في مواجهة تهديد الصواريخ الفرط صوتية الروسية، تعمل أوروبا على تطوير صواريخ اعتراضية مصممة لإسقاطها. ومع ذلك، فهناك شكوك حول استعداد أوروبا كثيرة الانقسامات، على العمل معاً في مشروع جامع أوروبي كهذا، والذي من المؤكد أنه سيكون طويلاً ومكلفاً.
كيف تسعى أوروبا لمواجهة أخطار الصواريخ الفرط صوتية الروسية
في يوليو/تموز 2022، وافق صندوق الدفاع الأوروبي -الذي يمول الأبحاث الدفاعية للاتحاد الأوروبي- على إقرار 100 مليون يورو لمشروع (EU HYDEF) للدفاع الفرط صوتي، والذي يهدف إلى تطوير صاروخ مضاد للأسلحة الفرط صوتية بحلول عام 2030.
وبحسب إعلان صندوق الدفاع الأوروبي، فإن المشروع من المفترض أن يعمل على بناء صواريخ اعتراضية تستهدف العديد من التهديدات والأسلحة الفرط صوتية وأنظمة الاستشعار وغيرها.
ويقول الصندوق: "سينتج عن ذلك المشروع مفهوم جديد لتخفيف المخاطر وإثبات وجود سلاح اعتراض فعّال في الغلاف الجوي، وقادر على العمل في مستويات مختلفة من الهواء، ولديه قدرة عالية على المناورة ومفاهيم توجيه عالية المرونة وأنظمة استشعار المتقدمة".
ما مواصفات مشروع الصاروخ الاعتراضي الأوروبي؟
يتصور مشروع (HYDEF) أن تكون هناك تقنية اعتراض عالية المناورة، وقادرة على تدمير الصواريخ الفرط صوتية (أسرع من ماخ 5)، لكن يقول تقرير لموقع sandboxx الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية، إن المواصفات الفنية للمشروع ليست استثنائية.
حيث تعمل دول أخرى على تصنيع معترضات الغلاف الجوي الداخلي (داخل الغلاف الجوي للأرض)، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي بدأت مؤخراً في البحث عن محركات scramjet لتشغيل صواريخ اعتراضية تفوق سرعتها سرعة الصوت. ومع ذلك، قد يكون هذا المشروع طموحاً للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وقد لا يكون كذلك، كما يقول الموقع الأمريكي.
هل الأوروبيون مستعدون لإنجاح هذا المشروع؟
يقول موقع sandboxx، إنه كانت هناك بعض المشاريع الأوروبية الكبيرة المشتركة، مثل الطائرات الهجومية البريطانية/ الألمانية/ الإيطالية "بانافيا تورنادو"، ومؤخراً طائرة يوروفايتر تايفون.
كما يجري التخطيط أيضاً لبناء نظام قتال أرضي رئيسي فرنسي-ألماني، والذي يهدف إلى إنتاج دبابة قتال أوروبية رئيسية جديدة بحلول عام 2035. ويبذل الاتحاد الأوروبي جهوداً لتعزيز التعاون الدفاعي الصناعي الأوروبي (صندوق الدفاع الأوروبي هو أحدها)، لكن التعاون لا يزال محدوداً.
في الوقت ذاته، لم تفز فرنسا، التي تمتلك واحدة من أكبر الصناعات الدفاعية في الاتحاد الأوروبي، بعقد مشروع HYDEF، رغم أنها تقوم بتطوير أسلحتها التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. حيث سيقود جهود تصنيع الصاروخ الاعتراضي الأوروبي إئتلاف أوروبي على رأسه شركة الفضاء الإسبانية SENER.
لكن تقول صحيفة la tribune الفرنسية إنه "في ضوء مهارات وخبرة فرنسا في هذا المجال، فقد تم وعدها بالفوز بهذا المشروع، وشركة MBDA الفرنسية على وجه الخصوص. ومع ذلك حدث ما لا يمكن تصوره، كان الفرنسيون واثقين جداً من أنفسهم، ولم يكونوا منتبهين بدرجة كافية في مواجهة المنافسة من قبل SENER الإسبانية، التي أدارت اللعبة مع المفوضية الأوروبية في بروكسل".
وفي الحقيقة، فإن الأسلحة الدفاعية ضد الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت – والتي قد يسافر بعضها أسرع من 20 ماخ – من شأنه أن يفرض ضرائب باهظة على الأوروبيين وحتى على الولايات المتحدة، وهي جهة فاعلة تتمتع بميزانية دفاعية كبيرة وخبرة واسعة في بناء أسلحة عالية التقنية. وستتطلب الدفاعات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تقنيات جديدة ومبالغ ضخمة من المال وصبراً وتصميماً على الاستمرار في مسعى سيكون طويلاً ومحبطاً ومكلفاً.
وكما قال شارل ديغول عن فرنسا: "كيف يمكن لأي شخص أن يحكم أمة بها 246 نوعاً مختلفاً من الجبن؟"، فإن السؤال المطروح على الاتحاد الأوروبي هو: هل بإمكان عشرات الدول أن تتحد في المسعى الصعب لمواجهة أخطار الصواريخ الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت؟
ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟
تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية.
ويعني وصف "فرط صوتي" أن سرعة تلك الصواريخ تساوي خمسة أضعاف سرعة الصوت، أو قرابة الكيلو مترين في الثانية. لكن الشائع في المصطلحات العسكرية هو عدم إطلاق وصف الصاروخ فرط الصوتي على أي صاروخ يسافر بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت؛ حيث يقتصر استخدام المصطلح عادةً على الصواريخ التي يمكنها المناورة قبل ضرب هدفها، دون أن تتحرك في مسارٍ بسيطٍ ومباشر.
إذ تصل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، التي تطير في قوس عالٍ، إلى سرعات مماثلة عند دخولها الغلاف الجوي مرة أخرى، لكن تتميز الصواريخ الفرط صوتية بقدرتها على الحفاظ على هذه السرعات على ارتفاعات منخفضة، وعلى المناورة أثناء قيامها بذلك.
وهناك نوعان أساسيان من الصواريخ الفرط صوتية:
1- الصاروخ الجوّال
يطير هذا الصاروخ في مسارٍ مسطح مدفوعاً بمصدرٍ للطاقة طوال الرحلة، وهي ببساطة إصدارات أسرع من صواريخ كروز الحالية، مثل توماهوك المستخدمة في المقام الأول من قبل أمريكا وبريطانيا، وهي تأخذ منعطفاً واحداً فقط قبل الوصول إلى هدفها.
2- الصاروخ الانزلاقي
تسمى صواريخ الانزلاق المعزز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وهي على عكس الصواريخ الجوالة، حيث يتم إطلاقها في الغلاف الجوي في مسارٍ بالستي، وبالستي هنا تُشير إلى مسار القوس المنحنية الذي تسلكه القذيفة بعد إطلاقها في الهواء، وفي هذه الحالة تكون قمة القوس عند نقطةٍ شديدة الارتفاع عن الأرض. وحين تبدأ القذيفة هبوطها، تعود مقدمة الصاروخ التي تحمل الرأس الحربي باتجاه الأرض في سرعةٍ تفوق سرعة الصوت، مع القدرة على تغيير مسارها أثناء الرحلة.
ما أنواع الصواريخ الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا؟
1- المركبة الانزلاقية "أفانغارد"
أحد أبرز الأسلحة الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا في الخدمة هي مركبة انزلاق فرط صوتية، تزعم أنَّ أقصى سرعة لها تصل ما بين 20 و27 ماخ (24500-33000 كيلو متر في الساعة)، وتستطيع حمل رأس نووي يزن 2 ميغاطن، ويصل مداها إلى ما يزيد عن (6000 كيلو متر تقريباً).
ودخلت "أفانغارد" المركبة الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، الخدمة التشغيلية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2019. ويمكن حملها إلى ذروة مسار رحلتها على متن سلسلة من الصواريخ الروسية العابرة للقارات، بما في ذلك أحدث صاروخ بالستي عابر للقارات وأكثره تقدماً، "آر إس-28 سارمات". ولا تحتوي مركبة "أفانغارد" الانزلاقية على طريقة دفع على متنها، وتعتمد على إعادة الدخول للوصول إلى سرعاتها العالية، لكن يُزعَم أنَّ لديها قدرات مناورة دينامية أثناء الطيران لتجنب الاعتراض.
2- صاروخ "كينزال"
تمتلك روسيا أيضاً الصاروخ البالستي "كينزال"، الذي يُطلَق من الجو بمدى يتراوح بين 900 إلى 1250 ميلاً (1500 كيلومتر- 2000 كيلومتر)، وبإمكانه حمل رأس حربي نووي أو تقليدي بوزن 500 كيلو/طن، وتقول موسكو إنها استخدمته الآن لأول مرة في أوكرانيا.
دخل صاروخ كينزال- التي تعني خنجر بالروسية- من طراز "كيه إتش-47 إم2" إلى الخدمة التشغيلية في عام 2017، رغم أنه سلاح غريب على هذه القائمة، بدلاً من استخدام محرك نفاث فرطي (سكرامجت) للدفع مثل صواريخ كروز، التي تفوق سرعة الصوت، أو استخدام مركبة انزلاقية لإدارة إعادة الدخول، يحقق كينزال سرعات تفوق سرعة الصوت من خلال القوة الغاشمة المطلقة.
في الواقع، كينزال هو نسخة مطورة من صاروخ "إسكندر 9 كيه 720" الذي يطلق من الأرض، وهو صاروخ بالستي قصير المدى، ذو نظام توجيه جديد مصمم خصيصاً للعمليات جو-أرض.
ويمكن لصاروخ "كينزال" المناورة عند جميع مراحل مسار طيرانه، حيث تقول موسكو إن سرعته تتجاوز 12 ماخ (14 ألفاً و700 كيلومتر في الساعة)؛ ما يجعله سلاحاً صعب الاعتراض.
3- صاروخ "تسيركون"
في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن بوتين عن إجراء اختبار ناجح لمنظومة "تسيركون" الصاروخية الفرط صوتية المضادة للسفن. وقال بوتين إن الاختبار جرى بشكل "ناجح ومثالي"، وشدد على أن "هذا الاختبار يشكل خطوة ملموسة في سبيل تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد".
وتسيركون هو صاروخ روسي، مجنح وفرط صوتي، قادر على القيام برحلة طويلة المدى، وتصل سرعته القصوى 9 "ماخ"، نحو 2.65 كم/ ثانية على ارتفاع 20 كم.
وقد أُطلِقَ عدة مرات منذ يناير/كانون الثاني 2020 من فرقاطة "أدميرال غورشكوف" التابعة لأسطول الشمال الروسي. وتقول موسكو إنَّ بإمكانه إصابة أهداف على مدى يصل إلى 1000 كم.