لعقود كان التفوق الجوي الأمريكي على الصين أمراً مسلماً، وكان العسكريون الأمريكيون يتعاملون باستهزاء مع الطائرات الصينية التي يرونها نسخاً مقلدة للمقاتلات الروسية، وكذلك مع طرق تدريب الطيارين الصينيين العتيقة، ولكن اليوم بدأ قادة أمريكيون يدقون ناقوس الخطر من أن بلادهم مهددة بخسارة تفوقها على الصين بينما يخشى البعض من أنها فقدت هذا التفوق على الأقل في المحيط الهادئ.
ويتم تحديث القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني بسرعة، ويقول القادة العسكريون والمحللون إن واشنطن ربما لم تعد قادرة على الاعتماد دائماً على تفوقها الجوي في أي معركة محتملة مع الصين، حسبما ورد في تقرير لموقع voanews الأمريكي.
خلال العام الماضي، قال الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية في ذلك الوقت، إن سلاح الجو الصيني لديه ما سماه "أكبر قوات طيران في المحيط الهادئ" وقد طوروها "تحت أنوفنا". توقع براون أن الصين يمكن أن تتغلب على التفوق الجوي للولايات المتحدة بحلول عام 2035.
في نفس الحدث، حذر اللفتنانت جنرال س. كلينتون هينوت، نائب رئيس الأركان، من أن الولايات المتحدة لا تواكب تقدم الصين. "في عدد من المجالات المهمة"، وأردف بغضب "نحن متأخرون".
وصرح هينوت للصحفيين بأنه كشخص كان على دراية بالأدلة على جميع مستويات التصنيف، فإنه يعتقد أن الصين قد استوعبت التطورات في القوة الجوية الأمريكية، وحذر من أن "الضوء يومض باللون الأحمر".
هل ما زال التفوق الأمريكي الجوي على الصين قائماً؟
ولكن يبدو أن هذه التنبؤات قد تحققت أسرع مما يتوقع الجميع وأن القوات الجوية الصينية يحتمل أن تكون متفوقة على نظيرتها الأمريكية في المحيط الهادئ أو على الأقل قادرة على تعطيل التفوق الأمريكي الذي كانت تتباهى به أمريكا دوماً.
فالقوات الجوية الأمريكية ليس لديها سوى 12 سرباً من الطائرات المتعددة المهام، حسبما قال قائد قيادة القتال الجوي الأمريكي الجنرال مارك كيلي في مؤتمر الجو والفضاء السنوي لاتحاد القوات الجوية الأمريكية هذا الشهر، وفقاً لما أوردته مجلة القوات الجوية والفضائية.
وتتكون الأسراب المقاتلة بشكل عام من ما بين 18 و24 طائرة.
وحذر من أن القوات الجوية القتالية الأمريكية أقل من نصف ما كانت عليه خلال حرب الخليج عام 1991.
وأشار إلى أنه في حين أن القوات الجوية الأمريكية تحتاج إلى 60 سرباً مقاتلاً، فإن لديها 48 سرباً فقط، هذه الأسراب مخصصة للدفاع عن الأراضي الأمريكية، والطوارئ الخارجية، والتواجد في الخارج، والاستجابة للأزمات، حسبما ورد في تقرير لموقع Asia Times.
وأضاف أنه بينما تمتلك القوات الجوية الأمريكية تسعة أسراب طائرات هجومية من طراز A-10 المضادة للدبابات، إلا أنها تفتقر إلى القدرة القتالية الجوية والمتعددة المهام.
قال كيلي إن هذا النقص في المقاتلات محسوس بشدة في المحيط الهادئ، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى 13 سرباً مقاتلاً في المنطقة ولكن لديها الآن 11 سرباً فقط من المقاتلات
فيما يتعلق بقوات الاستجابة للأزمات.. اعتبر أن الولايات المتحدة لديها عجز يقدر بخمسة أسراب.
بصرف النظر عن نقص الأسراب، يذكر كيلي أن ثلاثة فقط من كل ثمانية أسراب يتم ضم طائرات جديدة لها، مما ينتج عنه قوة مقاتلة أصغر وأقدم وأقل قدرة.
وأشار إلى أن عمر أسطول المقاتلات الأمريكية يبلغ في المتوسط 28.8 سنة مقارنة بـ 9.7 عام في 1991، مع انخفاض مستويات الاستعداد، حيث يحصل الطيارون على 9.7 ساعة طيران فقط في الشهر، مقارنة بـ22.3 قبل حرب الخليج عام 1991.
والطيران مهارة تتلاشى دون ممارسة. فالطيار المقاتل يحتاج إلى 200 ساعة طيران في السنة ليحافظ على قدراته، وأربع أو ثلاث طلعات جوية أسبوعياً للحفاظ على كفاءته، بينما تتدهور قدرته إذا تراجعت عدد ساعات طيرانه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.
مقارنة بين عدد الطائرات المملوكة للبلدين
لدى الصين 1800 مقاتلة، حسبما ورد في تقرير ورد في the Journal of Indo-Pacific Affairs، بينما لدى أمريكا نحو 2870 طائرة مقاتلة.
وفيما يلي مقارنة بين الطائرات الأمريكية ونظيراتها الصينية.
طائرات الهيمنة الجوية
تمثل الإف 15 طائرة هيمنة جوية أمريكية قديمة ولكن ذات قدرات قتال جوي عالية ومثبتة ولكن دون قدرات قصف جوي، ولدى واشنطن (212 طائرة) منها.
أقرب نظير لدى الصين هي الطائرة الـ"جيه 11″ (346 طائرة) وهي تقليد مباشر وبدون ترخيص للسوخوي 27، علماً بأن الصين لديها نحو 78 طائرة سوخوي 27 مشتراة من موسكو مباشرة، والطائرتان أبطأ من الإف 15 ولكن يعتقد أنهما أفضل في المناورة.
الطائرات العاملة من حاملات الطائرات
تمتلك البحرية الأمريكية نحو 566 طائرة من طراز إف 18 سوبر هورنيت و26 إف 35 العاملتين من على متن حاملات الطائرات، وتمتلك القوات الجوية لمشاة البحرية الأمريكية نحو 185 من طراز إف 18 هورنيت (نسخة أصغر وأقدم من السوبر هورنيت)، إضافة نحو 115 مقاتلة من F-35 Lightning II (النسخة القادرة على الإقلاع القصير والهبوط العمودي).
لدى القوات الجوية للبحرية الصينية نحو 50 طائرة من طراز جي 15 المستوحاة من السوخوي 33 الروسية، وهي طائرة تنتمي لعائلة (Flanker) التي بدأت بالسوخوي 27، وهي مقاتلات ذات قدرات مناورة عالية، (قد تتفوق على الإف 18) ولكن يعتقد أن مشكلة جي 15 هي اضطرار بكين لتقليل حمولتها لتعمل من حاملات الطائرات الصينية الأصغر من الأمريكية.
المقاتلات المتعددة المهام الكبيرة
تعد الطائرات الإف 15 سترايك إيغيل الأمريكية (219 طائرة)، بمثابة ذراع طويلة للقوات الجوية الأمريكية والسترايك إيغيل تحتفظ بالمدى الطويل والسرعة والمرونة الخاصة بالإيغيل مضافاً إليها قدرات قصف جوي عالية تجعلها مقاتلة تفوق جوي وقاذفة متوسطة في الوقت ذاته.
في المقابل تمتلك بكين 97 طائرات من طراز سوخوي 30 الروسية الشهيرة و24 طائرة سوخوي 35 (نسخة أكثر تطوراً).
إضافة لذلك لدى بكين للطائرة المحلية الصنع الصنع جيه 16 (128 طائرة) المطورة من جي 11 والمتأثرة بالسوخوي 30، ويمكن اعتبارها أيضاً منافساً أقل مستوى للسوخوي 35.
وبصفة عامة يعتقد أن الإف 15 سترايك إيغيل تتفوق في السرعة والحمولة، بينما تتفوق السوخوي 30 و35 وجيه 16 في المناورة، ويعتقد أن الطائرات الصينية لديها رادارات روسية أفضل من طراز إيسا (التي لم تستطع موسكو تصنيعها بعد) مما يقربها من الطائرات الأمريكية في مجال الرادارات.
المقاتلات المتعددة المهام الصغيرة
تمتلك الولايات المتحدة نحو 1245 طائرة من طراز الإف 16 الأمريكية الشهيرة، بينما لدى الصينيين 459 طائرة من طراز جيه 10 ، وهي قريبة لحد كبير من الإف 16، وإن كانت أكبر بشكل بسيط.
الطائرات الشبحية
وفي مجال الطائرات الشبحية، لدى الصين نحو 150 طائرة جيه 20 من الجيل الخامس مقابل نحو 187 إف 22 رابتور الأمريكية والطائرتان تتشابهان شكلاً ولكن يعتقد على نطاق واسع أن الإف 22 أعلى بكثير في الشبحية والمناورة بينما الطائرة الصينية أطول في المدى، وقد تكون في الحمولة، وأقل في التعقيد وتكلفة ومشكلات الصيانة وهي من عيوب الإف 22.
لدى الولايات المتحدة نحو 442 طائرة من طراز إف 35 الشبحية (يشمل العدد كل النسخ العاملة في القوات البحرية والجوية ومشاة البحرية)، بينما لدى الصين طائرة ـ"جيه 31" (تتشابه شكلاً معها، ولكنها يعتقد أنها مجرد مشروع لم يصل لمرحلة الإنتاج.
في مجال القاذفات هناك تفوق أمريكي كبير قاذفات بي 52 التي تعود للخمسينيات، ولكنها ما زالت تمثل يد أمريكا الثقيلة والبعيدة وبي 1بي القاذفة الأسرع من الصوت، والقاذفة بي 2 التي تعد القاذفة الشبحية الوحيدة في العالم، مقابل قاذفة إتش 6 الصينية المشتقة من القاذفة السوفييتية توبيولوف 16 (التي تقاعدت لدى روسيا والدول العربية)، ولكن الصين يعتقد أنها لديها برنامجاً لتطوير قاذفة جديدة.
وفي مجال حاملات الطائرات أصبح لدى الصينيين حاملتا طائرات مقابل نحو 10 حاملات طائرات أمريكية، إلى جانب امتلاك واشنطن سفناً أصغر تعمل كحاملات لطائرات إف 35 ذات الإقلاع القصير والهبوط العمودي.
من يتفوق فوق المحيط الهادئ؟
يظهر العرض السابق أنه ما زال هناك تفوق أمريكي واضح على الصين، في مجال القوات الجوية، ولكن هناك نقطة يجب ملاحظتها أن هذه المقارنة تشمل مجمل القوات الجوية للبلدين بفروعها، ولكن واقعياً أمريكا لا تنشر كل قواتها الجوية حول الصين، بل جزء من قواتها الجوية التابعة للبحرية، وبعض الطائرات التابعة للقوات الجوية الأمريكية التي تعمل من قواعد موجودة لدى حلفاء واشنطن مثل اليابان؛ مما يعطي الصين تفوقاً واضحاً.
وحتى إذا أرسلت الولايات المتحدة كل حاملات الطائرات التابعة لبحريتها ومشاة البحرية للمحيط الهادئ، فهو أمر صعب التحقيق، فإن التوازن العسكري سيكون مقلقاً بالنسبة لأن عدد الطائرات الصينية كبير، كما أن طائرات جيه 11 وجيه 16 وجيه 15 الصينية المشتقة من عائلة السوخوي الروسية يعتقد أن قدراتها في المناورة تفوق الإف 18 التي تعتمد عليها البحرية الأمريكية (رغم أن الأخيرة يعتقد أنها تتفوق في الرادارات والتقنية ومقدار العملية)، بينما ما زال عدد طائرات إف 35 قليلاً لدى البحرية، أما طائرات إف 15 الأمريكية الشهيرة، فسوف تحتاج إلى أن تعمل من قواعد جوية أرضية، وهو أمر ليس مضموناً لأن حلفاء واشنطن في آسيا، قد يفضلون عدم إقحام أنفسهم في أي صراع.
ماذا عن الطيارين وأساليب تدريبهم؟
يراهن الأمريكيون دوماً- إلى جانب التفوق في المعدات- على التفوق في التدريب، وهم يرون أنفسهم أكثر تفوقاً من الروس الذين هم بمثابة معلمين للصينيين.
ولكن هناك مؤشرات على تطور كبير في التدريب لدى الطيارين الصينيين، حيث يشير موقع الدفاع العالمي Global Security إلى أن الطيارين المقاتلين الصينيين تمكنوا في عام 2017 من إجراء ما بين 100 إلى 110 ساعات طيران سنوياً.
وهذا يعني أنه ليس هناك فرق كبير بين ساعات طيران الطيارين المقاتلين الأمريكيين والصينيين، حسب ما ورد في تقرير لمنتدى الدفاع الباكستاني، ومع ذلك، يشير Lyle Morris في مقال نشرته مؤسسة RAND عام 2016 إلى أن سيناريوهات تدريب الطيارين المقاتلين في الصين مكتوبة بدرجة محكمة بشكل كبير ومرتبطة بالتحكم الأرضي، مما قد يجعلها أقل مرونة وقدرة على التكيف مع سيناريوهات القتال سريعة التغير.
ويشير موريس إلى أن الصين حاولت محاكاة سيناريوهات غير مكتوبة بإصلاحات منهجية لتدريب طياريها على القتال والفوز ضد خصوم متفوقين عسكرياً مثل الولايات المتحدة.
ويقول إن الصين أعطت طياريها مسؤولية وضع خطط رحلاتهم واستقلالية كاملة عن طلعاتهم الجوية. ومع ذلك، يشير موريس إلى أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإصلاح الممارسات العملياتية الصارمة التي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها في القوات الجوية الصينية.
وبصرف النظر عن إصلاح ممارسات التدريب الصارمة قامت الصين بتسريع برنامج تدريب الطيارين، ويعتقد أنه في ظل برنامج التدريب القديم، كان الطلاب الطيارون يحتاجون من أربع إلى ست سنوات من التدريب على الطيران لتشغيل مقاتلة من الجيل الرابع، لكن البرنامج الجديد قلص الفترة إلى ثلاث سنوات.
يهدف برنامج التدريب السريع هذا إلى مطابقة معدلات الإنتاج القياسية للطائرات المقاتلة الصينية. وحسب Global Times، فإن شركة Shenyang Aircraft الصينية المملوكة للدولة، حققت إنتاجاً قياسياً لمقاتلتها J-15 العاملة على حاملات الطائرات ومقاتلة J-16 متعددة المهام، حتى إنها أنهت حصص إنتاجها مسبقاً، على الرغم من الصعوبات التي تسببت بها جائحة Covid-19.
علاوة على ذلك، فيما يتعلق بالتحسينات النوعية لطائراتها المقاتلة، تعمل الصين بشكل مطرد على تحسين جودة محركاتها النفاثة، والتي كانت عائقاً كبيراً لمقاتلاتها، وتحسين صواريخها جو – جو بشكل كبير إلى حد تجاوز النماذج الغربية في بعض الحالات.
يريد قائد القوات الجوية الأمريكية قوة مقاتلة من شأنها أن تثني أي خصم عن التفكير في حرب مع الولايات المتحدة، قوة تصل لـ134 سرباً حديثاً ومدرباً تدريباً جيداً ومجهزاً تجهيزاً جيداً.
لتحقيق هذه الأعداد من القوات، ذكر كيلي أن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على هدف إنتاج يبلغ 72 مقاتلة في السنة وأن يحافظ حلفاؤها على مستوى مماثل من القدرة، لأن قوة حلفاء واشنطن ستكون من مضاعفات القوة الحاسمة.
يقترح قائد القوات الجوية الأمريكية مزيجاً من القوة المقاتلة من الجيلين الرابع والخامس لعام 2030، والذي يتكون من مقاتلات F-22s و F-35s و F-15EXs و F-16s و A-10s. ستكون الطائرة F-22 منصة التفوق الجوي الأساسية التي ستحل محلها مقاتلة الجيل القادم من الهيمنة الجوية (NGAD).
ورغم أن الأمريكيين يحاولون العمل على تحقيق معادلة النوعية والكمية، ولكن الواقع يشير إلى أنه مع نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات أعلى بكثير من نظيره الأمريكي، وكذلك انخفاض تكلفة الإنتاج لدى بكين مقارنة بواشنطن، وضخامة البنية الصناعة الصينية، فإن بكين سوف تستطيع في الأغلب التفوق على المدى المتوسط على أمريكا في مسألة عدد الطائرات المنتجة، أما النوعية والتقنية، فما زالت الصين متأخرة، ولكن الفجوة تتراجع (كما هو واضح في الصواريخ)، ومن الواضح أنها مرشحة لمزيد من التراجع، وحتى لو تحقق الصين تفوقاً جوياً على أمريكا في المستقبل القريب، فإنها واقعياً حققت قدراً من التفوق الجزئي على مستوى المحيط الهادئ، خاصة مع انشغال أمريكا في الحرب الأوكرانية والشكوك في أن الدول الآسيوية سوف تسمح لأمريكا باستخدام مطاراتها لمحاربة الصين.