وصلت الأزمة بين رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان والحكومة إلى مستوى خطير، وسط تساؤلات حول المدى الذي ستصل إليه حملة الحكومة الباكستانية ضد خان، وهل تنتهي باعتقاله أو اضطراره للهروب للمنفى كما حدث للعديد من قادة البلاد السابقين.
وأُلقي القبض على عدد من حلفاء رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان. وتواجه المنصات الإعلامية والشخصيات العامة التي تتعاطف معه إما التخويف أو الإسكات. ووُجهت إليه اتهامات بموجب قانون مكافحة الإرهاب في باكستان، ويواجه احتمالية الاعتقال، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
حملة الحكومة الباكستانية ضد خان جزء من تاريخ البلاد السياسي
وكشفت هذه الدراما المشهودة في باكستان حالياً، النقاب عن الحالة الخطيرة التي تتسم بها السياسة الباكستانية: وهي لعبة يحصل الفائز فيها على كل شيء، وفيها تُطوَّع قوات الأمن والنظام القضائي بوصفها أسلحة لتهميش الأطراف التي فقدت رضا المؤسسة العسكرية القوية أو النخبة السياسية في باكستان.
تمثل حملة الحكومة الباكستانية ضد خان جزءاً من نمط في سياسة البلاد تكرر عبر العقود، الأمر الذي حول المناخ السياسي في البلاد إلى ميدان وحشي لا يجرؤ على التنافس فيه إلا قليل من القادة النخبويين، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.
وأصاب هذا المشهد الشعب الباكستاني بخيبة أمل في النظام السياسي، الذي تقف على أعلى قمته منذ عقود بضع سلالات عائلية.
منذ تأسيس باكستان قبل 75 عاماً، ابتُلي البلد المسلح نووياً بالتقلبات السياسية والانقلابات العسكرية. وحتى في أهدأ الأوقات، كانت المؤسسة العسكرية للبلاد هي اليد الخفية التي توجه السياسة الانتخابية، وتؤذن لحلفائها بشغل مراكز السلطة وتبعد منافسيها.
كان آخر رئيس وزراء يُستبعد من منصبه قبل خان، هو نواز شريف- الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الحالي- وكان ذلك في 2017 بعد توجيه اتهامات بالفساد إليه في حكمٍ مثير للجدل صدر عن المحكمة العليا. لجأ نواز شريف إلى لندن، لينضم إلى قائمة طويلة من الشخصيات السياسية التي نُفيت فعلياً من باكستان بسبب تهديد الاتهامات الجنائية.
وفي تكرار لذلك السيناريو السياسي، وُجهت اتهامات أمس الأول الأحد 21 أغسطس/آب إلى عمران خان، بموجب قانون مكافحة الإرهاب بعد إلقاء كلمة أمام آلافٍ من مؤيديه في العاصمة الباكستانية، حيث هدد باتخاذ تحرك قانوني ضد كبار مسؤولي الشرطة وأحد القضاة المتورطين في الاعتقالات الأخيرة ضد أحد كبار مساعديه.
لكنه يبدو حالة مختلفة بفضل كاريزمته
غير أن خان، وحتى بعد الخلاف مع قادة الجيش والإطاحة به من منصبه في وقت سابق من هذا العام في تصويت حجب الثقة عنه، استطاع أن يُبقي نفسه وحزبه وسط السياسات الباكستانية. ويعرض هذا قدرة لاعب الكريكيت السابق والسياسي الذي يتمتع بكاريزما كبيرة على الاستفادة من الإحباط العميق لدى الشعب من النظام السياسي، وعلى تطويع القوة الشعبوية التي كان الزعماء الدينيون يحظون بها.
أثارت تلك الشعبية انتباه الحكومة الجديدة، التي يقودها شهباز شريف، والمؤسسة العسكرية، التي بدأت في استهداف مؤيديه، وألَّبت النظام القضائي على خان نفسه. لكن كتاب الخطط الذي استُخدم كثيراً في الماضي يبدو أنه لا يفعل إلا القليل للسيطرة عليه، أو على الأقل حتى الآن، ويخشى بعض المحللين من احتمالية أن يسفر عن هذه المواجهة اندلاع أعمال عنف.
أي تحرك لإلقاء القبض عليه سيشعل الأوضاع
قال زاهد حسين، المحلل السياسي المستقر في العاصمة الباكستانية إسلام آباد وكاتب العمود في صحيفة Dawn الباكستانية: "يُتهم رئيس الوزراء السابق بتهديد مسؤولي الحكومة. إنها مزاعم خطيرة تجلب المواجهة بينه وبين الحكومة الاتحادية إلى ذروتها. أي تحرك لإلقاء القبض عليه يمكن أن يشعل وضعاً سياسياً يبدو متقلباً بالفعل".
كثفت الاتهامات الموجهة ضمن حملة الحكومة الباكستانية ضد خان من شدة المواجهة بين الجانبين، وأُضيفت إلى موجة من التقارير التي تشير إلى المضايقات والاعتقالات والتخويف ضد الصحفيين وحلفاء خان في الأسابيع الأخيرة، التي يرى كثيرون أنها جهود منسقة عن طريق السلطات لإضعاف فرصه السياسية.
لكن حملة الحكومة الباكستانية ضد خان، يبدو أنها رفعت من شعبيته وعززت ادعاءاته بأن المؤسسة العسكرية تآمرت للإطاحة بحكومته في أبريل/نيسان، وذلك حسبما يقول المحللون.
وقالت مديحة أفضال، الزميلة الباحثة لدى مؤسسة بروكينغز: "ما يميز اللحظة الحالية عن اللحظات السابقة، هو حجم قوة الشارع المطلقة التي لدى خان. وقوة الشارع تصنع فارقاً في باكستان، حتى عندما لا تُترجم إلى أصوات انتخابية".
الحملة زادت من شعبيته، وها هو يكتسح انتخابات أكبر إقليم بباكستان
فاقمت حملة الحكومة الباكستانية ضد خان ومؤيديه من الإحباطات بين الشباب والمتمرسين في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في باكستان والجيل الأكبر على السواء، بسبب الفساد الراسخ والقبضة النافذة التي يتمتع بها الجيش في النظام السياسي للبلاد.
وقال شرفت علي، الطالب الجامعي الذي كان يجلس مع أصدقائه في مقهى بمدينة كراتشي، التي تعد مركزاً اقتصادياً رئيسياً في البلاد: "أولاً، أطاحوا به من رئاسة الوزراء، والآن يريدون إلقاء القبض عليه، وحظر خطبه في القنوات التلفزيونية، ومضايقة أعضاء فريقه. لكن مثل هذه التحركات الفاشية لا تستطيع إيقاف الشعب عن دعم خان، ولا سيما الشباب".
في الشهرين الماضيين، نجح خان في الاستفادة من الدعم الجارف له وترجمته إلى براعة انتخابية. فقد تمكن حزبه، حركة الإنصاف الباكستانية، من تحقيق فوز كاسح في الانتخابات المحلية في إقليم البنجاب، الذي يتمتع بثقل كبير في السياسات المحلية، وفي مدينة كراتشي المرفئية الاستراتيجية.
..يقال إن هناك ضباطاً متعاطفين معه
وبرغم الخلافات بينه وبين كبار القادة في الجيش، حافظ خان على وجود متعاطفين معه بين صفوف الضباط، حسب تقرير The New York Times.
فلقد شاركت مجموعة من المسؤولين العسكريين المتقاعدين في التظاهرات المؤيدة لخان في الأشهر الأخيرة. وقد تمادى كبير الموظفين لديه، شهباز جيل، لدرجة حثه الضباط على رفض طاعة قادتهم خلال ظهور على التلفزيون، مما أدى إلى اعتقاله وتوجيه اتهامات إليه بأنه يحاول التحريض على التمرد بين صفوف الجيش.
يقول خان إن "جيل" تعرض للتعذيب والتحرش الجنسي أثناء احتجازه، برغم أن كبار الوزراء في الحكومة ومسؤولي الشرطة في إسلام آباد ينكرون هذه الادعاءات.
مُنح خان أمس الإثنين 22 أغسطس/آب شكلاً من أشكال الكفالة، التي يُسمح بها في باكستان قبل إلقاء القبض على شخص ما. لكن كثيرين يخشون من أن اعتقال خان في نهاية المطاف سوف يفاقم من الاضطراب السياسي الذي تورطت فيه البلاد في الأسابيع الأخيرة.
وحذر مؤيدو خان من اعتقال خان، وقالوا إنه "خط أحمر"، ومع انتشار أنباء الاتهامات يوم الأحد مساء، احتشد مئات منهم حول منزله الفخم في ضواحي إسلام آباد وتعهدوا بالمقاومة.
وقال سيد ذو الفقار عباس بخاري، أحد المساعدين المقربين من خان: "إذا جرى تجاوز هذا الخط الأحمر، سوف نُجبَر على إغلاق البلاد. اعتقاله سوف تنتج عنه ثورة حول البلاد".