على مدى قرون طويلة كان طريق الحرير أحد أقدم طرق التجارة وأهمها، بعد أن مثَّل للعالم شرياناً رئيسياً للتفاعل الثقافي والتجاري في مناطق أوراسيا (أوروبا وآسيا) المختلفة، حتى منتصف القرن الخامس عشر.
وهناك مساعٍ جديدة لإعادة إحياء هذا الطريق، بل وتطوير تأثيره ومداه وخصائصه بشكلٍ يواكب إمكانات الدول العظمى والاقتصاد العالمي المفتوح لعالمنا الحديث.
طموحات الصين في "طريق حرير جديد"
أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 عن إنشاء ممرٍ تجاريٍّ مُزدوج جديد لإعادة فتح القنوات بين الصين وجيرانها في الغرب، وعلى الأخص: آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأوروبا.
ووفقاً لخطة عمل مشروع "الحزام والطريق" أو ما بات يُعرف باسم "طريق الحرير الجديد"، الصادرة عام 2015، تشمل المبادرة الطُّرق البرية (أي الحزام) والطُّرق البحرية (أي الطريق) بهدف تحسين العلاقات التجارية في المنطقة من آسيا الوسطى لأوروبا، من خلال استثمارات البنية التحتية.
ولكن ما هو الفارق بين طريق الحرير الأصلي ونسخته الحديثة الذي ابتكرته الصين وتعمل بشكلٍ حثيث على إقناع الدول بجدواه، وهل يمكن أن يكون ذراعاً اقتصادية ممتدة للسيطرة على شكل العالم السياسي وموازين القوى العظمى؟
طريق الحرير "القديم".. شريان طوَّر الحضارات على جانبيه
يوضح موقع Silk Capital للتاريخ والتوثيق، أنّ "مفهوم طريق الحرير" كان يشير بصورة فعليَّة لكلٍّ من الطرق البرية والبحرية التي تربط بين آسيا وأوروبا.
في حين أن المصطلح بات معروفاً لنا مما تم توثيقه من العملات المعدنية الحديثة التي عُثِرَ عليها في تلك المناطق، فإنّ طريق الحرير اشتق اسمه من التجارة المربحة في الحرير والخيول التي تمَّت على طول هذه المساحات الشاسعة من العالم.
بدءاً من عهد أسرة هان الصينية (207 ق. م حتى 220م) وسَّعت الإمبراطورية نصيب آسيا الوسطى من طُرُق التجارة، حيث كانت أوزبكستان الحالية بمدينتيها الشهيرتين بُخَارَى وسَمَرقَند ومنطقة آسيا الوسطى مركزاً لطريق التجارة العالمي الأوَّل.
لعبت التجارة على طريق الحرير دوراً بارزاً ومحورياً في تطوير حضارات الصين ومملكة جوجوريو (كوريا الشمالية والجنوبية اليوم) واليابان وشبه القارة الهندية وبلاد فارس وأوروبا والقرن الإفريقي والجزيرة العربية، بحسب موقع National Geographic.
كما فتحت المعاملات التجارية والرحلات المستمرة عبر هذا الطريق المجال لتطوير علاقات سياسية واقتصادية بعيدة المدى لم يكن بالإمكان أن تتم من قبل. وكذلك بدأت الحضارات المختلفة تَطَّلِع على بعضها البعض.
وعلى الرغم من أنّ "الحرير" كان بالتأكيد العنصر التجاري الرئيسي الذي يتم تصديره من الصين، فقد تم تداول العديد من السلع الأخرى سواء كانت مادية "معنوية".
وبالإضافة إلى الأديان والفلسفات والأفكار والتقنيات والعلوم الحديثة المختلفة، انتشرت من خلال هذه الطرق التجارية الأهم في ذلك الوقت الأمراض أيضاً؛ فكان طريق الحرير سبباً في تفشي الطاعون في آسيا وأوروبا بين عامي 1346 – 1353.
وكان من بين أجناس التجار الرئيسية خلال العصور القديمة عبر هذا الطريق: الصينيون والعرب والهنود والصوماليون والسوريون والفرس واليونانيون والرومان والجورجيون والأرمن والتركمان، في الفترة من القرن الخامس حتى القرن الثامن ميلادياً.
كما استفادت أوزبكستان وآسيا الوسطى بشكلٍ خاص من كونهما جارتين لعملاقتي آسيا آنذاك: الصين والهند؛ إذ شكّلت هاتان الدولتان 90% من الاقتصاد العالمي آنذاك، ولمدة 1800 عام، بحسب موقع Silk Capital.
"طريق الحرير" وتغيير الثقافات عبر "الورق والبارود"
سافر المستكشف الأوروبي ماركو بولو في القرن الثالث عشر على هذا الطريق ووصفه بعمقٍ في أعماله الشهيرة. لكن، ومع ذلك لم يُنسب إليه الفضل في تسميته بطريق الحرير.
ويُعتقد أن أصل التسمية قد صاغها الجغرافي والرحالة الألماني فرديناند فون ريشتهوفن، في عام 1877 ميلادياً، والذي أطلق عليه اسم "Seidenstrasse" أي طريق الحرير باللغة الألمانية.
في حين أن العديد من أنواع البضائع المختلفة كانت تنتقل على طول شبكة التجارة على طريق الحرير، فإن الاسم يأتي من شعبيَّة الحرير الصيني عندما وصل إلى الغرب، خاصة في روما.