قد يكون المؤتمر المقبل للحزب الشيوعي الصيني الأهم على الإطلاق بالنسبة لحاضر التنين ومستقبله، فماذا تعني تزكية الرئيس شي جين بينغ لولاية ثالثة تاريخية بالنسبة لبكين والغرب والعالم أجمع؟
تناول تقرير لمجلة Politico الأمريكية عنوانه "شي جين بينغ في طريقه لأن يصبح زعيماً أبدياً للصين"، مدى أهمية المؤتمر المقبل للحزب الشيوعي الصيني، والتحديات التي سيواجهها الزعيم شي وكيفية التعامل معها.
وسيبدأ المؤتمر في أكتوبر/تشرين الأول، أي إنه في غضون أسابيع قليلة سيجتمع كبار المسؤولين بالحزب الشيوعي الصيني في قاعة الشعب الكبرى وسط بكين لتعزيز مساعي شي جين بينغ ليصبح زعيماً مدى الحياة يتمتع بسلطات تنافس سلطات ماو تسي تونغ. وسيخرج شي من هذا الاجتماع على الأرجح بولاية ثالثة تضمن له البقاء في الحكم خمس سنوات أخرى على الأقل.
وإليكم 6 أشياء عليكم معرفتها عن استحواذ شي على السلطة في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الذي سينعقد في منتصف الشهر المقبل، والمشكلات التي تنتظر البلاد.
صندوق بكين الشيوعي الأسود
ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني كل خمس سنوات، وهو مثال نموذجي لسرية الحزب المفرطة. فمعلومات عامة الشعب عن هذا المؤتمر تقتصر على مكانه وما يفصح عنه الحزب في الإعلام الحكومي في الفترة التي تسبق المؤتمر.
وكان ما أفصح عنه هذا العام أن مؤتمر الحزب سيوافق على تعديل غير محدد للدستور الذي عدله شي قبل ذلك بالفعل، ليسمح له بهذه الولاية الثالثة غير المسبوقة.
وبخلاف ذلك، فأجندة الحزب تظل سراً. فالإجراءات لا تُعلن للجمهور، والنتائج -التي تشمل الموافقة على تقرير العمل الذي يحدد سياسات الحزب ذات الأولوية القصوى للسنوات الخمس المقبلة- لا يُكشف عنها إلا بعد أسابيع من المؤتمر.
شي سجل اسمه في التاريخ
منح الحزب الشيوعي الصيني شي الحق في ولاية ثالثة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأصدر قراراً اعتبره فيه شخصية مهمة لنمو الصين اقتصادياً وسياسياً.
ووضع هذا القرار التاريخي شي على قدم المساواة مع "ماو"، و"دينغ شياو بينغ" مبتكر خطة النمو الاقتصادي السريع للصين التي امتدت على مدى أربعة عقود.
ولكن على عكس ماو، الذي تمتع بسلطة مطلقة فيما كانت الصين غارقة في وحل الفقر وتجتاحها حملات داخلية تخريبية -مثل قفزة عظيمة للأمام والثورة الثقافية- يترأس شي جين بينغ دولة الحزب الواحد التي "تتنامى عدوانيتها وطموحاتها التوسعية"، حسب التوصيف الأمريكي بطبيعة الحال، ويعززها ازدهارها الاقتصادي الممتد لأربعة عقود.
مسار تصادمي مع الولايات المتحدة
هدف شي المتمثل في الهيمنة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية سيوجه الصين إلى صراع مباشر مع التزام إدارة بايدن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام الدولي القائم على القواعد. وهذا يتناقض مع رؤية شي المتشددة لـ"لإحياء قومية" الدولة الصينية.
وتقوم القومية الصينية بالأساس على سرديتين مزدوجتين: 1) أطروحةٌ سلبية لمقاومة الإذلال الغربي الإمبريالي.2) أطروحة إيجابية للفخر القومي بالإنجازات الجماعية في البلاد، تلك الإنجازات التي تُنسَب إلى التضحيات الجماعية والعمل الجاد بيد الشعب الصيني.
وخلال السنوات العشر الأخيرة، حدث تغيُّر عميق في النظرة الغربية للصين، فلم تعد هي حصان الجرِّ الهادئ للاقتصاد العالمي فقط، بل بات يُعتَرَف بالصين الآن باعتبارها المنافس العالمي الرئيسي للولايات المتحدة وحلفائها. وكما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبيرغ، فإنَّ الصين "تقترب (منا) في الفضاء السيبراني، ونراهم في القطب الشمالي، وفي إفريقيا، ونراهم يستثمرون في بنيتنا التحتية الأساسية". لقد ولَّى منذ زمن طويل الوقت الذي كانت عبارة "صُنِع في الصين" تُطلَق باعتبارها مزحة.
ديفيد شامبو، المدير المؤسس لبرنامج سياسة الصين في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، قال لمجلة Politico: "أتوقع "المزيد من الأشياء نفسها": المزيد من القمع الداخلي، والمزيد من التشدد الخارجي وربما العدوان العسكري. شي لا يوشك على تغيير مساره، وإن فعل فلن يكون بالتأكيد في اتجاه أكثر ليبرالية أو تعاونية".
وأضاف للمجلة الأمريكية: "الصين قد تصبح أكثر تشدداً على المستوى الخارجي، وتعزز تحالفها الفعلي مع روسيا، وتدخل في صدام مع الولايات المتحدة، وتحاول تقويض الوحدة الغربية وحلفاء أمريكا على مستوى العالم، وسيستغل شي قوة الصين ضد جيرانها الآسيويين وتايوان، ليستمر في توسيع الوجود العسكري للصين في جميع أنحاء العالم".
سيطرة كاملة على الدولة
قوة شي المتنامية سمحت له بالتطرق لقطاعات كان المجتمع الصيني يعتبرها يوماً محصنة لا يمكن المساس بها، وأحدها هو الجيل الجديد من النخب الثرية في الصين المعروفة باسم "فُرداي"، أو الجيل الثاني الغني.
وقالت اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية التابعة للحزب الشيوعي الصيني في بيان، في أغسطس/آب عام 2021، إن تركيز شي على الحد من التفاوتات الاجتماعية -في إطار مبادرته "الرخاء المشترك"- تضمن خطوات "لتعديل الدخول الزائدة عن الحد لتعزيز المساواة الاجتماعية والعدالة".
واستهدفت حملة شي على انعدام المساواة قطاع التكنولوجيا في الصين، الذي كان يتمتع بحرية مطلقة فيما مضى وأصحاب المليارات الذين يقفون وراءه، بعد مطالبته في أغسطس/آب عام 2021 أغنياء الصين بـ"رد الجميل للمجتمع" أكثر من ذلك. وتبرعت شركات صينية تكنولوجية عملاقة مثل Tencent وAlibaba بمليارات الدولارات لمبادرات الرخاء المشترك لإثبات خضوعها لأجندة شي الاقتصادية.
وفي هذا السياق، يوجد سجل حافل لبكين في التعامل الحاد مع رجال الأعمال الذين يوجهون أي انتقادات للنظام، وكان آخرهم جاك ما، مؤسس شركة علي بابا العملاقة للتسوق عبر الإنترنت، وقبله رجل أعمال بارز آخر هو رين تشي تشيانغ، كان قد اختفى بعد أن وصف الرئيس شي جين بـ"المهرج" بسبب الطريقة التي تعامل بها مع أزمة فيروس كورونا.
وقال أصدقاء رين إنهم لم يتمكنوا من الاتصال به، وبعد 6 أشهر، حكم عليه بالسجن 18 عاماً، بعد أن "اعترف طواعية" بارتكاب جرائم فساد متعددة. وفي عام 2017، اختطف الملياردير شيان جيان هوا من فندق بهونغ كونغ، ويقال إنه تحت الإقامة الجبرية منذ 3 سنوات، ولم يذكر مكانه رسمياً حتى الآن.
تحديات داخلية وخارجية تواجه الزعيم الصيني
ولكن حين يخرج شي من المؤتمر العشرين للحزب بتصديق الحزب الشيوعي الصيني على البقاء في منصبه لولاية ثالثة، فمجموعة التحديات التي تواجه الصين -وكثير منها مرتبط بسياسات شي- لن تمنحه وقتاً للاحتفال بفوزه.
إذ ارتفع معدل بطالة الشباب في الصين إلى 19.9% في يوليو/تموز، وهو أعلى معدل له منذ بدأت هيئة الإحصاءات الصينية حسابه عام 2018. وهذا ليس بالنبأ السار لدولة الحزب الواحد التي تعتمد أكثر ما تعتمد على مستويات المعيشة المرتفعة لاكتساب شرعيتها.
واستراتيجية "صفر-كوفيد" التي يتبعها شي ربما أنقذت العديد من الأرواح، لكن عمليات الإغلاق الجماعي في المدن أغضبت المواطنين ورفعت معدلات البطالة. وفي الوقت نفسه، فأحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، وهو قطاع العقارات في الصين، يتعثر مع تخلف مطوري العقارات عن سداد ديونهم، وهذا أدى إلى تراجع حاد في بناء المساكن.
ويواجه شي رياحاً معاكسة قوية خارج حدود الصين أيضاً. إذ أدت ممارسات بكين التجارية، التي يصفها الغرب بأنها "غير عادلة"، وأنشطة التجسس المدعومة من الدولة لتعزيز قوة جيشها إلى زعزعة علاقات الصين مع شركائها. وأدت انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في شينجيانغ، وتأثيرات قانون الأمن القومي الصارم الذي فُرض على هونغ كونغ عام 2020، وتفاقم الترهيب العسكري لتايوان، إلى اعتبار الصين تهديداً متنامياً للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ألفريد تشان، أستاذ العلوم السياسية في كلية هورون ومؤلف كتاب Xi Jinping: Political Career, Governance, and Leadership, 1953-2018، قال للمجلة الأمريكية: "السنوات الخمس المقبلة تتطلب قدراً كبيراً من فن إدارة الأزمات في الصين، والأولوية الرئيسية لشي ستكون النمو الاقتصادي، والاستقرار السياسي والاجتماعي، والأمن السياسي والوطني الخارجي".
جورج ماجنوس، مؤلف كتاب "الأعلام الحمراء" كان قد قال عن التحديات التي تواجه شي، "الأمر كله يعود إلى شي من وجهة نظري.. إنه يرغب في إظهار مدى ثقته على المستوى الداخلي، وأن يُنظر إليه على أنه زعيم عالمي للدول المعارضة للهيمنة الغربية".
وأضاف: "بشكل خاص أتخيل أن شي سيكون قلقاً لأقصى حد إزاء طريقة سير حرب بوتين، وما إذا كان بوتين أو روسيا لهما دور في مرحلة ما في المستقبل القريب، لأن الصين لا تزال بحاجة إلى قيادة مناهضة للغرب في موسكو".
ما الخطوة التالية إذاً؟
لكن لا يزال لدى شي أوراق أخرى ليلعب بها. فهو على الأرجح سيخمد أي معارضة محتملة داخل صفوف الحزب الشيوعي الصيني بأن يستبدل بعض أو كل أعضاء المكتب السياسي البالغ عددهم 11 عضواً الذين تتجاوز أعمارهم سن التقاعد غير الرسمي 68 عاماً -ومنهم كبير الدبلوماسيين الصينيين، يانغ جيتشي، ووزير الخارجية وانغ يي، ونائب رئيس الوزراء ليو هي- بمعاونين آخرين يثق بهم.
يقول تشنغ لي، مدير مركز جون إل ثورنتون الصيني في معهد بروكينغز: "شي في ولايته الثالثة سيعين تلامذته، أي الأشخاص الذين رقاهم إلى القيادة العليا، وهذا سيزيد من قوته".
وقد يلزم كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني شي بتقديم تضحية رمزية بأحد ألقابه، أو الإعلان عن خليفة له كثمن لولاية أخرى.
لكن غياب خليفة واضح لا بد أن يدق أجراس الإنذار في العواصم الأجنبية. إذ يقول كيري براون، مدير معهد لاو الصين في كينغز كوليدج بلندن: "من الغريب أنه لا توجد إشارة لأي خليفة له قد يتولى المنصب. فماذا سيحدث إذا أصبح شي عاجزاً أو سقط ميتاً؟ لكن حزباً مثل الحزب الشيوعي الذي لا يحب المخاطرة يضع كل بيضه في سلة واحدة، وهذه مخاطرة".