بينما أطلقت وفاة ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، موجة تعاطف مع الملكية البريطانية، وتحسنت شعبية الملك الجديد تشارلز، حتى قبل أن يتوج رسمياً، ولكن ما زالت هناك مؤشرات على أن نهاية الملكية البريطانية أمر محتمل، وأننا قد نرى بريطانيا جمهورية في وقت ليس ببعيد.
ومع استمرار المراسم المعقدة لجنازة ملكة بريطانيا، يستذكر توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، في هذه المناسبة، محنة كادت تؤدي إلى نهاية الملكية البريطانية، وهي ذكرى جنازة ملكية أخرى شهدتها البلاد منذ 25 عاماً، وهي جنازة أميرة ويلز الراحلة الأميرة ديانا، التي وقعت أثناء ولايته الأولى لمجلس الوزراء عام 1997، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
يقول بلير إنه أدرك آنذاك أن النظام الملكي في بريطانيا يواجه تهديداً وجودياً لم يكد يشهد مثيلاً له من قبل، و"انتابني القلق" في ذلك الوقت بعد أن بات كثيرون يرون أن العائلة المالكة لا تكترث بآراء الناس ومزاجهم العام. وخلص استطلاع للرأي وقتها إلى أن واحداً من كل أربعة بريطانيين يؤيدون إعلان الجمهورية وإلغاء النظام الملكي.
لكن الملكية البريطانية عادت لتكتسب الشعبية، والجمهوريون أصبحوا هادئين
تبدلت الأحوال بعد ذلك، فقد تمكنت الملكة خاصةً من تغيير الأمور، حتى أظهر استطلاع رأي أجرته شركة YouGov هذا الأسبوع أن ابنها ووريثها الذي افتقر إلى الشعبية ذات يوم، زادت نسب تأييده زيادة كبيرة، وباتت خلافته لوالدته تحظى بمساندة معتبرة، حتى إن 63% من المصوتين "يستحسنون عمله".
والحال كذلك، فإن التيار المنظَّم من الحركة الداعية لإقامة الجمهورية في بريطانيا مال إلى اتخاذ الهدوء نهجاً له في المدة السابقة على حفل التتويج، الذي يُتوقع أن يقام العام المقبل، ومع ذلك فإن دعاة إلغاء النظم الملكي قد يجدون في التراجع العام لتأييد الملكية، وما تظهره الاستطلاعات من انحدارها إلى أدنى مستوى لها، أسباباً تحثهم على الجهر بدعواهم.
أداء الملك الجديد سوف يحدد مصير البلاد
في هذا السياق، عزمت مجموعات من دعاة الجمهورية في بريطانيا، مثل حركة Republic، على التمهيد لدعوى إلغاء الملكية بتكثيف الحملات الترويجية بين الناس، وهم يقولون إن آلافاً من المنتمين الجدد انضموا إليهم في الأيام الأخيرة، لكن خبراء يقولون إن نجاح مساعيهم يتوقف على أداء الملك الجديد لعمله.
ويقول بعضهم إن الملك أحسن العمل في الأسابيع الماضية، وخالفهم آخرون بالإشارة إلى سرعة غضبه في مناسبتين لأن قلمه سال حبره، أو لأنه أخطأ في توقيع، ويقيسون سلوكه ذاك إلى سلوك والدته التي اشتهرت بحلمها وجمود وجهها في معظم الأحيان.
يقول غابرييل ميلاند، خبير استطلاعات الرأي والمستشار السابق بمكتب رئاسة وزراء بريطانيا، إن "زيادة التأييد العام لتشارلز تدل على قوة المؤسسة في المقام الأول، فمن الواضح أن لديها حظوة كبيرة بين الناس. إنها مكانة شبيهة بتأثير الاجتماع حول علم البلاد. وأنا أرى أن هذا النفوذ سيستمر".
ويرى ميلاند أنه "إذا سارت الأمور في ولايته دون اضطرابات، فمن الصعب أن نشهد انقلاباً على النظام الملكي في البلاد. والدليل على ذلك أن معارضة الناس للملكية لم تبلغ حد الخوف من الانقلاب عليها إلا في الأوقات التي اضطربت فيها الأمور [وأساءت المؤسسة الملكية التصرف]، مثل اعتزال فيكتوريا للحياة العامة بعد وفاة ألبرت، وأزمة تنازل إدوارد الثامن عن العرش، وأزمة وفاة ديانا".
إليك نسب معارضة الملكية
منذ أن بدأ (المركز الوطني البريطاني للبحوث الاجتماعية) في تتبع آراء الناس تجاه الملكية عام 1994، فإن (التيار الغالب) يذهب فيه نحو ثلثي الناس إلى أن النظام الملكي لا غنى عنه أو شديد الأهمية لبريطانيا، حسبما يقول البروفيسور جون كِرتس، السير وعالم السياسة البارز في بريطانيا.
بينما يرى ما بين 10% إلى 20% من الناس أنه ليس له أي أهمية، أو يجب إلغاؤه.
"لكن ذلك لا يمنع من أن الاختلافات داخل هذه الآراء السائدة قد تكون حاسمة في تغيير وجهة الأمور في وقت ما"، حسب قوله.
ولكن هناك مشكلة بسبب ميغان ماركل ومزاعم الاعتداء الجنسي ضد الأمير أندروا
شهدت آراء الناس في الملكية تقلبات عديدة، مثل الانقباض عنها بعد وفاة ديانا والإقبال المفاجئ على تأييدها بعد اليوبيل الماسي لإليزابيث الثانية في الحكم.
ويشير كِرتس إلى أن أحدث استطلاع أجراه "المركز البريطاني للبحوث الاجتماعية" كشف عن انخفاض نسبة من يرون أن النظام الملكي "لا غنى عنه أو شديد الأهمية" في بريطانيا إلى نحو 55%.
ويعرض كِرتس لأسباب ذلك، فيقول: "لذلك التراجع سببان على الأرجح؛ أولهما: الأمير أندرو [مزاعم الاعتداء الجنسي]، والثاني: الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل [مزاعم العنصرية ضدهما، والانسحاب من المهام الملكية]. والشاهد من الأمر أن هناك إحساساً معيناً بالاستقرار العام على تأييد النظام الملكي.
لكنه يرى أن هذا التأييد يتفاوت، ويختلف باختلاف الظروف، ويضيف قائلاً: "لذلك أرى أن تأييد تشارلز ينبغي تصنيفه مساندة طارئة، وليس تأييداً لا جدال فيه".
إليك ثلاث فئات من الشعب تميل إلى رؤية نهاية الملكية البريطانية
في معرض الحديث عن استطلاع آخر لآراء البريطانيين بشأن الهوية والمواقف العامة من نظام الحكم في البلاد، قال ساندر كاتوالا، الباحث في مركز British Future البحثي البريطاني، إن استطلاعاً للمركز خلص أيضاً إلى انتشار التأييد العام للنظام الملكي بين الناس، لكن النتائج كشفت عن ثلاث مجموعات معارضة يجدر بالملكية أن تقلق بشأنها: سكان اسكتلندا، والأقليات العرقية في بريطانيا، والشباب.
قال كاتوالا إن استطلاع المركز خلص إلى أن أقل من نصف سكان اسكتلندا يؤيدون الحفاظ على النظام الملكي.
ومن المعروف أن المملكة المتحدة نجت من التفكك في عام 2014 بعد أن صوت الاسكتلنديون في استفتاء أجري في ذلك الوقت للبقاء داخل المملكة بفارق ضئيل، وفي ذلك الوقت كانت بريطانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ولكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر ما يعرف باسم البريكسيت في استفتاء عام 2016، يلقى بظلال من الشك حول استمرارها داخل المملكة المتحدة لأن الاسكتلنديين كانوا أكثر شعوبها حماساً للبقاء في الاتحاد الأوروبي، حيث دعم أغلب الناخبين في إنجلترا وويلز الانفصال، في حين أيد أغلب الناخبين في اسكتلندا وأيرلندا الشمالية البقاء بالاتحاد.
ولقد طالب حزب الاستقلال الاسكتلندي بالفعل، بإجراء استفتاء آخر حول بقاء اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة بعد مغادرتها للاتحاد الأوروبي، ولكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون رفض إجراءه.
ولكن التحدي الذي يهدد بأن نرى نهاية الملكية البريطانية قريباً، يأتي من فئتين أخريين من السكان، وهما الشباب والأقليات العرقية.
ولا تزيد نسبة المؤيدين للنظام الملكي بين الشباب من عمر 18 إلى 24 عاماً في جميع أنحاء بريطانيا على 40%، وتنخفض هذه النسبة إلى 37% بين المنتمين إلى أقليات عرقية.
وفاة إليزابيث أعطت دفعة للنظام الملكي
ومع ذلك، يرى كاتوالا أن ذلك لا يقتضي أن يظن دعاة الجمهورية أن الأجيال القادمة ستحمل العداء للملكية تلقائياً، ولا يستلزم تهوين الناس من أهمية العائلة المالكة.
وقال كاتوالا: "المعارضة الهادئة تؤتي أكلها، ويمكن أن يكسب الجمهوريون مزيداً من التأييد إذا ركنوا إلى معارضة لا تستجلب التخوين، وتحث على الشفافية في أمور مثل: الشؤون المالية للملكية، وهي أمور من المسموح التساؤل عنها في البرلمان". وفي كلتا الحالتين، فإن استفتاء الأمر الواقع على النظام الملكي سيستمر في الاستطلاعات التي يجريها المركز البريطاني للبحوث الاجتماعية.
ويختم كاتوالا بالقول: "إذا خسرت الملكية التأييد العام، سيختلف تعامل الناس ويتغير تعامل الإعلام، حتى وإن لم يبلغ الأمر درجة [تحدي المؤسسة الملكية]. ولا شك في أن اللحظة الحالية ليست اللحظة المناسبة لذلك، بسبب الحزن العام [لوفاةِ الملكة]، لكن حفل التتويج يجب أن يكون اللحظة التي يخرج فيها بعض الناس، ويقولوا (هذا هو البديل)".