أثار قرار الحكومة الهندية حظر الجبهة الإسلامية الشعبية بالهند انتقادات داخلية من المعارضة، في ظل تنفيذ الحكومة القرار دون انتظار رأي القضاء، خاصة أنه يُنظر للحظر على أنه عقاب للجبهة، لدورها في معارضة القوانين التمييزية ضد المسلمين، بينما تتجاهل الحكومة أنشطة المنظمات الهندوسية المتطرفة التي وصلت لقتل المثقفين.
وفي الأسبوع الماضي، حظرت الحكومة الهندية الجبهة الشعبية للهند لمدة 5 سنوات، بعد أن اعتقلت السلطات 200 من أعضائها في جولتين من المداهمات المنسقة، كما حظرت 8 أفرع للجبهة.
وجاءت الحملة بتنسيق من وكالة التحقيقات الوطنية، وهي أعلى وكالة لمكافحة الإرهاب في الهند، والمديرية التنفيذية لمحاربة الجرائم المالية.
تم التذرع بقانون منع الأنشطة غير المشروعة الصارم، من أجل حظر الجبهة الإسلامية الشعبية للهند.
والقانون يمنح سلطات استثنائية للحكومة للتعامل مع الأنشطة الموجهة ضد ما يوصف بسلامة وسيادة الهند، ويمكّنها من تصنيف الأفراد كإرهابيين قبل بدء محاكمتهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
واتَّهمت الحكومة الهندية، في بيان، الجبهة الشعبية والفروع التابعة لها، بأنها متورطة في "أنشطة تخريبية"، بما في ذلك الإخلال بالنظام العام، وتقويض النظام الدستوري الهندي، وتشجيع وفرض نظام رجعي قائم على الإرهاب.
من جانبه، رفض محامي الهيئة الاتهامات، واتهم وكالات التحقيق بتلفيق الأدلة واستهداف الجماعة.
وقال محمد طاهر ، مستشار الرابطة، إن الحكومة فشلت في تقديم دليل على تلقي المنظمة أموالاً خارجية وتمويل أنشطة إرهابية في الهند، حسبما ورد في تقرير The Washington Post.
وتتهم السلطات الجبهة بتنظيم أعمال شغب في المدن وهجمات على المنظمات الهندوسية وقادتها.
ويشكّل المسلمون 13% من سكان الهند، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، ويشتكي كثيرون منهم من التهميش، في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
ويقول منتقدو مودي إن إعادة انتخاب حزب بهاراتيا جاناتا الساحق في عام 2019، شجّعت وزارة الداخلية ووكالات التحقيق على الإعلان عن إرهابيين، بناءً على الاتهامات فقط، وإلغاء الحكم الذاتي الجزئي لكشمير، الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة، وتغيير سجل المواطنين في ولاية آسام الشمالية الشرقية، الذي سحب الجنسية من مليوني شخص، كثير منهم من المسلمين.
حظر الجبهة الإسلامية الشعبية للهند جاء بعد أزمة التصريحات المسيئة للرسول
كان المسؤولون الهنود يخططون لحظر حزب الجبهة الشعبية للهند منذ فترة، لكن بعد العاصفة الدبلوماسية التي أعقبت التصريحات المثيرة للجدل "المعادية للإسلام" التي أدلى بها أعضاء بارزون في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، حول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل عدة أشهر، أُجِّلت هذه الخطط، حسبما ورد في تقرير لموقع Deutsche Welle الألماني.
وأثارت حملة القمع التي شُنَت على مستوى البلاد ضد الجبهة الشعبية للهند، وحظرها اللاحق، احتجاجاتٍ عنيفة في أجزاء من ولاية كيرالا جنوب الهند، حيث يهيمن الحزب. ورشق النشطاء الحافلات العامة بالحجارة، ودمروا ممتلكات ومركبات.
ما هي الجبهة الشعبية للهند؟
تأسست الجبهة الشعبية للهند في عام 2007 من خلال اندماج ثلاث منظمات إسلامية في جنوب الهند: جبهة التنمية الوطنية في ولاية كيرالا، ومنتدى كارناتاكا للكرامة، ومانيثا نيثي باساراي في تاميل نادو، وذلك لمواجهة الجماعات الهندوسية القومية.
رغم أنَّ الجبهة الشعبية للهند لها وجود قوي في ولايتي كيرالا وكارناتاكا الجنوبيتين، فإنها نشطة في أكثر من 20 ولاية هندية، وتضم ما يقرب من 400 ألف عضو، وفقاً لتقديراتها الخاصة.
وقد قدمت نفسها على أنها منظمة تُناضل من أجل حقوق الأقليات وطبقة الداليت والمجتمعات المُهمَّشة.
لم تتنافس الجبهة الشعبية للهند بنفسها في الانتخابات قط، لكنها شاركت في تنفيذ أعمال دينية اجتماعية وإسلامية نيابةً عن المسلمين الهنود.
لكن اتُّهِم أعضاؤها أيضاً بقطع يدَيْ أستاذ جامعي في عام 2010؛ لإهانته المشاعر الدينية للمسلمين، حسب الموقع الألماني.
علاوة على ذلك، اتَّهمت الحكومة اليمينية الهندوسية المتطرفة المجموعة بتمويل الاحتجاجات العنيفة ضد قانون تعديل المواطنة المثير للجدل.
قادت المظاهرات ضد حظر الحجاب، وإسقاط الجنسية عن المسلمين
في عام 2020، نزل المسلمون في جميع أنحاء الهند إلى الشوارع للاحتجاج على قانون المواطنة الهندي، وهو التشريع الذي يسرّع عملية الحصول على المواطنة الهندية للأقليات غير المسلمة من البلدان المجاورة، لكنه يستبعد المسلمين.
في وقت سابق من هذا العام، اتهمت حكومة ولاية كارناتاكا الجبهة الشعبية للهند بالتحريض على الاحتجاجات، بعد أن حظرت مدرسة في الولاية الجنوبية على الطالبات ارتداء أغطية الرأس أو الحجاب.
واتُّهِم جناح الطلاب والنساء في الجبهة الشعبية للهند، وجبهة الحرم الجامعي في الهند، والجبهة الوطنية للمرأة، بالمشاركة بنشاط في هذه المظاهرات المؤيدة للحجاب.
مودي غاضب منهم بسبب دورهم في حشد المسلمين ضد سياسته
وزعم مسؤول استخباراتي هندي كبير لهيئة Deutsche Welle، طلب عدم الكشف عن هويته: "لقد كانت مسؤولة عن هندسة التوترات الطائفية، وقتل النشطاء الهندوس، وتعبئة المسلمين للاحتجاجات العنيفة والصلات بمنظمات إرهابية عالمية".
بالطبع لم يُشر المسؤول الهندي ولا الموقع الألماني إلى أن التوترات جاءت بالأساس بسبب سياسات الحكومة الهندية، التي انتقدها سياسيون محليون والمنظمات الحقوقية العالمية، وحتى بعض حلفاء الهند الغربيون.
اتهمت الحكومة الهندية الجبهة الشعبية بأنها ترتبط بعلاقات مع جماعات إسلامية؛ مثل حركة الطلاب الإسلامية المحظورة في الهند، وجماعة المجاهدين في بنغلاديش، و"داعش" في العراق وسوريا.
وقالت وكالات الأمن الهندية إنَّ لديها أدلة على مشاركة أكثر من 20 شاباً من أعضاء الجبهة، معظمهم من ولاية كيرالا، في أنشطة إرهابية في سوريا وأفغانستان والعراق.
بالإضافة إلى ذلك، اتهمت السلطات الجبهة الشعبية للهند بأن لديها آلية مفصلة لجمع التمويل السري من مصادر في الخارج.
انتقادات من المعارضة لقرار الحظر
شكَّك عدد من القادة السياسيين من أحزاب المعارضة الهندية في قرار الحكومة الهندية حظر الجبهة الإسلامية الشعبية بالهند.
وأكد عضو البرلمان من حيدر آباد، أسعد الدين العويسي، أنه يدعم باستمرار النهج الديمقراطي، بينما يُعارض النهج الراديكالي والمتطرف للجبهة.
ولكنه قال: "لا يعني أن بعض أفرادها ارتكبوا جرائم أنه يجب حظر المنظمة نفسها، مشيراً إلى أنه كما رأت المحكمة العليا فإن مجرد الارتباط بمنظمة لا يكفي لإدانة شخص ما".
وقال الزعيم الشيوعي القوي، سيتارام يشوري، إن العزلة السياسية، وليس حظر المنظمات مثل الجبهة الإسلامية، هي الحل، لأنها يمكن أن تواصل نشاطها مع تغيير الاسم، كما فعلت منظمات هندوسية متطرفة.
وأضاف: "يجب وقف جميع أشكال الأنشطة الإرهابية، وكذلك سياسة الجرّافات، في إشارة إلى معاقبة الحكومة الهندية للنشطاء المسلمين بهدم بيوتهم، بدعوى أنها مخالفة".
البعض يطالب بحظر المنظمات الهندوسية المتطرفة المؤيدة لمودي
وفي حين أنَّ بعض السياسيين والأحزاب من التيارات السياسية الرئيسية في الهند اعتبروا حظر الجبهة الإسلامية الشعبية بالهند قراراً صحيحاً، دعا البعض داخل المعارضة أيضاً إلى حظر مماثل على راشتريا سوايامسيفاك سانغ، المرشد الأيديولوجي الهندوسي القومي لحزب بهاراتيا جاناتا.
ورحبت رابطة مسلمي الاتحاد الهندي، وهي مجموعة مصالح مسلمة مقرها في ولاية كيرالا، بقرار الحكومة بشأن الحظر، قائلة إنها عارضت أيديولوجية الجبهة الشعبية منذ البداية.
وقال بي كيه كونهاليكوتي، السكرتير العام الوطني لرابطة مسلمي الاتحاد الهندي لموقع Deutsche Welle: "لقد ألحقت الجبهة الشعبية ضرراً كبيراً بالأقليات، وأثارت أنشطتها التعصب الطائفي بين الأغلبية في البلاد، لكن حظر الجبهة الشعبية والسماح لراشتريا سوايامسيفاك سانغ (منظمة التطوع الوطنية القومية اليمينية) وغيرها من الجماعات الهندوسية بالتصرف أمر غير عادل".
وطالب رئيس وزراء ولاية بيهار لالو براساد ياداف بحظر منظمة RSS، وهي جناح يميني قومي هندوسي شبه عسكري.
وقال: "خلقت الحكومة هذه الضجة بشأن حظر الجبهة الإسلامية الشعبية بالهند، ولكن ينبغي حظر RSS، لأنها منظمة أسوأ، حسب تعبيره.
وقال زعيم حزب المؤتمر الوطني الهندي السابق راميش شينيثالا: "يجب بالمثل حظر منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ. وفي ولاية كيرالا يجب معارضة كل من طائفية الأغلبية وطائفية الأقلية على حد سواء، لقد أشعل كلا الكيانين الكراهية الطائفية، وبالتالي حاولوا خلق الانقسام في المجتمع".
وقال الحزب الشيوعي الهندي: "هناك أيضاً منظمات هندوسية متطرفة مثل Sanatan Sanstha وHindu Janajagruti Samiti، اللتين تورطت عناصر منهما في قتل الكتاب والمثقفين والشخصيات العلمانية البارزة.
وأضاف الحزب أن كل هذه القوى، سواء كانت تمثل الأغلبية المتطرفة أو الأقليات، يجب محاربتها من خلال استخدام القوانين النظامية للبلاد، والعمل الإداري الحازم.
وحظرت الحكومة الهندية أكثر من 40 منظمة سياسية، التي وصفتها بأنها "منظمات إرهابية"، بموجب قانون منع الأنشطة غير المشروعة. وتشمل القائمة جماعات مثل عسكر طيبة وحزب المجاهدين واتحاد شباب السيخ الدولي.
وستراجع هيئة تحكيم الآن، التي أُنشِئَت بموجب قانون مكافحة الإرهاب ويرأسها قاضي محكمة دلهي العليا، الحظر الذي فرضته وزارة الداخلية على الجبهة الشعبية للهند.