يبدو أن مصر على وشك إتمام صفقة بقيمة 3 مليارات دولار لشراء 24 مقاتلة من طراز يوروفايتر تايفون من إيطاليا، وهي إضافة جديدة لأسطول القاهرة الجوي الذي بات متنوعاً للغاية، فما قصة هذا التنوع ومميزاته وعيوبه؟
نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه "مصر أنفقت أموالاً طائلة لتنويع قوتها الجوية.. لكن لأي غرض؟"، رصد تفاصيل شراء مصر 24 طائرة مقاتلة أوروبية الصنع (تايفون)، وما قد تعنيه الصفقة الأحدث في سلسلة من صفقات الاستحواذ على المقاتلات التي أبرمتها القاهرة مع عدة دول على مدى السنوات الثماني الماضية.
ونتيجة لعمليات الشراء تلك، أصبحت القوات الجوية المصرية اليوم تمتلك أسطولاً متنوعاً من الطائرات. فمنذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر في 2014، وهو يسعى إلى تنويع قدرات الجيش المصري، وضمن ذلك سلاح الجو، وجعله أقل اعتماداً على واشنطن.
صفقات السلاح المصرية
كان تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI" يغطي تجارة السلاح عالمياً خلال العقد الماضي (2011-2020)، قد رصد كيف شهدت صفقات السلاح لمصر في الفترة من 2013 وحتى 2017، بداية تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في البلاد، طفرة ضخمة؛ إذ ارتفعت مشتريات الدولة من السلاح بنسبة 225% مقارنة بمتوسط شراء السلاح خلال السنوات السابقة من 2011 إلى 2013.
وإجمالاً خلال النصف الثاني من العقد الماضي، أي 2016 حتى 2020، اشترت مصر أسلحة بقيمة تخطت 34 مليار دولار تقريباً، وشكلت واردات مصر من السلاح 5.8% من حجم واردات السلاح العالمية، وكانت روسيا أكبر مزود لها بنسبة 41%، تلتها فرنسا (28%)، ثم أمريكا بنسبة 8.7%.
وبشكل إجمالي، زادت مصر وارداتها من السلاح في السنوات الخمس (2016-2020) بنسبة 136%، مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015، بحسب تقرير معهد ستوكهولم. ومنذ عام 2013، أبرمت مصر العديد من صفقات التسلح، أبرزها مع روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث حصلت من روسيا على مقاتلات "ميغ-29" ومروحيات "كا-52" التمساح، ومروحيات "مي-24" الهجومية، وطائرات "إيل-76" العملاقة، ومنظومات الدفاع الجوي "إس-300″ و"بوك إم2″ و"تور إم2".
إضافة إلى الحديث عن حصولها على منظومات "باستيون" الساحلية، و20 مقاتلة "سوخوي-35″، وتسليم 5 منها بالفعل في فبراير/شباط 2021.
وضمن مسعى مصر لتنويع قوتها الجوية تحديداً، صارت القاهرة أول مشترٍ أجنبي للطائرة المقاتلة الفرنسية "داسو رافال" متعددة المهام في عام 2015 في صفقة أسلحة تاريخية بمليارات الدولارات.
لكن السيسي لم يكتفِ بالمقاتلات الفرنسية فقط لتنويع ترسانة القوات الجوية التي يغلُب عليها الطابع الأمريكي. بل ذهب إلى أبعد من ذلك وبدأ أهم عملية شراء في مصر للأسلحة الروسية منذ سبعينيات القرن الماضي، وضمن ذلك 46 مقاتلة من طراز "ميغ 29 إم/إم 2" لصالح القوات المسلحة المصرية.
وفي عام 2018، أجرى طلب شراء "سوخوي 35" الروسية الأكثر تقدماً في صفقة بقيمة ملياري دولار، على الرغم من التحذيرات الأمريكية الشديدة من أنَّ هذا قد يؤدي إلى فرض عقوبات على القاهرة بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات.
هل يمكن دمج المقاتلات الغربية والروسية؟
بطبيعة الحال، ليس من السهل دمج الطائرات العسكرية الغربية والروسية في قوة جوية واحدة متماسكة. اقترح أحد التحليلات أنَّ الطائرات الروسية التابعة للقوات المسلحة المصرية من المحتمل أن تصبح أكثر بقليل من "قوة جوية داخل قوة جوية" بسبب مشكلات التشغيل البيني.
قال جاستن برونك، زميل أبحاث أول بمجال القوة الجوية والتكنولوجيا في فريق العلوم العسكرية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، لموقع Middle East Eye: "واجهت مصر صعوبات كبيرة في دمج طائراتها الروسية من طراز ميغ-29 وسو-35 في شبكاتها وأنظمة القيادة والتحكم التي يزودها بها الغرب".
وفي الوقت نفسه، صُمِّمت طائرات رافال الفرنسية و"إف-16″ الأمريكية "وفقاً لمعايير اتفاقية التوحيد القياسي الخاصة بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبالتالي يسهل دمجها وقابليتها للتشغيل البيني من منظور الأسلحة".
أشار توم كوبر، خبير الطيران العسكري والمؤلف غزير الإنتاج، إلى أنَّ مصر لديها نظام "تحديد الصديق من العدو" خاص يعمل مع طائراتها الأمريكية والفرنسية والروسية.
واستخدمت القوات الجوية المصرية أيضاً طائرات "ميغ-29" كناقلات لتزويد طائرات رافال بالوقود عن قرب؛ نظراً إلى أنَّ أنظمة التزود بالوقود على متن الطائرة متوافقة مع هاتين الطائرتين.
من ناحية أخرى، لا تتوافق الطائرات الروسية مع أنواع الصواريخ والقنابل التي تستخدمها القوات المسلحة المصرية من طراز "إف-16" ورافال. وبينما يمكن لطائرات "إف-16" ورافال استخدام العديد من الأسلحة نفسها، أشار كوبر إلى أنَّ هاتين الطائرتين الغربيتين مصممتان "لأغراض مختلفة تماماً".
وأوضح خبير الطيران العسكري: "طائرات إف-16 تستخدم في الغالب للدفاع الجوي، بينما رافال للقصف أو التفجير والقتال".
وفيما يتعلق بتوافقها، أوضح كوبر أن "من الممكن" لطائرات رافال ضمن ترسانة القوات الجوية المصرية توجيه صواريخ جو-جو التي تطلقها طائرات إف -16، "لم يحدث شيء من هذا النوع حتى الآن على حد علمي".
وقال: "لا جدوى من محاولتهم فعل ذلك؛ لأنَّ طائرات إف-16 المصرية مسلحة فقط بصواريخ جو-جو قديمة".
ما أبرز مشكلات التشغيل؟
لخَّص سيباستيان روبلين، الصحفي في شؤون الدفاع والذي كتب مئات المقالات عن الطيران العسكري، القوة الجوية المصرية على أنها "غير فعالة ومصممة بشكل غريب".
وأضاف أنَّ طائرات "ميغ-29" التي حصلت عليها مصر، من بين الأعلى قدرة من هذا النوع، إلا أنها تفتقر إلى رادار المسح الإلكتروني النشط الموجود في العديد من الطائرات الغربية الحديثة. علاوة على ذلك، فإنَّ صواريخ جو-جو خارج مدى الرؤية البصرية التي تحملها، أدنى من نظيراتها الأمريكية والأوروبية.
على مدى عقود، رفضت الولايات المتحدة بيع مصر صواريخ جو-جو خارج مدى الرؤية البصرية (إيه آي إم-120 أمرام)؛ مما أجبرها على الاعتماد على صواريخ أدنى مستوى. كما ضغطت الولايات المتحدة وإسرائيل على فرنسا لعدم بيع صواريخ جو-جو خارج مدى الرؤية البصرية (ميتور). كان هذا أحد الأسباب التي دفعت القاهرة إلى اختيار المقاتلات الروسية.
قد يتغير كل هذا، بعدما أعربت الولايات المتحدة عن انفتاحها على احتمال بيع مصر طائرات "إف-15" لأول مرة، في وقت سابق من هذا العام. ويبدو أنَّ واشنطن مستعدة أيضاً لتقديم حوافز للقاهرة لوقف استيراد الأسلحة من روسيا لصالح شراء مزيد من المعدات الأمريكية.
قد تكون مصر سعيدة بقبول هذا الالتزام؛ لأنها غير راضية عن طائرات "سو-35" التي تبنيها روسيا لها. إذ لا تحتوي هذه الطائرات الروسية إلا على رادار مسح ضوئي سلبي، وليس رادارات مسح إلكتروني نشط، والتي تعد أكثر تطوراً. ولزيادة الطين بلة، أفادت تقارير بأنَّ القوات الجوية المصرية عندما اختبرت الرادار بعيد المدى "إربيس-إي" الموجود في "سو-35" ضد نظام رافال الإلكتروني للتدابير المضادة، هُزِم الرادار الروسي بسهولة.
أشار خبير الطيران العسكري توم كوبر أيضاً إلى أنَّ طائرات "ميغ-29" المملوكة للقوات الجوية المصرية لم تُحدَّث بعد إلى معيار "ميغ-35" وفقاً لعقد الصفقة الأصلي مع موسكو.
بالنظر إلى أوجه القصور الحادة هذه، قد ترحب القاهرة بصفقة طائرات"إف-15″ من واشنطن، خاصة إذا كانت تأتي مع الميزة الإضافية لصاروخ جو-جو خارج مدى الرؤية البصرية.
ما هي المزايا إذاً؟
قال سيباستيان روبلين، الصحفي في شؤون الدفاع: "إنني أفسر ميل مصر إلى جمع الطائرات من كل مكان بأنه يعكس استراتيجية سياسية- وهي استراتيجية تراها أيضاً في دول الشرق الأوسط الثرية المجاورة- تهدف إلى بناء علاقات مع مختلف المؤثرين على حساب الكفاءة اللوجستية".
فقد سحبت الإمارات العربية المتحدة عرضها لشراء طائرة "إف-35" في أواخر عام 2021، بسبب الخلافات مع الشروط الأمريكية المسبقة. لكن لم تلجأ إلى موسكو كبديل، بل طلبت 80 طائرة داسو رافال من فرنسا.
كان التراجع الإماراتي عن صفقة الأسلحة الأمريكية، التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار وتشمل 50 طائرة شبح من طراز إف-35 المحظورة على دول المنطقة باستثناء إسرائيل، فصلاً جديداً من فصول تلك الصفقة التي وُصفت بالملغومة منذ الإعلان عنها في يناير/كانون الثاني 2021.
إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب كانت قد وافقت على بيع إف-35 إلى الإمارات في إطار التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو، كان قد عبَّر علناً عن رفضه للصفقة، كما أثارت الصفقة حفيظة الكونغرس، خصوصاً أن ترامب أعطى موافقته عليها في أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض.
لكن الرئيس جو بايدن، بعد توليه المسؤولية خلفاً لترامب، أعطى هو الآخر الضوء الأخضر للمضيّ قدماً في الصفقة، على الرغم من استمرار تعبير الكونغرس عن قلقه من إتمامها. لكن منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، أبلغت أبوظبي واشنطن بتعليق المناقشات حول شراء إف-35؛ في ظل تباطؤ خطوات تنفيذ الاتفاق.
بدورها، تتفاوض أنقرة حالياً مع الولايات المتحدة لشراء 40 طائرة "إف-16" جديدة وتحديث ترسانتها الحالية. وحتى لو فشل طلب الشراء هذا، فمن المرجح أن تطلب أنقرة طائرات أوروبية، ربما طائرات يوروفايتر، بدلاً من الطائرات الروسية.
وقال جاستن برونك، الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة: "إنَّ امتلاك مثل هذا الأسطول المتنوع يقلل من اعتماد مصر الجيوسياسي على النوايا الحسنة لأية دولة شريكة واحدة، لكنه يجعل أيضاً سلسلة التوريد وإدارة قطع الغيار والتحديات المتعلقة بالتكامل التشغيلي أصعب مما يمكن أن تكون عليه بخلاف ذلك".
ولا يعتقد كوبر أنَّ هذه الإستراتيجية تتمتع بميزة كبيرة، إذ قال لـ"ميدل إيست آي": "على العكس من ذلك: إنها فقط تجعل الخدمات اللوجستية والصيانة أكثر تعقيداً. الميزة الوحيدة قد تكون أنَّ بعض قدرات رافال غير معروفة لإسرائيل، وقد يكون من الصعب على الإسرائيليين مواجهة بعض أسلحتها، لكن كل شيء عن طائرات إف-16 المصرية معروف لإسرائيل". وأضاف: "هذا كل ما يهم المصريين".