تتوقع إسرائيل اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية، وقررت بدلاً من تهدئة الأمور مع الفلسطينيين لتجنبها أن تحاول وأدها أو إضعافها قبل أن تنشب.
المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، رون بن يشاي، قال إن "موضوع واحد الآن يشغل الجيش الإسرائيلي، وجهاز الشاباك (الأمن العام) أكثر من الاتفاق النووي الإيراني، وحتى أكثر من تحذيرات أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله"، وهو حالة الغليان تتزايد في الضفة الغربية خاصة في شمالها، والتي قد تتطور وتتحول لانتفاضة شعبية عنيفة".
ولكن تتواصل عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، رغم الإجراءات الأمنية الإسرائيلية وحملات الاعتقال الواسعة.
وأصيب 6 من جنود الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأحد، في عملية إطلاق نار على حافلة في منطقة الأغوار شرقي الضفة الغربية، وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن ضمن المصابين حالة خطرة، كما أصيب مستوطن في الهجوم، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتز إن قواته ألقت القبض بسرعة على المشتبه بهم في تنفيذ عملية إطلاق النار، وأضاف أنه سيجري تكثيف العمل مقابل ما سماه "الإرهاب" في الضفة الغربية.
وأفادت تقارير بأن الولايات المتحدة أعربت لإسرائيل عن قلقها من تصاعد التوترات في الضفة الغربية، حيث يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية مستمرة منذ خمسة أشهر تهدف إلى منع المقاومين الفلسطينيين من تنفيذ هجمات.
جاء ذلك خلال لقاء أجرته مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدني باربرا ليف مؤخراً مع المسؤولين الأمريكيين أعربت خلاله عن قلقها من تصعيد محتمل في الضفة الغربية إذا استمرت هذه الأوضاع التي يُقتل فيها فلسطينيون، حسبما ورد في تقرير لموقع the Times of Israel.
وقال مسؤول إسرائيلي لم يذكر اسمه للقناة 13 إن التصعيد "مقلق للغاية للأمريكيين"، حسبما ورد في تقرير لموقع i24news الإسرائيلي.
85 شهيداً فلسطينياً منذ بداية العام و1200 معتقل
وبدأ الاحتلال عملية أمنية، التي أطلق عليها عملية "كاسر الأمواج"، بعد سلسلة من الهجمات التي أسفرت عن مقتل 19 إسرائيلياً بين منتصف شهر مارس/آذار 2022 وبداية شهر مايو/أيار 2022. وقد تم اعتقال أكثر من 1200 فلسطيني منذ بداية العملية.
وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 85 فلسطينياً حتى الآن هذا العام، بحسب معطيات صدرت عن وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية. وتشمل هذه الأرقام فلسطينيين نفذوا هجمات داخل إسرائيل، بالإضافة إلى الصحفية المخضرمة مراسلة قناة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة، التي تحمل جنسية أمريكية، كما قتلت فتية شاركوا في مظاهرات رداً على العمليات العسكرية الإسرائيلية الليلية في أحيائهم، وزعمت سلطات الاحتلال أنها عنيفة.
وشهد الأسبوع الماضي عدداً من الهجمات الفلسطينية، حيث أطلق مسلحون فلسطينيون النار على عدد من المواقع العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتعرض جندي للطعن بالقرب من مدينة الخليل. وكان هناك عدد من حوادث إلقاء الحجارة على مركبات إسرائيلية في الضفة الغربية.
مقاومون يتدربون علناً داخل الضفة
اعتبر هزي سيمانتوف، معلق الشؤون العربية في القناة 13، أن الصور المتداولة التي تظهر من وصفهم بـ"مقاتلي حماس"، وهم يتدربون ويقومون بتدريبات عسكرية في جنين تعكس ترسخ تنظيمات الفصائل المقاومة في جنين ونابلس، حسبما ورد في تقرير لموقع الميادين باللغة الإنجليزية.
يوم السبت نُشر مقطع فيديو على "تلغرام" يظهر فيه مسلحون فلسطينيون يتدربون بالسلاح في ضواحي جنين.
حمل النشطاء رايات حركة "حماس"، لكن الحركة لم تعلق على اللقطات.
وقال الدكتور غازي حمد -عضو المكتب السياسي لحركة المقاوم الإسلامية (حماس)– إن الرسالة الأساسية من وراء عملية غور الأردن مفادها أن الضفة الغربية "تشكّل قنبلة موقوتة لن تهدأ، وإن أبناء الضفة يتفنّنون" بصور شتى في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف أن بعض العمليات تكاد تقلب المعادلة بشكل كامل، وأن العمليات تتوالى بشكل دوري من نابلس أو جنين أو الخليل أو مدن ومخيمات عدة.
من جانبه تساءل المعلق العسكري الإسرائيلي أور هيلر، في تقرير له، هل ما نراه بداية لتصعيد جديد؟"، مضيفاً أن البعض يعتبره بداية الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
الاعتقالات أصبحت مصحوبة بتبادل إطلاق نار مع الفلسطينيين
وبالنسبة للأمن الإسرائيلي فإن عملية اعتقال المسلحين التي تشمل اشتباكات وتبادلاً لإطلاق النار أصبحت تتكرر بشكل كبير، حيث أصبحت منطقة شمال الضفة ساحة تحدٍّ.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أشارت إلى أن الاعتقالات في الضفة الغربية، والتي كانت حتى وقت قريب بسيطة، "أصبحت معقدة للغاية"، فالقوى الفلسطينية تفضل الآن القتال وإطلاق النار"، كما أن "التغطية الإعلامية الكبيرة التي ترافقها تجعل الأمر صعباً على إسرائيل".
وحذرت وسائل إعلام إسرائيلية من تصعيد محتمل يقوده "الجيل الثالث" من الشبان الفلسطينيين، كما رصد الأمن الإسرائيلي منذ بداية العام، ارتفاعاً غير مسبوق في عمليات إطلاق النار بواقع 91 عملية، مقابل 30 عملية في الوقت نفسه العام الماضي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وفقد الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني الثقة بأي مسار سياسي، وبات يحتضن المقاومة المسلحة، حسبما قال خبراء فلسطينيون لوكالة الأناضول.
وقال مراسل الشؤون الفلسطينية في القناة 12، أوهاد حمو، إن "حماس والجهاد الإسلامي تعطيان نابلس دورًا مهمًا، حيث انتقل مركز المواجهات التي كانت في جنين في الأشهر الأخيرة إليها".
وتابع: "رواية الجانب الفلسطيني هي أيضاً عامل مهم. كثيراً ما نسمع أن الشباب في نابلس على سبيل المثال قاتلوا حتى آخر رصاصة وحتى نفدت ذخيرتهم".
وما يقلق إسرائيل بشدة تحول مطلقي النار إلى أبطال ورموز شعبية على الشبكات الاجتماعية، وهو ما يلهم آخرين بالعادة، ويعتقد أن هذا أحد أسباب تزايد الظاهرة.
وقال بلال الشوبكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الخليل" الفلسطينية: "إسرائيل ترى خطورة كبيرة في شكل المقاومة الفلسطينية والتي لا تبدو في صورة منظمة يمكن تتبعها، وبالتالي التحدي الأكبر لسلطات الاحتلال كيفية تتبع الأعمال في ظل عدم وجود سلسلة تنظيمية يمكن من خلالها التقليل من الهجمات وإحباطها".
رغم أنهم مقتنعون بقرب اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة لماذا قرروا التصعيد؟
رغم الطلب الأمريكي بوقف التصعيد في الضفة الذي قدم على لسان باربرا ليف، فإن المسؤولين الإسرائيليين ردوا بأن الجيش الإسرائيلي سيستمر في حملة الاعتقالات في الضفة بل سيقوم بتوسيعها.
يأتي ذلك على الرغم من تقديرات أمنية لدى الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، بأن "انتفاضة ثالثة أو ما يشبهها" ستندلع في الضفة الغربية قبل الأعياد اليهودية الشهر المقبل، حسب الشرق الأوسط.
ورد المسؤولون الإسرائيليون بأنهم سيواصلون حملة الاعتقالات الواسعة لمنع التدهور الأمني، حسب زعمهم، وأنه ليس هناك "أدنى احتمال" بأن تقوم إسرائيل بتعليق العملية بل سيتم تكثيفها.
ورغم قولهم إن تل أبيب لا تريد تصعيد الوضع، إلا أنهم زعموا بأنهم إذا أرادوا وقف هجوم محتمل داخل إسرائيل، فيجب عليهم دخول نابلس وجنين للقضاء على المقاومة قبل أن تتوسع.
وقال محمد أبو علان، الخبير الفلسطيني والمختص بالشأن الإسرائيلي: "تعمل إسرائيل على ردع الفلسطينيين عبر الاعتقالات وخاصة الإدارية (دون محاكمة)".
وقالت القناة 13 الإسرائيلية إن ليف حضت على خطوات اقتصادية وغيرها من بوادر حسن النية، لكنها تخشى ألا يكون ذلك كافياً وسط التوترات المتصاعدة.
ولكن من الواضح أن سياسية الترويض الاقتصادي التي مورست على مدار سنوات ماضية لم تأتي أكلها، وباتت صور الفشل تظهر في أكثر من بقعة وتحديدا في شمال الضفة"، حسب بلال الشوبكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الخليل" الفلسطينية.
نابلس تنافس جنين على لقب عاصمة المقاومة في الضفة
وتوالت التحذيرات من احتمال فقدان السلطة الفلسطينية لسيطرتها على كل من نابلس وجنين لصالح الفصائل المقاومة المسلحة في الضفة الغربية.
وتاريخياً كانت نابلس جزءاً مما يعرف بـ"جبل النار" وهي منطقة في شمال الضفة تشمل جنين المعروفة بمقاومتها الكبيرة للاحتلال في الانتفاضات السابقة، فيما توصف جنين بعاصمة المقاومة في ظل دورها الكبير الذي وصل لذروته في معركة مخيم جنين عام 2002.
والعديد من اعتقالات الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة تركزت في جنين ونابلس، شمال الضفة الغربية، حيث ينحدر عدد من الفلسطينيين الذين نفذوا الهجمات في وقت سابق من هذا العام، حسبما ورد في تقرير موقع the Times of Israel.
وقالت صحيفة "هآرتس" مخاطر التصعيد تتزايد لعدة أسباب، من بينها صعوبة وقف دخول مهاجمين بشكل كامل عبر خطوط التماس مع إسرائيل، ومواجهة أعداد متزايدة من المسلحين في الضفة أثناء تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات اعتقال واسعة في عمق الضفة، حيث أصبح هناك كميات أسلحة كبيرة بأيدي الفلسطينيين. وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن نحو 200 مسلح فلسطيني كانوا ضالعين في الاشتباكات الأخيرة بنابلس، وهذه أعداد لم تكن موجودة في الضفة منذ سنوات، ومما يزيد من احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة دخول تنظيمات محلية إلى الفراغ الموجود.
ويمثل قيام أي انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة مشكلة كبيرة لإسرائيل بالنظر إلى"التركيبية الجغرافية المتداخلة مع الوجود الإسرائيلي تحديدا المستوطنات المنتشرة على امتداد الضفة، والأمر الثاني أنه يهدد خطط التوسعي الديموغرافي لإسرائيل حيث تعتبر الضفة الغربية إحدى منافذه"، حسب ما قال سليمان بشارات مدير مركز "يبوس" للدراسات السياسية بفلسطين.
وأوضح أن هناك أيضاً التماس المباشر للضفة مع المدن الإسرائيلية المركزية وإمكانية أن ينتقل أي عمل مقاوم منظم لداخل هذه المدن وبالتالي العودة لأحداث الانتفاضتين الأولى والثانية".
ورغم انشغال الحكومة الإسرائيلية بزعامة يائير لابيد بالملف النووي الإيراني فهي تعطي أولوية لملف اندلاع انتفاضة ثالثة بالضفة الغربية أيضاً، حتى يقال إنه يات يشغلها أكثر من الملف النووي الإيراني.
ويبدو أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد تحاول تقديم نفسها باعتبارها الحكومة التي تغلق أو تعالج الثغرات الأمنية التي خلفها نتنياهو سواء في الملف الإيراني أو الضفة وغزة وحتى لبنان، ولكن الفخ الذي قد تقع فيه أن محاولتها لتحقيق هذا الادعاء قد يفتح أبواب معارك كبيرة على إسرائيل، قد تأتي بنتيجة عكسية على شعبية هذه الحكومة الهشة.