تكثف إسرائيل ضغوطها على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لعدم المضي قدماً في إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وقالت إنها ليست ملزمة بهذا الاتفاق مع تقارير عن اقتراب الولايات المتحدة وإيران من إحيائه، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة خطط إسرائيل لعرقلة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الاثنين الناس، أن الاتفاق بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) "أقرب الآن مما كان عليه قبل أسبوعين"، لكنها قالت إن النتيجة لا تزال غير مؤكدة، لأنه لا تزال هناك فجوات بين الجانبين".
يأتي ذلك بعد أن قدمت طهران ردودها على المقترح الأوروبي شبه النهائي، وهي الردود التي قبلتها الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق، ولم ترد عليها واشنطن رسمياً، ولكن هناك مؤشرات لقبولها نسبياً بها.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، في مؤتمر صحفي، الإثنين 22 أغسطس/آب، إن "واشنطن تفاءلت بتخلي إيران عن بعض مطالبها مثل إلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية"، لكنه أضاف أنه لا تزال هناك قضايا عالقة يتعين تسويتها.
وقال برايس، إن بلاده لم ترسل بعد ردها على الرد الإيراني، "حيث إنهم يواصلون المراجعات والمشاورات ويعملون بأسرع ما يمكن لإعداد الرد المناسب".
وأضاف أنه "إذا كان هناك رد إيراني واضح على اقتراح الاتحاد الأوروبي فلست متأكداً من أننا سنكون في ذهاب وإياب كما نحن الآن"، وكرر أن الولايات المتحدة "تنقل تعليقاتها بشكل مباشر وسري إلى الاتحاد الأوروبي".
إسرائيل تحاول إقناع أمريكا بعدم الرد إيجابياً على طهران
لكن إسرائيل من جانبها تحاول منع أمريكا من المضي قدماً في عملية إحياء الاتفاق الذي كان قد وُقع عام 2015، وتضمّن فرض قيوداً ومراقبة على البرنامج النووي الإيراني، ولكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحب منه عام 2018، ثم فرض عقوبات منعت فعلياً بيع معظم النفط الإيراني للخارج، وردت طهران بالتخلي عن بعض التزاماتها النووية الواردة في الاتفاق.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، الثلاثاء 23 أغسطس/آب 2022، إن إسرائيل تتعهد بالتأثير على الاتفاق النووي الذي قد تتكلل مفاوضات إحيائه بين إيران والقوى الغربية بالنجاح، محذراً من أنه "سيضخ 250 مليار دولار في خزائن النظام الإيراني وأذرعه الإقليمية"، حسب تعبيره.
من جانب آخر، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس، في التصريحات نفسها، على أن تل أبيب "ليست طرفاً في الاتفاق، لكن قال: "سنفعل كل ما في وسعنا للتأثير عليه، وسنعرف كيف نحافظ على حريتنا في العمل طالما كان ذلك ضرورياً".
وزار مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولاتا، البيت الأبيض يوم الثلاثاء، حيث التقى نظيره الأمريكي جيك سوليفان، لإثارة مخاوف إسرائيل بشأن مسودة خارطة الطريق الأخيرة لإحياء اتفاق 2015. ومن المقرر أن يلتقي وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، سوليفان في واشنطن يوم الجمعة.
في بيان حول الاجتماع أرسل في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، قال البيت الأبيض إن سوليفان شدد على "التزام إدارة بايدن الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات، وضمن ذلك من إيران. والوكلاء المدعومين منها؛ والتزام واشنطن بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي".
ولكن البيت الأبيض لا يبدو أنه سيسير وراء الموقف الإسرائيلي، حسب وصف صحيفة Politico الأمريكية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكي في تعليقه على احتمالات قيام واشنطن بإحياء الاتفاق النووي: "في النهاية، الرئيس جو بايدن، سيوقع فقط على اتفاق يلبي مصالح أمننا القومي الأساسية".
وأضاف: "هذه عملية نريد أن نتأكد من إجرائها بصرامة والاهتمام بالتفاصيل الضرورية، وأستطيع أن أضمن لكم أننا لن نأخذ يوماً واحداً أكثر مما هو ضروري".
بايدن يزايد على التشدد الإسرائيلي والجمهوري
ورغم ذلك من الواضح أن إدارة بايدن تريد ألا تبدو متلهفة على توقيع الاتفاق، الأمر الذي دفع طهران إلى اتهامها بالمماطلة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني أمس الإثنين: "الأمريكيون يماطلون وهناك تقاعس من الجانب الأوروبي. أمريكا وأوروبا بحاجة إلى اتفاق أكثر من حاجة إيران"، مشيراً إلى أنه لا يزال يتعين حل بعض القضايا العالقة، لأنها "مهمة للغاية".
ومن الواضح أن هناك مطالب أمريكية بشأن تبادل السجناء مع واشنطن، تتحفظ عليها طهران، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إنّ "تبادل السجناء مع واشنطن موضوع منفصل وليست له علاقة أو مرتبطاً بعملية المفاوضات لإحياء اتفاق عام 2015".
ودعت الولايات المتحدة مراراً إلى إطلاق سراح العديد من الإيرانيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية ومحتجزين في إيران. وطالبت إيران بالإفراج عن عدد من الإيرانيين المحتجزين بتهم تتعلق بالعقوبات الأمريكية.
ويأمر بضرب أهداف تابعة لطهران عشية الاتفاق
وفي وقت متأخر من يوم أمس الثلاثاء أيضاً، أعلن الجيش الأمريكي أنه نفذ ضربات جوية دقيقة ضد منشآت تستخدمها الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في سوريا، والتي غالباً ما كانت تهدد القوات الأمريكية بسوريا والعراق، ونفت إيران أن الهجوم استهدف حلفاءها واعتبرته انتهاكاً لسيادة سوريا.
في غضون ذلك، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، سلسلة من التغريدات التي حثت الولايات المتحدة، في هذه اللحظة الأخيرة"، على الابتعاد عن المحادثات، معرباً عن خشيته أن تؤدي نتيجتها إلى إثراء نظام إيراني خطير لا يمكن الوثوق به، حسب تعبيره.
يشار إلى أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية "غير خاضعة للرقابة الدولية"، فيما تنفي إيران صحة اتهامات لها بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية وتقول إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، لا سيما إنتاج الكهرباء.
وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها.
وحذّر بينيت من أن "تل أبيب ليست ملتزمة بأي من القيود الناشئة عن الاتفاق وستستخدم جميع الأدوات المتاحة لمنع البرنامج النووي الإيراني من التقدم"، حسب تعبيره.
فهو مثل أوباما يراهن على الاتفاق لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية
رفع الاتفاق النووي لعام 2015، الذي أُبرم خلال رئاسة باراك أوباما، مجموعة من العقوبات الأمريكية على إيران مقابل قيود كبيرة على برنامجها النووي. في عام 2018، تخلى الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب عن الصفقة، قائلاً إنها ضعيفة للغاية وضيقة للغاية، وأعاد فرض العقوبات مع إضافة عقوبات جديدة. بعد نحو عام، بدأت إيران في انتهاك شروط الصفقة، وضمنها تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية ومنع التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وسعى الرئيس جو بايدن للانضمام مرة أخرى إلى الصفقة، حيث جادل هو ومساعدوه بأنها لا تزال أفضل وسيلة لاحتواء التهديد النووي الإيراني. على مدار عام ونصف العام تقريباً، وهي فترة تضمنت فترات توقف طويلة، انخرط مبعوثو بايدن في محادثات غير مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين حول إحياء الاتفاقية، وسط تحذيرات غربية متعددة من أن استمرار عدم إحياء الاتفاق يقرب طهران من القنبلة النووية، ووضع مسؤولون غربيون جداول زمنية بدت سريعة للغاية لهذا الاحتمال، ورغم استمرار إيران في توسيع برنامجها النووي خلال تلك الفترة، فإنه ليس هناك ما يفيد باقترابها الشديد من القنبلة النووية في المواعيد التي تحدثت عنها التحذيرات الغربية.
تشابَك الجانبان الأمريكي والإيراني، اللذان خاضا مباحثات غير مباشرة في فيينا بوساطة أوروبية باعتبار أن واشنطن قد انسحبت من الاتفاق.
ويبدو أن طهران تنازلت عن أبرز مطالبها
تركزت هذه المفاوضات، حول مجموعة متنوعة من الموضوعات الشائكة، منها طلب إيران إلغاء الولايات المتحدة تصنيف ترامب للحرس الثوري الإسلامي الإيراني كمنظمة إرهابية وهو الطلب الذي تنازلت عنه واشنطن، إضافة إلى مصير التحقيق الذي أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آثار لمواد نووية مريبة في مواقع إيرانية تعود لفترات سابقة تؤشر إلى بعد عسكري في البرنامج.
كما كان واحداً من أشد النقاط إشكالية المطالب الإيرانية بضمانات معينة بأن رفع العقوبات سيؤدي إلى فوائد اقتصادية – وأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الصفقة في ظل رئيس مختلف.
وقال بايدن إنه لن يلغي تصنيف الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب، وأشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنها لن تتخلى عن التحقيق.
وردّت إيران مؤخراً على مشروع اقتراح أوروبي بشأن إحياء الاتفاق بتعليقات ركزت في الغالب على العقوبات والضمانات الاقتصادية. كان المسؤولون الأمريكيون ينظرون في المطالب الإيرانية، ويقومون بإعداد ردهم الخاص، والذي قد يتم إرساله إلى المفاوضين الأوروبيين في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
أمريكا وفرنسا تؤكدان لتل أبيب أن الاتفاق يحمي مصالحها
كانت الولايات المتحدة تتشاور مع حلفائها، ومن بينهم إسرائيل، قبل إرسال ردها، على الرغم من أنه لم يتضح على الفور ما إذا كانت ستنتظر إلى ما بعد اجتماع غانتس مع سوليفان.
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، أن النسخة الجديدة من الاتفاق النووي الإيراني التي دخلت المفاوضات عليها مرحلتها الأخيرة، على ما يبدو، ستراعي "مصالح إسرائيل".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، يوم الاثنين "في كل خطوة من العملية، كنا على اتصال مع شركائنا الإسرائيليين لإطلاعهم على الوضع، ولمقارنة الملاحظات حول حالة البرنامج النووي الإيراني".
ولكن قادة إسرائيل أعينهم على الانتخابات ويخشون انتقادات نتنياهو
تأتي انتقادات المسؤولين الإسرائيليين لخطوات إحياء الاتفاق في وقت حساس بالنسبة لهم داخلياً حيث تستعد يقود الدولة العبرية حكومة تصريف الأعمال، تستعد للانتخابات الخامسة قريباً في أقل من أربع سنوات، وهي انتخابات سوف يكون على لابيد وغانتس وبينيت فيها مواجهة زعيم الليكود رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي سيعايرهم في الأغلب بأن إحياء الاتفاق النووي تم في عهدهم.
وقال علي واعظ، كبير محللي إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن الجدل الداخلي الرئيسي بين المفاوضين الأمريكيين كان حول الضمانات الاقتصادية التي تسعى إليها إيران. تتعامل هذه الضمانات جزئياً مع مخاوف إيران من أنه حتى إذا تم إحياء اتفاق 2015 ، فإن الشركات الأجنبية ستعتبر الاستثمار في البلاد أمراً محفوفاً بالمخاطر. حتى عندما كانت الصفقة سارية المفعول ، كانت العديد من الشركات الأجنبية مترددة في القيام بأعمال تجارية في إيران.
لماذا تعترض تل أبيب على الاتفاق؟
بالنسبة لقادة إسرائيل السياسيين، فإن إيران التي يكون اقتصادها أقوى هي إيران التي تشكل تهديدًا أكبر لوجود بلادهم. يعتبر حكام إيران إسرائيل دولة غير شرعية.
غالباً ما تتلخص حجة القادة السياسيين الإسرائيليين ضد الاتفاق النووي في المخاوف من أنه إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن إيران، فإن النظام سيستخدم الأموال الواردة للانخراط بشكل أكبر في مجموعة من الأنشطة المناهضة للغرب وإسرائيل، بما في ذلك تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية التي تستهدف إسرائيل، وهو موقف مشابه لدول الخليج العربية، خاصة السعودية والإمارات.
ولكن من وجهة نظر الإدارة الديمقراطية الحالية، وكذلك إدارة أوباما السابقة، فإن هدف الاتفاق هو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ولكنه لا يتعلق بأنشطتها العسكرية وخاصة الصاروخية، وكذلك أنشطة الجماعات الموالية لها.
ويعتقد العديد من القادة السياسيين الإسرائيليين أيضاً أن الحكومة الإيرانية لن تتخلى حقًا عن طموحاتها النووية ، وأن إيران الأكثر قوة اقتصاديًا ستواصل في نهاية المطاف مثل هذا البرنامج مرة أخرى. العديد من بنود الاتفاق النووي لها تواريخ انتهاء الصلاحية.
رغم أن قادة إسرائيل الأمنيون يتقبلونه سراً
لكن بعض الإسرائيليين في المؤسسة الأمنية – غالباً ضباط متقاعدون يتمتعون بمزيد من الحرية للتحدث بصراحة – اختلفوا عن قادتهم السياسيين بشأن هذه القضية، حسبما ورد في تقرير صحيفة Politico.
وهم يجادلون بأنه على الرغم من عيوب الاتفاق النووي من وجهة نظر إسرائيلية، فإنه أفضل من عدم وجود قيود أو مراقبة لبرنامج إيران النووي.
وكان لافتاً أن انتقادات إسرائيل للمسار الحالي الذي اقترب من إحياء الاتفاق يتركز على أن الاتفاق سيزود إيران بالأموال عبر رفع العقوبات، وهو أمر يشكك في حجج تل أبيب بشأن الاتفاق.
ويثير تساؤلات حول ماذا تريد تل أبيب بالضبط، فالمفترض أن الخطر غير المقبول بالنسبة لها وللغرب، ولدول الخليج هو امتلاك إيران أسلحة نووية، وهو أمر قد تزداد خطورته إذا استمرت طهران في انتهاك الاتفاق النووي كما تفعل حالياً.
يدرك مسؤولو إدارة بايدن أن أنشطة لإيران التي تعتبر مؤذية لإسرائيل وأمريكا وحلفائها العرب لا تبدأ وتنتهي بالبرنامج النووي. لكنهم يؤكدون أن احتواء هذا البرنامج سيجعل من السهل معالجة العديد من التحديات الأخرى التي تطرحها طهران. وتشمل تلك التحديات كبح برامج الصواريخ ورعايتها لما تصفه واشنطن بالإرهاب.
لأنه سيؤخر الزمن اللازم للقنبلة النووية الإيرانية
في الوقت الحاضر، يُعتقد أن الوقت اللازم لإيران للاقتراب من القنبلة النووية – مقدار الوقت اللازم لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي – هو بضعة أسابيع.
بموجب الصفقة المستعادة، من المحتمل أن يكون يرتفع هذا الوقت إلى حوالي ستة أشهر، وكان تم تقديرها بحوالي عام بموجب الاتفاقية الأصلية لعام 2015 التي انسحب منها ترامب.
ولا يعرف هل تستجيب إدارة بايدن للضغوط الإسرائيلية أم لا؟
ولكن الهجوم الأمريكي على أهداف تابعة لطهران أو حلفاء لها في سوريا والذي حرصت إدارة بايدن على تسريب أنبائه رغم الاقتراب من الاتفاق، مؤشر لرغبة الإدارة الأمريكية في تصعيد محسوب ضد طهران.، لامتصاص مزايدات الإسرائيليين والأمريكيين الجمهوريين على السواء.
بايدن كانت قد وعد بينيت بالتشاور حول الاتفاق وإعداد خطة بديلة
وكان إحياء الاتفاق النووي الإيراني، أحد الخلافات الرئيسية بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
ولكن عندما شكل اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، حكومة ائتلافية قبل أكثر من عام تضم طيفاً واسعاً من القوى السياسية الإسرائيلية، (بما فيها حزب عربي ذو جذور إسلامية)، لا يجمعها شيء سوى العداء لحكم نتنياهو، خفف بينيت الذي يقدم نفسه كوجه يميني حداثي مقبول أمريكياً، ويائير لابيد الذي يقدم نفسه كليبرالي على الطراز الغربي، الخلاف مع بايدن على قاعدة ضرورة تشاور واشنطن في جهودها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني مع تل أبيب، وألا تتخذ الأخيرة خطوات أحادية لإفساده.
وتضمن الاتفاق الذي أبرم خلال لقاء للرئيس الأمريكي مع بنييت عندما كان رئيساً لوزراء إسرائيل، تعهد بايدن بإيجاد خطة بديلة في حال عدم إحياء الاتفاق، حيث عرض عليه بينيت "خطة ب" إسرائيلية تتضمن شن حرب خفية على إيران تشبه التي تلك شنتها أمريكا على الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، وسماها الإسرائيليون الموت بألف طعنة.
والآن مع اقتراب إحياء الاتفاق النووي الإيراني يبدو أن قيادة إسرائيل الحالية تلوح بالتنصل من اتفاقها السابق مع بايدن.
ما خطط إسرائيل لعرقلة إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟
أولاً: الحرب أو الغارات الواسعة
يعني موقف إسرائيل الرافض للاتفاق، هو أن البديل الأقوى من وجهة نظرها لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني هو شن حرب على إيران أو شن غارات جوية واسعة ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وهذا الخيار إما أن يكون بالاتفاق مع إدارة بايدن، والتي عليها في هذه الحالة أن تخرب اتفاقاً قالت هي نفسها إنه معقول ورهن بايدن مستقبله السياسي به، أو أن تقوم إسرائيل بإشعال حرب ضد إيران دون موافقة أمريكا.
احتمال شن حرب إسرائيل على إيران وحدها، أو حتى تنفيذ حملة غارات جوية على منشآتها النووية يبدو ضعيفاً، لأن شن إسرائيل حرب واسعة ضد إيران بدون موافقة أمريكية يبدو صعباً من الناحية العسكرية والسياسية، إذ ستحتاج إسرائيل لدعم عسكري أمريكي، خاصة فيما يتعلق بتزويد طائراتها بالوقود لكي تصل لإيران وتعمل بحرية فوق الأهداف النووية والعسكرية الإيرانية.
والأمر يستلزم أيضاً المرور فوق المجال الجوي العراقي الذي هو فعلياً تحت حماية جزئية أمريكية، أو المجال الجوي السعودي حليف واشنطن العربي الكبير، الذي يبدو أنه يريد التهدئة مع طهران وليس التصعيد رغم قلقه هو أيضاً من الاتفاق، كما أن السعودية لديها قوات جوية وأنظمة دفاعات جوية متطورة، يجعل من الصعب على تل أبيب اختراقها خلسة، إضافة للثمن السياسي لمثل هذا العمل الذي سيلقي بظلاله على آمال إسرائيل للتطبيع مع الرياض.
وعلى الجانب الآخر، فقد ترد إيران بوابل من صواريخها البالستية وطائراتها المسيرة على إسرائيل، وهو أمر ليس له تأثير مدمر، كما تدعي طهران، (إلا إذا استخدمت أسلحة كيماوية)، ولكنه سيظل له دوي كبير داخل إسرائيل، حتى لو تكلفت الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية بإسقاط نسبة كبيرة من صواريخ إيران.
والأهم قد تدفع إيران الميليشيات التابعة لها في لبنان وسوريا والعراق وحتى اليمن للرد على إسرائيل بواسطة صواريخ من مدى أقرب، وبالتالي أكثر قدرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، وخاصة أن طهران لن تأبه كثيراً على الأرجح بأي رد إسرائيلي يدمر البنية المدنية في الدول العربية الثلاث.
والأسوأ أن ترد طهران على أي هجوم عسكري إسرائيلي واسع بالانسحاب من الاتفاق النووي.
يجعل كل هذا خيار شن إسرائيل الحرب الشاملة أو حتى قصف واسع النطاق للبرنامج النووي الإيراني ليس مرجحاً بشكل كبير، فثمنه السياسي والعسكري باهظ وفوائده بالنسبة لتل أبيب ليست كبيرة، في ضوء أن البرنامج النووي سيشهد تقييداً بالفعل إذا تم إحياء الاتفاق.
ثانياً: هجمات تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني
قد يكون الخيار الأكثر احتمالاً، هو تنفيذ إسرائيل لعمليات تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو أمر نفذته تل أبيب بالفعل، ولم تتوقف عنه، وكثير منها عمليات سيبرانية أو اغتيالات لعلماء أو مسؤولين نوويين إيرانيين.
ويعتقد أن هذه العمليات التخريبية قد أخرت البرنامج النووي الإيراني بالفعل، ولكن لم توقفه، كما أن اللافت أنه لم تؤدي لرد فعل حاد من طهران حتى الآن، رغم أنها ردت في بعض الأحوال بالأساس بالهجوم على أهداف بحرية منسوبة لإسرائيل أو تنفيذ هجمات سيبرانية على أهداف إسرائيلية.
يجعل هذا احتمال تنفيذ إسرائيل للهجمات التخريبية المحدودة خياراً غير مستبعد، فهو من الناحية يرفع الحرج عن قادة إسرائيل الحاليين أمام مزايدات نتنياهو، الذي يتوقع أن يتهمهم بأنهم وقفوا مكتوفي الأيدي أمام إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بل يستطيعون ساعتها أن يردوا عليه بأنهم تصرفوا بنفس طريقته، فإذا وصفها بالتقصير، فإن التقصير الأول جاء منه.
وفي الوقت ذاته، فإن إيران في الأغلب، لن ترد بحدة، لأنها لا تريد فتح حرب أو معركة غير محسوبة مع تل أبيب، كما أنها لن يكون ساعتها قادرة بالرد عبر توسيع انتهاكاتها للاتفاق النووي لأنها سوف تصبح ملزمة به، والهجمات جاءت من طرف لا يعترف بالاتفاق ولا تعترف إيران به، وبالتالي الولايات المتحدة سوف تتنصل من مسؤوليتها عن هذه الهجمات ولن تقبل تبريرات طهران للانسحاب بل قد تعتبره عملاً عدائياً يدفعها للرد.
ورغم أنه لا يمكن استبعاد أن إسرائيل قد تنفذ بعض هذه الهجمات التخريبية بالتنسيق سراً مع واشنطن، أو قبول الأخيرة على الأقل لضمان تعاونها العسكري أو الاستخباراتي مع تل أبيب، ولكي تضمن أمريكا بدورها ألا تكون العملية كبيرة بما يؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي برمته.
ويؤشر ذلك إلى أن حرب عصابات الاستخبارات منخفضة الكثافة بين طهران وتل أبيب لن تتوقف، وسيكون لدى الطرفين حرص على أن تبقى منخفضة الكثافة بما لا يدمر مكاسب إيران من إحياء الاتفاق مثل التهدئة مع أمريكا واحتمالات رفع أو تقليل العقوبات، ومكاسب إسرائيل (التي تنكرها عادة) من تجميد انتهاكات طهران للاتفاق النووي.
هل يدفع العرب ثمن التفاهم الإسرائيلي الضمني على حرب منخفضة الكثافة؟
في الأغلب فإن الطرفين لكي يُبقيا الحرب الاستخباراتية منخفضة الكثافة فإنهما سيجعلان جزءاً كبيراً من مجريات هذه الحرب تدور على أرض عربية، حيث ستكون الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان وحتى اليمن طرفاً أساسياً، خاصة فيما يتعلق بتلقي الضربات الإسرائيلية.
فإسرائيل نادراً ما استهدفت أهدافاً إيرانية عسكرية أو مدنية باستثناء الأهداف النووية وبعض القيادات العسكرية المرتبطة بها، ولكنها باسم تحجيم البرنامج النووي الإيراني يمكنها أن تستبيح الأرض العربية، وهي واثقة بأنه لن يكون هناك رد إيراني حتى لو استهدفت حلفاءها العرب.