أصبح ما يعرف بأزمة "عروس داعش" محل جدل جديد في بريطانيا، بعد أن تبين أن هذه الفتاة البريطانية، التي تدعى شميمة بيغوم، تم تهريبها وهي قاصر لتنظيم داعش في سوريا، بواسطة جاسوس كندي كان يجتذب المجندين لصالح داعش، وسط شكوك بأن الأمن البريطاني كان يعلم بما حدث، والآن تم إسقاط الجنسية عنها.
وعُثر على الفتاة البريطانية ذات الأصول البنغلاديشية، في مخيم للاجئين السوريين في فبراير/شباط 2019 وهي في عمر 19 عاماً، بعد مغادرتها مدينة الباغوز في دير الزور بشمال شرقي سوريا، التي تعد آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، حيث كانت قد ولدت للتو طفلاً جديداً، ثم نزعت عنها السلطات البريطانية الجنسية بعد ذلك، حسب تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وتبين أن مهرب البشر الذي نقلها لسوريا، كان يعمل عميلاً مزدوجاً لصالح كل من داعش والمخابرات الكندية، وأنه أخبر الكنديين بقصة بيغوم وفتاتين أخريين كانتا صديقتين لها وشاركتاها الرحلة، وهناك شكوك بأن الكنديين أبلغوا بدورهم الأجهزة الأمنية البريطانية.
وتعالت الأصوات في بريطانيا بضرورة إجراء تحقيق مستقل في تصرفات الشرطة وأجهزة المخابرات.
وظلت الأجهزة الأمنية البريطانية والكندية صامتة عن القصة منذ ذلك الحين، حسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
تفاصيل قصة شميمة بيغوم
وتتهم السلطات في المملكة المتحدة بإخفاء حقيقة تهريب التلميذة شميمة بيغوم إلى سوريا، حسب صحيفة تايمز البريطانية التي قالت إن شرطة لندن كانت تعلم أن مهرباً للبشر لصالح داعش يدعى محمد الراشد يعمل مع المخابرات الكندية، وأنه كان مسؤولاً عن مساعدة بيغوم واثنتين من صديقاتها للانضمام إلى داعش في سوريا في عام 2015.
وكان عمر شبيبة عندما غادرت لندن 15 عاماً، أي إنها كانت طفلة بحكم القانون، بينما كانت صديقتها قديرة سلطانة في عمر 16 سنة، وقد قُتلت في غارة جوية. أما صديقتها الثالثة فتدعى أميرة عباسي، وكانت في الـ15 من العمر، ولا تزال مفقودة (هناك تقارير أنها توفيت).
وجاءت القصة أيضاً في كتاب جديد صدر مؤخراً بعنوان "التاريخ السري للعيون الخمس"، بقلم ريتشارد كرباغ، المراسل الأمني السابق في صحيفة صنداي تايمز، والعيون الخمس هو مسمى لتحالف استخباراتي سري بين دول ناطقة بالإنجليزية هي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، يتضمن تبادلاً لمعلومات شديدة السرية لا يجري تناقلها حتى بين أجهزة الاستخبارات الغربية الأخرى.
وقال الكتاب إن كندا اعترفت للأجهزة الأمنية البريطانية بدورها مع داعش نظراً للخوف من فضح أمرها، ثم نجحت في مطالبة بريطانيا بالتستر على دورها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وأخبرت الاستخبارات الكندية شرطة العاصمة البريطانية عن علاقتهم بمهرب البشر هذا في مارس/آذار 2015، بعد أيام قليلة من عبور الفتاة الحدود السورية للانضمام إلى داعش.
كان راشد عميلاً مزدوجاً للاستخبارات الكندية وداعش، وقام بتهريب العشرات من بريطانيا للقتال من أجل تنظيم الدولة الإسلامية.
وكانت شبيبة بيغوم، مع صديقاتها في المدرسة قديرة سلطانة وأميرة عباسي قد تقابلن في عام 2015، في محطة حافلات إسطنبول خلال رحلتهن إلى سوريا مع محمد الراشد.
وقد أخبر المهرب المسؤول الكندي عنه بأن بيجوم سافرت إلى سوريا بعد 4 أيام فقط من مغادرتها بريطانيا، عندما عبرت بالفعل الحدود السورية، حيث كان يقوم بتصوير بطاقات الهوية للأفراد الذين يقوم بتهريبهم ونقلها للكنديين.
وتتهم السلطات البريطانية شبيبة بأنها انضمت لداعش، بينما تقول هي إنها كانت مجرد طفلة صغيرة، وإن خطوات التهريب تمت من قبل محمد الراشد الذي يعمل لصالح الكنديين، وقالت بيغوم لـ"بي بي سي" إن "كامل رحلتها" من تركيا إلى سوريا نظمها الراشد. وأضافت: "كنا نفعل كل ما يطلب منا القيام به".
أدت هذه التفاصيل إلى توجيه الاتهام لكل من كندا والمملكة المتحدة بالتستر على تورط عميل مزدوج في تجنيد المراهقة البريطانية لداعش.
إليك ما يثير الشكوك في أن الأمن البريطاني كان يعلم بالقصة
لم تعترف السلطات البريطانية ولا الكندية من قبل بصلتهما بهذا الأمر، ولكن الكتاب يشير إلى أن الجانبين كانا يعيان بأن هناك مشكلة.
إذ تشير التقارير إلى أن اثنين من المسؤولين من جهاز المخابرات الأمنية الكندي (CSIS) التقيا برئيس جهاز مكافحة الإرهاب البريطاني ريتشارد والتون، في مارس/آذار 2015، بعد فترة وجيزة من اختفاء بيغوم.
وقالوا الكنديون إنهم يأملون ألا تصبح دائرة الاستخبارات الأمنية الكندية بؤرة للتحقيق، ما أثار بعض القلق في ذهن والتون، بشأن ما حدث.
وقال والتون في مقابلة مع مؤلف الكتاب: "إذا كنت تدير عملاء، فأنت توافق على ما يفعلونه"، على الرغم من أنه أقر أيضاً بأنه قد تكون هناك بعض الفوائد الاستخباراتية للعلاقة مع شخص يعمل لتهريب المجندين والفتيات لصالح داعش.
في ذلك الوقت، انخرطت شرطة لندن في بحث محموم عن الفتيات الثلاث.
وتقول محامية عائلتها، تسنيمي أكونجي، إن الاتجار ببيغوم خارج البلاد بواسطة جاسوس للمخابرات الكندية يحمل إيحاءً باحتمال تورط أحد جهاز أمني غربي فيما يعتبر اتّجاراً بالبشر، خاصة أن الفتاة كانت قاصراً.
وقال الكتاب إن كندا اعترفت بدورها مع داعش لأجهزة الأمن البريطانية نظراً للخوف من فضح أمرها، ثم نجحت في مطالبة بريطانيا بالتستر على هذا الدور.
وقال ريتشارد كيرباج مؤلف الكتاب لصحيفة the Guardian البريطانية: "لقد تم التستر على هذا الأمر لمدة 7 سنوات حتى الآن من قبل الكنديين". وقال إنه أجرى مقابلات مع العديد من مسؤولي المخابرات الكندية للكتاب، والذين أكدوا الجدول الزمني للأحداث.
وقال إن السلطات البريطانية فشلت أيضاً في التعامل مع الأمر بمجرد أن علمت بدور الراشد الذي يعمل لصالح الكنديين في تجنيد الفتيات، وأضاف: "أعتقد أنهم شعروا بأنه من الأفضل عدم مناقشة هذا لأنه لا يزال هناك رهائن بريطانيون وغربيون آخرون في أراضي داعش".
ليس من الواضح هل اكتفى الكنديون بإبلاغ الجانب البريطاني بأن الراشد الذي يهرب البشر لصالح داعش يعمل معهم فقط، أم أبلغوهم بأسماء الفتيات الثلاث البريطانيات اللاتي قام بتهريبهن.
ودافع جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، عن الحاجة إلى أن تكون أجهزة الاستخبارات "مرنة ومبدعة" حسب تعبيره، لكنه قال إنه يجب عليها الالتزام بقواعد صارمة.
وقال: "أعلم أن هناك أسئلة حول حوادث أو عمليات معينة في الماضي، وسنتأكد من متابعتها. سنستمر في ضمان إجراء الإشراف المناسب، وعند الضرورة، ننظر في مزيد من الخطوات".
وحسب الكتاب فإن الاستخبارات المركزية الأمريكية التي تمثل القائد الفعلي، لتجمع العيون الخمس، "التزمت الصمت حيال هذه المزاعم، حيث لجأت إلى الشيء الوحيد الذي يحمي جميع أجهزة المخابرات، من إحراج محتمل: السرية".
وقالت مايا فوا، المديرة التنفيذية المشتركة لـ Reprieve، وهي منظمة حقوقية تتابع القضية عن كثب، إن محتويات الكتاب تطرح "أسئلة تتعلق بما تعرفه حكومة المملكة المتحدة عن تهريب شميمة"، وأنه "بدلاً من محاولة توفير الحماية لثلاثة أطفال بريطانيين ضعفاء من الوقوع في أيدي داعش؛ تم الاتجار بهم من قبل عميل لجهاز أمني غربي، واختارت الحكومة البريطانية شيطنتهم".
هل تمثل خطراً على بريطانيا حقاً؟
ويعتقد المسؤولون البريطانيون أنها انضمت إلى داعش من خلال البقاء مع التنظيم في سوريا والعراق بعد سن 18 عاماً، وأنها شكلت خطراً أمنياً على المملكة المتحدة.
وتم سحب الجنسية البريطانية من بيغوم في عام 2019 بعد أن قرر وزير الداخلية آنذاك، ساجد جافيد، أنها متحالفة مع داعش؛ لأنها بقيت على الأراضي الخاضعة لداعش، وبالتالي تشكل خطراً على الجمهور البريطاني.
تجدر الإشارة إلى أن ساجيد جافيد وزير الداخلية البريطاني السابق (أصوله باكستانية) الذي أسقط الجنسية عن شميمة كان أحد المنافسين على منصب رئيس وزراء بريطانيا في عام 2019.
وقالت مصادر بريطانية إنها تعتقد أنه لا يوجد ما يشير إلى أن بيغوم سافرت قسراً إلى سوريا، على الرغم من صغر سنها.
وقال بيتر غالبريث السفير الأمريكي السابق لدى كرواتيا الذي يتعامل مع ضحايا تنظيم داعش لصحيفة التليغراف البريطانية عام 2021: "لقد تحدثت إلى شميمة، إنها جزء من مجموعة النساء اللواتي رفضن تماماً تنظيم الدولة، وأضاف قائلاً "أعرف ما يكفي عنها لأشعر بالثقة تماماً أنها ليست شخصاً خطيراً."
بلا وطن.. ماذا سيحدث للفتاة الآن؟
وصفت شميمة بيغوم، قرار سحب الجنسية البريطانية منها بأنه "قرار غير عادل"، وسبق أن أعربت عن رغبتها في العودة إلى بلادها بعد أن غادرت شرق بريطانيا عام 2015.
وذكرت شميمة في مقابلة تلفزيونية مع قناة آي تي في، بعد تفجر قضيتها عام 2019، إن قرار وزارة الداخلية البريطانية "حطّم قلبها".
وكانت أسرتها قد قالت إنها ستلجأ إلى القضاء للاعتراض على قرار الحكومة البريطانية بسحب جنسية شميمة.
وقالت مصادر حكومية إنه بالإمكان سحب الجنسية البريطانية منها مادامت تستطيع الحصول على جنسية بلد آخر.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية عام 2019، "إن قرار سحب الجنسية استند إلى أدلة، ولم يتخذ باستخفاف".
وعندما سئلت شميمة من قبل "بي بي سي" عن أصولها البنغلاديشية، أكدت أنها لا تحمل جواز سفر بنغالياً، ولم يسبق لها السفر إلى بنغلاديش من قبل.
لكن محاميها أكونجي أكد أن الحكومة البنغالية "لا تعرفها".
وأضاف: "موقفنا الحالي نابع من الواقع العملي الذي يشير إلى أنها (شميمة) أصبحت الآن بلا جنسية".
وأفادت تقارير سابقة أن والد طفلها هولندي، وقالت شميمة في مقابلة تلفزيونية سابقة مع قناة آي تي في، إنها ستحاول الحصول على جنسية زوجها الهولندي.
ويطعن محامو شميمة بيغوم في قرار سحب جنسيتها البريطانية منها لأنهم يرون أنها كانت ضحية الاتجار بالبشر.