تتهيأ دولة قطر لطفرةٍ سياحية بمناسبة كأس العالم 2022 لكرة القدم إبان استعداد الدول الخليجية الصغيرة لاستقبال نحو مليون ونصف مشجع لكرة القدم خلال الفترة من 20 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 18 ديسمبر/كانون الأول. لكن التحدي يكمُن في أن العديد من هؤلاء المشجعين بأكملهم لا يمكنهم الإقامة داخل قطر، إذ إن الضغط على مرافق الإقامة سيعني إقامة عشرات الآلاف من المشجعين داخل الدول المجاورة، وذلك طوال فترة البطولة التي تمتد لشهرٍ كامل.
وستعمل الرحلات الجوية في يوم المباراة على نقل المشجعين من مدن الشرق الأوسط الكبرى إلى قطر لحضور المباريات، مما سيفيد شركات الطيران والفنادق ووجهات الضيافة بمختلف دول المنطقة، مثل الإمارات والسعودية وعُمان وغيرها.
كيف يمكن أن يستفيد جيران قطر من استضافتها لكأس العالم 2022؟
لا شكَّ أن تنظيم قطر كأول بلد عربي لبطولة كأس العالم حديث كبير واستثنائي، ومما لا شك فيه أن العديد من دول المنطقة ستستفيد من ذلك، وستعمل على اقتناص الفرصة وتحريك القطاع السياحي لديها.
ومنذ 11 عاماً، أنفقت قطر نحو 230 مليار دولار تقريباً على مشروعات البنية التحتية لاستضافة كأس العالم 2022. وهي تطمح إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة، طامحة إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً للأعمال وإلى زيادة عدد السياح إلى ثلاثة أمثاله ليبلغ ستة ملايين سائح سنوياً بحلول 2030.
أما جيرانها، فهي تطمح الأخرى للاستفادة بشكل كبير من هذا الموسم، الذي يشهد إقبالاً كبيراً من السياح بسبب انخفاض درجات الحرارة في المنطقة. ووافقت دول الخليج على تسهيل الإجراءات الإدارية لمشجعي كأس العالم الذين سيمرون في دولهم، حيث ستعمل شركات طيران خليجية متعددة على نقل المشجعين من بلادهم إلى قطر.
ويمكن للمسافرين من معظم دول مجلس التعاون الخليجي الوصول إلى مطار حمد الدولي في قطر في أقل من ساعة.
وأكد الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر، في 26 مايو/أيار 2022، أن شركات الطيران الخليجية ستتعاون مع الخطوط القطرية، خلال كأس العالم 2022، كجزء من اتفاقية النقل في كأس العالم.
وأوضح الباكر حينها أن الخطوط الجوية العُمانية ستشغل ما يصل إلى 48 رحلة يومياً، فيما تشغل الخطوط السعودية 40 رحلة يومياً، وتنقل "فلاي دبي" 60 رحلة يومياً، أما الخطوط الجوية الكويتية فستنظم 16 رحلة لنقل 1700 مشجع يومياً خلال بطولة كأس العالم.
دول الخليج تستعد لجذب المشجعين للإقامة لديها
وقررت السعودية والإمارات منح مشجعي كأس العالم في قطر حاملي بطاقة "هيّا" تأشيرات متعددة لدخول أراضيها، وهي وثيقة تعريف شخصية إلزامية للمشجعين لحضور مباريات مونديال قطر، حيث تتطلع الدولتان المجاورتان لجني الفوائد منذ ذلك، كما يقول موقع al-monitor الأمريكي.
من جهتها، تستعد دولة الإمارات بوجهتها السياحية الشهيرة دبي، لتحقيق أكبر المكاسب، وستُقلع من الإمارات نحو 40 رحلة من أصل 90 رحلة ستهبط يومياً في الدوحة، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية. كما جرى تخصيص فندق بُنِيَ حديثاً فوق جزيرة النخلة الاصطناعية لاستضافة الزوار الذين يخططون للإقامة في دبي، واستقلال الطائرة إلى الدوحة في رحلة ذات إجراءات هجرة مبسطة تمتد لمدة 40 دقيقة.
وتتوقع الدوحة أن يضيف الزوار، الذين من المتوقع أن يصل عددهم 1.5 مليون زائر، قرابة الـ17 مليار دولار إلى اقتصادها. واستأجرت الجهات التنظيمية سفينتين للرحلات البحرية، مع تنصيب أكثر من 1,000 خيمة في الصحراء، تحسُّباً لأزمة الإقامة المحتملة. بينما ستعمل خدمة النقل الإقليمية على ربط الدوحة بغيرها من العواصم مثل مسقط، والرياض، وجدة، والكويت.
وستقيم السعودية وعُمان مهرجانات لجذب المشجعين، مع خطط لتسهيل إجراءات السفر؛ إذ قالت الهيئة السعودية للسياحة إنها تتوقع زيادة في أعداد الزوار المرتبطين بكأس العالم، كما يُمكن لحاملي بطاقة "هيا" للمشجعين أن يطلبوا الحصول على تأشيرات دخول متعددة إلى المملكة.
بينما قالت وزارة التراث والسياحة العُمانية إن البطولة "سترفع من شأن العديد من الوجهات الإقليمية"، وسيكون لها تأثيرٌ اقتصادي يتجاوز الحدث نفسه. وسبق أن رحب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وقطر بالمكاسب السياحية التي ستتدفق على المنطقة.
أكثر مواسم السياحة الشتوية ازدحاماً في منطقة الخليج
ومع ازدحام جدول دوري المجموعات، تستعد قطر ودول الخليج لأكثر مواسم السياحة الشتوية ازدحاماً في تاريخها، بحسب صحيفة The National.
وسيكون دور المجموعات هو الفترة الأكثر ازدحاماً بالنسبة لقطر، عندما تجري إقامة أربع مباريات يومياً على الملاعب الموجودة في الدوحة وحولها. ويقع ملعبان على بعد 10 دقائق فقط من بعضهما البعض، في ما يقع أبعد الملاعب على بُعد ساعة واحدة فقط بالسيارة؛ مما يجعل الحدث مضغوطاً أكثر من كؤوس العالم الـ21 الماضية.
إذ استضافت روسيا البطولة الماضية على ملاعب منتشرة في 11 مدينة، بينما أقامت البرازيل مبارياتها في 12 مدينة. فيما ستتشارك المكسيك، وكندا، والولايات المتحدة مسؤوليات استضافة كأس العالم 2026.
وتُتيح البطولة المضغوطة للجماهير فرصة مشاهدة أكثر من مباراة في اليوم الواحد بحسب آلان هولت، المدير الإداري لشركة Expat Sport. وأضاف هولت لوكالة بلومبيرغ أن نقص أماكن الإقامة في الأحداث الرياضية الضخمة لا يُعد خبراً جديداً، كما يُثبت مشجعو كأس العالم مرةً تلو الأخرى أنهم على استعداد للسفر إلى أي مكان.
وأردف هولت: "أتوقع أن من سيزور المنطقة للمرة الأولى سيغادرها وهو منبهر. وتمثل الرحلة تجربةً على قائمة أحلام البعض، بينما يعتبرها البعض الآخر رحلةً دورية مع الأصدقاء كل أربع سنوات، فيما يراها آخرون فرصةً لزيارة أماكن لم يسبق لهم زيارتها في العالم من قبل".
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة Statista الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، تمتلك السعودية حوالي 600 ألف غرفة لاستقبال السياح، فيما تمتلك الإمارات العربية المتحدة أكثر من 180 ألف غرفة فندقية، ويوجد في البحرين أكثر من 18 ألف غرفة فندقية لتعرضها، كما يمكن للمنتجعات التسعة و11 فندقاً من فئة الخمس نجوم في الكويت المجاورة أن تجعلها أيضاً وجهة للمشجعين الذين لا يريدون لا يستطيعون الإقامة في قطر.
الدبلوماسية الرياضية القطرية
يقول موقع المونيتور الأمريكي إن كرة القدم لعبت دوراً محورياً في إقامة "علاقات قوية" بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي منذ أن أقيمت كأس الخليج الأولى في البحرين عام 1970.
وكانت الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وسيلة لتحسين العلاقات بين قطر وجيرانها بعد سنوات من الخلافات السياسية، ونجحت الدوحة من خلال "الدبلوماسية الرياضية" في كسب جيرانها وتجاوز الكثير من العقبات.
في 5 يناير/كانون الثاني 2021، اتفق زعماء الخليج على إنهاء الخلاف الإقليمي فيما بينهم، ورحب جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بإعلان العلا "التاريخي"، وقال إن كرة القدم "ستستمر في توحيد المنطقة".
وبحسب المونيتور فإن "عشاق كرة القدم الخليجية يعتقدون أن الرياضة يمكن أن تكون حافزاً للمصالحة الاجتماعية -فقد دفعت آلاف العائلات التي انقسمت بسبب الخطاب العدائي ثمناً باهظاً- ولإحياء قيمة العمل الجماعي المتجذرة في النسيج الاجتماعي الذي تجاوز الحدود تاريخياً".
وأشار الموقع إلى أن الدوحة نجحت باستقطاب الأضواء من خلال الفوز بحقوق استضافة البطولات الرياضية وعلى رأسها كأس العالم 2022، وكذلك دورة الألعاب الآسيوية 2030. وستكون استضافة كأس العالم الأولى في الشرق الأوسط فرصة فريدة لقطر ودول الخليج لإحياء روح التعاون والتكامل المنصوص عليها في ميثاق مجلس التعاون الخليجي لعام 1981.
في السياق، أكد ياسر المسحل، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، حرص المملكة على إنجاح مونديال قطر، مؤكداً وجود تنسيق بين الرياض والدوحة من أجل هذه الغاية. وقال ياسر المسحل في اتصال هاتفي مع برنامج المجلس على قناة "الكأس" القطرية "إن كأس العالم قطر 2022 فرصة ذهبية لنا كعرب وخليجيين أن نبرز للعالم أجمع الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها دول الخليج والقدرات الضخمة التي أنعم الله بها علينا".
وأكد أن جميع الدول الخليجية تحرص على إنجاح المحفل العالمي الكبير، مضيفاً: "اليوم كلنا نتطلع أن يكون كأس العالم في قطر أفضل نسخة في تاريخ المونديال، وهو فرصة للناس من حول العالم لزيارة قطر كدولة خليجية وعربية".