"الصين تعذِّب المسلمين الإيغور وتُخضعهم للاحتجاز والعلاج الطبي القسري، وهناك أدلة ذات مصداقية على انتهاكات جنسية"، هكذا خلص تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR)، عن جرائم الصين بحق الإيغور صدر بعد ضغوط صينية حادة لمنعه.
التقرير الذي نُشر الأربعاء 31 أغسطس/آب 2022، وأغضب الصين بشدة، أشار إلى "ادعاءات ذات مصداقية بشأن تعذيب واحتجاز لأعداد كبيرة من الإيغور وكذلك إدعاءات أخرى متعلقة بجرائم فردية للعنف الجنسي والجنساني"، كاشفاً أن هذه الانتهاكات تشمل بجانب الإيغور المجتمعات المسلمة الأخرى مثل الكازاخ والقرغيز والأوزبك، التي تعيش في إقليم شينجيانغ المتمتع نظرياً بالحكم الذاتي.
التقرير صدر بتكليف من ميشيل باشليت رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (والتي كانت رئيسة تشيلي السابقة)، ونُشر في اليوم الأخير من فترة ولايتها التي دامت أربع سنوات.
كيف تعاملت الصين مع زيارة المسؤولة الأممية؟
وجاء التقرير بناءً على جهود تقصي أجرتها المفوضية ومن بينها زيارة، في مايو/أيار الماضي للصين.
وزارت رئيسة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصين بدعوة من الحكومة الصينية، وذهبت إلى إقليم شينجيانغ؛ لاستعراض الوضع هناك بعد حديث منظمات حقوقية متعددة عن جرائم الصين بحق الإيغور.
خلال الزيارة لم تتمكن المسؤولة الأممية من السفر أو التعامل مع المحاورين بحرية، ولم يكن لديها سوى قليل من الاتصال المباشر مع المجتمعات المتضررة، حسب تقرير لمنظمة هيومان رايتس واتش الحقوقية.
في بيان نهاية المهمة الذي ألقته في 28 مايو/أيار 2022، شددت باشليت على أن الزيارة لم تكن تحقيقاً، لأن المهمة تتطلب "عملاً مفصلاً ومنهجياً وسرياً ذا طبيعة تحقيقية".
خلال الزيارة، تحدثت السيدة باشليت مع مجموعة من المسؤولين الحكوميين الصينيين والعديد من منظمات المجتمع المدني والأكاديميين وقادة المجتمع والزعماء الدينيين. إضافة إلى ذلك، التقت العديد من المنظمات عبر الإنترنت قبل الزيارة وتناقشت معهم، حول قضايا تتعلق بمقاطعة شينجيانغ، والتبت، وهونغ كونغ، وأجزاء أخرى من الصين.
بكين حاولت منع نشر التقرير، وهذا ما فعلته في الساعات الأخيرة
وحتى في الساعات الأخيرة قبل نشر التقرير، كانت الصين تمارس ضغوطاً على باشليت لعدم نشره.
وفي مؤتمر صحفي عقدته الأسبوع الماضي، اعترفت باشليت بأنها تعرضت "لضغوط هائلة لنشر أو عدم نشر" التقرير، وقالت إن بكين أرسلت خطاباً- اشتركت في توقيعه "40 أو 50 دولة"- للضغط ضد التقرير.
وأدانت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامارد، "التأخير الذي لا يغتفر" في نشر النتائج.
وتأخر النشر بسبب تسليم رد رسمي صيني في الساعات الأخيرة، احتوى على أسماء وصور لأفراد كان يجب حجبها من قبل مكتب مفوض الأمم المتحدة لأسباب تتعلق بالخصوصية والسلامة.
لكن رئيسة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان دافعت عن التأخير، قائلةً إن السعي إلى الحوار مع بكين بشأن التقرير لا يعني أنها "تغضّ الطرف" عن محتويات التقرير، حسب صحيفة the Guardian البريطانية.
وقالت صوفي ريتشاردسون، مديرة قسم الصين في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن نتائج التقرير تُظهر "لماذا حاربت الحكومة الصينية بضراوة لمنع نشر التقرير".
هناك أدلة ذات مصداقية على جرائم الصين بحق الإيغور
وقال التقرير إن "مزاعم أنماط التعذيب أو سوء المعاملة، وضمن ذلك العلاج الطبي القسري وظروف الاحتجاز المعاكسة، ذات مصداقية، وكذلك الادعاءات المتعلقة بالحوادث الفردية للعنف الجنسي والجنساني.
شملت جرائم الصين بحق الإيغور قيوداً بعيدة المدى وتعسفية وتمييزية على حقوق الإنسان والحريات الأساسية، في انتهاك للقوانين والمعايير الدولية" ، وضمن ذلك القيود المفروضة على الحرية الدينية والحق في الخصوصية والحركة"، حسب التقرير.
أبرز الجرائم بحق الإيغور التي رصدها التقرير الأممي
1- مراكز احتجاز تضم مليون شخص، والصين تزعم أن هدفها التدريب
أغلب الانتهاكات حدثت في سياق تأكيد الحكومة الصينية أنها تستهدف الإرهابيين من بين أقلية الإيغور باستراتيجية مكافحة التطرف التي تنطوي على استخدام ما يسمى بمراكز التعليم والتدريب المهني (VETCs)، أو معسكرات إعادة التعليم، والتي ألمح التقرير إلى أنها مراكز اعتقال.
وبينما قالت الأمم المتحدة إنها لا تستطيع التأكد من عدد الأشخاص الذين احتجزتهم الحكومة الصينية، تقدّر جماعات حقوق الإنسان أن أكثر من مليون شخص اعتقلوا في معسكرات في منطقة شينجيانغ.
وردت بكين بأن مراكز التدريب المهني والتقني هي "منشآت تعليمية أُنشئت وفقاً لقانون يهدف إلى إزالة التطرف" وليس "معسكرات اعتقال".
وصف المحتجزون الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير، الظروف فيما يسمى بـ"مراكز التدريب المهني" والتي قد ترقى إلى مستوى التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، وضمن ذلك "الضرب بالهراوات، بما في ذلك الهراوات الكهربائية أثناء تقييدهم فيما يسمى بـ"كرسي النمر"؛ والتعرض للاستجواب مع سكب الماء على وجوههم؛ والحبس الانفرادي المطول؛ والإجبار على الجلوس بلا حراك على مقاعد صغيرة لفترات طويلة من الزمن.
قال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إنه حتى لو كان نظام مراكز الاحتجاز كما تسميها الصين، "قد تم تقليص نطاقها أو انتهت"، فإن "القوانين والسياسات التي تدعمه تظل سارية"، مما يؤدي إلى زيادة استخدام السجن.
2- انتهاكات ترقي لجرائم ضد الإنسانية والبعض يصنفها إبادة جماعية
السطر الأول في تقرير المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) هو أن مكتب المفوض وجد أدلة ذات مصداقية على التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي من المحتمل أن تكون "جرائم ضد الإنسانية"، حسبما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
وتضمن التقرير اتهامات للصين بشأن أشخاص قُيدوا من أيديهم وأرجلهم إلى الكراسي، وتعرضوا للضرب، واغتُصبت النساء، واحتُجز آخرون في الحبس الانفرادي المطول. ويبدو أن آخرين تعرضوا للإيهام بالغرق.
ويخلص التقرير إلى أن "مدى الاعتقال التعسفي والتمييزي لأعضاء الإيغور وغيرهم من الجماعات ذات الغالبية المسلمة، والقيود والحرمان بشكل عام من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الأفراد والجماعات، قد تشكل جرائم، منها جرائم ضد الإنسانية، من وجهة نظر قانونية وسياسية".
لم تسمِّ الأمم المتحدة جرائم الصين بحق الإيغور هذه إبادة جماعية، ولكن حكومة الولايات المتحدة وعدد من الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية وصفتها بإبادة جماعية.
ولكن أشار مكتب باشليت إلى أن تحقيقاً في مزاعم الإبادة الجماعية في شينجيانغ يجري منذ أكثر من عام، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
ولكن هناك من يرى أن ما يحدث هو جريمة إبادة ثقافية عبر تفكيك شمل العائلات وإجبار الإيغور على نبذ ثقافتهم ودينهم بشكل قسري بحيث يختفي الإيغور كجماعة عرقية قائمة بذاتها بعد سنوات.
3- التذرع بمكافحة الإرهاب لدرجة أن اللحية وفيسبوك أصبحا جريمة
اتهم التقرير الصين باستخدام مكافحة الإرهاب بطريقة مطاطة ومتعسفة والتوسع في الاعتقال التعسفي فيما يعرف بمراكز التعليم والتدريب المهني، على الأقل خلال الفترة من 2017 إلى 2019، حيث أفاد ثلثا المحتجزين السابقين الذين قابلهم فريق المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بأنهم تعرضوا لمعاملة ترقى إلى مستوى التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة.
وانتقد التقرير بشدةٍ عقيدة الحكومة الصينية المناهضة للتطرف، والتي تدعم حملة القمع. وقال إن القوانين واللوائح كانت غامضة وغير محددة، ومفتوحة للتفسير الفردي، وتطمس الخط الفاصل بين مؤشرات القلق والإجرام المشتبه به. ةاحتوت كلتا الفئتين أيضاً على عدد كبير من الأعمال العادية أو البسيطة التي تصنفها بكين على أنها تطرف، وهي ليست كذلك، مثل وجود لحية أو حساب على وسائل التواصل الاجتماعي.
تجدر الإشارة إلى أنه يمكن إرجاع التحول الملحوظ في نهج الصين تجاه الإيغور إلى هجومين عنيفين على المشاة والركاب في بكين في عام 2013، ومدينة كونمينغ في عام 2014، ألقت الصين باللوم فيهما على الإيغور "الإسلاميين والانفصاليين"، بحسب وصفها.
4- إجبار الإيغور على العمل بمراكز الاحتجاز
لم يقبل التقرير الأممي نفي الصين اتهامات العمل الجبري، ووجد ممارساتها تبدو تمييزية في طبيعتها أو تأثيرها، وتنطوي على عناصر إكراه.
وقال التقرير إن خطط العمل المشتبه أنه قسري مرتبطة بشكل وثيق بإطار مكافحة التطرف والاحتجاز التعسفي، الأمر الذي "يثير مخاوف بشأن مدى طوعية هذه البرامج".
وتفيد تقارير بإجبار الصين الإيغور على العمل القسري، لقطف القطن في إقليم شينجيانغ المشهور بهذا المنتج وفي مجالات أخرى.
وكانت العديد من الدول الغربية شهدت دعوات أو سنت قوانين لمقاطعة البضائع الصينية المشتبه أنها نتاج العمالة القسرية في شينجيانغ.
5- أدوية قسرية واعتداءات جنسية وتعقيم جماعي
أُجبر المعتقلون على تناول الأدوية أو الحقن دون توضيح ما محتواها أو هدافها.
ولاحظ التقرير استمرار الادعاءات بوقوع اعتداءات وعنف جنسيين في مرافق الاحتجاز، وتكررت في كثير من الأحيان "اعتداءات شخصية أو جنسانية" ضد النساء اللائي أبلغن عن هذه المزاعم.
كما وجد التقرير أن الحكومة الصينية قامت بـ"ربط واضح بين تكرار المواليد والتطرف الديني".
ورصد التقرير أن هناك "مؤشرات موثوقة على انتهاكات الحقوق الإنجابية من خلال التطبيق القسري لسياسات تنظيم الأسرة"، وضمن ذلك مزاعم الإجهاض القسري ومنع الحمل والتعقيم، حيث بلغ معدل التعقيم في شينجيانغ 243 حالة لكل 100 ألف نسمة، أي ثمانية أضعاف المعدل الوطني العام في الصين البالغ 32.
6- الفصل الأسرى وإبعاد الأطفال عن آبائهم
إحدى القضايا المهمة التي لفت إليها التقرير، المخاوف بشأن الاحتجاز السري والفصل غير القانوني للأسر، من بين انتهاكات أخرى، حسبما أفادت مراجعات وتقارير هيئات المعاهدات من خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة والواردة في التقرير.
وسبق أن أفادت تقارير بنزع الأطفال والمراهقين الإيغور من أسرهم، وجاء الأمر في البداية بحجة توفير التعليم في مناطق الصين الرئيسية في بعض الأحيان، حيث ورد أن نحو مليون طفل من الإيغور المسلمين في الصين يُجبرون على المعيشة بعيداً عن آبائهم بهدف محو ثقافتهم.
7- استهداف الإيغور في الشتات وقطع صِلاتهم مع ذويهم
سياسات الحكومة الصينية التمييزية بحق الإيغور "تجاوزت الحدود الصينية" حسب التقرير.
فلقد فصلت بكين العائلات، وقطعت الاتصالات بين أفرادها، ونفذت "أنماطاً من الترهيب والتهديدات" ضد الإيغور في المنافي خاصة الذين تحدثوا علناً عن الظروف السيئة في وطنهم.
من أين جاء التقرير بأدلته؟
قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن التقرير استند إلى مراجعة دقيقة للمواد الوثائقية المتاحة حالياً للمكتب، مع تقييم مصداقيتها وفقاً لمنهجية حقوق الإنسان القياسية.
وأوضح أنه "تم إيلاء اهتمام خاص لقوانين الحكومة وسياساتها وبياناتها. كما طلب المكتب معلومات وشارك في حوار وتبادل تقني مع الصين طوال العملية".
ويعتمد التقرير أيضاً على تحليلات للقوانين واللوائح والسياسات الصينية.
وتتوافق النتائج مع نتائج الأكاديميين والصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان المنشورة منذ عام 2017، لتوثيق الجرائم الدولية الجسيمة.
مطالب التقرير من الحكومة الصينية
قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إن الحكومة الصينية "تتحمل واجبها الأساسي في ضمان توافق جميع القوانين والسياسات مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والتحقيق على وجه السرعة في أي مزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وضمان مساءلة الجناة، وتوفير الإنصاف للضحايا".
من بين التوصيات التي قدمها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في التقرير، أن تتخذ الحكومة الصينية "خطوات فورية" للإفراج عن جميع الأفراد المسجونين بشكل تعسفي في شينجيانغ، سواء في المعسكرات أو أي مركز احتجاز آخر.
وذكر التقرير أنه يتعين على الصين السماح للعائلات بمعرفة مكان وجود أي أفراد تم اعتقالهم، وتقديم أماكن محددة، والمساعدة في إنشاء "قنوات اتصال آمنة" والسماح للعائلات بلمّ الشمل.
ويدعو التقرير الصين إلى إجراء مراجعة قانونية كاملة لسياساتها المتعلقة بالأمن القومي ومكافحة الإرهاب في شينجيانغ؛ "لضمان امتثالها الكامل للقانون الدولي الملزم لحقوق الإنسان"، وإلغاء أي قوانين لا تفي بالمعايير الدولية.
كما دعا إلى إجراء تحقيق حكومي سريع في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان بمعسكرات الاحتجاز وغيرها من مرافق الإقامة الجبرية، "وضمن ذلك مزاعم التعذيب والعنف الجنسي وسوء المعاملة والعلاج الطبي القسري، فضلاً عن العمل القسري وتقارير الوفيات في الحجز".
باشليت تشيد بمعجزة الصين الاقتصادية
وكانت السيدة باشليت قد أعربت في نهاية زيارتها للصين عن قلقها بشأن القضايا المتعلقة بالتبت وهونغ كونغ والمدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق العمال، ولكنها أشادت بـ"الإنجازات الهائلة" لبكين في التخفيف من حدة الفقر والقضاء على الفقر المدقع، قبل 10 سنوات من الموعد المحدد سلفاً.
ورحبت باشليت بعدد من التطورات الأخرى في البلاد، من ضمنها التشريعات التي تعمل على تحسين حماية حقوق المرأة، والعمل الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية لتعزيز حقوق المثليين وذوي الإعاقة وكبار السن.
وشددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالدور المهم الذي يتعين على الصين أن تلعبه، على المستوى الإقليمي والمتعدد الأطراف، وأشارت إلى أن كل شخص التقته في زيارتها، من المسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني والأكاديميين والدبلوماسيين وغيرهم، أظهروا استعداداً صادقاً للتقدم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان للجميع.
وهكذا ردت بكين على الاتهامات
ورفضت الحكومة الصينية التقرير بعد أن حاولت حتى اللحظة الأخيرة وقف نشر التقرير، ووصفته بأنه تشويه معادٍ للصين، بينما أشادت جماعات حقوق الإنسان الإييغورية به باعتباره نقطة تحول في الاستجابة الدولية لبرنامج الاعتقال الجماعي.
في رد طويل ومفصل نُشر جنباً إلى جنب مع التقرير، قالت الحكومة الصينية إن جهودها لمكافحة الإرهاب و"إزالة التطرف" في المنطقة قد أجريت وفقاً لـ"سيادة القانون" ولا تمثل قمعاً للأقليات العرقية".
وأضافت أنه لم يكن هناك "انتهاك جسيم للحقوق"، حسب تعبيرها.
ودعت بكين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إلى التحقيق في "كوارث حقوق الإنسان التي تسببت فيها الولايات المتحدة، والعديد من الجرائم التي ارتكبتها هي وبعض الدول الغربية الأخرى، في الداخل والخارج".
ماذا طلب التقرير الأممي من العالم الخارجي؟
كان لافتاً أن الأمم المتحدة طلبت من الدول الأعضاء عدم إعادة المسلمين المعرضين للخطر إلى الصين.
ودعت رئيسة مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ميشيل باشليت في تقريرها المجتمع الدولي إلى التعامل "بشكل عاجل" مع الاتّهامات "الموثوق بها" بشأن التعذيب والعنف الجنسي في الإقليم الصيني.
ويوصي التقرير الدول والشركات والمجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد للانتهاكات وتعزيز العدالة والمساءلة.
وقال عمر كانات، المدير التنفيذي لمجموعة الضغط التابعة لمشروع الإيغور لحقوق الإنسان، إن التقرير "يغير قواعد اللعبة الخاصة بالاستجابة الدولية لأزمة الإيغور".
وأضاف كانات: "على الرغم من النفي الشديد من الحكومة الصينية، فقد اعترفت الأمم المتحدة رسمياً الآن بحدوث جرائم مروعة".
هل يمكن التحرك بمجلس الأمن أو المحكمة الجنائية الدولية كما حدث للبشير؟
ويضع التقرير الجديد أساساً لمزيد من إجراءات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان تجاه المساءلة في الصين، حسبما ورد في تعليق منظمة هيومان رايتس واتش الحقوقية على التقرير الأممي.
وقالت صوفي ريتشاردسون، مديرة قسم الصين في منظمة هيومن رايتس ووتش: "على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة استخدام التقرير لبدء تحقيق شامل في جرائم الحكومة الصينية ضد الإنسانية التي تستهدف الإيغور وغيرهم، ومحاسبة المسؤولين عنها".
وقال جون فيشر، نائب مدير المناصرة العالمية في هيومن رايتس ووتش: "لطالما شوهت الحكومة الصينية سمعة الإيغور، ولكنهم شهدوا أخيراً الاعتراف باضطهادهم، ويمكنهم الآن التطلع إلى الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها لاتخاذ إجراء لمحاسبة المسؤولين".
وأضاف فيشر: "يجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتعزيز المساءلة وتوفير العدالة للإيغور وغيرهم".
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: "يجب أن تكون هناك مساءلة عن جرائم الحكومة الصينية ضد الإنسانية، وضمن ذلك من خلال تحديد هوية الأفراد المشتبه في مسؤوليتهم ومقاضاتهم في نهاية المطاف".
واللافت أن التقرير بالفعل طالب بالمتابعة من قبل الدول والهيئات الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي يمكن أن تتخذ شكل تحقيق لمقابلة الضحايا والناجين، وتحديد المسؤولين، وجمع الأدلة، والتوصية باستراتيجيات المساءلة.
وتضمنت الآليات الحديثة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق وبعثات المراقبة الدولية المستقلة.
وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تحديد هوية جميع المفقودين والمختفين قسرياً حتى يمكن لمُّ شملهم مع عائلاتهم، حسب موقع منظمة هيومان رايتس واتش الحقوقية.
ولكن المشكلة أن مجلس حقوق الإنسان أعضاؤه من الدول وليست المنظمات الحقوقية، وبالتالي الكثير من البلدان سوف تراعي مصالحها مع بكين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما قد تحاول الدول الغربية طرح الأمر في سياق النكاية في الصين أكثر من كونها بحثاً عن حقوق الإيغور، أو رغبة في تخفيف معاناتهم.
والعام الماضي، قررت المحكمة الجنائية الدولية عدم متابعة التحقيق في الاحتجاز الجماعي للمسلمين الإيغور بالصين، وهو ما مثَّل انتكاسة لجهود لنشطاء المتحمسين لمحاسبة بكين على اضطهاد الأقليات العرقية والدينية.
وقال ممثلو الادعاء في لاهاي في ذلك الوقت، إنهم لن يحققوا، في الوقت الحالي، في الاتهامات الموجهة للصين بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق الإيغور، لأن مثل هذه الجرائم المحتملة وقعت داخل الصين، والإيغور جماعة عرقية وليست دولة طرفاً في المحكمة، مما يجعل أنه ليس من حقهم رفع دعوى.
يأتي قرار "الجنائية" رغم أنه سبق أن رُفعت دعوى ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير في "الجنائية الدولية"، ومسؤولين سودانيين آخرين بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ولكن في ذلك الوقت تم تحريك الدعوى بناءً على قرار من مجلس الأمن، حسب النظام الأساسي للمحكمة، وهو ما يكاد أن يكون من المستحيل أن يحدث في حالة الصين، لأنها عضو دائم في مجلس الأمن ولا يمكن تمرير أي قرار إذا استخدمت حق الفيتو ضده.