"حضر الدولار ولكن غابت بعض السلع"، هكذا يمكن وصف حال الاقتصاد المصري مع تفاقم أزمة الدولار؛ حيث كان لافتاً عدم حدوث تراجع كبير للجنيه المصري أو نقص في السلع الغذائية الأساسية، ولكنَّ هناك نقصاً ملحوظاً في السلع الاستهلاكية المستوردة وقطع الغيار وبعض مستلزمات الإنتاج جراء أزمة الاستيراد في مصر التي ترتبت على تقييد الحكومة للواردات.
في حين تتواجد السلع الأساسية بوفرة، أصبح نقص المنتجات بدءاً من الملابس الصيفية إلى السيارات المستوردة – أمراً شائعاً في الأسواق، حسبما ورد في تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية.
مصر تلجأ لتقييد الاستيراد لتقليل تدهور الجنيه
وعقب الحرب الأوكرانية التي تضررت منها مصر بشدة، أصدر البنك المركزي المصري قراراً خلال فبراير/شباط 2022، بوقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية بدلاً منها، وقال إن ذلك لحوكمة عمليات، وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي سيبدأ تطبيقها بصورة إلزامية، وأدت هذه الإجراءات لفرض قيود كبيرة على الاستيراد، ثم عادت الحكومة بعد ذلك بأشهر باستثناء السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج من هذه القيود.
وتعاني مصر من فجوة تمويلية كبيرة في الدولار، جراء تداعيات الحرب الأوكرانية التي قللت إيرادات مصر من العملة الأجنبية سواء لتراجع السياحة الروسية أو بسبب هروب مستثمري الأموال الساخنة من الاقتصادات الناشئة؛ حيث كانت مصر وجهةً مفضلة لهم، ولكنها لم تعد كذلك.
فمع توسع الدولة المصرية في الاقتراض الخارجي خلال السنوات الماضية، باتت تعاني من صعوبة في كيفية توفير الدولارات اللازمة لتمويل الاستيراد وفي سداد الديون الخارجية المتراكمة، في وقت طالت المفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي الرامية للحصول على قرض جديد، وذلك على ما يبدو بسبب شروط الصندوق القاسية التي تخشى الحكومة أن تؤدي إلى تفاقم التضخم في البلاد وزيادة معاناة المواطنين.
وفي وقت سابق، قال صندوق النقد الدولي إن مصر بحاجة إلى تحقيق "تقدم حاسم" في الإصلاحات المالية والهيكلية، وأشار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إلى "استمرار هشاشة وضع مصر جراء أعباء الدين العام المرتفعة ومتطلبات التمويل الإجمالي الكبيرة".
كما أضاف المجلس في بيان أن الإصلاحات يجب أن تعزز أيضاً تنمية القطاع الخاص وتقلص دور الدولة.
المؤسسات الدولية ترى أن الجنيه يجب أن يتراجع
وتُقدّر مؤسسة "غولدمان ساكس" المالية الأمريكية أنَّ مصر قد تحتاج لحزمة بقيمة 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي للوفاء باحتياجاتها التمويلية خلال السنوات الثلاث المقبلة، لكنَّ وزارة المالية أكّدت أنَّ المبلغ المطلوب أقل من ذلك. ويُضاف ذلك إلى تعهدات بأكثر من 22 مليار دولار على شكل ودائع واستثمارات من السعودية والإمارات وقطر.
وكانت الحكومة المصرية قد خفضت الجنيه في مارس/آذار 2022 بنحو 17 %، ليتراجع من نحو 15.5 للدولار إلى 18.5، ومنذ ذلك الوقت هبط الجنيه المصري بوتيرة أقل حيث بلغ نحو 19 جنيهاً للدولار، مقابل نحو 20 جنيهاً في السوق الموازية.
وسجل الجنيه مؤخراً 11 أسبوعاً من الخسائر في السوق الخارجية، وهي أسوأ سلسلة هبوط متتالية للعملة المصرية منذ ما يقرب من 10 سنوات، في الثلث الأول من شهر أغسطس/آب 2022.
وكشفت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، الثلاثاء 9 أغسطس/آب 2022، عن توقعات خبراء اقتصاديين بشأن الجنيه المصري، حيث قالوا إن العملة المصرية مقوَّمة بأعلى من قيمتها بنسبة 10%، كما تم قياسها من خلال سعر الصرف الفعلي الحقيقي.
وفي سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، تمّ تداول العقد البالغة مدته ثلاثة أشهر عند نحو 21 جنيهاً مصرياً لكل دولار، أي أقل بـ9% من السعر الفوري في الخارج، بحسب ما أفادت به الوكالة الأمريكية.
كيف قللت الحكومة المصرية من تراجع الجنيه عبر تقييد الاستيراد؟
في محاولة لمنع تدهور الجنيه المصري بشكل حاد، لجأت الحكومة لإجراءات استثنائية منها ضرورة فتح المستوردين لاعتمادات مستندية، ووضعهم لقيمة تعادل 120 % من قيمة وارداتهم في المصارف بالعملة المحلية على أن توفر الدولة عبر المصارف لهم الدولارات اللازمة لدفع ثمن السلع التي يستوردونها.
وبالتالي لم يعد من حق المستورد شراء الدولارات من السوق الموازية وإيداعها في البنوك لتمويل عملياته الخارجية، الأمر الذي قلل الضغط على الدولار، في هذه السوق، ومنع وجود فارق كبير بين السعر الرسمي وبين السعر في السوق الموازية (السوق السوداء) كما حدث في أزمات الجنيه السابقة وآخرها في عام 2016.
ولكن هذا يعني وضع الحكومة قوائم انتظار للسلع، حسب أولويتها، وعدم توفير الدولارات اللازمة لمستوردي السلع التي تراها الحكومة غير أساسية، مما أدى فعلياً لحظر استيراد كثير من السلع.
أدى هذا الوضع إلى توافر السلع الأساسية سواء لاستيراد الحكومة مباشرة لها، أو رفع القيود السابقة عن بعضها، في المقابل، فإن السلع التي تصنفها الحكومة غير أساسية باتت تغيب من الأسواق.
علماً بأن مفهوم السلع الأساسية يصعب ضبطه سواء بسبب البيروقراطية الحكومية أو تعقد الأسواق، ووجود بعض السلع التي تبدو للوهلة الأولى غير أساسية، ولكنها ضرورية في سلسلة التوريد المحلية المرتبطة بالصناعة.
وكانت ماركات الملابس الأجنبية أبرز الضحايا هذه السياسة التي سبقها قرار حكومي بإلزام الشركات الأجنبية للتسجيل قبل تصدير منتجاتها لمصر، وأدى ذلك لتراجع اختيارات المستهلكين لمجموعات الموضة السريعة مثل: "مانغو" (Mango) و"زارا" (Zara) و"إتش آند إم" (H&M).
وعندما يتعلق الأمر بواردات السلع الغذائية الفاخرة؛ فإنَّ بعض العلامات التجارية لحبوب الإفطار ورقائق البطاطس والـ"هوت دوغ" البقري، وكذلك الأصناف المتنوعة من صلصة "بيستو" و"اللازانيا"، يمكن أن تنفد بسرعة أو يصبح الحصول عليها صعباً، بحسب ما قال متسوقون تواصلت "بلومبرغ" معهم.
أزمة الاستيراد تنعكس على الدواجن والبيض، والمربّون يبيعون بخسارة
رغم حرص الحكومة المصرية على منع انتقال الأزمة للسلع الغذائية الأساسية، ولكن تداعياتها انتقلت بالفعل إلى قطاعي الدجاج والبيض اللذين يمثلان سلعة شديدة الأهمية في مصر، والمصدر الرئيسي للبروتين الحيواني.
وتشهد مصر مشكلة في صناعة الدواجن، تظهر بالأخص في الارتفاع الكبير في أسعار البيض بشكل أثار الانتقادات، ودفع الحكومة لاتهام التجار بالمغالاة في الأسعار.
وقالت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، ممثلة في قطاع تنمية الحيوانية، في تقرير لها صدر مؤخراً إن التغيرات المناخية وجشع التجار شريكان في ارتفاع أسعار البيض مجددا، رغم تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 100%.
يأتي هذا الاتهام التقليدي، رغم أن كثيراً من المنتجين فعلياً باتوا يبيعون بخسارة حسب ما قاله مطلع على هذا القطاع لـ"عربي بوست"، والذي كشف عن قيام الحكومة بإجبار بعض منتجي البيض على بيع إنتاجهم بأسعار أقل من التكلفة عبر المنافذ المملوكة للدولة والقوات المسلحة والشرطة.
كما أن بعض منتجي الدجاج مضطرون لبيع إنتاجهم من من الدواجن الكبيرة الحجم بأقل من سعر التكلفة؛ لأن الدواجن لا يزداد حجمها عندما تصل لـ"عمر معين"، بينما تواصل استنزاف موارد المربين؛ لأنها تواصل التهام الغذاء، في وقت تراجع فيه الاستهلاك بسبب الأزمة الاقتصادية والإقبال على اللحوم الحمراء خلال فترة عيد الأضحى.
أوكرانيا وقيود الاستيراد المحلية ترفع أسعار الأعلاف
وسبب هذه الأزمة، هو ارتفاع أسعار أعلاف الدواجن عالمياً جراء الحرب الأوكرانية، والتضخم العالمي، أضيف إليها فرض قيود على استيراد الأعلاف، علماً بأن مصر لديها شبه اكتفاء ذاتي من الدجاج والبيض، ولكنها تعتمد على استيراد الأعلاف بشكل كبير، حيث إن نحو 95% من أعلاف الدواجن واللقاحات مستوردة.
وتعتمد مصر على 3 دول رئيسية لاستيراد الذرة الصفراء وهى: أوكرانيا، والبرازيل، والأرجنتين، وبعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا توقفت جميع المراكب القادمة من أوكرانيا عن الدخول إلى مصر بالرغم من دفع ثمن البضاعة المستوردة.
كما تعطلت شحنات محملة بالذرة المستوردة عن الإفراج عنها من قبل الجمارك، مما دفع أصحاب شركات الأعلاف لرفع الأسعار بعد انخفاض المعروض في مصر، ليتحمل عبء ارتفاع أسعار الأعلاف منتجو ومربو الدواجن في مصر.
وفي مطلع شهر أغسطس/آب الحالي كانت تباع كرتونة البيض بـ56.5 جنيه عند باب المزرعة، بينما تكلفتها تتجاوز الـ70 جنيهاً بعد الارتفاعات الأخيرة في أسعار الأعلاف.
ومع توالي خسائر منتجي الدجاج والبيض، فإن هناك عدداً كبيراً من المربين على حافة التوقف عن العمل في حالة استمرار ارتفاع أسعار الأعلاف، مما قد يؤدي لتفاقم الأزمة مستقبلاً، حسبما قال عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بغرفة القاهرة التجارية لموقع "القاهرة 24".
وأدى كل ذلك بالفعل إلى خروج العديد من المنتجين مؤخراً، حيث إن المنتج يخسر أموالاً فادحة في سعر كل كرتونة بيض مبيعة، حسب أحمد نبيل عبدالله، نائب رئيس شعبة بيض المائدة بالاتحاد العام لمنتجي الدواجن، الذي حذر من أن خروج المنتجين من السوق سيسبب أزمة كبيرة في توفير السلعة وارتفاع سعرها مرة أخرى بشكل مبالغ فيه، مشبهاً تلك الأسعار الحالية بـ"الهدوء ما قبل العاصفة".
وأرجع الزيادات الأخيرة في أسعار الأعلاف، بسبب عدم فتح اعتمادات مستندية لاستيراد الأعلاف منذ فترة كبيرة جداً، موضحاً أن الاتحاد العام طالب رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي بضرورة سرعة فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد الأعلاف، مشيراً إلى أنه تمت الموافقة من جانب المسؤولين وستتم انفراجة كبيرة في فتح الاعتمادات لشركات استيراد الأعلاف خلال الفترة الحالية.
"أثمن من الذهب".. حظر استيراد السيارات
تبدو تداعيات أزمة الاستيراد واضحة بشكل كبير في قطاع السيارات؛ حيث توقف استيراد مصر للسيارات فعلياً، ولكن بدون قرار رسمي.
وارتفعت الأسعار الرسمية للسيارات، بنحو 25 % أو أكثر، بمعدل يبلغ في المتوسط نحو مئة ألف جنيه أو 150 ألفاً للسيارات المتوسطة، ولكن واقعياً، لا تبيع التوكيلات بهذه الأسعار، حيث يبيع الموزعون والتجار السيارات بزيادة غير رسمية (يطلق عليها أوفر برايس)، بمعدل يصل إلى نحو 200 ألف زيادة عن السعر الرسمي، ونحو 300 ألف جنيه عن السعر السابق للأزمة، مما يجعل سعر السيارات واقعياً يقارب ضعف سعرها قبل الأزمة.
ولكن الزيادات تبدو أقل في السيارات الصينية وكذلك السيارات المجمعة محلياً، وكلاهما متوفر بشكل أيسر نسبياً من السيارات الأوروبية واليابانية والكورية.
جعل هذا السيارات تتحول لسلعة ثمينة أكثر حتى من الذهب، وبدأ بعض المصريين يتخذونها مخزوناً لقيمة مدخراتهم بالجنيه المصري، في ظل صعوبة الحصول على الدولار، وانخفاض أسعار الذهب عالمياً، وشملت هذه الظاهرة السيارات المستعملة التي ارتفعت أسعار بعضها لما يقرب من الضعف، فسيارة مثل سكودا أوكتافيا موديل عام 2020 أو 2021، كانت تبلغ قيمتها مستعملة بنحو 400 ألف جنيه، زادت إلى أكثر من 700 ألف جنيه.
كما امتنعت بعض التوكيلات عن تسليم السيارات لحاجزيها الذين دفعوا مقدمات ما اشتروه قبل الأزمة وقبل تخفيض الجنيه في مارس/آذار 2022، وقضى جهاز حماية المستهلك بحل وسط يتضمن تسليم الوكلاء للسيارات للحاجزين قبل تاريخ معين، أما الآخرون، فقضى برد المبالغ التي دفعوها لهم مع إضافة قدرها 18% من المبلغ المدفوع، على اعتبار أن هذه نسبة انخفاض قيمة الجنيه بعد قرار البنك المركزي في مارس/آذار الماضي.
ولكنَّ الحاجزين يشكون أن أسعار السيارات ارتفعت بنسبة تقارب الربع رسمياً، وبنسبة تفوق النصف واقعياً، مما يجعل هذا التعويض غير كافٍ على الإطلاق ليمكنهم من شراء سيارات بديلة.
لماذا يمثل وقف استيراد السيارات خياراً مفضلاً للحكومة؟
يعتقد أن الحكومة المصرية تجد أن وقف استيراد السيارات هو الحل الأقل تكلفة من الناحية الاجتماعية لترشيد دولارات البلاد المتناقصة، فما زالت السيارات سلعة شبه كمالية لكثير من المصريين؛ حيث يتركز شراؤها في الشرائح العليا والوسطى من الطبقة الوسطى والطبقة العليا، ولكنها مسألة لا تهم كثيراً الطبقات الأكثر فقراً، بما في ذلك شريحة من الطبقة الوسطى.
كما أن السيارات سلعة معمَّرة نسبياً، يمكن لصاحبها الإبقاء عليها دون استبدال لفترة طويلة، خاصة أن مصر كان بها تاريخياً ثقافة إعادة التصليح والتأهيل للسيارات "العمرة"، وسبق أن قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، عند إطلاقه لاستراتيجية تصنيع السيارات في مصر قبل أشهر في بداية الأزمة، إن مصر يجب أن ترشد استيراد السيارات الذي بلغ قيمته في المتوسط نحو 4 مليارات دولار، وسيصل إلى نحو 8 مليارات دولار بعد سنوات، مما يجعل هذا القطاع سبباً رئيسياً لاستنزاف احيتاطي العملة الصعبة في البلاد، ومؤكداً حرص حكومته على توطين صناعة السيارات في البلاد لتقليل الاستيراد.
فالبنسبة للحكومة المصرية يمثل وقف أو تقليل استيراد السيارات الجبهة الأسهل في التعامل مع أزمة الدولار، بدلاً من صعود العملة بشكل يهدد السلع الاستراتيجية مثل الغذاء والدواء والوقود وآلات وخامات المصانع.
كما أن منع استيراد السيارات أمر أقل في مشكلاته من منع استيراد سلع أخرى غير أساسية مثل الهواتف المحمولة والحواسيب التي تحتاج للاستبدال بشكل دوري؛ لأنها منتجات غير معمرة.
وسبق لمصر أن حظرت تماماً استيراد السيارات من الخارج خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك في الفترة من منتصف الثمانينات إلى بداية تسعينيات القرن العشرين، واعتمدت في الاستهلاك على سيارات شركة فيات الإيطالية والشركات التركية والأوروبية الشرقية المستنسخة منها والتي كانت تجمع محلياً لدى شركة النصر للسيارات، وكانت جودتها وإمكانياتها أقل من السيارات المجمعة محلياً في الوقت الحالي.
المشكلة التي بلا حل هي قطع الغيار
ولكن أزمة الاستيراد في مصر تمس قطاعاً آخر مرتبطاً بالسيارات، يصعب استبداله محلياً أو وقف استيراده، وهو مجال قطع غيار السيارات.
فإذا كانت مصر يمكن أن تتوسع في تجميع السيارات محلياً، لإشباع سوقها المحلية، حتى لو بقائمة سيارات أقل جودة وتنوعاً من المستورد، ولكن لا يوجد أي دولة قادرة على إنتاج قطع غيار لكل أنواع السيارات المستعملة لديها بما فيها من أجزاء متنوعة وشديدة التعقيد، وبعضها يستورد مستعملاً في الخارج.
وأدى وقف الاستيراد إلى جعل المخزون من قطع غيار السيارات قليل مع ارتفاع أسعاره، بل اختفت بعض قطع الغيار جزئياً، حسب اللواء حسين مصطفى خبير السيارات المصري، الذي حذر من أن هناك شركات بالفعل أغلقت أو سرحت عدداً من العاملين لديها وفي النهاية تسبب ذلك في ضرر المستهلكين.
الأزمة الأخطر.. المصانع
واحدة من أخطر تداعيات أزمة الاستيراد في مصر، هي تأثر المصانع في البلاد جراء نقص مستلزمات الإنتاج من سلع وخامات وآلاف وقطع غيار، التي يأتي أغلبها من الخارج.
وتفيد تقارير بتأثر المصانع جراء أزمة الاستيراد في مصر بشكل متفاوت.
فبعد نحو شهرين من فرض القيود المشار إليها على الاستيراد في فبراير/شباط، صدر قرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، باستثناء الخامات ومستلزمات الإنتاج من قرار وقف العمل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، وهو الأمر الذي أشاد به المصنعون.
ويعتقد أنه بشكل كبير أصبح استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج ممكناً، ولكن هذا لا يمنع استمرار بعض تداعيات الأزمة، خاصة أن المسافة بين ما هو سلع غير أساسية وبين مستلزمات الإنتاج أحياناً قد لا تكون غير فاصلة.
إلى متى يمكن أن يستمر تقييد الاستيراد، وهل يقبل شركاء مصر الدوليون بهذا السياسة؟
في كل الأحوال، فإن القيود على الاستيراد لا يمكن أن تستمر بنفس الشكل لفترة طويلة، ليس فقط لأنها تؤدي لرفع الأسعار وتؤثر على أسعار وتوافر السلع الأساسية، حتى لو لم يتم تقييد استيرادها، ولكن لأن هذه الإجراءات التي تخالف التزامات مصر الدولية والإقليمية ستؤدي لردود فعل معاكسة من قِبل شركائها التجاريين.
وبالفعل، أبلغت وزارة التجارة والتموين الأردنية غرفتي تجارة وصناعة الأردن، بأن المملكة سوف تتخذ إجراءات مماثلة رداً على الإجراءات المصرية مع الصادرات المصرية بناء على مبدأ المعاملة بالمثل.
ويعد الأردن من أهم شركاء مصر العرب التجاريين، ولكن الأخطر أن تتوجه دول الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج لاتخاذ قرار مماثل، وهي الدول التي تمثل السوق الرئيسية للسلع المصرية، إضافة لأنها من أكبر ممولي القاهرة.
وقد تكون هذه الدول الغنية، تراعي في الوقت الحالي ظروف الأزمة التي تواجهها مصر، ولكنها وخاصة الدول الأوروبية لن تقبل بفرض قيود على منتجيها لفترة طويلة.
وفي الأغلب، فإن الخيار المتوقع أن الحكومة المصرية تنفذ هذه السياسات لفترة، لهدفين؛ الأول تقليل الاستيراد بقيمة تبلغ بضعة مليارات كل شهر، لتصغير فجوة الدولارات في العام الحالي وفي الوقت ذاته تكسب مزيداً من الوقت، يتم فيه تخفيض قيمة الجنيه بشكل بطيء بما لا يكرر التراجع الحاد الذي حدث في عام 2016 خلال التعويم الأول (من نحو 9 جنيهات مقابل الدولار إلى 18 جنيهاً)، بحيث يتراجع الجنيه تدريجياً، للمستوى الذي يراه صندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية، عادلاً، (وهو مستوى تتباين التقديرات بشأنه بين 21 و24 جنيهاً للدولار).
وعندها يمكنها إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد لتقديم قرض لمصر، مع محاولة تقليل حدة شروط الصندوق، وسوف يتبع هذا الاتفاق عودة القاهرة للاستدانة من سوق الأموال الساخنة، ولكن ما يجب أن يتغير هذه المرة هو السياسات السابقة التي أعادت إنتاج أزمة الدولار، بما في ذلك ضرورة التخلي عن التثبيت التعسفي للجنيه وترشيد الإنفاق على صفقات السلاح والمشروعات القومية الكبرى وخفض القروض الموجهة للإنفاق على هذه المشروعات، وتقليل دور الدولة والجيش في الاقتصاد، مع تعزيز دور القطاع الخاص، والتركيز على الإنتاج، ولا سيما التصدير.