يواصل التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي نموه وتأثيره في السياسة الأمريكية، لكن الانتخابات التمهيدية شهدت استغلال أحد المرشحين قضية فلسطين ليحظى بالدعم ثم تخلى عنهم، فماذا حدث؟
الحياة السياسية في الولايات المتحدة يسيطر عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، والحزب الجمهوري هو حزب اليمين المحافظ، بينما يضم الحزب الديمقراطي تحت رايته اليسار الليبرالي. هذا بشكل عام، لكن توجد تيارات داخل الحزبين، فهناك الآن التيار الترامبي (نسبة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب) الذي يمثل أقصى اليمين المتطرف.
ويضم الحزب الديمقراطي تيارين رئيسيين، هما تيار يسار الوسط الذي يمثله الرئيس الحالي جو بايدن، والتيار التقدمي وأبرز رموزه هو السيناتور بيرني ساندرز، الذي كان مرشحاً للرئاسة عن الحزب، وتنازل في المرحلة الأخيرة لجو بايدن.
"تجمُّع الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس" هو الاسم الرسمي لهذا التيار داخل أروقة كابيتول هيل (مقر الكونغرس)، وتم الإعلان عنه رسمياً عام 1991، وكان بيرني ساندرز رئيساً للتجمع الجديد وقتها، ومن بين أبرز الأعضاء المؤسسين نانسي بيلوسي (رئيسة مجلس النواب الحالية)، وكان عدد أعضاء التيار نحو 20 نائباً، جميعهم من الديمقراطيين.
كيف بدأت قصة ماكسويل فروست؟
بعد الفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لدائرة الكونغرس العاشرة في فلوريدا هذه الأيام، صار ماكسويل فروست على الطريق ليكون أصغر عضو في الكونغرس الأمريكي العام المقبل، وتصدر الرجل البالغ من العمر 25 عاماً عناوين الصحف الوطنية باعتباره مُشرّعاً تقدمياً واعداً.
ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه "كيف تودد الديمقراطي التقدمي ماكسويل فروست إلى الفلسطينيين ثم تخلى عنهم؟"، رصد قصة استغلال فروست لقضية فلسطين حتى ضمن دعم الفلسطينيين هناك.
فبعدما برز فروست بصفته منظماً وناشطاً شعبياً يقاتل ضد عنف السلاح في الولايات المتحدة، شارك جنباً إلى جنب مع النشطاء الفلسطينيين العام الماضي في مسيرات تحيي ذكرى النكبة، ووقف ضد عمليات الإخلاء القسري للعائلات في حي الشيخ جراح وأجزاء أخرى من الضفة الغربية المحتلة.
لذلك عندما فكر فروست العام الماضي في الترشح للكونغرس، لم تجد "رشا مبارك"، وهي فلسطينية أمريكية ومنظمة على مستوى القاعدة الشعبية في منطقة أورلاندو، أي سبب لعدم دعمه.
وقالت رشا لموقع Middle East Eye: "شعر الكثير من الشباب بأنهم مضطرون لأن يكونوا جزءاً من سباقه الانتخابي بسبب آرائه الجريئة والصريحة عن فلسطين؛ ما دفع العديد من أعضاء شبكة فلسطين في فلوريدا للمشاركة في فيديو حملته الأولى".
وأضافت: "بشكل أساسي، بنى حملته على آلامنا وآمالنا في انتخاب صوت آخر في الكونغرس يدافع عن فلسطين حرة".
كان فروست جزءاً من دوائر النشطاء الفلسطينيين المحليين، وانضم حتى لمجموعة محادثة مع جميع المنظمين المؤيدين للفلسطينيين في منطقة أورلاندو. وكان قد وقع على التعهد النسوي الفلسطيني، الذي يدعو إلى دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي يقودها الفلسطينيون، وإنهاء المساعدات العسكرية لإسرائيل، ورفض الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. كما وقع تعهداً مماثلاً من شبكة فلسطين في فلوريدا.
لذلك عندما علمت شبكة فلسطين في فلوريدا بقراره الترشح للكونغرس، قرروا جميعاً دعمه.
ومع ذلك، على مدار العام التالي، بدأ فروست في تلقي المزيد من الدعم على المستوى الوطني، بالإضافة إلى تدفق التأييد من الداعمين لإسرائيل وأموال الشركات من شبكة Crypto PAC الرقمية التي تنفق ببذخ ضد المرشحين الذين ينتقدون إسرائيل.
وتحدث العديد من المنظمين مع Middle East Eye حول خبراتهم في العمل لصالح فروست ودعمه بسبب بداياته الشعبية، ليُفاجأوا لاحقاً بخروج فروست ببيان موقف يتراجع فيه عن العديد من الوعود التي قطعها على النشطاء المحليين.
وقالت لمياء مقدم، وهي مُنظِمَة في فلوريدا ظهرت في أول فيديو لحملة فروست: "لقد كنت غاضبة للغاية. كنت أسير إلى جانب هذا الرجل كل يوم لعدة أشهر. أقل ما يوصف أننا جمعتنا صداقة حميمة".
وأضافت: "كان لديه حق الوصول الكامل إلى الأمريكيين الفلسطينيين الذين يمكن أن يقدموا له المعلومات والخبرات ويشاركونه أي شيء قد يحتاج إلى معرفته أو لديه شكوك حوله".
مجموعة المستشارين
كانت رشا مبارك من أوائل الأفراد الذين عملوا في حملة فروست. وأيّدته مدركة لسجله القوي في دعم الحقوق الفلسطينية؛ إذ كان حاضراً في التجمعات ذات الشأن في منطقة أورلاندو ووقع تعهدات متعددة بشأن هذه القضية.
وقالت: "لقد ساعدت ماكسويل في الواقع في بناء حملته من الصفر؛ مجموعة مستشاريه غير الرسميين للحملة. وعرّفته إلى قادة المجتمع المحلي والوطني وأصحاب الأعمال والمنظمات الشعبية في جميع أنحاء المنطقة، بل وأيضاً في أنحاء ولاية فلوريدا والولايات المتحدة".
بالنسبة لمرام الدادا، وهي مُنَظِمَة فلسطينية أمريكية تنحدر عائلتها من غزة، فإنَّ دعم فروست كان أمراً لا يحتاج إلى تفكير.
وقالت مرام لموقع Middle East Eye: "في احتجاجات العام الماضي، كان يقف بجواري وهو يهتف حرفياً: "فلسطين حرة".
تأييد ريتشي توريس
سارت الأمور على ما يرام في الحملة، وكان الدعم يتزايد وتتدفق التبرعات. لكن بعد أشهر قليلة من بداية عام 2022، بدأت رشا مبارك والنشطاء الفلسطينيون الآخرون ينتابهم القلق من عدة خطوات اتخذتها حملة فروست.
كان أحد أكبر المخاوف هو التأييد الذي تلقاه فروست في مارس/آذار من ريتشي توريس، عضو الكونغرس "التقدمي المؤيد لإسرائيل" من نيويورك.
في حين أنَّ العديد من التقدميين في الكونغرس كانوا أكثر صراحةً في انتقادهم لإسرائيل، غالباً ما هبّ توريس للدفاع عن إسرائيل وتلقى تمويلاً من الجماعات الموالية لها.
وكان وقع هذه الأخبار كالصاعقة على العديد من الفلسطينيين العاملين في حملة فروست؛ بالنظر إلى أنَّ آراء السياسييّن كانت في نظرهم متناقضة مع بعضها.
بعد ذلك، رأى المنظمون أنَّ فروست تتلقى تعهداً بقيمة مليون دولار من منظمة Protect Our Futures PAC، وهي لجنة عمل سياسي مستقلة تأسست مؤخراً برئاسة الملياردير سام بانكمان-فرايد، البالغ من العمر 30 عاماً، الذي أسس منصة تبادل العملات المشفرة FTX.
كانت لجنة العمل السياسي المستقلة هذه تنفق ملايين الدولارات في جميع أنحاء البلاد؛ ووفقاً لمنظمة Open Secrets غير الربحية للشفافية، ذهب جزء من هذه الأموال لهزيمة نينا تيرنر التي كانت صريحة في انتقادها لإسرائيل، ونيدا علّام المرشحة الأمريكية المسلمة التي تنتقد إسرائيل في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية هذا العام في نورث كارولينا.
قالت مرام الدادا لموقع Middle East Eye: "لقد بحثنا أبعد قليلاً ولاحظنا أنَّ لجنة العمل السياسي هذه تدخّلت فعلياً في كل سباق خاضه مرشحٌ ينتقد إسرائيل".
بيان موقف بشأن دعم إسرائيل
على الرغم من المخاوف، استمرت شبكة فلسطين في فلوريدا في دعم فروست بسبب اجتماع عبر تطبيق زووم الذي عقده معها في مارس/آذار 2022؛ والذي كرر فروست خلاله شفهياً دعمه لحقوق الفلسطينيين، وحركة المقاطعة، وتعهد مرة أخرى بدعم إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل. كما وعد بتضمين مدخلات الشبكة الفلسطينية في أي بيان موقف مستقبلي يطرحه بشأن إسرائيل وفلسطين.
لكن قبل أسبوعين فقط من موعد الانتخابات التمهيدية، وبعد عدة أيام من بدء التصويت المبكر بالفعل، نُشِر مقال في صحيفة Jewish Insider مع بيان موقف بقلم فروست حول إسرائيل وفلسطين.
وفي تلك الورقة، قال فروست إنَّ المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل هي "أحد أهم أجزاء المساعدات الخارجية التي نقدمها". وكتب أيضاً أنَّ دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات يمثل "إشكالية شديدة ويقوض فرص السلام".
ونقض بيان الموقف، الذي يشكّل أول تصريح علني لفروست حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية، العديد من الوعود التي قدمها بشأن فلسطين، وفقاً لشبكة فلسطين في فلوريدا.
وقالت رشا مبارك: "بالنظر إلى أنَّ توقيت بيان الموقف المناهض للفلسطينيين كان أثناء التصويت المبكر، نقول إننا تعرضنا للخداع والخيانة؛ فقد ذهب العديد من الناس إلى صناديق الاقتراع بعدما ضلّلهم زوراً بأنه تقدمي، غير مدركين بتخليه العنيف عن الفلسطينيين ونضالنا الجماعي من أجل التحرير".
بدورها، أعربت مرام الدادا عن إحباطها الشديد لما حدث مع حملة فروست، وخوفها من أنَّ كل العمل الذي بذلوه لدعمه سينتهي باستخدامه ضد الحقوق الفلسطينية التي كان هو والآخرون يقاتلون من أجلها.