يعيش نادي الأهلي المصري هذه الأيام أجواء غير مألوفة، ففريق الكرة خسر الدوري للعام الثاني على التوالي، وزاد من قسوة الموقف على الجماهير أن يأتي الإخفاق خلال رئاسة الأسطورة الكروية، محمود الخطيب، للنادي، فما أسباب معاناة القلعة الحمراء؟
الأهلي المصري هو نادي القرن في إفريقيا، وهو واحد من أكبر أندية العالم وأكثرها شعبية، ويحتل دائماً ترتيباً متقدماً في جداول الإحصائيات التي يصدرها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وداخل مصر، يتمتع فريق الأهلي، الملقب بالشياطين الحمر ورمز القلعة الحمراء، بشعبية جارفة لا أحد يمكنه التشكيك فيها أو التقليل منها.
وبطولات الأهلي المحلية والقارية تضعه في مركز الصدارة داخل مصر وإفريقيا دون منازع، فالنادي فاز بلقب الدوري العام المصري 43 مرة (متفوقاً بـ29 لقباً على أقرب ملاحقيه الزمالك، الذي حقق لقبه الـ14 خلال الموسم الحالي، قبل جولتين من نهايته)، كما حصد الأهلي لقب كأس مصر 37 مرة، ودوري أبطال إفريقيا 10 مرات، إضافة إلى 8 بطولات سوبر إفريقي، و11 مرة سوبر محلي، ومشاركات متعددة في كأس العالم للأندية، حقق خلالها المركز الثالث أكثر من مرة. ويتربّع الأهلي، دون منازع، على عرش أندية كرة القدم في العالم من حيث البطولات المحلية والقارية التي توج بها.
ماذا حقق مجلس الخطيب؟
يتعرض مجلس إدارة النادي، برئاسة محمود الخطيب، إلى انتقادات غاضبة وصلت إلى حد مطالبة البعض للنجم صاحب الشعبية الجارفة بالاستقالة. تظهر تلك المطالبات عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في مصر، من جانب بعض جماهير النادي، التي تستشيط غضباً من خسارة الفريق الدوري العام الموسمين الماضي والحالي، وكأس مصر الموسم الماضي، إضافة إلى دوري أبطال إفريقيا.
لكن تلك المطالب باستقالة مجلس الخطيب، الأسطورة الكروية الشهير بلقب "بيبو"، لا تقتصر على بعض الجماهير الغاضبة، فهناك نجوم كرة سابقون ومحللون حاليون، مثل سيد معوض ومجدي عبد الغني ومصطفى يونس وغيرهم، يعبرون عن هذا الرأي في استديوهات تحليل المباريات والبرامج الرياضية كذلك.
سيد معوض، على سبيل المثال، كان قد قال إن خسارة الأهلي للدوري هذا الموسم تمثل زلزالاً كروياً يستدعي بالضرورة استقالة مجلس الإدارة، وتسريح فريق الكرة بأكمله. نجم الأهلي والإسماعيلي ومنتخب مصر السابق كان يتحدث في الاستديو التحليلي لمباراة الأهلي وبيراميدز في الدوري العام (يوليو/تموز الماضي)، والتي خسرها الشياطين الحمر بنتيجة 2-0، وهي الخسارة التي صعبت مهمة الأهلي في استعادة لقب الدوري من غريمه التقليدي الزمالك.
تصريحات معوض جاءت أيضاً قبل أيام قليلة من مباراة نهائي كأس مصر، والتي خسرها الأهلي أيضاً لصالح الزمالك. الآن وقد حسم الزمالك لقب الدوري، يبدو الأهلي في طريقه لتحقيق المركز الثالث، خلف بيراميدز، للمرة الأولى منذ موسم 1991-1992، حين أنهى الفريق الدوري رابعاً بعد الزمالك والإسماعيلي وغزل المحلة.
ويكفي أن نعلم هنا أن الأهلي خرج من قائمة البطل والوصيف في الدوري العام، منذ انطلاق المسابقة عام 1948، مرات أقل من أصابع اليد الواحدة، كي نتصور مدى الغضب الذي يشعر به جمهور النادي بشكل عام.
لكن بما أن لغة الأرقام هي سيد الموقف في هذا الهجوم على مجلس إدارة النادي برئاسة الخطيب، فمن الطبيعي أن نقدم كشف حساب شامل لتقييم الأداء خلال 5 سنوات تقريباً منذ تولى هذا المجلس المسؤولية.
كان مجلس إدارة الخطيب قد فاز في انتخابات ديسمبر/كانون الثاني 2017 ليتولى المسؤولية خلفاً لمجلس إدارة المهندس محمود طاهر، ثم فاز المجلس بفترة ثانية خلال انتخابات عام 2021. وشارك الأهلي خلال تلك الفترة في 21 بطولة لكرة القدم، حصد منها 10، وخسر مثلها، ولا تزال بطولة كأس مصر للموسم الحالي مستمرة وكذلك مسيرة الأهلي فيها.
فاز الأهلي، تحت رئاسة الخطيب، بالدوري العام 3 مرات، وفاز بكأس مصر مرة، والسوبر المصري مرتين، والسوبر القاري مرتين، ودوري أبطال إفريقيا مرتين، إضافة إلى المشاركة في كأس العالم للأندية مرتين وتحقيق الميدالية البرونزية.
وخسر الأهلي، خلال تلك الفترة، الدوري العام مرتين وكأس مصر 3 مرات، والسوبر المصري مرتين، ودوري أبطال إفريقيا 3 مرات، وصل في مرتين منها للمباراة النهائية.
بأي مقاييس كروية في أي دولة في العالم، تعتبر تلك الأرقام إنجازاً كبيراً لمجلس إدارة أي نادٍ كروي. ففي نهاية المطاف، كرة القدم رياضة لا بد فيها من فائز وخاسر، ومن المستحيل أن يفوز فريق واحد على طول الخط. لكن بالنسبة لجمهور الأهلي المصري، القصة مختلفة، فأي مباراة يشارك فيها فريقهم لا ينتظرون سوى الفوز، بغض النظر عن المنافس. كما أن تولي أسطورة كروية ذات شعبية جارفة كمحمود الخطيب يرفع كثيراً من سقف الطموحات.
ما أسباب إخفاق الأهلي كروياً؟
هناك أسباب كثيرة ومتعددة أدت إلى خسارة الأهلي للبطولات خلال الموسمين الماضي والحالي، أهمها يتعلق بجدول مباريات النادي المزدحم للغاية، مقارنة بمنافسيه المحليين، والقاريين كذلك. فخلال موسم 2019-2020، ظهرت جائحة كورونا وأربكت المسابقات الكروية حول العالم، ومنها بطبيعة الحال مسابقات الاتحادين المصري والإفريقي.
ارتباك موسم كورونا وتأخر انتهائه أدى إلى تلاحم المواسم وغياب فترات الإعداد والراحة للاعبين والأجهزة الفنية، وهو ما لا يزال مستمرا في مصر حتى اليوم. فالدوري العام لا يزال تتبقى فيه جولتين، وسينتهي يوم 30 أغسطس/آب الجاري، ومسابقة كأس مصر لا تزال في مراحلها الأولى، والسوبر المحلي عن الموسم الماضي بين الأهلي والزمالك سيلعب منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يليه انطلاق الموسم الجديد.
لا يعاني أي فريق مصري آخر من هذا الارتباك وضغط المباريات كمعاناة النادي الأهلي، والسبب هو ما يحققه الفريق من نجاح على المستويين القاري والعالمي. فخلال المواسم الثلاثة الماضية، وصل الأهلي إلى نهائي دوري أبطال إفريقيا، وفاز في مرتين ليلعب السوبر الإفريقي ويشارك في كأس العالم للأندية، بينما منافسه الأقرب، أي الزمالك، كان قد خسر نهائي إفريقيا أمام الأهلي (نهائي القرن)، ثم ودع البطولة من دوري المجموعات في آخر مرتين.
وبالإضافة إلى المشاركات القارية للأهلي، فإن أغلب لاعبيه دوليون ويشاركون مع منتخب مصر أو منتخبات أخرى بالنسبة للاعبي النادي المحترفين، مثل النجم التونسي علي معلول. وهذا أيضاً يمثل إجهادا إضافيا على لاعبي الفريق، دفع النادي ثمنه الموسم الماضي وتكرر الأمر في الموسم الحالي. ففي الوقت الذي كان يلعب فيه منافسو الأهلي في الدوري المحلي مبارياتهم، تأجلت للأهلي مباريات كثيرة بسبب نجاحه القاري. وعندما يعود الفريق للمسابقة المحلية، يجد نفسه مضطراً للعب مباراة كل ثلاثة أيام وأحيانا بفاصل 48 ساعة، فيتعثر ويضيع فارق النقاط، الذي يكون في صالحه نظرياً، فينتهي الأمر بتتويج المنافس.
يقول البعض إن مجلس إدارة الخطيب هو من تسبب في هذه المأساة بإصراره على استكمال "دوري كورونا"، لكن، وحتى تكون الصورة كاملة، لابد من ذكر كل الحقائق. لماذا تمسك الأهلي باستكمال بطولة الدوري في ذلك الموسم؟ بسبب عقود الرعاية والالتزامات المالية الضخمة المترتبة عليها. فالأهلي حال إلغاء عقود الرعاية كان سيخسر مبالغ ضخمة، لا غنى عنها من الأصل لاستمرار التفوق الأحمر كروياً.
المعادلة إذاً صعبة، والقرار تحكمه عوامل كثيرة، ومن المستحيل استسهال إصدار الأحكام دون التفكير في العواقب. فالجوائز المالية التي يحصل عليها النادي الأهلي من الفوز بالبطولات المحلية تكاد لا تُذكر مقارنة بالأموال الضخمة التي تنفق على عقود ورواتب لاعبي الكرة والجهاز الفني والإداري للفريق، ولا يمكن سد تلك الفجوة إلا من خلال عقود الرعاية والإعلانات، أي أن إلغاء مسابقة الدوري العام يكلف الأهلي خسائر باهظة من المستحيل مقارنتها بخسائر أي نادٍ آخر أو حتى بخسائر اتحاد الكرة.
تغيير كبير في "أجواء" الأهلي
لن يتمكن مجلس إدارة الأهلي، برئاسة الخطيب، من إعادة فريق الكرة إلى مسيرته الطبيعية قبل أن يدرس وبشكل هادئ، بعيداً عن صخب السوشيال ميديا وغضب الجمهور، الأسباب الحقيقة التي أوصلت الأمور بشكل عام إلى ما وصلت إليه. والأمور بشكل عام هنا لا تعني فقط خسارة فريق الكرة ثلاث بطولات كبرى هي دوري أبطال إفريقيا والدوري العام موسمين متتاليين، رغم أن جمهور النادي، وخصوصاً المراهقين والشباب دون الـ20 عاماً، غير معتادين على هذه الخسائر، حيث لم يمروا بها بتلك الطريقة منذ ولادتهم.
فبشكل عام، تميز الأهلي دائماً بأنه مؤسسة منضبطة يغلب عليها الهدوء والرصانة، وهذا أحد أهم أسباب النجاح الخارق الذي حققه النادي منذ نشأته عام 1907. فأمور النادي وشؤونه يتم دراستها من قبل لجان متخصصة تقدم تقاريرها بسرية شبه تامة إلى أصحاب القرار، أي مجلس الإدارة، الذين يتناقشون خلف الأبواب المغلقة ويصدرون قراراتهم فيصطف خلفها جميع الأعضاء، حتى وإن كان من بينهم من له رأي مخالف.
لكن هذا الأسلوب في الإدارة بدأ في التراجع تدريجياً منذ مجلس إدارة المهندس محمود طاهر، حيث بدأت الاختلافات في وجهات النظر والخلافات بشأن ملف كرة القدم في النادي تحديداً، تظهر في وسائل الإعلام المختلفة، التقليدية منها وغير التقليدية (منصات التواصل الاجتماعي)، ورأينا رئيس النادي الأهلي كثير الظهور في البرامج التليفزيونية، مدافعاً عن قراراته في مواجهة المعترضين عليها، إما من داخل مجلس الإدارة أو من "أبناء النادي" من رموز الكرة أصحاب الجماهيرية.
وعلى الرغم من أن الأهلي حقق تحت رئاسة محمود طاهر 7 ألقاب (الدوري المحلي 3 مرات، والكونفدرالية الإفريقية مرة، والسوبر المحلي مرتين، وكأس مصر مرة (خلال أربع سنوات)، فإن مستوى فريق الكرة كان قد بدأ يشهد تذبذباً واضحاً، انعكس في غياب الأهلي عن التتويج بدوري أبطال إفريقيا، ومن ثم التأهل لكأس العالم للأندية.
ومع فوز مجلس "بيبو" في انتخابات 2017، ارتفعت طموحات جمهور النادي إلى عنان السماء، فرئيس النادي أحد أبرز من مارسوا كرة القدم في مصر وإفريقيا، وبالتالي انتظر الجميع "فريق أحلام" يحصد جميع البطولات، ويدوس كل المنافسين دون رحمة.
لكن في الوقت نفسه، كانت "أجواء" الأهلي المعتادة وأسلوب الإدارة الهادئ بعيداً عن وسائل الإعلام قد أصبحت من الماضي، إذ استمر "الانقسام الأحمر" وبقوة، وأصبحت الأمور الجدلية، من الرئاسة الفخرية للمستشار تركي آل الشيخ واستقالته منها، وما صاحب ذلك من جدل وصخب لا يخفى على أحد، أمراً اعتيادياً جديداً يجعل من "لمِّ الشمل الأهلاوي" مهمة شبه مستحيلة.
والمتابع اليوم للمواقع الرياضية، وحتى غير الرياضية نظراً لشعبية الأهلي الجارفة، يمكنه أن يلاحظ مدى تلاحق الأخبار التي يتم بثها حول "انقسامات في مجلس الأهلي" ومطالبات بإقالة المدير الفني الجديد، البرتغالي ريكاردو سواريز، واستقالة شركة الكرة بالأهلي، و"فلان الخطيب بالاستقالة فوراً".. إلخ. لم تكن تلك أبداً هي "الأجواء" المصاحبة للقلعة الحمراء، وإذا ما أراد مجلس الإدارة إعادة الأمور إلى نصابها، فالبداية من العودة إلى "تقاليد ومبادئ" النادي، وإلا فالقادم أسوأ.