في الوقت الذي يكافح فيه الاقتصاد المغربي لامتصاص الصدمات الناجمة عن التضخم العالمي والحرب الروسية في أوكرانيا، كان قطاع إنتاج الفوسفات في المغرب يربح بشكل استثنائي، حيث أدت الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية بعد بداية الحرب إلى توجه مستوردي الأسمدة نحو الرباط، التي كانت بالفعل منتجاً رئيسياً لصخور الفوسفات، ومُصدِّراً أساسياً للفوسفات الخام، وكانت الفوائد هائلة.
أرباح كبيرة تحققها صناعة الفوسفات في المغرب
خلال الربع الأول من عام 2022، سجّل "المكتب الشريف للفوسفاط" المملوك للدولة المغربية، وهي شركة تعدين صخور الفوسفات في المغرب ومصنع حمض الفوسفوريك ومنتج الأسمدة، حجم مبيعات قدره 2.4 مليار يورو، بزيادة قدرها 77% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
في مايو/أيار، قالت الشركة إنَّ هذا الارتفاع القياسي يمكن تفسيره بحقيقة أنَّ "الصراع الروسي الأوكراني زاد من حدة الموقف المتوتر من حيث توازن العرض والطلب في سوق الفوسفات، وأدى إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار، الذي كان بدوره مدعوماً بارتفاع تكاليف المواد الخام وخاصة الأمونيا والكبريت".
وفي حين لم يُعلَن بعد عن نتائج الربع الثاني من العام الحالي، قال مصدر من المكتب الشريف للفوسفاط ، لموقع لموقع The Middle East Eye البريطاني. إنَّ الاتجاه نفسه مستمر منذ مارس/آذار.
وبالتالي، في نهاية أبريل/نيسان، لا بد أنَّ المبيعات وصلت إلى ما يزيد قليلاً عن 3.5 مليار يورو، أي ضعف النتيجة المُسجَّلة خلال الفترة نفسها من عام 2021.
رغم أرباح الفوسفات.. الاقتصاد المغربي يعاني
مع ذلك، فإنَّ بقية القطاعات الاقتصادية تقف في تناقض صارخ مع هذه الأرقام. فقد وصل سعر برميل النفط إلى 128 دولاراً مقابل 51 دولاراً في مارس/آذار من العام السابق، وارتفع سعر الفحم في مارس/آذار إلى 415 دولاراً مقابل 69 دولاراً في عام 2021؛ ما يضع خزائن الدولة الفقيرة في موارد الطاقة الأحفورية على المحك.
يعد المكتب الوطني الإستراتيجي للكهرباء ومياه الشرب أول مؤسسة عامة تدفع الثمن.
وتحدث المدير العام للمكتب عبد الرحيم الحفيدي، في أبريل/نيسان، أمام البرلمانيين عن توقعات قاتمة؛ إذ من المتوقع أن يصل عجز المكتب إلى 24 مليار درهم (2.2 مليار دولار) في عام 2022، مقابل فائض في عام 2021.
إضافة إلى ذلك، ستكون الآثار على الاقتصاد المغربي كبيرة لدرجة أنَّ الحكومة ستحتاج إلى قبول معدل نمو يبلغ 1.3% في عام 2022، مقابل 7.9% في عام 2021، وفقاً لهيئة الإحصاء المغربية الرسمية.
الفوسفات في المغرب قضية "سياسية خلافية"
مع تقليص الصين، أكبر منتج للأسمدة في العالم، الصادرات لإرضاء سوقها المحلي، وخضوع روسيا للعقوبات الدولية، فإنَّ شبح أزمة الغذاء يطارد العديد من الدول.
وحذّر البنك الدولي من أنه "خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيكون التحدي الرئيسي هو الحصول على الأسمدة؛ ما قد يؤثر على إنتاج العديد من المحاصيل الغذائية في مناطق مختلفة".
وتردد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مخاوف مماثلة: "إنَّ ارتفاع أسعار الأسمدة وتقلبها يثير مخاوف من انخفاض توافر الأسمدة في 2022-2023؛ ما قد يؤثر سلباً في إنتاج الغذاء والأمن الغذائي".
توجد 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية في المغرب والصحراء الغربية، ويريد المغرب تلبية جزء من الطلب وزيادة إنتاجه بنسبة 10% هذا العام.
لكن يمثل تعدين وتصدير الفوسفات في الصحراء الغربية قضية خلافية سياسية؛ حيث يتهم الصحراويون المغرب باحتلال الأراضي المتنازع عليها، واستخدامها استخداماً غير قانوني للاستفادة من الموارد الطبيعية الثمينة.
وقال مصدر من المكتب الشريف للفوسفاط لموقع Middle East Eye، شريطة عدم الكشف عن هويته: "في السنوات الأربع المقبلة، يمكن أن تزيد الطاقة الإنتاجية بأكثر من 50%".
وفقاً لتحليل أجراه معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، "من خلال المساعدة في مواجهة التهديد الروسي بعسكرة العلاقة بين الغذاء والطاقة، تُظهِر الرباط أهميتها المتزايدة لأوروبا والولايات المتحدة بصفتها شريكاً جيوسياسي في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء".
ويتابع معهد الشرق الأوسط: "بينما تواجه أوروبا حرب استنزاف جغرافية اقتصادية ذات شقين مع روسيا، فإنَّ خطة المغرب لزيادة إنتاج الأسمدة… تغير المعادلة الاستراتيجية من خلال مواجهة قدرة موسكو على عسكرة الغذاء والطاقة".
دبلوماسية الفوسفات في المغرب
كانت البرازيل، التي تعتمد بشدة على الأسمدة الروسية، من أوائل الدول التي لجأت إلى المغرب لزيادة وارداتها من الأسمدة. في زيارة للرباط في مايو/أيار، في إطار ما أسماه "دبلوماسية الفوسفات"، التقى وزير الزراعة البرازيلي ماركوس مونتيس برئيس المكتب الشريف للفوسفاط مصطفى تراب، الذي أعلن على الفور عن مشروع مصنع لمعالجة الفوسفات في البرازيل.
وبعد أيام قليلة، جاء دور نائب وزير الزراعة الياباني تاكيب أراتا للسفر إلى المملكة لطلب المزيد من الفوسفات. وقال للصحفيين يوم 16 مايو/أيار: "المغرب قوة عالمية في مجال الفوسفات؛ لهذا السبب فإنَّ بلدي مهتم باستيراد كمية كبيرة من الأسمدة".
وخلال الفترة نفسها، أفادت الصحافة البنغلاديشية بموافقة الحكومة المحلية على استيراد 40 ألف طن أسمدة من الشركة المغربية. والبلدان الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يعتمد 60% من السكان على الزراعة، ليست استثناءً.
ومن خلال 12 شركة إفريقية تابعة، يعمل المكتب الشريف للفوسفاط بازدياد على توسيع نفوذه في القارة؛ لأنه، وفقاً للمعلومات التي حصل عليها موقع Middle East Eye، يعتزم بناء مصانع جديدة في السنوات القادمة.
في الشهر الماضي، أطلقت شركة الفوسفات العملاقة أيضاً 550 ألف طن من الأسمدة، أو 20% من إنتاجها، في شكل تبرعات أو مبيعات بأسعار مخفضة لدول في إفريقيا.
وبعدها بأيام قليلة، أُعلِن عن عرض 15 ألف طن لرواندا، وافتتاح المجموعة المغربية مصنعاً في عام 2023 بالشراكة مع حكومة بول كاغامي.
وفي مقابلة مع The New Times، قال جيراردين موكيشيمانا، وزير الزراعة الرواندي: "نحن محظوظون لأنَّ أصدقاءنا في المكتب الشريف للفوسفاط قد تبرعوا بـ15 ألف طن من السماد فوسفات ثنائي الأمونيوم، أحد المنتجات التي يسوقها المكتب الشريف".
وحدث السيناريو نفسه في النيجر، حيث ترأس نائب رئيس المكتب الشريف للفوسفاط لغرب إفريقيا، محمد الحتيتي، وفداً في يونيو/حزيران. وأعلن رئيس شركة الفوسفات العملاقة خلال الزيارة عن مشروع مصنع لإنتاج الأسمدة.