بعدما كانت التقييمات العسكرية الأمريكية تقلل من قيمة الطائرات المسيَّرة الإيرانية التي اشترتها روسيا، بدأ الأوكرانيون يجأرون بالشكوى من هذه الطائرات، ويطالبون واشنطن بتزويدهم بأسلحة مضادة لها، فما هو تأثير الطائرات المسيرة الإيرانية الفعلي على مسار الحرب في أوكرانيا؟ وهل يمكن أن تغير مسارها، كما يحذر خبراء غربيون وأوكرانيون؟
وشكل الحديث عن "شراء روسيا طائرات مسيرة إيرانية" لاستخدامها في حرب أوكرانيا واحدة من مفارقات هذه الحرب، فمن الغريب أن تشتري روسيا، الدولة العظمى صاحبة ثاني أقوى جيش في العالم، أسلحة من دولة نامية معزولة كإيران، كانت تقلد منذ عقودٍ الأسلحة الروسية والغربية القديمة.
وألقت تقييمات منسوبة لقادة عسكريين أمريكيين نشرت قبل أقل من شهر، شكوكاً حول قدرات الطائرات المسيرة الإيرانية التي حصلت عليها روسيا، حتى قبل البدء باستخدامها، وقالت هذه التقارير إن العسكريين الروس محبطون من الأداء الذي أظهرته في التجارب الأولية.
ولكن بعد بدء استخدامها، ظهرت تقارير منسوبة لعسكريين أوكرانيين تتحدث عن أن الطائرات من دون طيار الإيرانية تشكل تهديداً جديداً لأوكرانيا.
وتصعد روسيا من استخدام طائرات انتحارية "كاميكازي" مسيرة في جنوب أوكرانيا، بما في ذلك ضد ميناء أوديسا أكبر موانئ البلاد، ومدينة ميكولايف القريبة، وسط تقديرات باحتمال نشر مئات منها من قبل الكرملين في شبه جزيرة القرم وغيرها من المناطق الأوكرانية المحتلة في جنوب البلاد، حسب تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
فعلى مدار الأسبوع الماضي، نشرت روسيا طائرات مسيرة إيرانية من طرازي "شاهد و"مهاجر" بأعداد أكبر في مناطق أوكرانية عدة، مما أدى إلى نتائج مدمرة، حسب صحيفة Politico الأمريكية.
وضرب بعضها مواقع قتالية وحطم دبابات وعربات مصفحة ، بينما ضرب البعض الآخر البنية التحتية المدنية، بما في ذلك في مدينة أوديسا الساحلية،
لماذا لجأت روسيا لشراء الطائرات المسيَّرة الإيرانية؟
لطالما كانت الطائرات من دون طيار المسلحة سمة من سمات الصراع في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022.
ولدى روسيا، التي تمتلك 1500 إلى 2000 طائرة من دون طيار للمراقبة العسكرية، عدد قليل نسبياً من الطائرات من دون طيار الهجومية من النوع الذي يمكنه ضرب أهداف بدقة في عمق أراضي العدو.
وبصفة عامة رغم أن روسيا تعد ثاني أهم دولة منتجة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، فإنها متأخرة في مجال الطائرات المسيرة، مثلها مثل عدد من القوى الغربية المتقدمة عسكرياً مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
على النقيض من ذلك، استخدمت أوكرانيا الطائرات من دون طيار المقاتلة التركية الصنع لإحداث دمار في الدروع والشاحنات والمدفعية الروسية منذ الأسابيع الأولى من الصراع.
بينما تستخدم روسيا بشكل أساسيٍّ الطائرة المسيرة المحلية الصنع "Orlan-10" الأصغر والأبسط من بيرقدار التركية، والتي تحتوي هذه الطائرات من دون طيار أيضاً على كاميرات، ويمكنها حمل قنابل صغيرة.
وبدأت روسيا الحرب بآلاف من هذه الطائرة، ويعتقد أنه قد تبقى بضع مئات منها فقط جراء الخسائر المختلفة، حسبما قال الدكتور جاك واتلينج المتخصص بالشأن الروسي في المعهد الملكي البريطاني المتحد للخدمات البحثية، لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
وقال أليكس كوكشاروف، محلل مخاطر يركز على روسيا وأوكرانيا لموقع Middle East Eye البريطاني: "بينما طوّرت روسيا طائرات مراقبة من دون طيار مُصنَّعة محلياً، إلا أنها تفتقر إلى قدرات إنتاج طائرات من دون طيار قتالية".
وأضاف: "مع خضوع معظم قطاع الصناعات الدفاعية الروسية حالياً للعقوبات الغربية، فإن قدرتها على ابتكار وتطوير وإنتاج أنواع جديدة من الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة القتالية محدودة".
ولدى روسيا دولتان فقط يمكن أن تلجأ إليهما "لسد فجوة القدرات" في الطائرات القتالية من دون طيار: الصين وإيران.
لكن الصين لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة، ولا تريد توريد طائرات من دون طيار مقاتلة، لأن ذلك قد يستدعي عقوبات أمريكية.
ولذا من من الواضح أن روسيا التي تعاني من محدودية قدرات طائراتها المسيرة المحلية الصنع، وأيضاً قلة عددها مع استمرار المعارك، قررت اللجوء لطهران، في مواجهة سيل الأسلحة الغربية المتدفق للغرب.
وأدَّى الجمع بين سلاح الجو والمستشارين العسكريين الروس جنباً إلى جنب مع القوات البرية الإيرانية في سوريا إلى تحويل مسار الحرب السورية لصالح حكومة بشار الأسد.
قال مارك كاتز، الأستاذ بجامعة جورج ماسون الأمريكية وخبير العلاقات الروسية في الشرق الأوسط، موقع Middle East Eye البريطاني: "لو كنتُ مكان الإيرانيين الآن سيكون عليّ الشعور بسعادة بالغة بأن أكون أنا وللمرة الأولى المدرب وليس المتدرب مع الروس".
تاريخ الطائرات الإيرانية المسيرة
استخدمت قوات الحوثيين في اليمن الطائرات المسيرة الإيرانية لمهاجمة أهداف في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأسقط السعوديون عدداً كبيراً من طائرات الحوثيين، ولكن أيضاً مرت بعضها ووصلت لأهدافها.
كان أخطر هجوم للطائرات المسيرة الإيرانية، الذي نفذ على منشأة نفطية لشركة أرامكو السعودية العملاقة عام 2019، وأدى إلى وقف 5% من إنتاج النفط في العالم عدة أشهر.
الهجوم صدم الإسرائيليين المعنيين بالأسلحة الإيرانية، ونُفذ عبر خليط من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، وتبنى الحوثيون مسؤوليته ولكن يعتقد أنه نُفذ من إيران أو من قبل حلفائها في العراق، علماً بأن السعودية لديها أنظمة دفاع جوي غربية متطورة للغاية.
ونظراً إلى أن إيران تعاني نقصاً كبيراً في الطائرات الحديثة، فإنها عمدت إلى تطوير برنامج صواريخ باليستية وكروز وبرنامج طائرات مسيرة.
جعلها ذلك دولة مهمة في مجال الطائرات المسيرة، حتى لو لم تكن دولة صف ثانٍ مثل الصين وتركيا وإسرائيل (أمريكا دولة صف أول بطبيعة الحال، ويمكن وصف إيران بدولة صف ثالث).
أول صراع بين جيشين متقدمين تخوضه الطائرات المسيرة
لم تكن أوكرانيا فقط أول صراع، تستخدم فيه الطائرات المسيرة على نطاق واسع، حيث استخدمت في حرب بين أذربيجان وأرمينيا والحرب التركية في إدلب ضد النظام السوري عام 2019، وحرب ليبيا.
ولكن حرب أوكرانيا هي أول بين جيشين متقدمين تعتمد على الطائرات المسيرة بشكل كبير، حيث تسببت الطائرة المسيرة التركية بيرقدار تي بي 2 التي استخدمتها أوكرانيا في إلحاق ضرر كبير بالقوات الروسية ، لدرجة أن الأوكرانيين ألفوا أغنية للبيرقدار، ولعبت دوراً مهماً في إبطاء آلة الحرب الروسية، خاصة في بداية الحرب، ويعتقد أنها لها دور في إغراق طراد الصواريخ فخر البحرية الروسية موسكوفا.
كما زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بنحو 700 طائرة عسكرية من دون طيار من طراز "كاميكازي" من طراز Switchblade.
لماذا تبدو روسيا بحاجة ماسة لتوسيع استخدامها للطائرات المسيرة؟
في حين أن الكثير من الاهتمام ركز على استخدام أوكرانيا الناجح للغاية للبيرقدار بدأت روسيا في الاعتماد بشكل أكبر على طائرات كاميكازي من دون طيار بدلاً من الصواريخ.
وفقاً للجيش الأوكراني، ربما تكون روسيا قد استنفدت أكثر من نصف صواريخها الانسيابية عالية الدقة خلال صراعها المستمر منذ 9 أشهر.
وبالتالي تمثل الطائرات المسيرة الإيرانية بديلاً محتملاً لهذه الصواريخ.
هذا الشهر، بينما تعاني روسيا من التراجع في إقليم خاركييف أمام الهجوم الأوكراني المضاد، شوهدت القوات الروسية تنشر طائرات إيرانية مسيرة بشكل مكثف.
ويوم الإثنين الماضي، أكد الجيش الأوكراني أن "البنية التحتية العسكرية" تعرضت لقصف بطائرتين من دون طيار من طراز "كاميكازي" في مدينة أوديسا الساحلية ، التي يعتقد على نطاق واسع أن إيران باعتها إلى روسيا.
وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية، الثلاثاء، 27 سبتمبر/أيلول 2022، إن القوات الروسية استهدفت "عمداً" تجمعاً للإسرائيليين في أوكرانيا أثناء احتفالهم بعيد رأس السنة العبرية، مشيرة إلى أن تدخل كييف العسكري الذي أسقط الطائرات قد منع وقوع ضحايا أو إصابات.
بحسب تقييم كييف، أراد الروس التركيز على مواقع دينية ذات جمهور كبير.
من جانبه، قال مسؤول أمني أوكراني إن "الأعمال الإرهابية المخططة ضد مواطنين إسرائيليين هي أحد شروط نقل الطائرات الإيرانية من دون طيار إلى روسيا".
وقال الرئيس الأوكراني عن تزويد إيران لروسيا بطائرات مسيرة "إن هذا يظهر للعالم أن الأشرار يتعاونون، وسيكون لهذا عواقب معاكسة".
يلقى الزعم الأخير شكوكاً بطبيعة الحال، حول هو الهدف من التصريحات الأوكرانية المذعورة من الطائرات المسيرة الإيرانية، أم الهدف الاستفادة دعائياً منها لجذب مزيد من الدعم من أمريكا وحتى إسرائيل استغلالاً لعدائهما لطهران.
ولكن بصرف النظر عن الدوافع، فلقد أدت الهجمات الأخيرة إلى تجدد الدعوات للولايات المتحدة لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا أكثر تقدماً.
الإيرانيون يدرّبون الروس لأول مرة
لطالما أقامت إيران وروسيا علاقات جيدة وشريكتان في الحرب السورية على مدار العقد الماضي ، ومع ذلك حافظت كييف أيضاً على علاقات دبلوماسية مع طهران. ومع ذلك ، دفع إدخال الطائرات الإيرانية المسيرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي إلى سحب اعتماد سفير إيران وتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين في سفارتها في كييف بشكل كبير بعد أن اتهم زيلينسكي، في أحد خطاباته في نهاية الأسبوع، إيران بتزويد موسكو بطائرات مسيرة، وهو ما نفته طهران ، التي قالت إنها محايدة في الصراع.
وقال ناصر الكناني، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الثلاثاء الماضي، 19 يوليو/تموز، إنَّ "التعاون العسكري بين إيران والاتحاد الروسي في التكنولوجيا الحديثة يسبق حرب أوكرانيا ولم يطرأ عليه تغيُّر كبير مؤخراً". ولكن السفير الروسي لدى إيران الخميس الماضي، 21 يوليو/تموز، أبعد من ذلك، قال إنَّه "لا قيود على التعاون العسكري – التقني" بين موسكو وطهران.
وقال حقي أويغور رئيس مركز الدراسات الإيرانية في اسطنبول. لموقع Middle East Eye: " إن التأطير المتزايد للصراع الأوكراني على أنه صراع ضد الناتو والغرب قد شجع فقط المزيد من التعاون الروسي الإيراني.
وقال مصطفى خوششم، المحلل السياسي البارز واستراتيجي الدبلوماسية العامة المقيم في طهران، إنه بينما صرحت إيران بأنها تبادلت التكنولوجيا مع الروس، فإنها لم تؤكد أبداً أنها باعت أي أسلحة أو أي طائرات من دون طيار إلى موسكو.
وقال خوششم لموقع Middle East Eye: "لكن ما نعرفه هو أنه وفقاً للمسؤولين الأوكرانيين، كانت الطائرات المسيرة الإيرانية جيدة جداً لأنها تسببت في أضرار جسيمة للقوات الأوكرانية".
وحذر الجنرالات الأمريكيون من فاعلية الطائرات من دون طيار الإيرانية في السنوات الأخيرة، وأن التقدم في تكنولوجيا الطائرات من دون طيار الإيرانية يعني أن طهران يمكن أن تتمتع "بتفوق جوي محلي". قال أحد الجنرالات الأمريكيين للكونغرس: "لأول مرة منذ الحرب الكورية، نعمل بدون تفوق جوي كامل".
وقال خوششم: وأضاف: "يمكن لأي شخص لديه طائرات من دون طيار أفضل أن يغير وجه الحرب" ، مشيراً إلى نزاع ناغونرو كاراباخ ، حيث كافحت القوات الأرمينية لمواجهة الطائرات من دون طيار الأذربيجانية التركية الصنع.
هكذا ساعت أمريكا إيران على تصميم طائراتها المسيرة
وأمضت إيران أكثر من عقد من الزمان في تطوير صناعة الطائرات من دون طيار المحلية الخاصة بها في الوقت الذي تسعى فيه لتعويض افتقارها إلى القوة الجوية الناجم في جزء كبير منه عن العقوبات الغربية.
حاكت طهران في تصميمها للعديد من طائراتها المسيرة الطائرات الأمريكية.
قال خوششم إن التطورات الإيرانية في تكنولوجيا الطائرات من دون طيار تلقت أيضاً يد المساعدة من الولايات المتحدة ، وإن كان ذلك عن غير قصد.
عندما أسقط الإيرانيون طائرة من دون طيار أمريكية من طراز RQ-170 Sentinel في عام 2011 ، تمكنوا من إعادة تصميمها وإعادة إنتاجها في غضون عام واحد فقط بإصدار إيران الخاص أفضل من النسخة الأصلية ، كما يزعم خوششم. منذ ذلك الحين، أسقطت إيران العديد من الطائرات الأمريكية من دون طيار ، مما سمح لصناعة الطائرات من دون طيار بالقفز إلى الأمام.
أكثر الطائرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا
أصبحت الطائرة الإيرانية المسيرة شاهد 136، أكثر الطائرات من دون طيار الإيرانية استخداماً من قبل روسيا في الأسابيع الأخيرة، حيث أصبح صوتها الذي يشبه محرك دراجة نارية مألوفاً لدى الأوكرانيين أثناء اقترابها.
تم تقديم شاهد 136 رسمياً من قبل إيران في عام 2021، بهدف تجاوز أنظمة الدفاع الجوي للخصم والتغلب على القوات البرية. وهي تحمل رأساً حربياً يزن حوالي 35 كجم. تُعرف أحياناً باسم طائرة من دون طيار "كاميكازي" ، لأنها تطير مباشرة إلى الهدف وتفجر نفسها به.
عادةً ما يتم إطلاق الطائرة من دون طيار التي يبلغ وزنها 200 كيلوجرام في أزواج، وهي مسلحة برأس حربي، وقد أدعت إيران رسمياً أن مداها يبلغ حوالي 2000 كيلومتر على الرغم من أنه من الناحية الواقعية يُعتقد أنها أقرب إلى عدة مئات مع أدلة غير مؤكدة تشير إلى أن القوات الأوكرانية كافحت في بعض الأحيان لتتبع هذه الطائرات.
يبدو أن هناك طائرة مسيرة إيرانية أخرى تظهر في الأجواء الأوكرانية، هي "مهاجر-6″، والتي تعتبر متعددة الأغراض، قد تم إسقاطها الأسبوع الماضي، حيث أظهرت قناة Telegram المرتبطة بالجيش الأوكراني أن واحدة يتم صيدها من البحر.
وقالت أندريانا أريختا، وهي رقيب في القوات المسلحة الأوكرانية، إن الطائرات المسيرة انطلقت من شبه جزيرة القرم لمهاجمة وحدة القوات الخاصة التي تقاتل بالقرب من مدينة خيرسون الجنوبية. وتهربت الطائرات المسيرة من دفاعات الجنود وألقت قنابل على مواقعهم ودمرت دبابتين وطاقمهما بالداخل، حسبما نقلت عنها صحيفة Politico.
تنشر الطائرة من دون طيار مهاجر-6 مجموعة من القنابل الموجهة والصواريخ قصيرة المدى، وتحمل ما يصل إلى أربعة في وقت واحد وتعمل لفترات طويلة في دور المراقبة.
ورغم ذلك يقول الخبراء إنه من السابق لأوانه قياس مدى فعالية الطائرات من دون طيار الإيرانية.
وأشار حقي أويغور، رئيس مركز الدراسات الإيرانية في إسطنبول، إلى عدم وجود انتشار واسع النطاق للطائرات الإيرانية من دون طيار في سوريا أو اليمن، لذلك "لا نعرف بالضبط إلى مدى تطورت الطائرات الإيرانية من دون طيار".
وأضاف الأويغور: "لكن بالنظر إلى أنهم كانوا يستثمرون في الصناعة لأكثر من 10 سنوات، أعتقد أنه يجب علينا قبول أنهم وصلوا إلى جودة معينة ويتأكد ذلك من شراء روسيا لها".
ولكن بالتأكيد أنها حققت بعض النجاح المبكر
حققت الشاهد 136 بالفعل بعض النجاح، في الصراع الأوكراني، وفقاً للمراقبين العسكريين الغربيين، حيث تم قصف المنشآت البحرية الأوكرانية في أوديسا، فضلاً عن المباني الإدارية بالمدينة، وربما حتى مقر القيادة العسكرية الجنوبية الأوكرانية.
مع مدى مزعوم يصل إلى حوالي 2000 كيلومتر، فإن شاهد 136، والتي يمكن إطلاقها من مؤخرة شاحنة، يصعب تعقبها مقارنة صواريخ كروز، التي يمكن بسهولة اكتشافها وإسقاطها بواسطة الدفاعات الجوية الأوكرانية.
قال أليكس كوكشاروف، محلل مخاطر الذي تركز أبحاثه على روسيا وأوكرانيا لموقع Middle East Eye، إنه إذا اتضح أن هذا صحيح، "فمن المرجح أن تستخدم روسيا الطائرات من دون طيار المقاتلة الإيرانية لشن ضربات تكتيكية على الأصول العسكرية والمدنية في جميع أنحاء جنوب وشرق أوكرانيا".
وقالت أوكرانيا أيضاً إن القوات الروسية تستخدم طائرة إيرانية من دون طيار أخرى أكبر وأكثر تطوراً – Mohajer-6 – والتي يمكن استخدامها أيضاً في رحلات الاستطلاع أو مسلحة بالذخائر، والتي يتم نقلها أيضاً من شبه جزيرة القرم.
وفقاً لبعض المحللين، فإن دخول الطائرات الإيرانية من دون طيار إلى الصراع، لا يؤدي الآن فقط إلى "تغيير الخطط العملياتية في كييف"، ولكنه يلحق أيضاً أضراراً جسيمة بالجيش الأوكراني.
يتوقع كوخاروف أن تنشر روسيا على الأرجح طائراتها الإيرانية من دون طيار بالقرب من الخطوط الأمامية، وليس في عمق الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا "بسبب خطر تحديد الهوية وإسقاطها من قبل الدفاعات الجوية الأوكرانية".
وأضاف أنه مع ذلك، فإن ميزة روسيا على المدى القريب يمكن أن تتآكل إذا تم تسليم "الأنظمة الغربية المصممة خصيصاً للتعرف على الطائرات من دون طيار واعتراضها" إلى أوكرانيا.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطابه المسائي يوم الجمعة الماضية، إن القوات المضادة للطائرات في بلاده أسقطت أكثر من 12 طائرة مسيرة في منطقة دنيبروبتروفسك الشرقية وأوديسا. حددتها القوات الجوية الأوكرانية على أنها طائرات شاهد -136 كاميكازي وطائرات مهاجر -6 التي تحمل ذخائر، ويمكن استخدامها أيضاً للاستطلاع.
لكن ناشطاً أوكرانياً وثلاثة جنود قالوا في مقابلات مع صحيفة Politico الأمريكية إن الطائرات الإيرانية من دون طيار تشكل تهديداً كبيراً لكل من المقاتلين والمدنيين. وقالوا إن وصولهم إلى ساحة المعركة يجعل حاجة الغرب لإرسال أسلحة حديثة إضافية أكثر إلحاحاً، حيث تحاول كييف الاستفادة من المكاسب الأخيرة لاستعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي قبل حلول فصل الشتاء.
من أين تأتي خطورتها؟
الطائرات المسيرة الإيرانية من نوع شاهد 136 ربما كانت ذات تقنية منخفضة نسبياً، وتم تجميعها من أجزاء يمكن شراؤها بسهولة عبر الإنترنت وتوجيهها بواسطة نظام GPS مدني، وتأتي فعاليتها من استخدامها في أسراب، حسب أوليج كاتكوف، من شركة Defense Express الأوكرانية.
نظراً لأن موثوقيتها منخفضة في الأغلب، فإن تكتيكات استخدام هذه الطائرات من دون طيار تتضمن استخدامها ضمن أسراب كل سرب يضم من خمس إلى ست طائرات انتحارية على هدف واحد، على افتراض أن عدداً قليلاً منها سينجز مهمته".
بالنسبة لروسيا، فقد تكون هذه مميزات مقارنة بطائراتها المسيرة المحلية الصنع، التي لا تتسم هي أيضاَ بكفاءة عالية، ولكنها أغلى في التكلفة من نظيراتها الإيرانية، وكما تصنيع الطائرات الروسية أكثر احتياجاً لقطع متقدمة أصبح الحصول عليها صعباً في ظل الحصار الغربي، بينما لدى طهران خبرة أكبر في اختراق القيود الغربية، فلقد أجادت إيران في إنتاج طائرات بمكونات رخيصة ومتاحة تجارياً في ظل واحدٍ من أقسى أنظمة العقوبات في العالم.
وقال إيغور، وهو مقاتل أوكراني ومُشغِّل طائرات دون طيار سابق، إنَّه على دراية بالطائرات دون طيار الإيرانية من لقطاتها في العراق. وأضاف: "يمكنك القول إنَّها طائرات دون طيار رخيصة الصنع، لكن يبدو أنَّها فعَّالة".
لماذا يصعب على أوكرانيا إسقاطها؟
وحسب التقارير الغربية، فإن الطائرات الإيرانية من دون طيار قد تغير قواعد اللعبة بالنسبة للروس. إنها صغيرة نسبياً وتطير على ارتفاع منخفض متجنبة الرادارات الأوكرانية، ويبدو أنها أكثر فعالية من طائرات روسيا المسيرة في عمليات القصف.
وقالت أندريانا أريختا الرقيب بالجيش الأوكراني إنها يمكن أن تسقطها بصواريخ ستينغر الأمريكية المضادة للطائرات، ولكن فقط خلال النهار؛ لأن الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لا تأتي مع نظام الرؤية الليلية.
وأضافت أريختا، التي سافرت إلى واشنطن الأسبوع الماضي كجزء من وفد من المجندات الأوكرانيات: "من الصعب للغاية رؤية هذه الطائرات من دون طيار على الرادارات. "إنها مشكلة كبيرة".
وقالت المجموعة الزائرة إن أوكرانيا بحاجة إلى دفاعات جوية حديثة، مثل أنظمة الصواريخ المضادة والمدفعية وقذائف الهاون التي استخدمتها الولايات المتحدة في أفغانستان، ورادار 360 درجة لمواجهة التهديد الجديد.
وقالت أريختا: "أحتاج إلى أن أكون في موقع ضد المروحيات الروسية من جانب والطائرات الإيرانية من دون طيار من جانب آخر". "من الصعب جداً إغلاق المنطقة الضخمة باستخدام صواريخ ستينغر، ولكن إذا توفر لنا أسلحة أخرى يمكننا ضرب الطائرات المسيرة الإيرانية".
وقالت أريختا "نستخدم طائرات Switchblade 300 من دون طيار التي قدمتها واشنطن، لكنها في الأساس أنظمة تجارية ليست قوية بما يكفي للعمل ضد المركبات المدرعة والمدفعية. أوكرانيا بحاجة إلى طائرات من دون طيار Switchblade 600 المطورة، وهي ذخيرة متسكعة وصفتها بأنها "الرمح الطائر".
تعاقدت واشنطن مع الشركة المصنعة AeroVironment لإرسال الإصدار Switchblade 600، لكن من المحتمل ألا يصل لكييف قبل عدة أشهر.
وتقاتل القوات الأوكرانية الآن الروس على جبهتين: التقدم شرقاً من نهر أوسكيل إلى منطقة دونباس المتنازع عليها، وجنوباً من خيرسون.
بعد اختراق أولي في بداية الشهر استعادت خلاله كييف السيطرة على جزء كبير من منطقة خاركيف التي تحتلها روسيا، ثم تباطأت المكاسب بشكل كبير. يندفع الجنود الأوكرانيون الآن إلى منطقة دونباس المحصنة، حيث تقاتل القوات الروسية من الخنادق والملاجئ التي تم بناؤها منذ سنوات.
الجنود الأوكرانيون في الشمال الشرقي يحاولون استعادة السيطرة على الأرض باستخدام سيارات تويوتا وسيارات مدنية أخرى – وهي معرضة بشكل خاص لهجمات الطائرات من دون طيار الإيرانية، بسبب تدمير مركباتهم المدرعة القديمة، حسب الصحيفة الأمريكية.
قالت أريختا "الدبابة السوفييتية التي نستخدمها لا تعمل على الإطلاق"، ونقلت صحيفة Politico عن جنود أوكرانيين قولهم إننا بحاجة إلى دبابات حديثة ومركبات برادلي القتالية وعربات همفي لمساعدة القوات الأوكرانية على التقدم في مواجهة المدفعية الروسية الثقيلة.
وتحاول كييف استعادة أكبر قدر ممكن من الأرض قبل حلول الشتاء وقبل أن يستغل الروس تراجع حدة القتال في الشتاء لتدريب الـ300 ألف جندي احتياطي الذين استدعاهم بوتين للقتال.
يمكن لأوكرانيا استخدام الشتاء لتدريب قواتها على الأسلحة أكثر تقدماً التي تريد الحصول عليها مثل دبابات قتال وطائرات مقاتلة حديثة، ولكن لم يوافق الغرب على تقديمها، بعد، كما قال كالينيوك.
وقدمت القوات المسلحة الأوكرانية قبل أسبوعين رسالة طلب رسمية تطلب فيها طائرات مقاتلة مستعملة أو جديدة، وقد حددت القوات الجوية التابعة لها بضع عشرات من الطيارين الذين يتحدثون الإنجليزية ومستعدون لبدء التدريب على الفور.
هل يخشى الأوكرانيون طائرات إيران المسيرة، أم يريدون استغلالها؟
اللافت هو أن عدد من الصحف والمواقع الغربية نشرت مؤخراً بشكل شبه جماعي تقارير تجمع على أن الطائرات المسيرة الإيرانية فعالة للغاية ضد الأهداف الأوكرانية.
المثير للانتباه في هذه التقارير هو التزامن بين مواعيد نشرها، وتشابهها واستنادها كلها لمصادر أوكرانية (قلة استندت لمصادر غربية)، وأن نشرها جاء بعد الحديث عن استهداف روسيا بالطائرات الإيرانية احتفالاً يهودياً في أوكرانيا، ومحاولة الرئيس الأوكراني الربط بين إيران وروسيا كقوى شريرة تحارب ضد بلاده.
يثير ما سبق تساؤلاً ملحاً، هل المحرك وراء هذه الحملة التخويفية من الطائرات المسيرة الإيرانية هو فعاليتها التي اكتشفها الأوكرانيون للتو، أم أنها جزء من حملة أوكرانية لتوسيع الدعم العسكري الأمريكي وخاصة الحصول على طائرات مقاتلة ودبابات، عبر تصوير حرب أوكرانيا، بأنها صراع تخوضه كييف ضد أعداء الغرب الأشد إيران وروسيا معاً، وبالتالي جذب دعم المجموعات التي تحركهم تقليدياً العداء ضد إيران خاصة في أوساط اليمين الأمريكي ومؤيدي إسرائيل.
يقول كوخاروف: إن الطائرات الإيرانية من دون طيار قد لا تغير مسار الحرب في أوكرانيا، لكنها قد "تتجاوز أوجه القصور الموجودة لدى الروس".
بالنسبة للجيش الروسي المحبط، قد يمنحهم ذلك "دفعة نفسية وتكتيكية" في الصراع، حسب قوله.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإنها قد تمثل خطراً إضافياً على حياة جنودها، ولكنها أيضاَ وسيلة فعالة لجذب مزيد من الدعم الغربي.