أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدين ضم روسيا 4 مدن أوكرانية بأغلبية ساحقة، واعتبرته إدارة جو بايدن انتصاراً يؤكد عزلة موسكو، فما تفاصيل التصويت وكواليسه، التي قد تكشف صورة مغايرة للتوصيف الأمريكي؟
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي انتهى التصويت عليه في وقت متأخر من مساء الأربعاء، 12 أكتوبر/تشرين الأول، صدر بعد مناقشات استمرت 3 أيام، وذلك في أعقاب فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار مشابه بسبب "الفيتو" الروسي.
كانت روسيا قد أجرت "استفتاءات" في مدن لوغانسك ودونيتسك وزابوروجيا وخيرسون الأوكرانية، وجاءت نتيجتها بأغلبية ساحقة لصالح الانضمام إلى الاتحاد الروسي، وأعلن فلاديمير بوتين ضم تلك المناطق رسمياً، وهو ما اعتبرته كييف وواشنطن وحلفاؤهما الغربيون "مهزلة غير قانونية"، وانتهاكاً للقانون الدولي.
فشل متوقع في مجلس الأمن
سعت واشنطن إلى إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة الضم الروسي للمدن الأوكرانية، لكن فشلت المحاولات الأمريكية، كما كان متوقعاً؛ نظراً لامتلاك موسكو حق النقض "الفيتو" على القرارات الصادرة من المجلس، شأنها شأن الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا، وهي الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في المجلس.
كانت الولايات المتحدة وألبانيا قد قدمتا مشروع قرار إدانة الضم الروسي واعتبار الاستفتاءات، التي أجريت في الفترة من 23-27 سبتمبر/أيلول الماضي، غير قانونية، لمجلس الأمن، وتم التصويت عليه يوم 30 سبتمبر/أيلول.
وافقت على مشروع القرار 10 دول، بينما امتنعت أربع دول عن التصويت، واستخدمت روسيا حق النقض. يتكون مجلس الأمن من الأعضاء الخمس الدائمين، إضافة إلى 10 أعضاء غير دائمين، امتنعت منهم البرازيل والهند والغابون عن التصويت، كما امتنعت الصين أيضاً عن التصويت.
وشهدت قاعة مجلس الأمن الدولي خلال المناقشات قبل التصويت على القرار مناقشات ساخنة بين ممثلي واشنطن وموسكو في الأمم المتحدة، وهي المواجهة المستمرة هناك منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، في فبراير/شباط الماضي، والذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو".
ليندا توماس غريفين، المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، حاولت إقناع باقي الأعضاء بالتصويت لصالح مشروع القرار، قائلة إن "البعض يرى أن مشروع القرار المقدم للمجلس تم تحضيره على عجل، لكن الحقيقة هي أن ما يحدث على عجل هو سعي روسيا لضم مناطق من أوكرانيا، في تحدٍّ صارخ لأبسط قواعد القانون الدولي".
أما فاسيلي نيبنزيا، المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فقد ردّ بالقول إن "مجلس الأمن لم يُصدر أبداً في تاريخه قراراً يدين أحد أعضائه الدائمين، تحت أي ظرف من الظروف"، مضيفاً أن الهدف من تقديم المشروع بتلك الصياغة هو إجبار موسكو على استخدام حق النقض "حتى يتسنى لهم الثرثرة بشأن كيف أنَّ روسيا تختطف المجلس؛ كونها أحد أعضائه الدائمين".
وتحدث مندوب البرازيل مبدياً اعتراض بلاده على "لغة مشروع القرار ومداه، الذي لا يخدم الهدف الرئيسي، وهو إيجاد حل دبلوماسي للصراع"، والأمر نفسه أكد عليه مندوب الغابون، الذي طالب بصياغة مشروع قرار يدعو إلى "التفاوض بحسن نية"، لإيجاد مخرج دبلوماسي يُنهي الحرب، بحسب نص كلمات المندوبين في مجلس الأمن قبل التصويت.
التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة
وعلى ضوء الفشل المتوقع في استصدار قرار من مجلس الأمن، قرر الأمريكيون وحلفاؤهم التوجه نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة، علماً أن قرارات الجمعية غير مُلزِمة من الناحية القانونية، ولا تحمل وزناً حقيقياً على الساحة الدولية، لكن لا يحمل أي من أعضاء الأمم المتحدة وعددهم 193 دولة حق الفيتو، ويتطلب صدور قرار منها موافقة أغلبية الثلثين.
سعت روسيا إلى جعل التصويت في الأمم المتحدة سريا، وهو ما رفضته الولايات المتحدة وحلفاؤها، لكن تم تقديم مشروع قرار بهذا المعنى للتصويت، فكيف جاءت نتيجته؟ التصويت بشأن "السرية" حظي بموافقة 107 دول، ورفضته 13 دولة، بينما امتنعت 39 دولة عن التصويت، وهو ما يعني رفض التصويت السري لعدم حصول المقترح الذي قدمته ألبانيا على أغلبية الثلثين، أي أكثر من 129 صوتاً، بحسب موقع الأمم المتحدة.
الإثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول، بدأت المناقشات التي تسبق التصويت، حيث يقدم مندوبو الدول في الأمم المتحدة وجهة نظر دولهم بخصوص مشروع القرار المقدم للتصويت، وكما كان متوقعاً شهدت تلك المناقشات تبايناً واضحاً في مواقف الدول من الحرب في أوكرانيا بشكل عام.
وبعد انتهاء المناقشات، بدأت عملية التصويت العلنية كما أرادتها واشنطن، وجاءت نتيجتها لصالح تمرير القرار، حيث صوتت 143 دولة لصالحه بينما رفضته 5 دول، هي روسيا وروسيا البيضاء وسوريا وكوريا الشمالية ونيكاراغوا، وامتنعت 35 دولة عن التصويت.
امتنعت الصين والهند وباكستان والبرازيل وأغلب الدول الإفريقية عن التصويت، كما امتنعت دول عربية كالجزائر والسودان عن التصويت. 143 دولة وافقت و5 رفضت و35 امتنعت؛ ما يعني إجمالاً 183 دولة، فماذا عن موقف الدول العشر الأخرى؟
بدايةً هذه الدول العشر هي إيران وأذربيجان وبوركينافاسو وجيبوتي وغينيا الاستوائية والكاميرون والسلفادور وساوتومي وتركمانستان وفنزويلا، ولم تشارك تلك الدول لا في المناقشات بشأن القرار، ولا في التصويت بشأنه، وبالتالي لم تحتسب أصواتها من الأساس.
وتصدر قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية الثلثين، من بين الدول الموافقة والرافضة فقط، أي أن أصوات الممتنعين أو الغائبين عن التصويت لا تحتسب، وفي هذا السياق تعتبر نتيجة التصويت بأغلبية ساحقة، لإنها 107 مع مقابل 5 فقط ضد القرار.
هل تزايدت عزلة روسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا؟
هذه هي المرة الثانية التي تعقد فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة طارئة منذ بدأت الحرب في أوكرانيا، علماً أن المرة الأخيرة قبل ذلك كانت عام 1997، عندما انعقدت الجمعية في جلسات طارئة، بعد فشل مجلس الأمن في إصدار قرار لإدانة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، علماً أن تلك الجلسة تم تعليقها دون تصويت، حتى اليوم.
على أية حال، كانت الجلسة الاستثنائية الأولى بشأن إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا قد عُقدت بعد أيام من بداية الهجوم الروسي، وبعد المناقشات تم التصويت على قرار إدانة الهجوم الروسي، وجاءت نتيجته على النحو التالي: 141 دولة مع القرار، مقابل 5 ضده (روسيا وبيلاروسيا وسوريا وإريتريا وكوريا الشمالية)، وامتنعت 35 دولة عن التصويت، بينما غابت 10 دول أخرى.
وتشير القراءة في نتائج التصويت بين قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا إلى أن نتائج التصويت الأول، الذي أجري مطلع مارس/آذار الماضي، لم تختلف تقريباً عن نتائج التصويت الثاني بشأن ضم روسيا للمناطق الأوكرانية.
لكن مسؤولي إدارة بايدن، والتغطية الإعلامية الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً، تعكس صورة مختلفة عن هذه الحقيقة. "أغلبية قوية من الدول توبخ روسيا في الأمم المتحدة"، تحت هذا العنوان نشرت مجلة Politico الأمريكية تقريراً حول نتيجة التصويت، وصفته بأنه "دعم دولي أكبر مما توقعه المسؤولون الغربيون قبل التصويت".
ونشرت ممثلة بريطانيا في الأمم المتحدة، باربرا وودورد، بياناً قالت فيه إن "روسيا فشلت في ميدان المعركة، وفشلت أيضاً في الأمم المتحدة"، بينما نقلت المجلة الأمريكية عن مصدر أمريكي، وصفته بأنه مسؤول رفيع المستوى، قوله إن إدارة بايدن قضت الأيام التي سبقت التصويت في "توظيف جميع الأدوات المتاحة" لإقناع الدول بالتصويت لصالح القرار.
وأضاف المسؤول، الذي حجبت المجلة هويته لمناقشته كواليس ملف حساس، أن المسؤولين الأمريكيين "ركزوا مع نظرائهم حول العالم على مزايا الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، ورفض ضم أراضي دولة أخرى بالقوة"، مشدداً على أن واشنطن "لم تستخدم وسائل ليّ الذراع".
لكن السؤال هنا هو: هل تزايدت عزلة روسيا فعلاً على المستوى الدبلوماسي دولياً عما كان عليه الحال في بداية الحرب؟ وتكمن إجابة السؤال في نتيجة التصويت نفسها، وهي تشير إلى أن الموقف الدولي من تلك الحرب المدمرة والكارثية لا يزال على حاله تقريباً.
فأغلب دول العالم تأخذ موقفاً أقرب للحياد بين روسيا والغرب، بل إن أغلب الدول الإفريقية على سبيل المثال تميل أكثر نحو الموقف الروسي، وتُلقي باللوم على الغرب بقيادة واشنطن في تفجر تلك الأزمة الجيوسياسية بالأساس وتحولها إلى حرب، بسبب الإصرار على تشجيع حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الانضمام إلى حلف الناتو.
إذ إن جذور الأزمة الأوكرانية ترجع إلى سنوات طويلة مضت، وكانت روسيا قد ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014، دون أن تتدخل أمريكا وأوروبا واكتفوا بفرض عقوبات، كما لم يسعَ الناتو لضم أوكرانيا، بينما يعيش العالم الآن على أطراف أصابعه حرفياً، في ظل وصول الحرب إلى مرحلة تهدد بتخطيها حدود أوكرانيا وتحولها إلى حرب عالمية ثالثة، أو كما وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن "حرب نهاية العالم"، رغم محاولته التخفيف من الفزع بقوله لاحقاً إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاقل".
لكن الرئيس الأمريكي لم يوضح كيف يمكن تفادي هذا الخيار النووي المدمّر، في ظل استمرار إرسال الدعم العسكري إلى أوكرانيا، التي تحقق انتصارات ميدانية مهمة، منذ مطلع سبتمبر/أيلول، بفضل ذلك الدعم الغربي، وفي الوقت نفسه إقرار بايدن وباقي الزعماء الغربيين بأن بوتين لن يقبل الهزيمة بأي صورة من الصور.