اشتعلت الاحتجاجات في معظم أنحاء إيران خلال الأيام الماضية بعد وفاة شابة تبلغ من العمر 22 عاماً أثناء احتجاز "شرطة الأخلاق" لها، بذريعة "انتهاكها قواعد اللباس الإسلامي" المطبَّقة بصرامة في البلاد. وأثارت وفاة مهسا أميني احتجاجات جريئة مستمرة منذ نحو أسبوع، شهدت تحدي المتظاهرين لوطأة الضرب والاعتقال المحتمل من السلطات.. فما أسباب استمرار الاحتجاجات في إيران هذه المرة؟
ما الذي يحدث في إيران؟
اجتاحت المظاهرات شوارع إيران، وشهدت تمزيق بعض النساء حجابهن، أو رفعه في الهواء رمزاً للاحتجاج، فيما انتشرت مقاطع فيديو لنساء يقمن بقص شعرهن في عرض احتجاجي.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، اشتبك المحتجون مع الشرطة في بعض المظاهرات، وشُوهدت سحب كثيفة من الغاز المسيل للدموع تتصاعد في العاصمة طهران. وطاردت قوات الباسيج على الدراجات النارية المتظاهرين في الشوارع، وضربتهم بالهراوات.
ليست هذه أول مرة تتولى فيها قوات الباسيج شبه العسكرية قمع الاحتجاجات بعنف، فقد قمعت من قبل مظاهرات معترضة على نقص المياه وسوء الأحوال الاقتصادية في البلاد.
وعلى الرغم مما يتعرض له المتظاهرون من تهديد بالاعتقال والسجن وحتى الإعدام، فإن بعضهم لا يزال يهتف "الموت للمستبد"، في إشارة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ونظام الحكم الديني في إيران.
ما سبب الاحتجاجات الجارية في إيران؟
اعتقلت شرطة الآداب الإيرانية مهسا أميني في 13 سبتمبر/أيلول في طهران، التي كانت تزورها آتية من مسقط رأسها في مدينة سقز بمحافظة كردستان الواقعة غربي البلاد. لكن الشابة انهارت في مركز للشرطة، وتُوفيت بعد ثلاثة أيام.
احتجزت الشرطة أميني بدعوى ارتدائها حجاباً فضفاضاً وعدم الالتزام بهيئة الحجاب المفروضة، فالسلطات الإيرانية تفرض على النساء تغطية شعرهن بالكامل في الأماكن العامة.
أنكرت الشرطة تعرض أميني لسوء المعاملة، وقالت إنها توفيت بنوبة قلبية. وتعهد رئيس البلاد، إبراهيم رئيسي، بإجراء تحقيق.
تقول عائلة أميني إنها ليست لديها سابق إصابة بمرضٍ في القلب، وإنهم مُنعوا من رؤية جثمانها قبل دفنها. وقد اشتعلت التظاهرات بعد جنازتها التي أقيمت في مسقط رأسها بمدينة سقز الكردية يوم السبت 17 سبتمبر/أيلول، وسرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى في البلاد، حتى وصلت إلى العاصمة طهران.
ولدى النساء في إيران الحق الكامل في التعليم والعمل خارج المنزل وتقلُّد المناصب العامة، لكن يُطلب منهم ارتداء ملابس محتشمة في الأماكن العامة، والتي تشمل ارتداء الحجاب الكامل والجلباب الطويل الفضفاض. ويُمنع الرجال والنساء غير المتزوجين من الاختلاط.
بدأ فرض هذه القواعد في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، ويتولى فرضها ما يُعرف بـ"شرطة الأخلاق"، التي تتمركز قواتها المعروفة رسمياً باسم "دوريات التوجيه" (گشت ارشاد)، في جميع أنحاء المناطق العامة، وتضم أفراداً من الرجال والنساء بين صفوفها.
عمد الرئيس السابق حسن روحاني، الذي يوصف بالاعتدال، إلى تخفيف قواعد الإلزام بقانون اللباس العام، واتَّهم شرطة الأخلاق بالعدوانية المفرطة ذات مرة. وقال قائد شرطة الأخلاق في عام 2017 إن قواته لن تعتقل بعد الآن النساء لانتهاكهن قواعد اللباس.
لكن شرطة الأخلاق يبدو أنها عادت إلى سيرتها الأولى بعد أن تولى إبراهيم رئيسي، الموصوف بالتشدد، حكمَ البلاد العام الماضي. وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن الشابات تعرضن للصفع على الوجه، والضرب بالهراوات، والدفع واللكز في سيارات الشرطة خلال الأشهر الماضية.
كيف تعاملت إيران مع الاحتجاجات ولماذا تجاوزت أسباب شرارتها الأولى؟
بحسب تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية، يُعزى اتساع الاحتجاجات، إلى أن كثيراً من الإيرانيين، لا سيما الشباب، رأوا في وفاة أميني استمراراً لسياسةِ القمع التي تنتهجها الجمهورية الإيرانية في مواجهة المعارضة، والعنف المتزايد لشرطة الأخلاق في التعامل مع الفتيات.
وتعهد مسؤولون إيرانيون بالتحقيق في ملابسات وفاة أميني، واتهموا دولاً أجنبية لم يسموها، وجماعات معارضة في المنفى، بالاستحواذ عليها واتخاذ أسبابها ذريعة لإثارة الاضطرابات.
شاع هذا النمط من الاحتجاجات في السنوات الأخيرة. فرجال الحكم في إيران يرون الولايات المتحدة تهديداً للجمهورية الإيرانية، ويقولون إن اتَّباع العادات الغربية يُضعف المجتمع الإيراني. ووصف خامنئي من قبل ما يُعرف بالاحتجاجات "الملونة" في أوروبا وأماكن أخرى بأنها مؤامرات جاءت بتدخلات أجنبية.
وأقدم محتجون في طهران وعدة مدن، يوم الخميس 22 سبتمبر/أيلول 2022، على إضرام النيران في مركزين ومركبات للشرطة؛ وتركزت معظمها في المناطق الشمالية الغربية التي يسكنها الأكراد في إيران، لكنها امتدت أيضاً إلى العاصمة وما لا يقل عن 50 مدينة وبلدة في أنحاء الجمهورية الإسلامية. واستخدمت الشرطة القوة لتفريق المتظاهرين.
وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، قُتل 17 شخصاً في إيران منذ اندلاع الاحتجاجات، وأعلنت القناة الخميس أن "17 شخصاً من بينهم متظاهرون وشرطيون لقوا حتفهم في أحداث الأيام الأخيرة". وينفي المسؤولون أن تكون قوات الأمن هي من قتلت المحتجين، وتقول إنهم ربما قُتلوا برصاص مسلحين معارضين.
وأفادت وكالات أنباء إيرانية رسمية بمقتل ثلاثة شرطيين طعناً أو بإطلاق نار الأربعاء في كل من تبريز (شمال غرب) ومشهد (شمال شرق) وقزوين (وسط) بعد أن "تم استدعاؤهم لمواجهة المشاغبين"، كما قتل عنصر من قوات الأمن الثلاثاء خلال تظاهرات في شيراز (وسط).
واعتقال السلطات عشرات المحتجين، ويقول محافظ إقليم كردستان إن ثلاثة أشخاص قُتلوا على أيدي جماعات مسلحة في اضطرابات مرتبطة بالاحتجاجات الجارية، ولم يعرض لمزيدٍ من التفاصيل.
ألقى ناشطون وجماعات حقوقية باللوم على قوات الأمن الإيرانية في مقتل المتظاهرين المشاركين في الاحتجاجات، واستشهدوا في اتهامهم بحوادث سابقة لقتل متظاهرين، مثل تلك التي شهدتها الاحتجاجات على أسعار البنزين عام 2019.
هل يمكن للاحتجاجات أن تهدد نظام الحكم في إيران؟
تجاوز نظام الحكم في إيران عدة موجات مماثلة من الاحتجاجات التي اشتعلت بالبلاد أكثر من مرة طيلة عقود، وغالباً ما تمكنت قوات الأمن من قمع المتظاهرين بالقوة الغاشمة في نهاية المطاف.
كان أصعب تحدٍّ واجهه نظام الحكم في البلاد هو احتجاجات "الحركة الخضراء" التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2009 والإصلاحات بعيدة المدى التي دعت إليها، لا سيما وقد شارك في هذه الاحتجاجات ملايين الإيرانيين.
تصدَّت السلطات للاحتجاجات آنذاك بعنفٍ وحشي، وفتح الحرس الثوري وميليشيا الباسيج النارَ على المتظاهرين، وانتشروا في حملات اعتقال للمحتجين في جميع أنحاء البلاد، ووضع زعماء المعارضة تحت الإقامة الجبرية.