جاء الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف، والذي تقول كييف والمصادر الغربية إنه استعاد نحو ألف ميل من الأراضي من روسيا، ليكسر الجمود في الحرب، ويثير تساؤلات حول كيف حققت كييف هذه النجاحات فجأة، وما مدى أهميتها وهل تؤدي إلى تغييرات جذرية في مسار الحرب؟
وعلى مدار أربعة أيام أو أكثر شنت أوكرانيا هجوماً مضاداً في إقليم خاركيف بشمال شرق البلاد، وصفه الإعلام الغربي بأنه يشبه الحرب الخاطفة (طريقة حرب ميزت ألمانيا النازية)، حيث تقدمت نحو 75 كم واستعادت مدناً رئيسية هي بالاكليا وإيزيوم وكوبيانسك.
وأدت المكاسب السريعة التي حققتها أوكرانيا في منطقة خاركيف إلى إضعاف سيطرة روسيا على شمال شرق أوكرانيا، التي استخدمتها كمنطلق لشن حربها منذ فبراير/شباط 2022، وقد يتسبب الهجوم في عزل الآلاف من القوات الروسية.
ويعد السقوط السريع لمدينة إيزيوم في إقليم خاركيف تحديداً أسوأ تراجع لروسيا منذ أن أُجبرت قواتها على الانسحاب من العاصمة الأوكرانية كييف في مارس/آذار 2022.
أهمية الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف
ولفهم أهمية هذه المنطقة، يجب ملاحظة أن إقليم خاركيف عاصمته هي مدينة خاركيف ثاني أكبر مدن أوكرانيا من حيث عدد السكان ومعقل لصناعات البلاد خاصة العسكرية.
ونحو نصف سكان المدينة والإقليم من المتحدثين باللغة الروسية، وكانت المدينة من معاقل الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش الذي أدى عزله في انتفاضة الميدان الأوروبي إلى احتجاجات مؤيدة له في شرق البلاد وجنوبها عام 2014، وكانت خاركيف هي أحد معاقل هذه الاحتجاجات التي وصلت إلى ظهور حركة محدودة تطالب بضم المدينة لروسيا.
فالمدينة التي كانت عاصمة للبلاد لفترة خلال الحكم السوفييتي، كان ينظر لها تقليدياً بأنها من أقرب المدن الأوكرانية لروسيا، وفي بداية الحرب الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، هاجمتها القوات الروسية، وكان يتوقع أن تسقط في أيديهم بسرعة، ولكنها صمدت، وظلت في أيدي الأوكرانيين، ثم أوقف الروس محاولاتهم لمحاصرتها، ولكن ظلوا يسيطرون على مناطق بإقليم خاركيف نفسه خاصة أنه متاخم للحدود الروسية.
والآن يتحول إقليم خاركيف في شمال شرق أوكرانيا إلى بؤرة للأحداث، خاطفاً الأضواء من إقليم دونباس بشرق البلاد، وكذلك جنوب البلاد المطل على البحر الأسود.
وقال الجنرال فاليري زالوغني، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، إن أوكرانيا استعادت أكثر من 1150 ميلاً مربعاً منذ بداية سبتمبر/أيلول، وأن قوات بلاده اقتربت إلى مسافة 50 كيلومتراً من الحدود الروسية في إقليم خاركييف.
وأظهرت خريطة نشرتها وزارة الدفاع الروسية يوم الأحد أن القوات الأوكرانية قد طردت قوات موسكو من جميع أنحاء مقاطعة خاركيف تقريباً.
وقال مسؤولون أوكرانيون يوم السبت إن قواتهم استعادت مدينة إيزيوم، وهي مركز سكك حديدية مهم استراتيجياً جنوب شرق خاركيف، سيطرت عليه القوات الروسية في الربيع بعد معركة دامية استمرت أسابيع، وكانت تمثل قاعدة رئيسية للقوات الروسية في منطقة خاركيف.
وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن الهجوم سار "أفضل مما كان متوقعاً".
هذه المكاسب قد تجلب زخماً للقوات الأوكرانية في منطقة لوهانسك بإقليم دونباس، التي أعلنت روسيا أنها سيطرت عليها بالكامل في بداية يوليو/تموز 2022، حسبما قال المحلل العسكري في كييف أوليه جدانوف.
معنويات الناتو وأوكرانيا ترتفع
أدت السرعة المفاجئة التي اتسم بها الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف إلى كسر شهور من الجمود في الحرب، وعزز معنويات البلاد وحفز الدعوات لمزيد من الدعم العسكري الغربي الذي كان قد بدأ يتضاءل، خاصة القادم من أوروبا بعد أكثر من ستة أشهر على الحرب وانشغال دول الاتحاد الأوروبي بأزماتها الاقتصادية، وانتقاد جزء من الجماهير الأوروبية لحكوماتها على تورطها في الحرب.
ولذا فإن الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف مهم من الناحية السياسية لزيلينسكي حيث يسعى إلى إبقاء الدعم الأوروبي لأوكرانيا، سواء الأسلحة أو المال، حتى مع اقتراب أزمة الطاقة المتوقعة هذا الشتاء بعد قطع إمدادات الغاز الروسي عن العملاء الأوروبيين.
وقبل هذا الهجوم، تعرضت كييف لضغوط متزايدة لتظهر لداعميها الغربيين أنها تستطيع تحويل مليارات الدولارات من الدعم العسكري إلى مكاسب ذات مغزى في ساحة المعركة.
ماذا قال الروس عن الهجوم؟
ودفع الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف، روسيا لتسريع إرسال تعزيزات إلى المنطقة، وأثار احتمالية حدوث أكبر انعكاس لموسكو منذ أن أجبرت على سحب قواتها من أنحاء العاصمة كييف في مارس/آذار 2022.
وقالت روسيا الجمعة، إن الوضع في كوبيانسك ما زال صعباً لكن الجيش الروسي تمكن من السيطرة على المدينة، وقالت موسكو إن الوحدات الأوكرانية لم تتمكن من التسلل إلى المدينة، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي".
ثم قالت وزارة الدفاع الروسية يوم السبت 10 سبتمبر/أيلول 2022، إنها سحبت قواتها من منطقتين في إقليم خاركيف.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف إن القوات ستتم إعادة تجميعها من منطقتي بالاكليا وإيزيوم إلى منطقة دونيتسك، مؤكداً أن هذه الخطوة يتم اتخاذها "من أجل تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الخاصة لتحرير منطقة دونباس".
وسط الخسائر الفادحة والمشاكل اللوجستية وتدهور الروح المعنوية، أثار الأداء العسكري الروسي السخط بين المدونين المؤيدين للكرملين والموالين لفلاديمير بوتين، مما خلق تحديات جديدة للزعيم الروسي.
وطالب قوميو روسيا بوتين بلهجة غاضبة بضرورة حسم الحرب بأي ثمن.
وفيما وصفه المسؤولون الأوكرانيون بأنه نوبة غضب بسبب خسائرها، هاجمت قوات موسكو البنية التحتية الحيوية في خاركيف.
من جانبه، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا إن الجيش الأوكراني تمكن من الاستيلاء على عدد قليل من القرى المحيطة، ولكن رفض اعتبار ذلك يمثل اختراقاً مهماً من قبل الأوكرانيين".
غير أن فيتالي غانتشيف، رئيس الإدارة الروسية في منطقة خاركيف، قال إن القوات الأوكرانية حققت انتصاراً كبيراً في اختراق الدفاعات الروسية في خاركيف.
الأمريكيون يقرون بأن روسيا ما زال لديها موارد كبيرة للاستمرار في الحرب
على الرغم من المكاسب الأوكرانية، شدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على "الموارد الكبيرة" لروسيا وذلك بعد يوم من لقائه مع الرئيس الأوكراني في كييف.
وقال بلينكن: "لسوء الحظ، أظهر الرئيس بوتين أنه سيلقي بالكثير من الناس في هذا الأمر، مهما كانت التكلفة باهظة لروسيا"، وأضاف: "هذه الحرب من المرجح أن تستمر لفترة طويلة من الزمن".
وقال الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن الحرب تدخل مرحلة حرجة حيث تحرز أوكرانيا تقدماً في ساحة المعركة، وتعهد ستولتنبرغ، بعد لقائه مع بلينكن في بروكسل، بمواصلة دعم كييف.
أسباب هذا التقدم الأوكراني
من وجهة نظر غربية، أظهر الاختراق، لأول مرة، أن أوكرانيا، بدعم المساعدات العسكرية الغربية، يمكنها استعادة بعض من الأراضي من القوات الروسية التي تحتل أجزاء كبيرة من جنوب وشرق البلاد.
ويعتقد أن النجاحات التي تحققت في الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف تعود بشكل كبير إلى دعم غربي استخباراتي وتقني وتخطيطي.
وقال مسؤولون أمريكيون إن مكاسب أوكرانيا جاءت نتيجة زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the New York Times الأمريكية.
وتلعب المعلومات الاستخباراتية عن نقط ضعف الخصم دوراً كبيراً في أي معارك حربية، خاصة بالنسبة لجيش مثل الجيش الأوكراني يفتقر إلى قدرات استطلاع متطورة عبر الطيران والأقمار الاصطناعية مماثلة لغريمه الروسي.
وخلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لعبت الأمريكيون دوراً أساسياً في الهجوم الإسرائيلي الذي عرف باسم الثغرة والذي مثل نكسة كبيرة للتقدم المصري في الحرب، حيث زودت طائرات الاستطلاع الأمريكية الإسرائيليين بمعلومات عن نقاط الضعف القوات المصرية، الأمر الذي مكنهم من اختراقها ومحاصرة الجيش الثالث الميداني في ذلك الوقت.
وبعد إغراق كييف للطراد الروسي موسكوفا، كشفت تقارير غربية عن قيام طائرة استطلاع أمريكية بالتحليق بالقرب منه في مؤشر على دور أمريكي في العملية.
المدفعية الغربية غيرت شكل المعركة
ساعد وصول مدفعية دقيقة بعيدة المدى من الغرب في إبطاء هدف روسيا المتمثل في الاستيلاء على منطقة دونباس الشرقية بأكملها في الأشهر الأخيرة، وتدمير العديد من الأهداف العسكرية واللوجستية الروسية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وقال المستشار الرئاسي الأوكراني ميخايلو بودولياك إن النجاحات أثبتت أن أوكرانيا يمكنها استخدام الأسلحة الغربية الحديثة بشكل فعال لإنهاء احتلال أراضيها.
وجاء هذا النجاح في الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف، عكس ما حدث في دونباس بشرق البلاد، حيث انسحبت القوات الأوكرانية أمام القوات الروسية التي استولت على مناطق كثيرة بفضل نيران المدفعية الروسية الكثيفة.
الروس يعانون من نقص الأفراد في مواجهة الحشود الأوكرانية
"تم كسر الدفاع الروسي بهذه السرعة على الأرجح لأن الروس كانوا يفتقرون إلى عدد كبير من القوات"، حسبما يرى ميكولا بيليسكوف، الزميل الباحث في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية.
ويبلغ طول الجبهة بين الروس والأوكرانيين، أكثر من 1300 كيلومتر، والجنود الروس يتراوح عددهم بين 200 ألف و250 ألف جندي. وهذا غير كافٍ بشكل حاسم لإنشاء دفاع متدرج قوي، حسب قوله.
وقال بيليسكوف لموقع Euromaidanpress "على الأرجح، كان لدى الروس مستوى دفاع واحد فقط شمال بالاكليا وقوات دفاع الروسية هناك تتكون أساساً من فرق الاستجابة السريعة غير المتخصصة في الحرب العامة ولكن في قمع أعمال الاحتجاجات".
وبالتالي كان لروسيا خط دفاع واحد فقط، واخترقت أوكرانيا من خلاله الخطوط الروسية في هذه المنطقة، وهدفها الأساسي ليس الاستيلاء على البلدات، ولكن الوصول بسرعة إلى الحدود الروسية لقطع الاتصالات، والإمدادات الخلفية.
ولفت إلى أن أوكرانيا لديها عدد أفراد أكثر من الروس فمقابل ما يتراوح بين 200 ألف إلى 250 ألف جندي روسي منتشرين، لدى كييف نحو مليون فرد (أوكرانيا فرضت التجنيد الإجباري عكس موسكو، ومنعت سفر الرجال ممن هم في سن التجنيد إلى خارج البلاد).
بالطبع، المليون جندي أوكراني لا يقاتلون جميعاً في نفس الوقت، لكن وجود هذه الأعداد مكن كييف من بناء قوة كبيرة لاختراق الدفاع الروسي بسرعة ومن ثم تنفيذ مستوى اختراق كلاسيكي. وكانت الوحدات المتقدمة تتضمن وحدات المخابرات العسكرية والأمن التي تصرفت على أنها فرق مداهمة، كما استغلت أوكرانيا الظروف الجغرافية لصالحها.
هل ساهم الحديث عن هجوم على الجنوب في تشتيت انتباه الروس؟
في يوليو/تموز 2022، قالت أوكرانيا إنها تستعد لهجوم لاستعادة السيطرة على أراضٍ في خيرسون بجنوب البلاد، ما دفع القوات الروسية لتعزيز تواجدها هناك وتشتيت قواتهم على خط المواجهة الذي يبلغ طوله 1100 ميل.
تركهم ذلك متمددين بشكل أرق في أماكن بما في ذلك منطقة خاركيف التي تقع في الشمال الشرقي للبلاد.
هذا ساعد أوكرانيا لأن الروس استخدموا قواتهم لإنشاء دفاع متعدد المستويات في الجنوب، ولكن لم يفعلوا ذلك في الأجزاء الأخرى من الجبهة، وبالتحديد حول خاركييف في الشمال الشرقي حيث نفذت كييف الهجوم.
يقول المحلل الأوكراني لقد خدعنا الروس وجعلناهم يعيدون توزيع قواتهم، والآن سيكون من الصعب عليهم إجراء مناورة في الاتجاه المعاكس.
خسائر الروس أضعفت جبهتهم
نجح هذا الهجوم أيضاً لأن أوكرانيا استنفدت قدرات روسيا بشكل كبير خلال عملياتها الدفاعية. لقد فقد الروس، وفقاً لبيانات أمريكية، 80.000 جريح، وقتل 50.000 جندي وفقاً للبيانات الأوكرانية (وهي تقديرات يُعتقد أنها تميل للمبالغة خاصة الأوكرانية).
وقال المحلل الأوكراني ميكولا بيليسكوف"لقد فقدوا الكثير من المركبات المدرعة. ومن ثم نشأت فرص تنفيذ هذا الهجوم لأن كييف قامت بأعمال دفاعية جيدة، حسب تعبيره، وصرفت انتباه الروس إلى الجنوب.
وأضاف: "لقد جنينا أيضاً جزئياً ثمار قرار بوتين شن حرب على أوكرانيا، باستخدام أعداد قوات متواضعة. وأردف قائلاً "إذاً سبب نجاح الهجوم الأوكراني بمنطقة خاركيف كان مجموعة من العوامل المتنوعة".
لماذا أخفقت أوكرانيا في تحقيق تقدم في الجبهات الأخرى؟
رغم أن أوكرانيا لديها مليون جندي، لكنها ما زالت تفتقر إلى المدرعات والأسلحة الثقيلة بأعداد كافية.
يقول المحلل الأوكراني: "لقد ركزنا كل ما في وسعنا في منطقة عملية بالاكليا وكوبيانسك وإيزيوم الهجومية. لكن مع ذلك، يمكن أن يكون الروس أكثر توازناً في توزيع القوات على مجمل جبهتهم، حيث من الواضح أنهم يعيدون نشر قواتهم، مما يعني أنه من المحتمل أن يكون هناك فرص لأن يشنوا هجمات بدورهم".
وتتمثل مشكلة الروس الرئيسية في أن قواتهم البالغة 200 إلى 250 ألف جندي منتشرة على طول جبهة طولها 1300 كيلومتر. وقال بيليسكوف "أنت بحاجة لملايين القوات للبقاء بثبات في مثل هذا الخط الأمامي، لتجنب المواقف التي حدثت بالقرب من بالاكليا".
هل تستطيع روسيا زيادة أعداد قواتها وقلب الوضع لصالحها؟
من الواضح أن قدرة روسيا على زيادة أعداد قواتها ليست عالية، خاصة أنها لم تعلن تعبئة قوات الاحتياطي حتى الآن.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الروس يقولون إن لديهم بعض الاحتياطيات في منطقة بيلغورود، والتي ربما سيتم استخدامها.
وقد يعني هذا أن المنطقة الشمالية قد تمثل مشكلة محتملة لكييف إذا استخدم الروس هذه الاحتياطات ضدها.
لكن الروس على الأرجح سوف يستخدمون هذه الاحتياطيات لإنشاء طبقة دفاعية جديدة في المناطق الضعيفة، وليس للتغلب على نتائج العملية الأخيرة، حسب بيليسكوف.
إلى متى ستستمر أوكرانيا في الحفاظ على هذا الزخم، وهل تستطيع تكرار مثل هذا الهجوم؟
تتوقف قدرة الأوكرانيين على الاستفادة من هجوم خاركييف على شيئين: إذا تمكنت القيادة العسكرية الأوكرانية من تحديد أماكن ضعف الروس بسرعة؛ وإذا كان لديها ما يكفي من القوة، وما يكفي من أدوات لنقل هذه القوات إلى نقاط الضعف الروسية، وفي هذه الحالة فسيحاول الأوكرانيون مرة أخرى تنفيذ عملية هجومية أخرى، حسب بيليسكوف.
في مثل الهجمات، من المهم وجود ما يكفي من الجنود على متن العربات المدرعة خاصة ذات العجلات، وليس المجنزرة، حتى يتمكنوا من المناورة والتحرك بسرعة على طول الطرق، لقطع خطوط إمداد الخصم بسرعة.
واستدرك قائلاً "بشكل عام، لا ينبغي أن نبالغ في تقدير قدرة أوكرانيا على قلب المعركة بسرعة لصالحها. على الرغم من ذلك فإن الهجوم الأوكراني في منطقة خاركيف سيكون له تأثير نفسي ومعنوي كبير؛ وسيسهم في إضعاف الروح المعنوية للروس، وبعد ذلك سيبدأ الشتاء، وأعتقد أن الجيش الروسي سيخرج منه محبطاً تماماً"، حسب قوله.
ويشير إلى أن الجيش الأوكراني يحتاج إلى المزيد من أنظمة المدفعية الصاروخية، والمزيد من أنظمة الاستطلاع، ووسائل التنقل، ووسائل الاتصال ليتمكن من تنسيق كل هذه الكتلة العسكرية إضافة لوسائل الدفاع الجوي.
فبدون وجود وسائل التنقل كافية العدد لن يتمكن الأوكرانيون من التحرك بسرعة، وشن حرب مناورة حقيقية بعد اختراق عمق الدفاع التكتيكي، وتحديد الفجوات، وبالتالي تحويل النجاحات التكتيكية إلى نجاحات دائمة.
ولفت إلى أن ما حدث يظل نجاحاً جزئياً، استمر لمدة أربعة أيام مع عمق اختراق يبلغ 75 كم.
الروس يحاولون توظيف الطيران لوقف الهجوم الأوكراني
ويحاول الروس توظيف الطيران بنشاط للتصدي للهجوم الأوكراني.
ومع انتشار أنباء هذه النكسة، نشرت وزارة الدفاع الروسية لقطات مصورة لما قالت إنها قوات تُرسل إلى منطقة خاركيف. وقالت وزارة الدفاع إن القوات الروسية استهدفت مواقع أوكرانية في المنطقة بقوات محمولة جواً وصواريخ ومدفعية.
وكثفت روسيا من الضربات على خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، في الأيام الأخيرة. وقال رئيس البلدية إيهور تيريخوف إن نيران المدفعية الروسية أصابت يوم الجمعة عشرة أشخاص وألحقت أضراراً بروضة أطفال ومنازل خاصة.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الجمعة إن أوكرانيا تدرس إغلاق المفاعل الوحيد المتبقي في محطة زابوريزهزيا النووية في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، حيث أدى القصف ليل الخميس إلى ترك المصنع بدون مصدر آمن ومستدام للطاقة الاحتياطية. يمكن للمحطة أن تتحول إلى مولدات احتياطية، لكن هذه المفاعلات لديها وقود يكفي لمدة 10 أيام فقط، وفقاً لشركة الطاقة النووية المملوكة للدولة في أوكرانيا.
هل يتحول الهجوم الأوكراني إلى فخ روسي؟
ولكن الأمر لا يقتصر فقط على احتمال عدم قدرة أوكرانيا على ترسيخ النجاحات التكتيكية التي حققتها، ولكن جزءاً من نجاح خطط الدفاع الأوكرانية في الحرب مع روسيا حتى الآن، هو تمرتس الأوكرانيين خلف تضاريس بلادهم ومدنهم، وتحت حماية أنظمتهم الجوية الكبيرة الموروثة عن الاتحاد السوفييتي، والأنظمة الخفيفة، التي تلقوها من الغرب.
ولكن هجوماً شديد الحركية كهذا الهجوم، مثلما يمكن أن يزرع الفوضى في مؤخرة الجيش الروسي، فإنه يمكن أن يعطيه فرصة لاستهداف الوحدات الأوكرانية المهاجمة عبر الهجمات الجوية، خاصة أن التحرك السريع للقوات الأوكرانية من شأنه إخراجها ولو جزئياً من تحت حماية الدروع الجوية المكثفة التي بنتها كييف في مواجهة التفوق الروسي الجوي.
وبالفعل، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن بلاده بحاجة لتأمين الأراضي المستعادة من هجوم مضاد روسي محتمل على خطوط الإمداد الأوكرانية التي تمتدت، وأقر في حديث مع صحيفة فاينانشيال تايمز الريطانية بأن القوات الأوكرانية يمكن أن تطوقها قوات روسية جديدة إذا تقدمت أكثر للإمام، الأمر الذي قد يحول الهجوم الأوكراني في منطقة خاركيف إلى فخ روسي محتمل.
كما أن هذا الهجوم القريب من الحدود الروسية يبدو أنه استفز الشعور القومي الروسي، مما قد يمثل فرصة لبوتين لحشد مزيد من الموارد الروسية لا سيما البشرية من أجل الحرب.
وفي كل الأحوال يمثل هذا الهجوم نجاحاً معنوياً كبيراً لكييف، إلا أن أبرز نتائجه أن الحرب قد تطول، فالهجوم سوف يرفع مستوى آمال الأوكرانيين بشأن تحرير أراضيهم، وسوف يؤجج رغبة الروس في الانتقام، وسيزيد من شهوة أمريكا في استنزاف موسكو عبر الدماء الأوكرانية.