قبل شهر واحد من الانتخابات الإسرائيلية التي تعقد للمرة الخامسة خلال السنوات الأربع الأخيرة، يرى محللون أن ثمة 4 قضايا ستحدد اتجاه تصويت الناخبين الإسرائيليين، وهي ارتفاع الأسعار، وشخص بنيامين نتنياهو، وعدم تكرار الانتخابات، والوضع الأمني.
وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، يعود الناخبون في دولة الاحتلال إلى صناديق الاقتراع؛ حيث يأمل السواد الأعظم منهم ألا تنتهي هذه الانتخابات إلى جولة انتخابات سادسة، في مشهد يعبر عن عمق الأزمة السياسية التي وصلت إليها دولة الاحتلال.
فتشكيل حكومة جديدة يتطلب الحصول على 61 مقعداً على الأقل من مقاعد الكنيست الـ 120، وهو رقم لا يبدو أن أياً من الأحزاب الإسرائيلية البارزة يضمن تحقيقه.
هل تحسم هذه الانتخابات المشهد السياسي الإسرائيلي؟
كما في الانتخابات الأخيرة، فإن شخص رئيس وزراء الاحتلال الأسبق بنيامين نتنياهو يحتلّ مركزاً مهمّاً في الدعاية الانتخابية، مع سعيه للعودة إلى الحكم.
وتأتي الانتخابات في وقت يستمر فيه التصعيد الأمني في الضفة الغربية، مع استمرار التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية.
من جانب آخر، تصدّر الملف النووي الإيراني تصريحات المتنافسين الإسرائيليين قبل أن يتراجع مع تأجيل الولايات المتحدة الأمريكية التوقيع على الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويقول يوناثان فريمان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، لوكالة الأناضول: "أعتقد أن الموضوع الأساسي الذي يتم الحديث عنه هو ألا تكون هناك انتخابات أخرى بعد الانتخابات القادمة؛ لذلك نرى أن المرشحين يكررون في كلماتهم: إذا ما صوّتم لي فإنني سأشكل حكومة أكثر استقراراً ولن تكون هناك انتخابات إضافية".
وتابع فريمان: "لذا أعتقد أن نقطة أساسية في الانتخابات هي من سيتمكن من تشكيل حكومة مستقرة ويمنع العودة إلى الانتخابات مجدداً في المستقبل القريب".
الأزمة الاقتصادية وعودة نتنياهو
في الوقت نفسه، أشار فريمان إلى أن الناخبين يولون أهمية لبرامج الأحزاب الهادفة للحد من ارتفاع الأسعار. وقال: "تكاليف الحياة وارتفاع الأسعار تحظى بمكانة مهمة في الانتخابات، وهو ارتفاع نتج عن تأثيرات جائحة كورونا على الصناعات والحرب في أوكرانيا؛ لذا فإن السؤال هو: ما الذي ستقوم به الحكومة حيال هذا الأمر من أجل خفض الأسعار؟".
"بالتالي، فإن السؤال بالنسبة للناخبين هو: من هو المرشح الذي لديه أجندة اقتصادية أفضل تحقق خفض التكاليف؟".
وأشار فريمان إلى أن شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نتنياهو يحتل مكانة مهمة في تحديد الناخبين تجاه تصويتهم. وقال: "هناك تركيز على شخص نتنياهو، ويتردد السؤال دائماً: هل ستجلس أم سترفض الجلوس مع نتنياهو في حكومة؟ وتحت أي شروط؟ وتقريباً فإن كل حزب أعلن موقفه بشأن نتنياهو كشخص".
كانت أحزاب "شاس" و"يهودوت عتوراه" و"الصهيونية الدينية"، أعلنت عزمها التوصية بزعيم حزب "الليكود" نتنياهو، لتشكيل الحكومة.
بالمقابل، أعلنت الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة الحالية، أنها لن تقبل الانضمام إلى أي حكومة برئاسة نتنياهو، فيما أشارت القائمة العربية المشتركة إلى أنها لن توصي بنتنياهو، ولفتت إلى أن توصيتها بـ يائير لابيد أو بيني غانتس ليست مضمونة.
يقول فريمان: "كما يتم النظر إلى الحزب الأكثر قدرةً على منع نتنياهو من العودة إلى رئاسة الحكومة، ولذا فهناك أحزاب تقوم دعايتها الانتخابية على أن فوزها سيحول دون وجود نتنياهو بالحكومة بعد الانتخابات".
تشير استطلاعات الرأي العام في إسرائيل إلى توقعات بحصول كتلة نتنياهو على ما بين 59-61 مقعداً في الانتخابات القادمة، مقابل حصول كتلة الحكومة الحالية على 55-57 مقعداً، لتبقى 4 مقاعد للقائمة المشتركة.
ماذا عن الوضع الأمني والانقسامات حول قيادة الجيش؟
لا يمكن التغاضي عن واقع أن هذه الانتخابات تأتي في ظل تصعيد أمني بالضفة الغربية قد يتفاقم ويصل غزة، مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات على توجهات الناخبين.
ويعتبر محللون إسرائيليون أن الوضع الأمني إشكاليّ جداً الآن، سواء ما يتعلق بالأراضي الفلسطينية، أو لبنان وتصاعد التهديدات، وهو وضع سيكون له تأثيره على الانتخابات.
في الوقت نفسه، فإن الانقسام السياسي بات مهدِّداً لاستقرار الدولة، هكذا وصفته كبرى مراكز البحث والاستشراف الإسرائيلي، خصوصاً بعد أن دخل الجيش الإسرائيلي في عمق هذه الخلافات، وبات ورقة مساومة وابتزاز بيد قادة الكتل والأحزاب السياسية لتحقيق مصالح حزبية.
فمنذ انهيار الائتلاف الحكومي، في مايو/أيار الماضي 2022، وسقوط حكومة بينيت، دخلت إسرائيل في ذروة أزمة سياسية لم تشهدها منذ سنوات، إذ باتت هذه الحكومة التي يرأسها وزير الخارجية يائير لابيد مسيّرة للأعمال لحين إجراء الانتخابات القادمة، وبالتالي لا تستطيع هذه الحكومة اتخاذ قرارات استراتيجية، أهمها اختيار القائد الجديد للجيش، في ظل اقتراب نهاية ولاية رئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي مطلع العام 2023.
شهدت الأسابيع الأخيرة حرباً إعلامية وقانونية بين وزير الدفاع بيني غانتس وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، بسبب الخلاف حول هوية القائد الجديد للجيش، إذ يصر غانتس على ضرورة أن يبقى الجيش بعيداً عن الاستقطاب الحالي، وبالتالي يجب معرفة خليفة كوخافي خلال المرحلة الانتقالية، في حين يرفض نتنياهو هذا الإجراء، ويُصر بدوره على تأجيل هذا التعيين لحين إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة التي يراهن على رئاستها، بعد أن منحت استطلاعات الرأي الأخيرة كتلة اليمين برئاسته 61 مقعداً.
انتقل الصراع بين الرجلين إلى أروقة القضاء، حيث تقدم غانتس بطلب استثنائي إلى المستشارة القضائية للحكومة غالي بيهار ميارا، للسماح له باختيار القائد الجديد للجيش، من منطلق وصفه غانتس باعتبارات أمنية حساسة لا تحتمل التأجيل.
وينافس ثلاثة جنرالات على منصب رئيس الأركان القادم، وهم: الجنرال هرتسي هليفي، نائب رئيس الأركان الحالي، وهو المرشح المفضل لغانتس، والجنرال أيال زمير، النائب السابق لرئيس الأركان، وهو المرشح المفضل لنتنياهو، أما الجنرال الثالث فهو يوئيل ستريك، القائد السابق للقوات البرية، ولكن حظوظه في المنافسة تراجعت، لتبقى المنافسة محصورة بين هليفي وزمير.
ونشر الكاتب الإسرائيلي إيتمار إيخنر مقالاً بصحيفة يديعوت أحرونوت، اعتبر أن الأزمة الحالية حول تحديد هوية رئيس الأركان مقلقة للغاية، فلم تعتد إسرائيل تاريخياً على إدخال الجيش في معترك الخلافات السياسية، إذ كان الجيش تاريخياً محيداً عن أية صراعات داخلية، وهو مفرغ بشكل كامل لحماية الأمن القومي الإسرائيلي من التهديدات المحيطة به.
40 قائمة تخوض الانتخابات الإسرائيلية
في السياق، يقول المعهد الديمقراطي الإسرائيلي الخاص، إن نصف الجمهور الإسرائيلي يعتزم التصويت للحزب نفسه الذي صوّتوا له في الانتخابات السابقة، بينما رُبعهم لم يقرروا بعد أي حزب سيصوّتون له، فيما أشار القسم المتبقي إلى أنهم سيختارون أحزاباً مختلفة عن الأحزاب التي صوّتوا لها.
وصُنّفت الأجندات الاقتصادية للأحزاب، على أنها العامل الأكثر تأثيراً في قرار الناخبين بشأن الحزب الذي سيصوّتون له. حيث جاءت هوية زعيم الحزب مرة أخرى في المرتبة الثانية فقط، باستثناء ناخبي الليكود، الذين اعتبروا هوية زعيم الحزب أهم عامل في التصويت للحزب.
وتخوض 40 قائمة الانتخابات القادمة، ولكن 11-12 منها فقط يتوقّع أن تنجح بتجاوز عتبة الانتخابات والوصول إلى مقاعد الكنيست. وما لم يتمكن مرشح الحكومة أو المعارضة من تشكيل حكومة، فإن الإسرائيليين سيضطرون إلى العودة إلى صناديق الاقتراع للمرة السادسة.