فجأة ودون مقدمات، أعلن إيلون ماسك أنه يريد إتمام صفقة شراء تويتر بنفس السعر الذي كان قد عرضه قبل أشهر، فلماذا استسلم أغنى رجل في العالم قبل مواجهته القضائية مع ممثلي منصة التواصل الاجتماعي في قاعة المحكمة؟
كان ماسك، صاحب ومدير شركتي تسلا وسبي إكس هو من سعى للاستحواذ على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي، وظل يضغط على مجلس الإدارة لمدة أسبوعين حتى وافقوا على عرضه بالفعل، يوم 25 أبريل/نيسان الماضي، بعد أن عرض 44 ملياراً، وهو مبلغ ضخم كان يزيد بأكثر من النصف عن القيمة السوقية للشركة وقتها، وشمل عقد الصفقة شرطاً جزائياً قيمته مليار دولار في حالة تراجع أي من الطرفين عن إتمامها.
لكن بعد أقل من أسبوعين على الإعلان عن الصفقة، بدأ ماسك الحديث علناً عن "الحسابات الوهمية" على تويتر، فيما وصفتها الشركة بأنها محاولات للتراجع عن الصفقة، واستمر الشد والجذب بين الطرفين، فلجأت تويتر إلى القضاء لإجبار أغنى رجل في العالم على المضي قدماً في الصفقة، وقرر قاضٍ أمريكي، في يوليو/تموز الماضي، رفض طلب فريق ماسك القانوني تأجيل بدء المحاكمة.
ماسك يعلن رغبته في إتمام صفقة تويتر
وقبل أيام من المواجهة المرتقبة في ساحة القضاء بين الملياردير الأمريكي وتويتر، طالب ماسك فجأة بالعودة إلى الاتفاق الأصلي لشراء المنصة ذات التأثير الكبير حول العالم، رابطاً إتمام الصفقة بسحب الشركة دعواها القضائية.
إذ بعث ماسك رسالة على تويتر قال فيها إنه ينوي المضي قدماً في الصفقة وفق الشروط الأصلية، إذا أوقف قاضي ولاية ديلاوير الإجراءات، وقال مصدر مطلع على فريق تويتر لرويترز إنه في جلسة بالمحكمة صباح الثلاثاء، طلب القاضي تقديم تقرير من الجانبين في المساء.
العرض الجديد الذي قدمه ماسك جاء قبل مواجهة مرتقبة للغاية بينه وبين تويتر في المحكمة بولاية ديلاوير، مقرر لها يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، في إطار سعي شركة التواصل الاجتماعي للحصول على إصدار أمر لماسك بإتمام الصفقة مقابل 44 مليار دولار.
هذا التراجع من جانب ماسك يثير تساؤلات كثيرة، خاصة أن الأسابيع القليلة الماضية كانت قد شهدت تطوراً لافتاً اعتبره كثيرون نقطة تُقوّي موقف رجل الأعمال الأمريكي في القضية.
والمقصود هنا هو التسريبات التي أدلى بها مدير أمن الحسابات السابق في تويتر، والذي أدلى بشهادته أمام إحدى لجان الكونغرس، وهي الشهادة التي اعتُبرت تأكيداً لاتهامات ماسك للمسؤولين عن تويتر بأنهم "أخفوا عنه معلومات أساسية كان لزاماً عليهم تقديمها خلال المفاوضات التي سبقت تقديمه عرض الشراء".
إذ وجه بيتر زاتكو، الذي كان رئيساً لقطاع الأمن في تويتر، اتهاماً لمنصة التواصل الاجتماعي بالفشل في الحفاظ على ممارسات أمنية صارمة والكذب على ماسك بشأن "الحسابات الآلية"، مضيفاً أن تويتر قللت من تقدير عدد الحسابات المزيفة والبريد العشوائي الموجودة على منصتها للتواصل الاجتماعي، بحسب شكوى قدمها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في يوليو/تموز الماضي.
ووجه زاتكو اتهامات للمدير التنفيذي لتويتر، باراغ أغراوال، ومديرين ومسؤولين آخرين بارتكاب انتهاكات قانونية كبيرة، إضافة إلى "تجاهل المخاطر وحتى التواطؤ لتغطيتها" فيما يتعلق بالاختراقات الأمنية الكبيرة التي تشهدها تويتر، مؤكداً أن حادث اختراق كبير للمنصة يقع كل أسبوع تقريباً، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
نفت تويتر اتهامات زاتكو، واصفة مزاعم مدير الأمن السابق بأنها "غير دقيقة وغير متسقة"، وأضافت أن زاتكو تمت إقالته في يناير/كانون الثاني الماضي، لقيادته غير الفعالة وضعف الأداء.
وقال متحدث باسم تويتر: "ما رأيناه حتى الآن هو رواية كاذبة عن تويتر وممارساتنا المتعلقة بالخصوصية وأمن البيانات، مليئة بالتناقضات وعدم الدقة وتفتقر إلى سياق مهم". وأضاف: "يبدو أن مزاعم السيد زاتكو والتوقيت الانتهازي مصمم لجذب الانتباه وإلحاق الضرر بتويتر وعملائها ومساهميها". مؤكداً أنه "لطالما كان الأمان والخصوصية من الأولويات على مستوى الشركة في تويتر وسيستمران كذلك".
لكن على أية حال كان متوقعاً أن تكون لاتهامات وتسريبات زاتكو تأثير كبير على مجريات المعركة القانونية الدائرة بين ماسك وتويتر، حيث يحاول الفريق القانوني لأغنى رجل في العالم حالياً إخراج رئيس شركة "تسلا" من صفقة شراء تويتر، من خلال القول إن الشركة ليس لديها طريقة للتحقق من عدد البشر بين المستخدمين النشطين يومياً، البالغ عددهم 229 مليون مستخدم تقريباً.
وفي تصريح لشبكة "سي إن إن"، قال محامي زاتكو إن موكله بدأ عملية الإبلاغ عن المخالفات قبل أن يصبح عرض الاستحواذ علنياً، وأنه لم يتصل بإيلون ماسك. ومع ذلك، قال أليكس سبيرو، أحد محامي ماسك، لشبكة "سي إن إن" إن زاتكو استُدعي ليكون شاهداً محتملاً.
ما الذي دفع ماسك لتغيير موقفه إذاً؟
في هذا السياق، يصبح التساؤل، بشأن نوايا ماسك ودوافعه بشأن تغيير رأيه المفاجئ وعرضه استكمال الصفقة منطقياً بطبيعة الحال. وعزا بعض المحللين والخبراء ذلك التغير إلى اقتراب المواجهة بين ماسك والفريق القانوني لتويتر.
وقال إريك تالي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: "كان على وشك مواجهة أسئلة (من قبل محامي تويتر) وكان سيظهر الكثير من الحقائق غير المريحة".
متحدث باسم تويتر قال لرويترز إن الشركة تلقت رسالة ماسك وإنه يعتزم إتمام الصفقة بالسعر الأصلي، ولم تذكر تويتر ما إذا كانت ستقبل عرض ماسك.
وكان ماسك، وهو أحد أبرز مستخدمي تويتر، قال في يوليو/تموز، إنه يمكنه الانسحاب من الصفقة دون التعرض لعقوبة لأن عدد الحسابات الزائفة أعلى بكثير من تقدير تويتر بأنها أقل من 5% من المستخدمين. ويمكن أن يؤدي استخدام هذا النوع من الحسابات إلى المبالغة في تقدير عدد الأشخاص الموجودين في الخدمة، وهو أمر مهم لمعدلات الإعلان والقيمة الإجمالية للخدمة.
وقال فريق تويتر القانوني، في 27 سبتمبر/أيلول، إن متخصصين استعان بهم ماسك قدروا عدد الحسابات الزائفة على المنصة بما بين 5.3 و11%. وقال برادلي ويلسون، محامي تويتر، للمحكمة: "لم يؤيد أي من هذه التحليلات حتى الآن.. ما قاله السيد ماسك لتويتر وأخبر به العالم".
آدم بدوي، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، قال لرويترز إن الصفقة الأصلية "تصب في مصلحة البائع بشدة وسيكون من الصعب للغاية الخروج منها". وأضاف أن ماسك أدرك "على الأرجح أن ذلك سيؤدي إلى إجباره على إتمامها عند 54.20 دولار للسهم".
على أية حال، أصبحت الكرة الآن في ملعب تويتر، حيث يتعين على الشركة أن تقدم رداً على اقتراح ماسك، ومن المرجح أن يوافق مجلس إدارة الشركة على استكمال صفقة الاستحواذ، بحسب رأي جوش وايت، أستاذ المالية المساعد في جامعة فاندربيلت الأمريكية.
"لا شك أن الجدل العلني المستمر منذ شهور قد أنهك مجلس إدارة الشركة والعاملين فيها. والأفضل لجميع الأطراف الآن إكمال الصفقة ونقل الملكية بصورة شفافة وسلسة وسريعة أيضاً، وإن كنت أشك أن يتم ذلك بسرعه"، بحسب ما قاله وايت لشبكة CNN الأمريكية.
كيف يمكن أن يكون رد تويتر؟
لكن من غير المرجح أن توافق شركة تويتر على سحب الدعوى القضائية على الفور، أو قبل أن تتم الصفقة بشكل رسمي ويدفع ماسك المبلغ المتفق عليه– 44 مليار دولار– ويتسلم إدارة المنصة رسمياً.
وهذا ما يعتقده إريك تالي، الأستاذ في كلية كولومبيا للقانون، الذي قال للشبكة الأمريكية إن تويتر على الأرجح ستواصل الدعوى القضائية خلال عملية التفاوض لإتمام الصفقة مع ماسك، تحسباً لأن يغير رأيه مرة أخرى أو تتعرقل المفاوضات لأي سبب من الأسباب.
"على الأرجح سيكون رد تويتر على ماسك مفاده أنهم موافقون على التفاوض لإتمام الصفقة، لكن ذلك لا يعني أن موعد المحاكمة، في 17 أكتوبر/تشرين الأول، سيشهد أي تغيير، وحتى تتم الصفقة بشكل نهائي، سنواصل الاستعداد أيضاً لتلك المحاكمة"، بحسب تالي.
لكن ماسك ربط عرضه إتمام الصفقة بوقف الإجراءات القانونية، وهو ما يعني أن الأيام القليلة المقبلة قد تشهد مزيداً من المفاجآت.
أما فيما يتعلق بتمويل الصفقة، فقد باع ماسك بالفعل ما قيمته 15.4 مليار دولار من أسهم تسلا منذ موافقته على شراء تويتر. كما حصل على التزام تمويل من البنوك- ومنها مورجان ستانلي وبنك أوف أمريكا وميتسوبيشي يو.إف.جيه فايننشال جروب وباركليز بي.إل.سي- للحصول على قرض حجمه 12.5 مليار دولار لدعم استحواذه على تويتر.
ومن المرجح أن تخسر البنوك التي وافقت على تمويل الاستحواذ مئات الملايين من الدولارات في الصفقة لأنها ستكافح لجذب المستثمرين لشراء الديون، بالنظر إلى الانكماش في الأسواق منذ توقيع الصفقة.
ومع ذلك، وافقت البنوك على توفير التمويل بغض النظر عما إذا كان بإمكانها بيع القروض ومواجهة احتمالات قانونية طويلة لتحرير نفسها من الالتزام بالتمويل، وفقاً لملفات تنظيمية.
ونظراً إلى أن تويتر قد تلقت بالفعل دعم المساهمين لبيعها إلى ماسك، فقد تُبرم الصفقة سريعاً في الأسابيع المقبلة إذا استقر الجانبان على الشروط الأصلية.