل من زراعة مناطق الغرب شبه القاحلة وغير الخصبة بالفول الصويا لتصبح الدولة الأولى عالمياً في إنتاجه، وتصدره لمصر.
كما نجحت الصين في تحقيق معجزة في إعادة الاخضرار إلى منطقة هضبة لوس بشمال البلاد التي كانت تتعرض لتصحر واسع النطاق.
نسبياً نالت مصر نصيباً من الثورة الخضراء عبر تطوير سلالات محاصيل عالية الإنتاج لكنها تحتاج إلى ثورة في مجال الري، واستنباط محاصيل قليلة الاستهلاك للمياه وصالحة للمناطق الصحراوية المستصلحة حديثاً.
ستظل تكلفة هذا الخيار أقل كثيراً من حرب في جبال إثيوبيا، أو حتى بناء محطات عملاقة لتحلية مياه البحر.