أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في غارة جوية بأفغانستان، فمن هو أيمن الظواهري؟ وكيف تحول من طبيب مصري مغمور إلى أخطر رجل في العالم؟
وقال بايدن في بث تلفزيوني مباشر مساء الإثنين 1 أغسطس/آب إن الظواهري قُتل في غارة أمريكية بطائرة مسيرة، بينما قال مسؤولون أمريكيون لرويترز إن الهجوم وقع مساء الأحد في العاصمة الأفغانية كابول.
وأفاد مسؤولون أمريكيون، تحدثوا لرويترز، بأن الولايات المتحدة نفذت غارة بطائرة مسيرة في العاصمة الأفغانية كابول الساعة 6:18 صباحاً بالتوقيت المحلي (0148 بتوقيت غرينتش) يوم الأحد، مضيفين أن العثور على الظواهري كان نتيجة عمل مكافحة الإرهاب المستمر.
كيف قتله الأمريكيون؟
عندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان، في أعقاب رفض حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن زعيم القاعدة ونائبه أيمن الظواهري وباقي قيادات تنظيم القاعدة الذي نفذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الأراضي الأمريكية، قتلت غارة أمريكية في مدينة قندهار الأفغانية زوجة الظواهري واثنين من أطفاله الستة، لكنه فر إلى باكستان.
وخلال أكثر من 20 عاماً، اقتربت المخابرات المركزية الأمريكية من اعتقال أو قتل أيمن الظواهري عدداً من المرات، منها في عامي 2003 و2004. وفي عام 2009، اعتقد عملاء المخابرات الأمريكية أنهم اقتربوا فعلاً من الإيقاع بالظواهري، الذي أصبح أخطر رجل في العالم، إلا أنهم تعرضوا لكمين نفذه عميل مزدوج فجر نفسه وقتل وأصاب 13 من عملاء المخابرات الأمريكية في مدينة خوست الأفغانية، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وبعد عودة طالبان إلى حكم أفغانستان مرة أخرى بعد الانسحاب الأمريكي في أغسطس/آب من العام الماضي، أفادت تقارير استخباراتية بأن أعضاء تنظيم القاعدة وزعيمها (منذ مقتل بن لادن في غارة أمريكية بباكستان عام 2011) يعيشون في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابول.
وأشار النشاط المتزايد للرسائل والاتصالات التي يجريها الظواهري إلى أنه أصبح "قادراً على القيادة بصورة أكثر كفاءة منذ عودة طالبان إلى الحكم"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وعلى مدى سنوات، كان يٌعتقد لسنوات أن الظواهري يختبئ على الحدود بين باكستان وأفغانستان. لكن هذا العام، حدد المسؤولون الأمريكيون أن عائلة الظواهري- زوجته وابنته وأطفالها- انتقلوا إلى منزل آمن في كابول وحددوا بعد ذلك هوية الظواهري في الموقع نفسه، حسبما قال مسؤول كبير بالإدارة لرويترز.
وحددت المخابرات الأمريكية "بثقة عالية" من خلال مصادر متعددة أن القتيل هو الظواهري. وقُتل في شرفة "منزل آمن" بكابول كان يقيم فيه مع أفراد آخرين من عائلته. ولم تقع إصابات أخرى، بحسب المسؤولين الأمريكيين.
تصريحات مسؤولين أمريكيين ذكرت أن الصاروخ الذي قتل الظواهري من طراز Hell-Fire أو نيران الجحيم، وهو طراز حديث من الصواريخ يمكن إطلاقه من الطائرات المسيرة، ومن تلك الصواريخ ما هو تقليدي، أي يحمل رأسا حربياً ينفجر في الهدف، وما هو غير تقليدي.
ويطلق على الطراز غير التقليدي من صواريخ "هيلفاير" اسم RX9، وتتميز تلك الصواريخ بأنها لا تنفجر، بل تنشر شفرات حادة، تصدم أهدافها "مثل الرمح السريع"، فهي مزودة بست شفرات طويلة لا تبرز من الصاروخ إلا قبل ثوان من الارتطام، ولا يحتوي "R9X"، الملقّب بـ"السكين الطائر"، على رأس حربية، بحسب تقرير سابق لصحيفة Wall Street Journal . ويقول الأمريكيون إن الهدف من صواريخ "هيلفاير" الحد من الخسائر البشرية الجانبية في العمليات التي تنفذها الاستخبارات الأمريكية، على أمل قتل الشخص المستهدف فقط بالمقام الأول.
الظواهري.. من القاهرة إلى أفغانستان
الظواهري، المولود في 19 يونيو/حزيران 1951، ليس من مواليد الأحياء الفقيرة في العاصمة المصرية القاهرة، مثل آخرين انجذبوا إلى جماعات متشددة، إذ ولد لعائلة بارزة، وكان حفيداً لشيخ الأزهر. ونشأ الظواهري في ضاحية المعادي الراقية بالقاهرة، وهو مكان يفضله الرعايا من الدول الغربية.
وكان الظواهري نجلاً لأستاذ لعلم العقاقير، والتحق بكلية الطب في جامعة القاهرة، لكنه كان قد اعتنق الفكر الأصولي الإسلامي لأول مرة وهو لا يزال طالباً في المدرسة وفي سن الخامسة عشرة. واستوحى الظواهري أفكاره من الأفكار الثورية للكاتب المصري سيد قطب، وهو إسلامي أُعدم عام 1966 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم.
ووصفه الأشخاص الذين درسوا معه في كلية الطب جامعة القاهرة في السبعينيات بأنه كان شاباً مفعماً بالحيوية يذهب إلى السينما ويستمع إلى الموسيقى ويمزح مع الأصدقاء. وقال طبيب درس مع الظواهري ورفض الكشف عن اسمه لرويترز: "عندما خرج من السجن كان شخصاً مختلفاَ تماماَ".
وجاءت المرة الأولى التي يسمع فيها العالم عن أيمن الظواهري في أعقاب اغتيال الرئيس المصري أنور السادات يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981 على يد جماعة الجهاد الإسلامي، التي كان الظواهري قيادياً بارزاَ فيها.
وفي قاعة المحكمة، رفع الظواهري، الذي كان مرتدياً جلباباَ أبيض شأنه شأن المتهمين الآخرين الذين أغضبهم اتفاق السلام الذي أبرمه السادات مع إسرائيل، صوته بالقول إنهم ضحوا ومستعدون لمزيد من التضحيات حتى انتصار الإسلام.
ومن داخل القفص بقاعة المحكمة، خاطب الظواهري الصحافة الدولية قائلاً إن المسلحين تعرضوا لصنوف من التعذيب الشديد منها الجلد وهجمات الكلاب المتوحشة في السجن، وأضاف أن السلطات اعتقلت الزوجات والأمهات والآباء والأخوات والأبناء في محاولة للضغط النفسي على "السجناء الأبرياء".
وقال زملاؤه السجناء إن هذه الظروف زادت من تطرف الظواهري ووضعته على طريق الجهاد العالمي. وقضى الظواهري حكماً بالسجن ثلاث سنوات بتهمة حيازة سلاح دون سند من القانون، لكنه بُرئ من التهم الرئيسية المتعلقة باغتيال السادات.
وبعد خروجه من السجن، توجه الظواهري، الذي درس الجراحة ليكون أحد الأسماء المستعارة له الطبيب، إلى باكستان؛ حيث عمل مع الهلال الأحمر في علاج المجاهدين الإسلاميين الجرحى في أفغانستان الذين كانوا يقاتلون القوات السوفيتية.
الذراع اليمنى لأسامة بن لادن
خلال تلك الفترة، تعرف الظواهري على أسامة بن لادن، وهو سعودي ثري انضم إلى المقاومة الأفغانية. وفي عام 1993، أصبح "الطبيب" زعيماً لتنظيم الجهاد الإسلامي في مصر، وكان شخصية بارزة في حملة منتصف التسعينيات للإطاحة بالحكومة المصرية وإقامة دولة إسلامية خالصة. وقُتل خلال الحملة تلك أكثر من 1200 مصري.
وشنت السلطات المصرية حملة قمع على الجهاد الإسلامي بعد محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في يونيو/حزيران 1995 في أديس أبابا. ورد الظواهري بإصدار أمر بشن هجوم عام 1995 على السفارة المصرية في إسلام أباد. واصطدمت سيارتان مليئتان بالمتفجرات ببوابات المجمع، مما أدى إلى مقتل 16 شخصاً.
وفي عام 1999 حكمت محكمة عسكرية مصرية غيابياَ على الظواهري بالإعدام. وبحلول ذلك الوقت كان يعيش حياة المتشددين الخشنة بعد أن ساعد بن لادن في تشكيل القاعدة، وأعلن الظواهري انضواء حركة الجهاد الإسلامي تحت لواء التنظيم الجديد.
وعلى الرغم مما عُرف عنه بأنه شخصية متصلبة ميالة للخلاف، نجح الظواهري في رعاية جماعات تابعة للقاعدة على نحو غير وثيق في جميع أنحاء العالم والتي نشأت كحركات تمرد مدمرة، وبعضها خرج من رحم الاضطرابات التي نجمت عن الربيع العربي. وأدى العنف إلى زعزعة الاستقرار في عدد من البلدان في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
وبعد مقتل بن لادن في غارة أمريكية على منزله في باكستان في مايو/أيار 2011، تولى الظواهري قيادة القاعدة، ومنذ ذلك الحين دعا مراراً إلى الجهاد العالمي، مع وجود بندقية إيه.كيه-47 بجانبه أثناء رسائله المصورة.
وفي تأبين لابن لادن، وعد الظواهري بمواصلة الهجمات على الغرب، مذكراً بتهديد المتشدد السعودي المولد بأنه "لن تهنأ أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن! قبل أن نعيشه واقعاً في فلسطين وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد صلى الله عليه وسلم".
وعلى المستوى العملي، يُعتقد بأن الظواهري متورط في بعض من أكبر عمليات القاعدة، إذ ساعد في تنظيم هجمات عام 2001، عندما استُخدمت طائرات خطفتها القاعدة لقتل ثلاثة آلاف شخص في الولايات المتحدة.
وواجه اتهامات بالضلوع في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998. ورصد مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) 25 مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود إليه.
لكن أيام القاعدة، التي شنت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، كشبكة تدار مركزيا وذات ترتيب قيادة هرمي ولت منذ زمن بعيد؛ بل إن التمرد عاد إلى جذوره في صورة نزاعات محلية، مدفوعة بمزيج من المظالم الداخلية والتحريض من قبل الشبكات الجهادية العابرة للحدود باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم ذلك أثار ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تشدداً في 2014-2019 في العراق وسوريا نفس القدر من اهتمام سلطات مكافحة الإرهاب الغربية بالقاعدة إن لم يكن أكثر. وحاول الظواهري في كثير من الأحيان إثارة المشاعر بين المسلمين من خلال التعليق على الإنترنت على قضايا حساسة مثل سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وكانت شائعات سرت عن وفاة الظواهري مرات عدة في السنوات القليلة الماضية، وتردد طويلاً أنه كان معتل الصحة، لكن حياة الطبيب المصري الذي تحول إلى أخطر رجل في العالم والذراع اليمنى لابن لادن وخليفته في قيادة تنظيم القاعدة قد انتهت بصاروخ أمريكي أطلق من مسيرة على منزل في العاصمة الأفغانية، أما عن تداعيات مقتله بالنسبة للقاعدة ولحركة طالبان وللرئيس الأمريكي فتلك قصة أخرى.