شهدت العلاقات بين الجزائر واشنطن، خلال الأيام الماضية، ضجة على خلفية انتقادات لأعضاء في الكونغرس الأمريكي لعلاقة الجزائر مع روسيا، قابلها صمت رسمي ورسائل ود بين حكومتَي البلدين.
وفي 29 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت ليزا ماكلين، السيناتور عن الحزب الجمهوري، عبر موقعها الرسمي، أنها جمعت 27 توقيعاً داخل الكونغرس حول رسالة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تدعوه فيها إلى تطبيق قانون "معاداة أمريكا" على الجزائر.
وجاء في الرسالة: "كما تعلم، فإن روسيا هي أكبر مورد للأسلحة العسكرية للجزائر، في العام الماضي وحده، أنهت الجزائر صفقة شراء أسلحة مع روسيا بأكثر من 7 مليارات دولار".
وتابعت: "في هذه الصفقة، وافقت الجزائر على شراء طائرات مقاتلة روسية متطورة، بينها سوخوي 57 التي لم توافق روسيا على بيعها إلى أي دولة أخرى حتى الآن؛ مما جعل الجزائر ثالث أكبر متلقٍّ للأسلحة الروسية في العالم".
ودعت بلينكن إلى "تأكيد سُلطته وإرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الدعم الدبلوماسي لنظام (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الاستبدادي".
وفي 2017، أقر الكونغرس قانون مكافحة أعداء أمريكا ويتيح للرئيس الأمريكي فرض عقوبات على من ينخرطون في صفقة مهمة مع شخص يمثل جزءاً من أو يعمل لصالح أو نيابةً عن قطاعي الدفاع أو الاستخبارات الروسيين.
وحسب رسالة ماكلين، فالرئيس فوض سلطة العقوبات إلى وزير الخارجية بالتشاور مع وزير الخزانة.
وسبق هذه الرسالة أخرى وجَّهها منتصف سبتمبر/أيلول الماضي السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى بلينكن أيضاً، وتدعو إلى تطبيق العقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها مع روسيا.
رسائل ود
في الجزائر، امتنعت السلطات عن الرد على رسالة أعضاء الكونغرس، كما لم يصدر أي تعقيب من الخارجية الأمريكية.
بل وفي المقابل، على الصعيد الرسمي، تبادل الجانبان "رسائل ود" رسمية بالتزامن مع تداول وسائل إعلام لنص رسالة أعضاء الكونغرس.
البداية كانت من استقبال رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة السفيرة الأمريكية لدى بلاده إليزابيث مور أوبين في 14 سبتمبر/أيلول الماضي.
وكان اللقاء بمثابة سابقة، فقائد الجيش نادراً ما يستقبل سفيراً لدولة أخرى، فيما قالت وزارة الدفاع إن اللقاء كان "فرصة للجانبين لتباحث القضايا ذات الاهتمام المشترك والتعاون الثنائي بين البلدين وسبل تدعيمها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين".
أما السفارة الأمريكية فنشرت بياناً جاء فيه: "تشرفت السفيرة أوبين بمناقشة فرص التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والجزائر مع الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي".
وتوالت بعد هذا اللقاء لقاءات أخرى بين الجانبين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة ومسؤولين بالخارجية الأمريكية.
وفي 22 سبتمبر الماضي، التقت نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان مع لعمامرة على هامش تلك الاجتماعات.
وقالت شيرمان، عبر تغريدة، إن اللقاء تناول: قضايا الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان وشراكتنا الاقتصادية، وأتطلع إلى مواصلة تعميق علاقتنا القوية والمستدامة.
وقبلها بيوم واحد، التقى لعمامرة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى السفيرة باربرا ليف، وقالت الخارجية الأمريكية إن اللقاء ناقش: التعاون بين الولايات المتحدة والجزائر بشأن الاستقرار الإقليمي والسلام وقمة جامعة الدول العربية المقبلة (بالجزائر في 1 و2 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل).
ووصفت الخارجية الأمريكية، في البيان، الجزائر بأنها شريك قوي لواشنطن من أجل تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والقارة الإفريقية.
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلنت السفيرة الأمريكية بالجزائر عقد لقاء مع لعمامرة. ولم تكن هناك مناسبة محددة لعقده.
وبينما التزمت الخارجية الجزائرية الصمت عن اللقاء ومضمونه، قالت السفيرة أوبين عبر تغريدة: "يسعدني دائماً مقابلة وزير الخارجية رمطان لعمامرة ومناقشة العلاقة الثنائية القوية والمتنامية بين الولايات المتحدة والجزائر".
ولم يختلف تصريح السفيرة عن مضمون تصريحات المسؤولين في الخارجية الأمريكية الذين التقى بهم لعمامرة سابقاً حول وجود "علاقات قوية ومتينة" بين البلدين.
كما التقت السفيرة أوبين في اليوم نفسه أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية في البرلمان والعضو في الحكومة) أبو الفضل بعجي.
ولمّح الحزب، في بيان، إلى رسالة أعضاء الكونغرس بالقول إن بعجي أبلغ السفيرة الأمريكية أن "الجيش الجزائري يُجهز نفسه لحماية الوحدة الوطنية ومراقبة الحدود التي تشهد بؤر توتر من الحدود مع المغرب إلى الحدود مع ليبيا".
جهات معادية
وفي الجزائر "تجاهل" الإعلام المحلي رسالة أعضاء الكونغرس باستثناء تعليقات محدودة لصحف التقت في اعتبارها "حملة وراءها جهات معادية للبلاد".
ونشرت صحيفة "الشروق" (خاصة)، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، مقال رأي للكاتب خير الدين هني قال فيه إن ما سماها حملة بدأها السيناتور ماركو روبيو، وهو -بحسب ما قال- مقرب من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، كانت بسبب مواقف الجزائر الرافضة للتطبيع مع إسرائيل.
ونشرت صحف محلية بياناً للمفكر اللبناني معن بشور، مؤسس المنتدى القومي العربي، اعتبر فيه أن رسالة أعضاء الكونغرس حملة لممارسة ضغوط على الجزائر بحجة تعاونها مع روسيا، لكنها في حقيقتها تهدف إلى منع الجزائر من لعب دور متزايد عربياً وإسلامياً وإفريقياً وأممياً.
فيما أصدر حزب العمال الجزائري (يسار) بياناً تساءل فيه: "بأي حق يتدخل نواب أمريكيون في شأن بلادنا الداخلي؟! منذ متى أصبح البرلمانيون الأمريكيون مؤهلين لإملاء العلاقات السياسية والدبلوماسية والمبادلات التجارية وغيرها على الدول الأخرى؟!".
واعتبر أن "هذا التطور السياسي يُشكل اعتداء لا يُطاق على سيادة بلادنا خاصة أنه يحدث في سياق عالمي يُميّزه تسارع مسار عولمة الحرب في أوكرانيا".
ومنذ 24 فبراير/شباط الماضي، تشن روسيا هجوماً عسكرياً في جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم عديدة في مقدمتها واشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو.
رسائل غير مؤثرة
وأعرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة (حكومية) الدكتور توفيق بوقاعدة، في حديث للأناضول، عن اعتقاده بأن "العلاقات الجزائرية الأمريكية لن تتأثر بمثل هذه الرسائل للنواب، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم تداولها".
وأضاف أن "هذه اللائحة غير ملزمة أصلاً للإدارة الأمريكية.. وحتى الرئيس الحالي جو بادين أذكر أنه قدم لائحة ضد الجزائر حين كان نائباً عام 1990 بزعم سعيها لامتلاك سلاح نووي، لكن هذا الطلب تم تجاهله".
وتابع: "العلاقات الجزائرية الأمريكية على المستوى الرسمي تشهد أصلاً خلال هذه الفترة حركية بتبادل زيارات وتصريحات إيجابية، فضلاً عن أن أمريكا بحاجة للجزائر كشريك في مجال الطاقة لدعم حلفائها في أوروبا بسبب أزمة الغاز مع روسيا".
كما أن "العلاقات الجزائرية الروسية تاريخية، خاصة في المجال العسكري؛ حيث تعد موسكو أهم مصدر لمنظومة الدفاع الجزائرية منذ عقود"، وفق بوقاعدة.
وختم بأنه "لم يسبق أن اعترضت واشنطن على العلاقات الجزائرية – الروسية، كما أن قائمة الدول المستوردة للسلاح الروسي طويلة وعريضة ولا يمكن أن تعاقب أمريكا كل هذه الدول".