في اللحظة الأخيرة، أعلنت حكومة كوسوفو تأجيل قرار تغيير لوحات السيارات الصربية، فتم نزع فتيل القنبلة في اللحظة الأخيرة، فما قصة الصراع في البلقان؟ وما علاقته بروسيا؟ ومن ينقذ المسلمين هناك؟
كانت كوسوفو قد أعلنت استقلالها عن صربيا منذ عام 2013، ويشكل الألبان المسلمين غالبية سكانها مع وجود أقلية صربية في الأقاليم الشمالية يبلغ عددها نحو 50 ألفا. وتوجد في كوسوفو قوة حفظ سلام من حلف الناتو، وتدور مفاوضات بينها وبين صربيا، التي لا تعترف باستقلال كوسوفو، برعاية الاتحاد الأوروبي لحل الأمور العالقة.
ولا زالت الأقلية الصربية في كوسوفو تستخدم لوحات سيارات وأوراق ثبوتية صربية. وكانت الحكومة في كوسوفو قد اتخذت قرارا مفاده أنه اعتبارا من الأول من أغسطس/ آب، يتعين على المواطنين الصرب الذين يعيشون في الأقاليم الشمالية من كوسوفو تغيير لوحات سياراتهم الصربية واستبدالها بلوحات وأوراق ترخيص خاصة بكوسوفو. كما طالب القرار جميع مواطني صربيا الحصول على وثيقة إضافية على الحدود لمنحهم الإذن بالدخول.
لكن المواطنين الصرب أغلقوا طرقاً وأطلقوا النار تجاه رجال الشرطة، احتجاجاً على القرار، فقامت الشرطة في كوسوفو بإغلاق نقطتي عبور حدوديتين في شمال البلاد المضطرب.
كوسوفو تؤجل القرار للمرة الثانية
حكومة رئيس الوزراء ألبين كورتي كانت قد قالت إنها ستمنح الصرب فترة انتقالية مدتها 60 يوماً للحصول على لوحات معدنية صادرة عن كوسوفو، وهي المهلة التي انتهت منتصف ليلة 31 يوليو/تموز، لكن في أعقاب التوتر الذي ساد مساء الأحد والمشاورات مع سفراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قالت الحكومة إنها ستؤجل خطتها لمدة شهر على أن تبدأ في التنفيذ في الأول من سبتمبر/أيلول.
وهذه هي المرة الثانية التي تتخلى فيها الحكومة في كوسوفو عن نفس الخطة؛ إذ كانت قد اضطرت للتخلي عنها قبل عام لنفس الأسباب. وتطبق سلطات بلغراد نفس الأمر على سكان كوسوفو الذين يزورون صربيا.
وكانت الشرطة في كوسوفو قد قالت في وقت سابق إن أعيرة نارية أطلقت "باتجاه وحدات الشرطة، لكن لحسن الحظ لم يصب أحد"، بحسب رويترز. وقالت أيضاً إن المتظاهرين الغاضبين اعتدوا بالضرب على العديد من الألبان الذين كانوا يمرون على الطرق التي أغلقت وإن بعض السيارات تعرضت للهجوم.
ودوّت صافرات الإنذار الخاصة بالغارات الجوية لأكثر من ثلاث ساعات في بلدة ميتروفيتشا الشمالية الصغيرة التي يشكل الصرب أغلب سكانها.
وقبل عام، بعد أن قام الصرب المحليون بإغلاق نفس الطرق بسبب لوحات التراخيص، نشرت حكومة كوسوفو قوات شرطة خاصة، وأطلقت بلغراد طائرات مقاتلة بالقرب من الحدود.
إذ إنه بعد 14 عاماً من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا ما زال نحو 50 ألف صربي يعيشون في شمال البلاد يستخدمون اللوحات المعدنية والوثائق الصربية رافضين الاعتراف بالمؤسسات التابعة للعاصمة بريشتينا.
وتعتبر الأزمة الحالية هي الأحدث في الصراع الممتد منذ التوقيع على اتفاق دايتون للسلام في البلقان، والذي نتج عنه إعلان كوسوفو الاستقلال عن صربيا، لكن الصرب لم يعترفوا قط بذلك الاستقلال.
أصل الصراع في البلقان
تعود جذور الصراع في البلقان إلى الحرب الأهلية التي شهدتها المنطقة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، والتي شهدت تدخل حلف الناتو لوقف التطهير العرقي من جانب الصرب بحق المسلمين من الألبان والبوسنيين في البوسنة والهرسك، والتي كانت أبرزها وأكثرها دموية مذبحة سربرنيتشا.
وفيما يتعلق بكوسوفو، التي يمثل الألبان المسلمون أغلبية سكانها، فقد انفصلت عن صربيا عام 1999 وأعلنت الاستقلال عام 2008، لكن بلغراد ما زالت تعتبرها جزءاً من أراضيها، وتدعم الأقلية الصربية في كوسوفو. وفي 19 أبريل/نيسان 2013، وقّعت صربيا وكوسوفو "اتفاقية تطبيع العلاقات بين البلدين"، التي وصفها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي وقتها بـ"التاريخية".
وفي ظل وجود كثير من المسائل العالقة طوال تلك السنوات، فإن التوتر هو عنوان الموقف، وروسيا ليست بعيدة عن ذلك التوتر. فروسيا وصربيا حليفان تقليديان، ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، اكتسب التوتر في البلقان بعداً جديداً أكثر خطورة ويهدد باندلاع حرب أخرى في القارة الأوروبية.
وعلى أراضي كوسوفو، التي لم تعترف بها روسيا ولا صربيا، توجد قوة حفظ سلام من حلف الناتو، قوامها 3770 جندياً هدفها الحفاظ على السلام الهش في كوسوفو، وشوهد جنود حفظ السلام الإيطاليون في ميتروفيتشا وما حولها الأحد 31 يوليو/تموز، بحسب تقرير للأناضول.
وعلى الرغم من التزام صربيا منذ عام 2013 بإجراء حوار مع كوسوفو، برعاية الاتحاد الأوروبي، لمحاولة حل القضايا العالقة، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم يذكر. وفي هذا السياق، رحب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بقرار حكومة كوسوفو تأجيل خطتها إلى الأول من سبتمبر/أيلول.
وقال بوريل، في تغريدة على تويتر: "نتوقع إزالة جميع الحواجز على الطرق فوراً"، مضيفاً أنه يجب معالجة القضايا العالقة من خلال حوار يعمل الاتحاد الأوروبي على تيسيره والتركيز على التطبيع الشامل للعلاقات بين كوسوفو وصربيا.
من جانبه، أعلن الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، في وقت متأخر الأحد، أهمية مواصلة الحوار بين بلاده وكوسوفو وبدء حل المشاكل "سلمياً" بينهما إثر تصاعد التوترات الحدودية. وقال فوتشيتش إنه "من المهم جداً" مواصلة الحوار وبدء حل المشاكل سلمياً بين صربيا وكوسوفو، مضيفاً: "ناشدنا الممثلين الدوليين فعل كل ما في وسعهم من أجل وقف التوترات على حدود كوسوفو".
لكن رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، حمل فوتشيتش مسؤولية تصاعد التوتر ونشوب صراع محتمل بين الجيش الصربي وشرطة كوسوفو. وقال كورتي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن "إصدارنا لوثائق الخروج والدخول (للبلاد) عند المعابر الحدودية مع صربيا (بموجب قانون جديد) لم يبدأ بعد، لكن الكيانات الصربية غير الشرعية في الشمال بدأت بإقامة حواجز للطرق وإطلاق النار".
مشيراً إلى "التصريحات واجتماعات التخويف والتهديد في بلغراد (العاصمة الصربية)"، قال رئيس الوزراء الكوسوفي إن "هذه الأعمال العدوانية التي حدثت اليوم تم التخطيط لها والتحريض عليها".
وحمل كورتي الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ورئيس مكتب شؤون كوسوفو وميتوخيا، بيتر بيتكوفيتش، مسؤولية التوترات الحدودية.
وقال إن فوتشيتش هو "المجرم الرئيسي في أعمال الشغب" التي تحدث في البلاد، كما حذر من أن "ساعات الأيام والأسابيع القادمة قد تكون صعبة وإشكالية"، قائلاً: "نواجه شوفينية قومية صربية معروفة جيداً بالنسبة لنا".
هل تلعب روسيا دوراً في تفجير الموقف؟
يرى أغلب المتابعين للموقف في البلقان أن لروسيا دوراً رئيسياً في تأجيج الحلقة الحالية من التوتر، وهذا بالتحديد ما عبّرت عنه رئيسة كوسوفو، فيوزا عثماني، بقولها إن "هدف بوتين هو توسيع الصراع (في أوكرانيا) إلى مناطق أخرى من العالم. وبما أن هدفه الدائم هو زعزعة استقرار أوروبا، يمكننا أن نتوقع أن أحد أهدافه ربما يكون غرب البلقان"، بحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
وفي هذا السياق، ألقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا باللوم في التوتر المتزايد على ما وصفته "بالقواعد التمييزية التي لا أساس لها" التي تفرضها سلطات كوسوفو.
بينما قالت البعثة التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كوسوفو، في بيان: "الوضع الأمني العام في بلديات كوسوفو الشمالية متوتر".
أما الرئيس الصربي، حليف روسيا الرافض لعقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو بسبب الحرب الأوكرانية، فقد أكد أن صربيا ستعمل على تهدئة الوضع على حدود كوسوفو "مهما بلغت صعوبته، وستنتصر ولن تستسلم"، مضيفاً أنه "إذا ما تجرأوا على اضطهاد الصرب وأساءوا معاملتهم، فستنتصر صربيا!".
وتتشابه تصريحات فوتشيتش بصورة مقلقة مع مبررات بوتين للهجوم على أوكرانيا، على الرغم من الاختلاف الكبير بين الموقفين؛ إذ إن قرار السلطات في كوسوفو، الخاص بفرض تغيير مواطنين للوحات سياراتهم الصربية بأخرى كوسوفية، لا يعتبر اضطهاداً ولا تمييزاً بطبيعة الحال.
الخلاف البيروقراطي إذن ليس إلا انعكاساً للتوترات الأعمق، والذي ينعكس في الحرب الكلامية المتبادلة بين المسؤولين الصرب ونظرائهم في كوسوفو. كما أن الموقف في جمهورية البوسنة يضيف بُعداً آخر إلى ذلك التوتر؛ حيث يعتقد محللون أن زعيم صرب البوسنة، ميلوراد دوديك، يواصل مساعيه المحمومة للانفصال عن البوسنة وهو ما قد يؤدي إلى تفجير الموقف في منطقة البلقان، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
الخلاصة هنا هي أن الموقف في كوسوفو، المتوتر منذ إعلان الاستقلال قبل 9 سنوات، يبدو مرشحاً للانفجار في أي لحظة، ولا يمكن اعتباره منفصلاً عن الصراع بين روسيا وحلف الناتو، وإن كان قرار حكومة كوسوفو تأجيل قرارات لوحات السيارات والهويات للأقلية الصربية لمدة شهر قد يكون نافذة لمحاولة نزع فتيل الحرب، والسؤال هنا: هل يريد الصرب تفادي الحرب فعلاً؟