مع اقتراب موعد النسخة الـ22 من بطولة كأس العالم 2022 في قطر، التي ستعقد في الفترة ما بين 20 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، تستعد دولة قطر لاستقبال نحو مليون ونصف زائر لحضور البطولة، وهو ما يمثل طفرة سياحية واقتصادية لقطر ودول المنطقة بشكل عام، فما المكاسب التي ستتحقق من احتضان البطولة العالمية التي تعقد لأول مرة في الشرق الأوسط؟
كأس العالم 2022 في قطر.. استثمارات ضخمة لبنية تحتية أضخم
على مدار السنوات الماضية، أنفقت دولة قطر مليارات الدولارات لتشييد بنية تحتية عالمية المستوى، شملت الطرق ووسائل النقل العام والفنادق والمرافق الرياضية والملاعب.
وتعدّ دولة قطر، التي يناهز تعداد سكانها 2.6 مليون نسمة، إحدى أكثر دول العالم ثراءً؛ نظراً لقوة اقتصادها ووفرة صادراتها من النفط والغاز. وعلى مدار 12 عاماً، عملت قطر بشكل متواصل للتحضير لهذه البطولة العالمية، وأنشأت 8 استادات لهذا المونديال، فضلاً عن بناء مدينة جديدة كاملة لإقامة المباراة النهائية.
وستقام المباريات في 8 ملاعب عالية التقنية ومزودة بأحدث التكنولوجيات، لضمان أقصى درجات الراحة للمتفرجين.
كما أنشأت قطر أكثر من 100 فندق جديد، ومحطات مترو أنفاق، وأقامت طرقاً جديدة ومحطات للمواصلات والعديد من المرافق العامة استعداداً لاستقبال أكثر من مليون مشجع سيأتون من كافة أنحاء العالم.
قطر تتطلع لفوائد على مدار 20 عاماً قادمة
في حديثه لقناة euronews، قال الرئيس التنفيذي لكأس العالم فيفا قطر 2022، ناصر الخاطر، إن السنوات الـ12 الماضية كانت سنوات مليئة بالمشاريع بالنسبة لقطر في مجال التنمية الاقتصادية، التي تسارعت وتيرتها بسبب كأس العالم.
مضيفاً أنه "تم تطوير خطة تطويرية ضخمة منذ عام 2008، وما نتطلع إليه حقاً هو فوائد هذه الخطة على مدار العشرين عاماً القادمة".
وقد أشادت الفيفا بجاهزية قطر لاستضافة أحد أهم الأحداث الرياضية في العالم، حيث قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو في حديثه لموقع يورونيوز: "لم أر بلداً مضيفًا لكأس العالم أكثر جاهزية بهذا الشكل من قبل.. تم الانتهاء من جميع الملاعب والبنية التحتية والفنادق والطرق.. إن قطر مستعدة، والفيفا مستعدة، والعالم مستعد، بعد مرور أوقات عصيبة بسبب الوباء نحتاج حقاً إلى الالتقاء مرة أخرى".
دفعة قوية للشركات وقطاع الأعمال
تدخل قطر التاريخ من خلال جلب بطولة كأس العالم إلى منطقة الشرق الأوسط لأول مرة. ومع قدوم ملايين المشجعين وعشرات المنتخبات من جميع أنحاء العالم للمشاركة في هذا الحدث الرياضي، ستحظى الشركات والمؤسسات في المنطقة بدفعة قوية تُسهم في تعزيز أعمالها.
وتقول نائب الرئيس التنفيذي ومديرة الأعمال في مركز قطر للمال، الشيخة العنود آل ثاني، إن "تقديم نسخة كأس عالم ناجحة سيثبت أن صناعة الرياضة في قطر تحظى بمكانة خاصة، وأن قطر لديها فرصة فريدة من نوعها لوضع نفسها على الخريطة الرياضية الدولية أو على خريطة الأعمال التجارية والاقتصادية الدولية".
منحت بطولة كأس العالم المقامة في قطر فرصة لشركات ناشئة بالبروز والإسهام بخدماتها في إنجاح هذا الحدث، خاصة الشركات المهتمة بالتكنولوجيا الرياضية.
على سبيل المثال، تعد "سبونيك تك" SponixTech إحدى الشركات القطرية التي أثبتت كفاءتها خلال فترة وجيزة، ومن المنتظر أن تكون حاضرة خلال البطولة. وتوفر "سبونيك تك" خدمة إعادة اللقطات خلال المباريات بتقنية الواقع المعزز، بالإضافة إلى بث الإعلانات الافتراضية أثناء المباريات المباشرة. وفي غضون عامين فقط دخلت الشركة في شراكة مع مسابقة كأس العرب للفيفا والدوري الإنجليزي الممتاز البريميرليغ.
ويقول المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة محمد علي عباس لقناة يورو نيوز: "إن الحل الفريد الذي نقدمه هو استخدام تغذية البث في خوادمنا السحابية وإعادة إرسال لقطة واحدة إلى عشر لقطات مختلفة إلى جهة البث بالترتيب الصحيح في أقل من ثانيتين فقط".
كيف ستستفيد المنطقة من استضافة البطولة؟
لا شكَّ أن تنظيم قطر كأول بلد عربي لبطولة كأس العالم حدث كبير واستثنائي، ومما لا شك فيه أن العديد من دول المنطقة ستستفيد من ذلك، وستعمل على اقتناص الفرصة وتحريك القطاع السياحي لديها.
وتطمح إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة، طامحة إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً للأعمال، وإلى زيادة عدد السياح إلى 3 أمثاله ليبلغ 6 ملايين سائح سنوياً بحلول 2030.
أما جيرانها، فهي تطمح أيضاً للاستفادة بشكل كبير من هذا الموسم، الذي يشهد إقبالاً كبيراً من السياح بسبب انخفاض درجات الحرارة في المنطقة. ووافقت دول الخليج على تسهيل الإجراءات الإدارية لمشجعي كأس العالم الذين سيمرون في دولهم، حيث ستعمل شركات طيران خليجية متعددة على نقل المشجعين من بلادهم إلى قطر.
ويمكن للمسافرين من معظم دول مجلس التعاون الخليجي الوصول إلى مطار حمد الدولي في قطر في أقل من ساعة. وأكد الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر، في 26 مايو/أيار 2022، أن شركات الطيران الخليجية ستتعاون مع الخطوط القطرية، خلال كأس العالم 2022، كجزء من اتفاقية النقل في كأس العالم.
وأوضح الباكر أن الخطوط الجوية العُمانية ستشغل ما يصل إلى 48 رحلة يومياً، فيما تشغل الخطوط السعودية 40 رحلة يومياً، وتنقل "فلاي دبي" 60 رحلة يومياً، أما الخطوط الجوية الكويتية فستنظم 16 رحلة لنقل 1700 مشجع يومياً خلال بطولة كأس العالم.
من جهتها، تستعد دولة الإمارات بوجهتها السياحية الشهيرة دبي، لتحقيق أكبر المكاسب، وستُقلع من الإمارات نحو 40 رحلة من أصل 90 رحلة ستهبط يومياً في الدوحة، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية. كما جرى تخصيص فندق بُنِيَ حديثاً فوق جزيرة النخلة الاصطناعية لاستضافة الزوار الذين يخططون للإقامة في دبي، واستقلال الطائرة إلى الدوحة في رحلة ذات إجراءات هجرة مبسطة تمتد لمدة 40 دقيقة.
وتتوقع الدوحة أن يضيف الزوار، الذين من المتوقع أن يصل عددهم 1.5 مليون زائر، قرابة الـ17 مليار دولار إلى اقتصادها. واستأجرت الجهات التنظيمية سفينتين للرحلات البحرية، مع تنصيب أكثر من 1,000 خيمة في الصحراء، تحسُّباً لأزمة الإقامة المحتملة. بينما ستعمل خدمة النقل الإقليمية على ربط الدوحة بغيرها من العواصم مثل مسقط، والرياض، وجدة، والكويت.
وستقيم السعودية وعُمان مهرجانات لجذب المشجعين، مع خطط لتسهيل إجراءات السفر؛ إذ قالت الهيئة السعودية للسياحة إنها تتوقع زيادة في أعداد الزوار المرتبطين بكأس العالم، كما يُمكن لحاملي بطاقة "هيا" للمشجعين أن يطلبوا الحصول على تأشيرات دخول متعددة إلى المملكة.
بينما قالت وزارة التراث والسياحة العُمانية إن البطولة "سترفع من شأن العديد من الوجهات الإقليمية"، وسيكون لها تأثيرٌ اقتصادي يتجاوز الحدث نفسه. وسبق أن رحب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وقطر بالمكاسب السياحية التي ستتدفق على المنطقة.
ما العائدات التي ستحصل عليها الفيفا أيضاً؟
حقق الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) 5.4 مليار دولار كعائدات خلال بطولة كأس العالم 2018، وهي عائدات تزيد بنسبة 16% عن عائدات نسخة 2014 لكأس العالم.
ولكن كمنظمة غير ربحية تستثمر الفيفا معظم أرباحها في تطوير كرة القدم؛ ففي عام 2018 تم استثمار 4.3 مليار دولار بشكل مباشر في برامج كرة القدم.
كما حققت الفيفا أكثر من 3 مليارات دولار من عائدات حقوق البث التلفزيوني خلال كأس العالم السابقة.
وفي منافسة كبيرة بين المحطات للفوز بحقوق بث منافسات كأس العالم لهذا العام فازت محطة "فوكس" في حرب مزايدة مع منافستها "إي إس بي إن" ESPN؛ حيث أبرمت صفقة بقيمة 400 مليون دولار مع الفيفا للحصول على حقوق البث.
ومن المقرر أن يصل الإنفاق على الإعلان والتسويق خلال كأس العالم إلى مستوى قياسي هذا العام. ويقول الخبراء إن توقيت البطولة الذي سيكون في الفترة التي تسبق عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة سيمنح قطر القدرة على تقديم تجربة أكثر تميزاً للشركات والعلامات التجارية.