أوعز وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، بيني غانتس، لقواته بالاستعداد لتصعيد محتمل مع لبنان، وذلك بعدما أعلنت إسرائيل، الخميس 6 أكتوبر/تشرين الأول 2022، رفضها ملاحظات قدمها لبنان لمسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية، فيما قالت بيروت إن ملاحظاتها على مسودة الاتفاق "تضمن حقوق لبنان في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي"، وإن المحادثات وصلت إلى "نقطة حاسمة". فما الذي دفع المحادثات للانهيار بين الطرفين بعد أن أوشكت على الإتمام؟
إسرائيل تتجهز للصراع مع لبنان.. ما الذي حدث؟
بعد ساعات من إعلان تل أبيب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي تعديلات طلبها لبنان على مقترح ترسيم الحدود، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، فوض المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت"، الخميس 6 أكتوبر/تشرين الأول رئيس الوزراء لابيد ووزير الدفاع في حكومته بيني غانتس، بإدارة "صراع محتمل" مع لبنان على الحدود الشمالية، في حال فشل إبرام اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
قناة (كان) الإسرائيلية الرسمية، ذكرت أن الكابينت "عقد مساء الخميس جلسة امتدت لـ3 ساعات ونصف، بشأن الاستعدادات لتصعيد محتمل في أعقاب التطورات الأخيرة فيما يتعلق باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، تمخضت عن تفويض (الكابينت) لحكومة لابيد بإدارة تصعيد محتمل على الحدود الشمالية في حال حدوثه".
بحسب القناة الرسمية "سُمح لحكومة لابيد بوضع سيناريو تصعيد على الحدود الشمالية دون الحاجة إلى انعقاد الكابينت مرة أخرى". وحضر الجلسة مسؤولون أمنيون، من بينهم رئيسا جهازيّ "الموساد" و"الشاباك"، بحسب القناة.
القناة الإسرائيلية نقلت عن مسؤول لم تسمه، قوله إن اتفاقات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، "باتت على فراش الموت، لذا يجب الاستعداد للمواجهة". ووفق المسؤول فإن "من بين قرارات الكابينت المضي قدماً باستخراج الغاز من منشأة كاريش، بغض النظر عن الاتفاق".
إسرائيل ستبدأ العمل بحقل غاز كاريش "خلال أيام"
صباح يوم الجمعة 7 أكتوبر/تشرين الأول، قالت صحيفة "إسرائيل هيوم"، إن تل أبيب تستعد لتفعيل حقل غاز كاريش قريباً جداً، مشيرة إلى أنه سيتم إجراء اختبار على ضخ الغاز من كاريش ربما بداية الأسبوع القادم.
وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادر رفيعة، أن المستويين السياسي والأمني في الاحتلال، يستعدان لتفعيل حقل الغاز بالتوافق مع اعتبارات مهنية فقط وبغض النظر عن تهديدات حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني.
"إسرائيل هيوم" أشارت إلى أن تفعيل حقل كاريش سيكون تجريبياً، وسيتدفق الغاز من الساحل إلى الحفارة المتنقلة على بعد 100 كم بعد ذلك، وسيبدأ الضخ نفسه وتدفق الغاز من الخزان إلى الشواطئ المحتلة.
لماذا غيّرت إسرائيل موقفها من اتفاق الغاز مع لبنان؟
من جانبها، أشارت صحيفة "يديعوت أحرنوت" إلى أن عدداً من وزراء "الكابينت" الذين شاركوا بالجلسة، "في حيرة من أمرهم، فمن ناحية، هناك حديث عن الاستعداد للتصعيد، ومن ناحية أخرى، فإن المفاوضات لم تتم بالكامل". وقالت الصحيفة إن واشنطن "تضغط على لبنان للعودة إلى الاتفاق الأصلي قبل أن تضيف تعليقاتها عليه".
وتشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن ثمة نقطة خلاف رئيسية تتعلق بالاعتراف بخط عوامات تمده إسرائيل من ساحلها إلى البحر. ويخشى لبنان من أن أي إجراء قد يعني ضمناً القبول رسمياً بحدود برية مشتركة.
رداً على ذلك، رفض لابيد ذلك، قائلاً "إن إسرائيل لن تتنازل عن مصالحها الأمنية والاقتصادية بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك اتفاق قريباً"، حسب تعبيره.
من جانبها، أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إلى أن هناك ضغوطاً تتعرض لها حكومة لابيد من المعارضة، وخصوصاً رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، حيث يشن زعيم المعارضة "حملة عدوانية ضد التفاهمات التي تم التوصل إليها من خلال الوساطة الأمريكية"، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وبحسب هآرتس، فإن نتنياهو يحاول الترويج للاتفاق على أنه "حل انهزامي"، كي يحرج حكومة لابيد ويضعه أمام خيارات صعبة، بدفعه استعراض القوة ضد اللبنانيين، حيث خرج نتنياهو بمقطع فيديو يتهم فيه لابيد بالانصياع لتهديدات زعيم حزب الله حسن نصر الله، وأنه يسلم "الأراضي الإسرائيلية السيادية إلى حزب الله".
وهدد نتنياهو بإلغاء الاتفاق مع لبنان في حال تشكيله الحكومة القادمة بقيادة الليكود بعد الانتخابات، واعداً الإسرائيليين بعقد اتفاق أفضل بكثير إذا أعطوه أصواتهم ونجح بالإطاحة بخصومه الآخرين.
أمريكا ما زالت تأمل في صفقة لبنان بينما تستعد إسرائيل للتصعيد!
وفي ظل هذا التصعيد من قبل إسرائيل والتهديد بتفضيل الحرب على عقد صفقة "خاسرة"، يؤكد المسؤولون الأمريكيون أنهم يواصلون جهود التفاوض مع كل من إسرائيل ولبنان لإبرام الصفقة. وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي لرويترز: "يواصل المنسق الرئاسي الخاص عاموس هوشتاين مشاركته القوية لإنهاء مناقشات الحدود البحرية، وما زلنا على اتصال وثيق مع الإسرائيليين واللبنانيين".
وأضاف المتحدث: "نحن في مرحلة حرجة في المفاوضات وضاقت الفجوات. ما زلنا ملتزمين بالتوصل إلى حل، ونعتقد أن التسوية الدائمة ممكنة".
من جهته، قال كبير المفاوضين اللبنانيين إلياس بو صعب لوكالة رويترز مساء الخميس إنه "لن يرد إلا على البيانات الرسمية وليس على التقارير الإعلامية عن موقف إسرائيل".
وقال إن الصفقة "تم الاتفاق عليها بنسبة 90%، لكن العشرة المتبقية يمكن أن تنجزها أو تنهيها"، مضيفاً أنه ما زال على اتصال دائم بالوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين.
ونقلت قناة الحدث المملوكة للسعودية عن مصدر في مكتب الرئيس اللبناني أن الوسيط الأمريكي أبلغه في المحادثات أن إسرائيل رفضت بعض التغييرات المقترحة وليس الاتفاق برمته. في غضون ذلك، يتزايد التقدير في لبنان بأن رفض إسرائيل يستند في النهاية إلى اعتبارات سياسية مع اقتراب موعد الانتخابات.
إسرائيل تريد استخراج الغاز مع حقل كاريش ولو بالقوة
ويتنازع لبنان ودول الاحتلال الإسرائيلي على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً، وتتوسط واشنطن في مفاوضات غير مباشرة بينهما لتسوية النزاع وترسيم الحدود.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب برعاية الأمم المتحدة بهدف ترسيم الحدود، وعُقدت 5 جولات كان آخرها في مايو/أيار 2021، ثم توقفت نتيجة خلافات جوهرية قبل أن يتم استئنافها.
لكن الجديد الآن أن إسرائيل تستعد للذهاب بشكل منفرد لاستخراج الغاز بالقوة من حقل كاريش، حتى لو يعني ذلك عدم التوصل لاتفاق مع لبنان، وذلك من أجل اغتنام فرصة توريد الغاز لأوروبا المتعطشة للغاز الطبيعي بأي ثمن، بسبب انقطاع إمدادات خطوط الغاز الروسية مع القارة التي لا تزال تدعم أوكرانيا في الحرب مع موسكو.