تتطلع أوروبا إلى أن تسفر الاجتماعات بين رئيس صربيا ألكسندر فوسيتش ورئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي بالعاصمة البلجيكية بروكسل الخميس 18 أغسطس 2022 عن نتائج ملموسة تقود إلى تطبيع العلاقات بين البلدين ونزع فتيل الأزمة التي تهدد منطقة البلقان بأكملها. فما احتمال نجاح هذه المباحثات؟
الأزمة بين صربيا وكوسوفو.. قنبلة موقوتة في البلقان
وافق فوسيتش وكورتي على دعوة من مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لعقد اجتماع بينهما من أجل البحث عن حل للتوترات الحدودية الأخيرة بين البلدين.
ويجتمع فوسيتش وكورتي مع كل من بوريل والأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي ميروسلاف لاجاك، في محاولة لتطبيع العلاقات بين بلغراد وبريشتينا وإيجاد حل مقبول للنزاعات بين الطرفين.
وستُعقد محادثات بروكسل بعد أكثر من عام على آخر لقاء بين مسؤولي البلدين في يوليو/تموز 2021، وهو أحد اجتماعين عُقدا العام الماضي وأخفقا في تحقيق نتائج مهمة، حاول الاتحاد الأوروبي من خلالها قيادة حوارات لتطبيع العلاقات بين بلغراد وبريشتينا.
ما أسباب الأزمة بين صربيا وكوسوفو؟
تصاعدت، نهاية يوليو/تموز الماضي، التوترات بين البلدين الجارين عقب دخول قانون أعلنت عنه حكومة كوسوفو حيز التنفيذ، قبل أن تتراجع وتؤجل بدء سريانه لمدة شهر بغية تهدئة الوضع.
ودفع القانون بسكان من الأقلية الصربية شمالي كوسوفو إلى الاحتجاج وقطع الطرق قرب معابر حدودية رئيسية، بحسب شرطة كوسوفو.
وسبق أن أعلنت كوسوفو أنه اعتباراً من مطلع أغسطس/آب 2022 سيتعين على المسافرين القادمين من صربيا الحصول على وثائق شخصية جديدة للدخول والخروج صادرة من بريشتينا وصالحة لمدة ثلاثة أشهر، بدلاً من وثائقهم الصادرة من صربيا.
وتتطابق هذه السياسة مع سياسة طويلة الأمد تفرضها بلغراد على مواطني كوسوفو الذين يزورون صربيا، لذا تحاول كوسوفو العمل بالمثل.
وفي 1999، انفصلت كوسوفو، التي يمثل الألبان المسلمون أغلبية سكانها، عن صربيا وأعلنت استقلالها عام 2008.
واعترف معظم أعضاء منظمة الأمم المتحدة، وبينها تركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، بكوسوفو دولة مستقلة، لكن بلغراد تصر على أن كوسوفو جزءاً من أراضيها، وتدعم الأقلية الصربية فيها.
تشاؤم من نتائج اجتماعات صربيا وكوسوفو
من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية دريتيرو أريفي، في حديث لوكالة الأناضول، أن الاتحاد الأوروبي "غير مستعد لمثل هذه المحادثات الجادة" بين صربيا وكوسوفو.
واعتبر أريفي أن الاتحاد "ينظم الاجتماع فقط ليخلق بطريقة ما انطباعاً بأن السلام والمفاوضات مستمرة وأن البلدين لديهما علاقة جيدة". وشدد أريفي على أن العلاقات بين بلغراد وبريشتينا "سيئة".
وتابع: "لا أتوقع أي شيء من هذا الاجتماع. إذا حدث شيء إيجابي، فقد يكون مجرد قبول من حيث المبدأ لتسوية قضية الأشخاص المفقودين في حرب كوسوفو". إذ يرى أن الوصول إلى نقطة تلاقٍ بشأن مفقودي حرب كوسوفو "سيكون انتصاراً عظيماً" لبريشتينا.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، ففي حال عدم التوصل لأي نتائج في هذه القضية ستستمر العلاقات بين البلدين على المسار ذاته "اجتماع أو اجتماعين في السنة دون جدوى؛ لأن الاتحاد الأوروبي والمسؤولين عن هذا الحوار لم يظهروا الجدية اللازمة".
الغرب والحد من نفوذ روسيا في البلقان
أما الخبير السياسي الصربي أوجنين جوجيتش فقال إن واشنطن "لا تريد زعزعة الاستقرار في منطقة البلقان وستضغط من أجل نوع من الاتفاق بين كوسوفو وصربيا في بروكسل".
وأضاف جوجيتش للأناضول أن الفوضى التي شهدها شمالي كوسوفو مؤخراً لا تناسب الأمريكيين، وهذه التوترات "ستفتح الباب أمام تدخل الروس".
ومنذ 24 فبراير/شباط الماضي، تشن روسيا هجوماً عسكرياً في جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم غربية عديدة، بينها واشنطن، إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو.
واستدرك جوجيتش: "لا أتوقع اتفاقاً نهائياً بشأن تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا في أي وقت قريب".
ووفق رئيس مجلس إدارة منتدى العلاقات العرقية (مقره صربيا) دوسان يانجيتش فإن اجتماع رئيس صربيا مع أمين حلف الناتو "له أهمية أكبر لأنه قد يحدد مسار محادثاته مع رئيس وزراء كوسوفو".
واعتبر أن اجتماع بروكسل "سيكون فرصة لكل من بلغراد وبريشتينا لإثارة مسألة الأمن". وأضاف أنه ينبغي اقتراح آلية تعاون مشتركة بين كوسوفو وصربيا و"الناتو" لمحاربة الجريمة المنظمة والإرهاب. وتابع أن هذا الاجتماع سيكون أيضاً فرصة لبلغراد من أجل إظهار أنها "خارج السياسة الموالية لروسيا".
روسيا تريد إشغال أوروبا بأزمة جديدة في البلقان
حول الوضع في كوسوفو، قال يانجيتش إن الصرب لن يتبعوا سياسة رئيسهم "إذا أدت إلى التصعيد" مع كوسوفو. واعتبر أن الروس "يريدون بدورهم تصعيداً في كوسوفو" لإحراج الاتحاد الأوروبي، "فحرب صغيرة في البلقان ستظهر عدم مسؤولية الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا".
والأحد، دعا الاتحاد الأوروبي صربيا وكوسوفو لتجنب أي "خطاب تحريضي" ووضع حد للأعمال العدائية المتبادلة.
وقال مكتب بوريل، في بيان، إن "التزايد الأخير في الخطاب التحريضي بين مسؤولي كوسوفو وصربيا، لا سيما التصريحات بشأن الحرب والصراع في دول غربي البلقان، تثير قلقاً بالغاً".
وشدد على أن السياسيين في البلدين سيتحملون مسؤولية أي تصعيد يتسبب في زيادة التوترات والعنف المحتمل غربي البلقان.
وتصاعدت مؤخراً التوترات بين صربيا وكوسوفو على خلفية قانون جديد أعلنته حكومة كوسوفو ثم تراجعت عنه لاحقاً.
ويلزم القانون الجميع، بمن فيهم الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، بالحصول على بطاقة هوية من إصدار البلد وإحلال لوحات سيارات إصدار كوسوفو محل القادمة من صربيا المجاورة.
وفي 19 أبريل/نيسان 2013، وقّعت صربيا وكوسوفو اتفاقية لتطبيع العلاقات بين بينهما وصفها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بـ"التاريخية".
الناتو يعلن استعداده للتدخل بـ 4000 آلاف عسكري إذا انفجرت الأزمة
من جهته، دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، الأربعاء 17 أغسطس/آب 2022، كلاً من صربيا وكوسوفو إلى عدم تصعيد التوترات، معرباً عن استعداد الحلف للتدخل، من أجل الحفاظ على الاستقرار، مشيراً إلى أن الحلف سيعزز قوة حفظ السلام التابعة له في كوسوفو.
وأكد في الوقت ذاته أن الحلف يواصل مراقبة الوضع من كثب، وأن قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات في كوسوفو "كفور" مستعدة للتدخل إذا تعرض الاستقرار للخطر، ما يدفع الحلف إلى تعزيز هذه القوة، على حد قوله.
وأوضح ستولتنبرغ، في مؤتمر صحفي بعد محادثات مع الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش، الذي كان يقف بجانبه، في بروكسل، أن لديهم "الآن بعثة كبيرة تتمثل في وجود عسكري بكوسوفو بما يقارب 4000 جندي".
وأضاف: "إذا استلزم الأمر، فسننقل قوات وننشرها أينما كانت الحاجة لذلك، وسنعزز وجودنا. لقد عززنا وجودنا بالفعل في الشمال. ونحن مستعدون لفعل المزيد".