تخلق أمريكا وتفرض وتنفذ حزماً متتالية من العقوبات ضد روسيا، والتي تؤدي بدورها إلى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، وهو ما بات يدفع عشرات الشركات الأوروبية إلى الانتقال إلى أمريكا، حيث الضرائب الأقل، وأنظمة السلامة والبيئة، وحقوق العمال الأنسب لها، وبالتالي تحقيق أرباح أعلى بكثير بالنسبة للمستثمرين، من البقاء في أوروبا التي تعاني الأمرّين بسبب أزمة الطاقة التي ستتفاقم مع دخول الشتاء.
كيف تستفيد أمريكا من معاناة أوروبا مع أزمة الطاقة؟
هذا ما حذّرت منه مجلة modern diplomacy الأوروبية، حيث لا تتعرض الولايات المتحدة لأزمة طاقة كالتي تعاني منها أوروبا اليوم بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ يمكن لأمريكا تزويد طاقتها بنفسها وهي بعيدة عن مسرح الصراع المشتعل في أوروبا.
كما أن سلاسل التوريد أقل خطورة في الولايات المتحدة منها في أوروبا، حتى باتت أسباب استمرار الشركات في أوروبا وقيامها بأي شيء باستثناء البيع للأوروبيين تقل، وهم (الأوروبيون) أصبحوا يائسين بشكل متزايد للحصول على كل ما كان يمكنهم شراؤه، منذ انقطاع الطاقة الروسية الرخيصة عن القارة.
وتقول المجلة الغربية، إن زعماء أوروبا تعاونوا مع قادة أمريكا لإحداث هذا التراجع الأوروبي، عبر الانضمام إلى العقوبات الأمريكية ضد روسيا بدلاً من الامتناع عن ذلك.
لماذا تتوجّه الشركات والمصانع الأوروبية لأمريكا؟
لكن يمكن للشركات الألمانية والأوروبية أيضاً، أن تتمتع بفوائد كبيرة من الانتقال إلى أمريكا أو التوسع فيها، حيث ذكرت صحيفة الأعمال اليومية الألمانية Handelsblatt، في 25 سبتمبر/أيلول 2022، أن مزيداً من الشركات الألمانية باتت تنتقل وتوسع مواقعها في أمريكا، حيث تجذب واشنطن الشركات الألمانية ذات الطاقة الرخيصة والضرائب المنخفضة. فيما باتت برلين تشعر بالقلق، وتريد اتخاذ تدابير مضادة.
وتقول المجلة الألمانية إن العديد من الولايات الأمريكية مثل فيرجينيا وجورجيا وأوكلاهوما، تظهر اهتماماً متزايداً "بتقديم حوافز خاصة لهذه الشركات الألمانية لنقل أعمالها، أو على الأقل توسيع إنتاجها في الولايات المتحدة".
حيث يشجع بات ويلسون، مفوض إدارة ولاية جورجيا الاقتصادية الشركات الألمانية، على القدوم وتوسيع استثماراتها، قائلاً إن "تكاليف الطاقة لدينا منخفضة والشبكات مستقرة".
وفي 25 سبتمبر/أيلول، علَّقت مجلة "Irish Examiner" على انتقال الشركات الأوروبية لأمريكا، بالقول إن الصناعة الأوروبية باتت تتأرجح تحت وطأة ارتفاع أسعار الطاقة، حيث حذرت شركة فولكس فاجن، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا، الأسبوع الماضي من أنها قد تعيد خطط الإنتاج من ألمانيا وأوروبا الشرقية إذا لم تنخفض أسعار الطاقة".
وفي اليوم نفسه، قال موقع Oil Price dot com، إن أوروبا تواجه خروجاً جماعياً للصناعات كثيفة الطاقة نحو أمريكا، وذكر بشكل خاص أن "شركة الصلب الأمريكية العملاقة ArcelorMittal قالت في وقت سابق من هذا الشهر إنها ستخفض نصف الإنتاج في مصنع للصلب في ألمانيا. وقالت الشركة إنها استندت في قرارها إلى ارتفاع أسعار الغاز. فيما قررت الشركة ذاتها في وقت سابق من هذا العام أنها تخطط لتوسيع عملياتها في ولاية تكساس الأمريكية بسبب أزمة الطاقة في ألمانيا.
على عكس أوروبا.. الصناعات الأمريكية تشهد انتعاشاً
في 26 سبتمبر/أيلول، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً، قال إن "وظائف المصانع في الولايات المتحدة تزدهر مثل السبعينيات، حيث يشهد التصنيع الأمريكي انتعاشاً كبيراً، وسط ارتفاع طلب المستهلكين على المنتجات".
وتضيف الصحيفة الأمريكية أنه "اعتباراً من أغسطس/آب من هذا العام، أمّن المصنعون الأمريكيون حوالي 1.43 مليون وظيفة، بزيادة صافية قدرها 67.000 عامل فوق مستويات ما قبل الجائحة.
وهذه ليست سوى بداية إعادة التصنيع والتعافي الاقتصادي لأمريكا، لأن نزيف الوظائف من أوروبا قد بدأ للتو. وستذهب الشركات الألمانية إلى السوق الأمريكي، تاركة عمال أوروبا وراءهم للغرق بمفردهم.
فيما تقول مجلة UnHerd البريطانية، إن "الاتحاد الأوروبي يسير نائماً نحو الفوضى، حيث إن عقوباته على روسيا تشل الطبقة العاملة في الكتلة الأوروبية، مشيرة إلى أن تفريغ اقتصادات أوروبا صناعاتها، سيجعل الطبقات العاملة في أوروبا أكثر معاناة، حيث يتم التخلي عنهم من قبل مجموعة من المستثمرين ذوي الثروات الكبيرة، الذين يرسلون أموالهم إلى الخارج بسهولة".
مصانع أوروبا تغرق في الظلام
وفي 19 من سبتمبر/أيلول، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن فواتير الطاقة الباهظة تجبر المصانع الأوروبية على التحول إلى الظلام، حيث يقوم المصنعون بإجازة العمال وإغلاق الخطوط، لأنهم لا يستطيعون دفع رسوم الغاز والكهرباء.
على سبيل المثال، لا يعرف صاحب مصنع Arc International للزجاج في شمال فرنسا، نيكولاس هودلر، ما إذا كان سينجو أم لا، قائلاً للصحيفة الأمريكية إن تكلفة طاقة المصنع أصبحت الآن عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل عام واحد فقط، حيث ساعدت الطاقة الرخيصة التي كانت تأتي من روسيا في تحويل الشركة الفرنسية إلى أكبر منتج لأدوات المائدة الزجاجية في العالم.
لكن تأثير قطع روسيا المفاجئ للغاز عن أوروبا الذي فرضته العقوبات ألقى على الأعمال التجارية بمخاطر جديدة. حيث صعدت أسعار الطاقة بسرعة كبيرة لدرجة أن السيد هولدر اضطر إلى إعادة صياغة توقعات الأعمال ست مرات في شهرين. وفي الآونة الأخيرة، وضع هولدر ثلث موظفي الشركة البالغ عددهم 4500 في إجازة جزئية لتوفير المال.
الآن، ينفتح المستقبل مرة أخرى للمستثمرين في الولايات المتحدة، ويترك الجميع في أوروبا يغرقون ببساطة، إذا لم يتمكنوا من الخروج.