توفيت الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني بسبب ما اُعتبر "لباساً غير محتشم"، بعد ثلاثة أيام من القبض عليها تعسفياً من قبل ما يعرف "شرطة الأخلاق" في إيران أو "كشت إرشاد"، وقد أدت تلك الحادثة إلى تفجير احتجاجات عارمة في عموم البلاد لا تزال مستمرة منذ 17 سبتمبر/أيلول 2022 حتى اللحظة. فما هي شرطة الأخلاق الإيرانية، ولماذا تعتبر جهازاً أساسياً لدى الحكومة لا يمكن التخلي عنه رغم جميع تجاوزاتها والانتقادات التي تطالها حتى قبل أعضاء بالبرلمان ومؤثرين؟
ما هي "شرطة الأخلاق" الإيرانية؟
يُطلق على "شرطة الأخلاق" في إيران اسم "كشت إرشاد" أو "دوريات التوجيه" وهي وحدة تابعة للشرطة الإيرانية، يتلخص عملها في ضبط وفرض قوانين اللباس المحتشم على النساء والفتيات في الأماكن العامة.
وتأسس هذا الجهاز الشرطي الخاص بواسطة القضاء والشرطة في إيران في عام 2005، حيث جاء في وقت كان المجتمع الإيراني يتجه للتغيير بشكل سريع بعد عقدين على الثورة الإسلامية، وذلك من أجل كبح جماح الناس عبر فرض قواعد صارمة للباس والمظهر العام.
وتظهر شرطة الأخلاق الإيرانية في كل مكان في المناطق الحضرية في إيران، حيث تشكل فرقاً من الرجال والنساء اللاتي يرتدين "الشادور"، وتضم الدوريات شاحنات صغيرة لاعتقال المخالفين.
ويتركز تواجد شرطة الأخلاق في الأماكن العامة المزدحمة، مثل مراكز التسوق، ومحطات مترو الأنفاق، والساحات الرئيسية، وأي مكان آخر قد يتردد عليه الشباب والشابات الإيرانيات اللاتي قد يرتدين "ملابس غير لائقة" من وجهة نظر الدولة.
أما المخالفون والمخالفات، فيتم اقيادهم إلى أقسام الشرطة أو ما يعرف بـ"المرافق الإصلاحية والإرشادية"، لإلقاء محاضرات عليهم حول كيفية ارتداء الملابس التي تسير مع تفسير البلاد الشرعي للإسلام، ليتم بعد ذلك الاتصال بذويهم للحضور لإطلاق سراحهم، بعد إحضارهم "ملابس محتشمة" لهن.
لماذا تتمسك إيران بجهاز شرطة الأخلاق رغم تجاوزاته المتكررة؟
منذ تأسيس جهاز "كشت إرشاد" المثير للجدل، ارتكب الجهاز العديد من التجاوزات القمعية، وطاله العديد من الانتقادات حتى من أعضاء البرلمان والمشاهير والمؤثرين وغيرهم.
لكن رغم ذلك، ظلت الدولة الإيرانية متمسكة بهذا الجهاز، نظراً لارتباطه بشكل مباشر بسلطات إنفاذ القانون والشرطة، ولذلك، ليس للجمهور حق بالاعتراض عليه أو التصويت ضده. وترى الحكومة الإيرانية أن "شرطة الأخلاق هي قوة تنظيمية دينية تعمل على الوفاء بالمبادئ الإسلامية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
كما ترى السلطات الإيرانية أن إطلاق العنان لحرية اللباس، يعني اتَّباع العادات الغربية التي تضعف المجتمع الإيراني وتجعله عرضة لتأثير الثقافة الأمريكية والغربية.
ووفقاً للقواعد الرسمية، فإنه يتعين على النساء والفتيات في إيران ارتداء الحجاب وملابس فضفاضة تعرف بـ"الشادور" في الأماكن العامة، لكن دون تحديد السن القانونية التي تلزم الإيرانيات بتغطية الرأس.
ومع ذلك، يقول المعارضون لشرطة الأخلاق إن شرطة الأخلاق لا تحترم حرية المواطنين وكرامتهم، إلى جانب الاعتقال التعسفي للنساء لعدم التزامهن بقواعد اللباس التي تنص عليها السلطات. ويرى المعارضون أن الأساليب العنيفة لدوريات "كشت إرشاد" تعمل على ترهيب النساء بدلاً من حمايتهن.
كما يرى المنتقدون أنه لا توجد إرشادات محددة بشكل مفصل حيال وصف وتحديد ماهية "اللباس المحتشم" لدى الإيرانيات، ما يترك مجالاً كبيراً للتفسير الشخصي من قبل عناصر "شرطة الأخلاق"، وسط اتهامات ضدها باحتجاز النساء والفتيات بشكل تعسفي، مثلما حدث مع مهسا أميني.
كيف تواجه الإيرانيات قوانين "شرطة الأخلاق"؟
وجدت العديد من الإيرانيات سبلاً لتحدي قواعد اللباس شديدة التحفظ، سواء بارتداء ملابس ضيقة وحجاب ملون، أو الكشف عن جزء من الشعر، لأنه لا توجد قواعد واضحة أو صارمة حيال مسألة مقدار الشعر الذي قد يظهر من الحجاب.
وقد كشف استطلاع للرأي نشره البرلمان الإيراني عام 2018 أن ما بين 60% إلى 70% من الإيرانيات لا يطبقن "قواعد اللباس الإسلامي" بالشكل الصارم في الأماكن العامة، فيما دشنت ناشطات حملات ضد الحجاب الإلزامي منذ عقود، ما أسفر عن اعتقال العديد منهن.
وعمد الرئيس السابق حسن روحاني، الذي يوصف بالاعتدال، إلى تخفيف قواعد الإلزام بقانون اللباس العام، واتَّهم شرطة الأخلاق بالعدوانية المفرطة ذات مرة. وقال قائد شرطة الأخلاق في عام 2017 إن قواته لن تعتقل بعد الآن النساء لانتهاكهن قواعد اللباس.
لكن منذ تولي الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي زمام الأمور في إيران، قامت "شرطة الأخلاق" بتكثيف تواجدها في المدن الكبرى. وعلى وقع ذلك، بدأت آلاف النساء في الخروج إلى الشوارع بدون ارتداء الحجاب، وقمن بتوثيق ذلك في مقاطع مصورة لنشرها على منصات التواصل الاجتماعي لتشجيع أقرانهن.
وقد تزايدت الدعوات لحل "شرطة الأخلاق" في إيران، عقب انتشار مقطع مصور يُظهر أُمّاً إيرانية تناشد عنصراً من "شرطة الأخلاق" إطلاق سراح ابنتها المريضة في يوليو/تموز الماضي.
وعلى إثر ذلك، شرعت إيرانيات محافظات، في خطوة غير مسبوقة، في انتقاد الحجاب الإلزامي عبر الإنترنت، فيما قامت نائبات محافظات في البرلمان بالتحدث ضد قانون "شرطة الأخلاق" وعمل عناصرها على أساس أن هذا يؤثر سلباً على الرأي العام حيال قضية الحجاب والدين بشكل عام.
هل تكون تجاوزات "شرطة الأخلاق" سبباً في تفجير ثورة ضد النظام الإيراني؟
رغم أن قضية اللباس وتجاوزات شرطة الأخلاق كانت الشرارة التي فجرت هذه الاحتجاجات، إلا أن كثيراً من الإيرانيين، لا سيما الشباب، رأوا في وفاة أميني استمراراً لسياسةِ القمع التي تنتهجها الحكومة في مواجهة المعارضة، والعنف المتزايد لشرطة الأخلاق في التعامل مع الفتيات.
وسبق أن تجاوز نظام الحكم في إيران عدة موجات مماثلة من الاحتجاجات التي اشتعلت بالبلاد أكثر من مرة طيلة عقود، وغالباً ما تمكنت قوات الأمن من قمع المتظاهرين بالقوة الغاشمة في نهاية المطاف.
وكان أصعب تحدٍّ واجهه نظام الحكم في البلاد هو احتجاجات "الحركة الخضراء" التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2009 والإصلاحات بعيدة المدى التي دعت إليها، لا سيما أنه قد شارك في هذه الاحتجاجات ملايين الإيرانيين.
تصدَّت السلطات للاحتجاجات آنذاك بعنفٍ وحشي، وفتح الحرس الثوري وميليشيا الباسيج النارَ على المتظاهرين، وانتشروا في حملات اعتقال للمحتجين في جميع أنحاء البلاد، ووضع زعماء المعارضة تحت الإقامة الجبرية.